واحد يقبل قدميه والآخر يريد أن يدفن معه.. طفلان فلسطينيان يودعان شقيقهما الصغير
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
بين الأكياس البيضاء التي تضم جثامين القتلى، يقف الطفل سعيد خالد شحاتة بالقرب من رجل يحمل جثة شقيقه محمد الذي قتل بـ القصف الإسرائيلي ويبكي.
ويسترجع سعيد ذكريات اللحظات الأخيرة قبل القصف، ويقول: "نحن من حي الزيتون، ضربوا الشارع بالكامل، أنقذته من تحت الركام".
جاء ذلك ضمن فيديو عرضته فضائية “يورونيوز”.
ويضيف وعيناه غارقتان بالدموع: "انتشلت جثة شقيقي، إضافة لأمي وجدتي اللتين كانتا مصابتين.
الشارع مدمر بالكامل".
وما إن يضع الرجل جثة شقيقه على الأرض، حتى يقترب الطفل سعيد منها ويقول للناس المتجمعين حوله: "دعوني أودعه".
ويتسمّر سعيد أمام جثة أخيه ويقترب منه شقيقه الآخر، ويحاولان سرقة نظرات أخيرة قبل دفن محمد، قبل أن يطلب سعيد انتظار قدوم أمه لتوديع ابنها، فيقبّله قبلة الوداع ويقول له: "أخي العزيز، أين يمكنني الحصول على أخ آخر مثلك يا عزيزي؟ لن يكون لي أخ آخر مثلك".
ورغم ثني الموجودين لسعيد، إلا أنه بقى قرب جثة شقيقه يقبلها، قبل أن يقول بصوت مرتفع: "ادفنوني معه".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القصف الإسرائيلي يورونيوز
إقرأ أيضاً:
قصة الوادي الصغير 38
حمد الناصري
استأمن العجوزُ البستانَ للشابِ ابنِ الصحراءِ، وتمنّى له ابنتيه .. ورضيَ الشاب الصحراوي بما مكّنه به، وقبل برضاً وتعهّد بالمسؤولية ، كما سَعد بثقة العجوز وتحمل أمانتها بصدق وأقسم في نفسه بأن يُوفي بالوعْد ويصدق ، وشعر بطُمأنينة غير عادية تجري في أوصاله ، وثبتَ عليها من بَعد خوف قد مَسّه في الصحراء الخاوية ، وأحسّ بيُسْر وراحة بال ، وحِماية كونية مُبَشّرة بمستقبل آتٍ في رمال شَيبة.
كان الشاب ابن الصحراء يقضي مُعظم وقته في البُستان ويعمل فيه بجهد ونشاط دؤوب، ممّا يجعله مثابةً وأمانًا، والتزم بدقّة تفاصيل الزرع والحصاد ، ولكنه كان يقلق كثيراً إلى درجة أنّه تنتابه رهبة وخوف من التقصير ، خشية أنْ يخلّ بما ائْتَمَن عليه، أو يَنقص شيئاً في تفاصيل العهد، ويعتبرهُ العجوز الذي وضع فيه ثقته كمن أخلف بالوعد ولم يصدق فيه.
وفي إحدى المساءات قالت البنت الصغرى لأبيها: يا أبتي ، إني أرى ما لا ترون، فاسمح لي أن أبدي رأيي فيه .. في ذلك الشاب فالتعريف بـ ابن الصحراء لا يليق بالشاب ، فنحن جميعاً من أهل الصحراء والرمال والوديان .. فهل كل مِنّا يمكن أن يُطلق عليه اسماً ويكون لصيقاً به وما أكثرنا ، وأرى بأنّ التعريف بالشخص يكون على شيء يُميّزه على غير الأنماط التقليدية في الرمال ، فإن قلنا وصفًا وسميناه بالشاب الصحراوي، فكم من شاب صحراوي مثله؟ أو إذا أطلقنا عليه لقب ابن الرمال أو ابن الصحراء والكثبان، فكم هم أبناء الكثبان والرمال والوديان؟ أراها غير منطقية ولا توحي برشادة التمييز به.
قال العجوز الرؤوم بسرور:
ـ طيّب، ماذا تقترح الصغرى " قوام " هاتِ ما عندك، ونرى ما إذا كان المقترح فيه، قوامة وأفكار عادلة ورصانة مشهودة ، فنحن على رمال شَيبة." ابتسم واستبشر فرحاً ".
