الإحصاء: 4.86% نسبة الأفراد ذوي الإعاقة من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
أكد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، قيامه بتنفيذ المسح القومي للأشخاص ذوي الإعاقة في الفترة من 1/1/2022 إلى 30/4/2022، وبلغت حجم العينة حوالي 112 ألف أسرة معيشية موزعة على جميع المحافظات حيث بلغت نسبة الأفراد ذوي الإعاقة من الصعوبة البسيطة إلى المطلقة11% لإجمالي الجمهورية عام 2022 ، مشيرا إلى ارتفاع نسبة الأفراد ذوي الإعاقة في الحضر عن الريف، لتبلغ 12.
وترتفع النسبة قليلا بين الإناث عن الذكور لتصل إلى 11.4% للإناث مقابل 10.6% للذكور عام 2022. وبلغت نسبة الأفراد ذوي الإعاقة من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة 4.86% لإجمالي الجمهورية من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة عام 2022.
وأشار الجهاز فى بيان صحفى بمناسبة اليوم العالمى لذوى الإعاقة الذى يوافق 3 ديسمبر من كل عام ارتفاع نسبة الأفراد ذوي الإعاقة في الحضر عن الريف، لتبلغ 5.1% للحضر مقابل 4.7% للريف عام 2022. وترتفع النسبة قليلا بين الإناث عن الذكور لتصل إلى 4.90% للإناث مقابل 4.82% للذكور عام 2022.
وطبقا لنوع الإعاقة اشار الجهاز الى أن أكبر نسبة لذوي الإعاقة (من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة) كانت للأفراد الذين يعانون من الصعوبة الحركية السفلية بنسبة 2.65%، تليها الصعوبة البصرية 1.36%، ثم صعوبة العناية بالنفس 1.13%، والصعوبة الحركية العلوية 0.78%، وأقل نسبة كانت لصعوبة الاضطرابات النفسية 0.20% وصعوبة التعلم 0.08%.
وتستحوذ محافظة الشرقية على أعلى نسبة للأفراد ذوي الاعاقة بنسبة بلغت 7.5% من إجمالي ذوي الاعاقة، يليها محافظة دمياط بنسبة بلغت 7.0%، ثم الدقهلية 6.2% ثم الاسكندرية 5.5%، ثم محافظة بني سويف بنسبة 5.3%، كما كانت أقلها في محافظات اسيوط 2.9%، مطروح 2.6%، البحر الاحمر 2.1% وجنوب سيناء 1.8%.
وطبقا للفئات العمرية فإن أعلى نسبة للأفراد ذوي الاعاقة تتواجد في أكبر فئة عمرية (75 سنة فأكثر) حيث بلغت النسبة 14.0%، وقد يرجع ذلك الارتفاع بين الأفراد في هذه الفئة العمرية إلى الإصابة بأمراض الشيخوخة وتمثل أقل نسبة للأفراد ذوي الاعاقة تتواجد بأصغر فئة عمرية الأقل من 5 سنوات حيث بلغت 1.5%.
وطبقا للحالة التعليمية (10 سنوات فأكثر فإن هناك حوالي 49.9% من الأفراد ذوي الإعاقة أميين، أما بالنسبة للأفراد الذين يقرأون ويكتبون فيشكلون ما نسبته 10.3%، أما الذين اتموا مرحلة التعليم الثانوي فيشكلون 17.1%، كما بلغت نسبة الأفراد ذوي الإعاقة الحاصلين على شهادة جامعية فأعلى 5.2%، وقد سجل الأفراد الحاصلون على مؤهل فوق المتوسط وأقل من الجامعي 1.7% مقارنة بباقي الأفراد الحاصلون على مؤهلات تعليمية.
وطبقا للحالة العملية (15- 64 سنة) فإن النسبة الأكبر للأفراد ذوي الإعاقة من الدرجة الكبيرة إلى المطلقة كانت بين الأفراد الذين لا يعملون بنسبة 72.4%، بينما بلغت النسبة بين الأفراد الذين يعملون 27.6%.
وتحتل الإناث النسبة الأكبر بين الأفراد الذين لا يعملون لتبلغ 90.4% للإناث مقابل 57.5% للذكور.
ولفت الجهاز الى أنة طبقا لأسباب الإعاقة
فإن الإعاقة البصرية تعتبر الأسباب المرضية السبب الرئيسي في الإعاقة البصرية بنسبة 67.6%، ثم التقدم في السن بنسبة 28.5%، ثم 13.5% نتيجة حادثة سواء كانت نتيجة عمل أو مصابي ثورة أو مصاب أثناء تأدية الخدمة العسكرية.
تأتي الإعاقة السمعيةثانى الأسباب المرضية في المرتبة الأولى كأحد الأسباب للإعاقة السمعية لتقترب من النصف بنسبة 45.8٪، ثم التقدم في السن في المرتبة الثانية بنسبة 28.8٪، ويأتي العيب الخلقي في المرتبة الثالثة بنسبة 28.6٪.
كما تأتى الإعاقة الحركية – الجزء السفلي بنسبة 75.4٪ من ذوي الاعاقة الحركية للجزء السفلى من الجسم لديهم إعاقة نتيجة مرض، ثم 39.2٪ بسبب التقدم في السن في المرتبة الثانية، ونحو 14.6٪ من الأفراد كان سبب الإعاقة لديهم نتيجة حادثة (عمل، مصابي ثورة، مصاب أثناء تأدية الخدمة العسكرية).
كما تمثل الإعاقة الحركية – الجزء العلوي 59.6٪ من ذوي الاعاقة الحركية للجزء العلوي من الجسم لديهم إعاقة نتيجة مرض، ونحو 21.6٪ من الأفراد كانت نتيجة حادثة (عمل، مصابي ثورة، مصاب أثناء تأدية الخدمة العسكرية)، ويأتي التقدم في السن في المرتبة الثالثة بنسبة 19.1٪.
وتاتى إعاقة العناية بالنفس (5 سنوات فأكثر) ويعد المرض السبب الرئيسي في الإصابة بإعاقة العناية بالنفس بنسبة 61.1%، يليه التقدم في السن بنسبة 34.1%، ثم في المرتبة الثالثة العيب الخلقي بنسبة 17.3%.
وطبقالإعاقة التواصل من سن (3 سنوات فأكثر يعتبر العيب الخلقي السبب الرئيسي في إعاقة التواصل بنسبة 46.8%، وتأتي الأسباب المرضية في المرتبة الثانية بنسبة 41.7%، واعتبرت الأسباب الوراثية أحد الأسباب في الإصابة بإعاقة التواصل بنسبة 12.8%.
أما إعاقة بطء التعلم (5 سنوات فأكثر) تمثل 47.4% من الأفراد ذوي الإعاقة ببطء التعلم لديهم إعاقة نتيجة المرض، ويأتي العيب الخلقي في المرتبة الثانية بنسبة 28.0%، ثم 14.8% كان سبب الإعاقة لديهم بسبب التهاب بالجهاز العصبي.
أما إعاقة التذكر والتركيز (5 سنوات فأكثر) يعتبر المرض السبب الرئيسي في إعاقة التذكر والتركيز بنسبة 48.7%، ثم العيب الخلقي بنسبة 38.8%، وتأتي الاضطرابات النفسية في المرتبة الثالثة بنسبة 13.5%.
وتمثل إعاقة الإدراك 46.2% من الأفراد ذوي إعاقة الإدراك كانت لدبهم إعاقة نتيجة المرض، يليهم 44.7% بسبب العيب الخلقي، ثم 13.0% بسبب الاضطرابات النفسية.
اشار الجهاز الى إعاقة الاضطرابات النفسية (5 سنوات فأكثر) وتمثل 41.0% من الأفراد ذوي الإعاقة النفسية كانت لدبهم إعاقة بسبب التعرض لصدمات قوية، وتأتي الأسباب الاجتماعية في المرتبة الثانية بنسبة 22.5%، ثم العيوب الخلقية بنسبة 21.3%.
كما اشار الجهاز الى الخدمات المقدمة للأفراد ذوي الإعاقة من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة
من الخدمات الصحية نسبة 76.8% من إجمالي الأفراد ذوي الإعاقة من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة يحصلون على خدمات صحية مناسبة ومتابعة دورية كافية للحفاظ على صحتهم. وان 77.7% من إجمالي الأفراد ذوي الإعاقة من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة يحصلوا على الخدمات الصحية من العيادات الخاصة، تليها الصيدلية بنسبة 46.4%. كما أن 18.6% من الأفراد ذوي الإعاقة من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة يحصلون على خدمات صحية مناسبة من نظام التأمين الصحي، نظراً لما تقوم به الدولة حالياً من جهود لتوفير كافة الخدمات الصحية بمنظومة التامين الصحي وخاصةً لذوي الصعوبات.