ـ قوام الصغرى ، بنت اللطافة والسرور ، وحَسَبُها شامخ بأصالة أبيها؛ ومَعانيها دليلها ، وأدبها رفْعتها وعِزّتها هو أن يُنظر إليها.
ـ هات، لنسمع قولها ، ونقرأ رؤيتها ، لعلّ أفكارها أكثر صواباً فنتبعها .
ـ ما اراهُ يا أبتي .. هو أنّ ما ذكرته آنفاً في معرض حديثي .. أنّ التعريف بالشاب يجب أن يعود لما يُميّزهُ عن غيره؟ وكون الشاب الصحراوي سار في الرمال وعلا الكثبان وخبر الوديان لا يعني أنّه يميل إلى كل ما ذكرناهُ وأنّ موقفه ذاك حين رأته " ثبات" لا يعني أنّه خالٍ من العيوب ، وليس هو مصدر المثالية ، فالصّفات الجيّدة فيه الظاهرة منها والباطنة هي التي يجب أن تُعرف به ونميل إليها لكونه خاصية من خواصّه.. قِيَم ، مبادي ، إلتزام ..كذلك التي تميّزه في جسده كعلامّة ودليل يُعرّف به ، ويسهل وصول المعرفة المباشرة به .. فمثلا نقول الشاب الحِنطي ، تفهم منها كدليل قاطع أنه هو المقصود.. فمثلاً أطلق الشاب الحنطي ، اسم "رمال شَيبة" دلالة على أن الرمال هذه كان يسكنها رجل شيبة.
هزّ العجوز رأسه وأردف :
ـ صدقت .. ولم يزد حرفاً.
فضاء الرمال الواسع فيه هدوء وسكينة ، وملامح من زمن مضى في طياتها ، وحكايات صامتة لم تُكتب ، تبدو هادئة ، تنطوي على جمال مكنون ، رغم التحوّلات التي انطوتْ عليها ، فلا زالت تحمل في داخلها قوة سُكون كعمق السماء.
قال رجل من جماعة "عِويق " حنطي البشرة مائل للسواد، وقد نصبَ عينيه ولفّها في حركة سريعة، فهم "عويق" من إشارته بأنْ يترك له المجال للحديث".
ـ لكن الحكاية لم تكتمل، دعوني أخبركم عن حكاية لا تلامس الواقع، وتشعر أنّها مكذوبة، والمَتْن به الكثير من الاضطراب وتكرار مُملّ حدّ الشُبهة في السرد.. مأساة مجدولة حكاية مكذوبة، حكاية لا هيبة فيها ولا تطرح موضوعاً أو مَتْناً عقلانياً، كأنّها منزوعة الاعتدال، فقط حُكيت لتغرس في النفوس اسْتلاب شرعية الزواج من امرأة طاعنة في السنّ عُرفت بـ مجدولة العاقر.. ثم مجدولة البيضاء ابنة رملة مجدولة. ثم مجدولة الرملة، وكل تلك المُسَمّيات نُسبت لـ مجدولة البيضاء النقية التي خلّفت ولداً رضيعاً لم يعرف عنه أبوه شيئاً إلى حين رآها في شاطي رملة مجدولة، تضم إلى صدرها طفلاً رضيعاً. نصوص ومُتون غير موفّقة لا نعلم صحّتها في القول والفِعل، وأكثر الظنّ أنّها مُتون غير مفهومة، فمجدولة التي عُرفت البيضاء هي من رملة نجود وقد تعرّضت للتزوير والتشويه، وحُولت حكايتها إلى مجدولة العاقر، والعاقر ليست أساساً من رملة مجدولة إنّما هي من رملة نجود. فمن هي إذاً مجدولة العجوز الطاعنة في السنّ، العاقر صاحبة البستان؟ ومن هي مجدولة البيضاء التي جاءت بعدها، فالواضح أنّ مجدولة البيضاء ليست بأكبر من مجدولة العاقر الطاعنة في السن. والأمر الآخر الذي يشدّني أكثر.. من هي المرأة البيضاء التي تعود جذورها إلى رملة نجود؟.
هل هي مجدولة العاقر أو مجدولة البيضاء أو مجدولة الرملة السوداء؟، وكما يبدو أنّ هناك مجدولة رابعة ، غير التي عُنيت في النصّ الفاخر بالأكاذيب والتزوير، فـ مجدولة العاقر ، هي ليست مجدولة البيضاء التي عُنيت في النصّ وبما أنّ بدعان مؤرّخ رملة نجود من أخوال ديفيد يوسيف قد أخفى حقيقة مجدولة الحقيقية ، وأنا اعتقد بأنّ مجدولة البيضاء المعنية هنا هي "زينات" الفاتنة وهي ابنة بعريفين من أولاد هادِن ، فهي التي اشتهرت بجمالها الفاتن .