أشار إلى 91.6% من إجمالي الأفراد ذوي الإعاقة من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة أنهم يحصلون على علاج دوائي، ونحو 74.9% حصلوا على متابعة طبية دورية، كما أفاد ما يقارب 21.0% حصلوا على أداوت مساعدة، ونحو 3.6% حصلوا على أجهزة تعويضية.
أما خدمات الرعاية الاجتماعية فإن 10.5% من الافراد الذين لديهم صعوبات من الصعوبة الكبيرة الى المطلقة يحصلون على الخدمات النقدية المقدمة من برنامج كرامة، في حين 7.4% من الأفراد ذوي الإعاقة تلقوا مساعدات مالية.وان نسبة 43.1% من الأفراد ذوي الإعاقة الكبيرة إلى المطلقة حصلوا على متابعة صحية، ونحو 43.5% منهم حصلوا على أدوية.
كما أن 53.9% من الأفراد ذوي الإعاقة الكبيرة إلى المطلقة لديهم ما يثبت الإعاقة. ونسبة 14.7% من الأفراد ذوي من الصعوبة الكبيرة إلى المطلقة حصلوا على بطاقة الخدمات المتكاملة.ونسبة 7.7% من الأفراد الذين لديهم صعوبات من الصعوبة الكبيرة الى المطلقة حصلوا على علاج طبيعي.ونحو 6.0% من الأفراد الذين لديهم صعوبات من الصعوبة الكبيرة الى المطلقة حصلوا على علاج على نفقة الدولة.
أما بخصوص العمل والتدريب والتأهيل
اشار الجهاز الى الأفراد المشتغلين من ذوي الإعاقة 84.0% نسبة الأفراد ذوي الإعاقة من الكبيرة إلى المطلقة الذين لا يعملون ولا يرغبون في العمل، يليها الأفراد العاملون داخل المنشآت بنسبة 11.4%، في حين بلغت نسبة المتعطلين 4.6%.
وافاد 72.9% من الأفراد المتعطلين وذوي الإعاقة من الكبيرة إلى المطلقة إلى عدم وجود فرصة عمل مناسبة لهم.كما أشار 61.7% من الأفراد المتعطلين وذوي الإعاقة إلى سبب صعوبة العمل مع الإعاقة.
وأشارالى أن 35.2% من الأفراد ذوي الإعاقة من الكبيرة إلى المطلقة أنهم يعملون ولكن لا يتم تكليفهم بالعمل. وان 15.8% من الأفراد ذوي الإعاقة من الكبيرة إلى المطلقة لا يرغبون بالعمل بسبب أنه لا تتوافر مواصلات مناسبة لاستخدامهم.وان 41.8% من الأفراد المتعطلين ذوي الإعاقة من الكبيرة إلى المطلقة يرغبون بالعمل في المجال الإداري، واشار 23.5% من الأفراد ذوي الإعاقة انهم يرغبون بالعمل في المجال الحرفي أو المهني، ونحو 9.2% من الأفراد ذوي الإعاقة يرغبون بالعمل التجاري.
وأشار إلى 35.2% من الأفراد ذوي الإعاقة من الكبيرة إلى المطلقة أنهم يعملون ولكن لا يتم تكليفهم بالعمل،وان 15.8% من الأفراد ذوي الإعاقة من الكبيرة إلى المطلقة لا يرغبون بالعمل بسبب أنه لا تتوافر مواصلات مناسبة لاستخدامهم. وان 41.8% من الأفراد المتعطلين ذوي الإعاقة من الكبيرة إلى المطلقة يرغبون بالعمل في المجال الإداري، واشار 23.5% من الأفراد ذوي الإعاقة انهم يرغبون بالعمل في المجال الحرفي أو المهني، ونحو 9.2% من الأفراد ذوي الإعاقة يرغبون بالعمل التجاري
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ذوى الإعاقة مصر احصاءات الإعاقة ذوي الهمم الجهاز المركزي للاحصاء
إقرأ أيضاً:
مأساة الكلمات الكبيرة: وحدة، حرية، اشتراكية!
من وحي الكلمات الثلاث (وحدة، حرية، اشتراكية) ومقولة «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» صعد الخطاب البعثي تدريجيًا أواخر أربعينيات القرن الماضي، بعد عام تقريبًا من الاستقلال الرسمي لسوريا عن الانتداب الفرنسي عام 1946. كانت النواة الفكرية الأولى لحزب البعث قد بدأت مع طالبين سوريين التقيا في جامعة السوربون الفرنسية، وهما ميشيل عفلق، المسيحي الأرثوذكسي، ورفيقه صلاح الدين البيطار، المسلم السني، قبل أن ينضم لهما شاب آخر من أصول علوية هو زكي الأرسوزي، العائد هو الآخر من دراسة الفلسفة في الجامعة الفرنسية نفسها. وبعد فترة قصيرة، عام 1954، سيندمج حزب البعث العربي مع الحزب العربي الاشتراكي بزعامة أكرم الحوراني، الاندماج الذي أفضى إلى الصيغة اللغوية النهائية التي سيواصل بها البعث تبشيره الأيديولوجي باسم «حزب البعث العربي الاشتراكي».
بلوّر منظرو الحزب لغةً جديدةً كانت مزيجًا من القومية والاشتراكية والوحدة العربية ومعاداة الاستعمار، رغم أن الكثير من ذلك «التنظير» سيبدو بعد الفحص المتأني أقرب إلى لغة الأدب والشعارات التعبوية من الكلام في الفلسفة والسياسة والتاريخ. تلفتني مثلًا سطور بعينها من كتابه «في سبيل البعث» والذي عبَّر فيه ميشيل عفلق عن خلاصة أفكاره على مدى أربعة عقود حول ماهية القومية والاشتراكية العربية المنشودة إلى جانب آرائه في قضايا أخرى كالموقف من التراث والدين ومعنى الأمة. وضع عفلق أول نصوص مؤلَّفه خلال سنوات الغليان الحزبي منتصف الثلاثينيات واستمر بتأليف فصوله إلى نهاية حياته، حتى طُبع الكتاب في خمسة أجزاء بعد وفاته عام 1989، ليكون أهم وثيقة مرجعية لتتبع أصول حزب البعث وأدبياته. هذه السطور التي أتناولها -على سبيل المثال لا أكثر- تمهد للتصور البعثي عن مفهوم القومية، وفيها يحاول الأستاذ الإجابة عن تساؤل طلابه المستمر حول تعريف القومية التي ينادي بها، فيقول: «هي حب قبل كل شيء. هي العاطفة نفسها التي تربط الفرد بأهل بيته، لأن الوطن بيت كبير والأمة أسرة واسعة. والقومية ككل حب، تُفعم القلب فرحًا وتشيع الأمل في جوانب النفس، ويود من يشعر بها لو أن الناس يشاركونه في الغبطة التي تسمو فوق أنانيته الضيقة وتقربه من أفق الخير والكمال، وهي لذلك غريبة عن إرادة الشر وأبعد ما تكون عن البغضاء. إذ أن الذي يشعر بقدسيتها ينقاد في الوقت نفسه إلى تقديسها عند سائر الشعوب فتكون هكذا خير طريق إلى الإنسانية الصحيحة». (الجزء الخامس، ص 133: القومية حب قبل كل شيء).
الإنشائية الفاقعة في هذا النموذج، والرومانسية المفرطة في وصف القومية بأنها «حب قبل كل شيء»، كلها قرائن لا تفتأ تذكرنا بأن «فيلسوف» البعث كان قد بدأ علاقته مع الكتابة بمحاولات شعرية متعثرة تتوسل كتابة قصائد رومنطيقية، كما يشير إلى ذلك حازم صاغية في كتابه «البعث السوري.. تاريخ موجز» مستشهدًا بمقولة تنسب لزكي الأرسوزي عن رفيقه، عفلق، الذي لم تكن العلاقة معه وديةً في معظم الأحيان: «خسره الأدب فيما ابتُليت به السياسة».