ومن هنا بدأت الحكاية الفلتة ، فنسب الرضيع على اسمه ، وظهر ديفيد بن يوسيف من أمّ معروفة غير مجهولة وأب معروف غير مجهول، وصار يوسيف أباً حقيقياً اختصّته المرأة العاقر بمولود ليس بوسعه نفي شرعيّته، فمجدولة العاقر تملك بُستاناً كان يوسيف عاملاً فيه. والسؤال المدهش: هل يعلم يوسيف من هو أبو اللقيط، إذا صح القول؟ فيوسيف له ابن يعرف بـ ديفيد يوسيف من أم طاعنة في السنّ قيل أنّها عاقر.
وما يُدهشني أكثر ، في كتاب القُداسة لـ مؤسّس قوم "يهوه" التوأم بروح قدسية ، قال فيه ، وقد أصبح " يوسيف رمزاً للخير" فابنه " يهوه " رأى من الخير في السماء ونظر إلى أبيه في الأرض ، وجاء ليبشّره بأنّه ابن له من روح قدسية في السماء العالية، وأمرهُ بالزواج من المرأة الطاعنة في السنّ لتلد له روحاً من قدسية عالية، ويُشارك بقُداسته الاستيلاء على البستان، والإتيان بما يُخالف مقام قداسته ، ثم يكون اللقيط قدّيساً في حضن العجوز ، أليست تلك الآيات والحروف زادتهم استكباراً ، وخصّتهم بنسب غير حقيقي؟، أليس ذلك مكرٌ سيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله؟، فالمؤرّخ النابغة استحسن أن يَحرم أهل مجدولة العجوز العاقر من ميراث البُستان، فجاء بـ ديفيد في نقاء لا وجود له ، إلا في حقّ ميراث العاقر للأسباب التي تعلمونها.
قام رجل عُرف بالحماقة والجنون وتململ في قعدته ثم تحسّس صدره وقال كلاماً جميلاً وكأنّه لأوّل مرّة يَسمعونه، منذ زمن بعيد:
ـ كنت يوماً لصيقًا بما ظفرت به ، وتركت كل شيء ولن أحدّثكم عنه ، فأنا بشرٌ وقولي الحق، ومن أوشك أن يخذلني ولم يكشف أمرهُ وخادعني ، خادعته حتى يتفق معي .. إني تارك لكم ما لا تعقلوه.. حُوزوا مكانكم والتفّوا على بعضكم ، وقفوا على الحق واعدلوا وتبصّروا، فأنّي قد لا ألقاكم ، فألقي عليكم ما تسمعون.
أخذ ذلك الرجل الذي عُرف بالحمق والجنون يُحدّث الناس بطريقة مختلفة؛ مُتسارعة وأومأ إلى جمع يتحلّق حوله، فرحين ومسرورين بحديثه البليغ ، حديث مسكون بالهوس والحماقة والجنون، حديث يُزلزل النفس المُنحرفة ويُرجعها إلى رُشدها.
فجأة اندسّت رأسه في التراب واختنقت بالرمال، سُكون يتبَخّر وموجة هوس تهزّ الجسد ثم تيبّس جسده واصْطلب كعظم.. وتساءلوا بينهم .. فلحظة السُقوط عصيبة دسّ الرأس في التراب أذهلت المُجتمعين ، وشُدّت الأعين نحو ذلك الجسد المُتصلّب، والوجوه كلحت في لحظة اندهاش واستغراب .. وفي أنفسهم خوف وقلق .. ما الذي يحدث؟! ما الذي يجري؟! كيف سقط ولماذا؟!.
شعر المُجتمعين كأنّما ظُلمة تغشى المكان، وسرت بلبلة أصوات وهمس بين المُجتمعين .. أيسقط من غير عِلَة ولا مرض؟. كانت لحظة مُؤثرة، ومُؤلمة، ومُفزعة لكلّ المحيطين بالجسد المُسجى، لحظة انتقال الروح إلى عالم مُطلق ، انفصال لا يُرى بوضوح لكن مرحلة حبس الجسد وانفصال الروح ، تُشعرك بأن سرائر تُؤخذ وضمائر تُكشف.
يتبع 40