كلمة «البعث» نفسها تنم عن فكر مسكون بالنظريات القيامية الحالمة، ولكن في سياق تبشيري على منوال كلمات مثل «الإحياء» و«النهضة» التي استنفدت معانيها النخب السياسية في مرحلة ما قبل الاستقلال خلال القرن التاسع عشر. ثمة هوس واضح بالكلمات الكبيرة عند البعثيين عمومًا، وتعميم هذه الملاحظة على سائر البعثيين لا يشوبه ظلم في نظري، بل يبدو منصفًا إلى حد بعيد. غير أن الممارسة السياسية، عبر السلطة ومن أجلها وخلالها، سرعان ما حولت هذه اللغة الجديدة إلى ألفاظ جوفاء. الكلمات الكبيرة تفسّخت على ألسنة خطباء البعث حتى صارت شعارات للتعبئة ومطايا للضبّاط الواثبين إلى السلطة في بغداد والشام.
في فبراير من عام 1958 نجح بعض الضباط البعثيين المتحمسين في الدفع بمشروع الوحدة مع مصر الناصرية. وكانت «الوحدة» هي الكلمة السحرية التي اعتبرها البعثيون مقدمةً لتوابعها: الحرية ثم الاشتراكية وصولًا إلى الحُلم .. وهو «البعث» وفقًا لعفلق ورفاقه. لكن الخلاف كان حول صيغة الوحدة مع مصر؛ أرادها بعض العقلانيين أو المترددين اتحادًا، بينما أصر الآخرون على وحدة فورية اندماجية رغم اقتراح المصريين تأجيلها لخمس سنوات. يُذكر أن المقدم البعثي أمين الحافظ وقف يومها أمام جمال عبدالناصر وخاطبه قائلًا: «بيننا وبينكم حائط يجب أن نهدمه الساعة. لماذا الاتحاد؟! لتكن وحدة». وكما هو معلوم، لم يدم حلم الوحدة البعثي الناصري طويلًا، إذ سرعان ما أطيح به في دمشق بانقلاب عسكري في 28 سبتمبر 1961. ولم يبق للمصريين منه سوى اسم «الجمهورية العربية المتحدة» الذي نُعي به جمال عبدالناصر يوم رحيله، قبل أن يعلن السادات لاحقًا عن تغيير الاسم عام 1971.
مأساة الكلمات الكبيرة، وربما نفاقها، تتجلى أكثر في العلاقة التي توترت حد العداء بين نسختي البعث، العراقية والسورية. نفس الأيديولوجيا، والمعجم اللغوي نفسه تقريبًا، والشعارات والأناشيد الحزبية هي ذاتها التي هتف بها التلاميذ الصغار في المدارس السورية والعراقية على مدى عقود، لكن الصراع بين النظام الأسدي في سوريا والنظام الصدَّامي في العراق بدد أي معنى لكلمة الوحدة، وكانت الفضيحة الكبرى في سجل هذه الأيديولوجيا؛ فقد بلغ الصراع أوجه مع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، حينما حالف حافظ الأسد الخميني، عدو صدَّام اللدود، وانقشع الضباب عن زيف الكلام.
للشعارات التي تُقال على المنابر استحقاقاتها الصارمة التي لا بدَّ أن تحين يومًا ما، وللقول كلفته على القائل، والتاريخ هو المختبر الحقيقي لجدارة النظريات والنصوص المزخرفة. عبرتنا من الأنظمة العربية الشمولية التي شهدنا انهيارها المتتابع في تاريخنا السياسي المعاصر، والتي تكشَّفت عن نماذج ممسوخة للفاشيات الأوروبية في القرن العشرين، شكلًا ومضمونًا، أنها اتسمت كلها، دون استثناء، بالمبالغة في الخطاب والفوقية والتشدق بأعدل القضايا، دون أن تتعلم من مصائر بعضها البعض؛ فلم تتورع عن إغواء المبالغات اللغوية ومغبتها، ولم تتقن التواضع في التعامل مع اللغة. فأولئك الرجال الطامحون الذين خرجوا من ثكنات الضباط إلى منابر السياسة، والذين ظلوا يتعثرون في النحو والصرف على الملأ من غير أن يجرؤ أحد على تصحيح لغتهم، لم يتقنوا إلا النفخ في تلك الكلمات الكبيرة حتى استنزفوا معانيها.. ننسى أحيانًا أن «فلسطين» كانت من بين تلك الكلمات التي استهلكوها! لقد قتلهم فقرهم للبلاغة التي تنتج عن مقاربة «معقولة» بين الواقع والخيال، فاستعاضوا عن البلاغة بالمبالغة.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني