ما احتمالات نجاح "خريطة" الرياض للسلام في اليمن؟
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
يبدو أن الرياض متفائلة بنجاح مساعيها باتجاه طي صفحة الحرب في اليمن، متجاوزة بذلك كثيرًا من تعقيدات المشهد المحلي ومطالب أطرافه، في الوقت الذي ما زال فيه الاتفاق المزمع توقيعه خلال كانون الأول/ديسمبر محاطًا بكثير من الغموض مقارنة بمفاعيل الواقع؛ وهو الغموض الذي يسحب كثيرًا من قوة هذا التفاؤل؛ وخاصة عند الوقوف أمام البنود التي شكلت نقاط خلاف بين الحوثيين والرياض تحديدًا، وخاصة ذات العلاقة بإعادة الإعمار وموقع الرياض كوسيط.
وقبل هذا يطالب الحوثيون الرياض ببدء التنفيذ فيما الرياض تسلم مسودة الاتفاق للمبعوث الأممي لترتيب البرنامج الزمني وتهيئة الأطراف للتوقيع عليه، ما يوحي أن ثمة فجوة كبيرة في كواليس هذا الاتفاق؛ وهي الفجوة التي ستتضح إحداثياتها عندما يخرج المبعوث الأممي بالآلية التنفيذية إلى الضوء، ويتحاور بشأنها مع الأطراف.
بعيدًا عما تتضمنه مسودة الاتفاق، التي وصلت إليها الرياض في تفاهماتها مع الطرفين الرئيسيين، يؤكد الواقع اليمني أن إمكانات تحقيق السلام ما زالت غير متاحة في المدى القريب؛ وهو ما ذهب إليه تقرير فريق الخبراء في لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن؛ والذي تناول ما يمور به الواقع اليمني من تباينات متطرفة، وممارسات تؤكد أن الطريق إلى السلام ما زال ملغومًا.
قد يكون من الأفضل الوقوف أولاً على إمكانية وصول الحوثيين مع السعوديين إلى تفاهمات عن مختلف نقاط الخلاف، بما فيها موقع الرياض في هذه التفاهمات، في ظل ما كان يبديه الحوثيون من رفض لها كوسيط، باعتبارها- كما يقولون- طرفًا قاد حربا ترتب عنها خسائر كبيرة في قدرات البنى التحتية في اليمن؛ وبالتالي فهي ملزمة بتحمل تكاليف إعادة الإعمار. فهل تجاوز الحوثيون هذا المطلب؟ وقبل ذلك نسأل ما مدى التفاؤل بإمكانية تحقيق السلام في راهن اليمن بناء على مسودة الاتفاق الذي خلصت إليه الرياض؟
محادثات
يقول مستشار وزارة الثقافة، الأمين العام المساعد للمجمع العلمي اللغوي اليمني الكاتب محمد عبدالسلام منصور لـ«القدس العربي»: يبدو التفاؤل بإمكانية تحقيق السلام في اليمن متاحًا؛ فمنذ بدء الحرب، ومنذ دخل «أنصار الله» (الحوثيون) صنعاء، وهذا التفاؤل جعلني أحث ضمن عملي في أكثر من لجنة، مختلف القوى السياسية من أجل السلام، وكانت اللجنة الشعبية، التي نشأت عام 2011م تذهب في هذا الاتجاه للتوفيق بين القوى السياسية في اليمن، ومن ثم مجموعة نداء السلام، التي دعت حاليًا جميع الأحزاب اليمنية، سواء التي في سلطة الأمر الواقع أو فيما تسمى الحكومة الشرعية لتجاوز مأزق التباين والوصول إلى طريق سواء، يطوي فيه اليمن صفحة الحرب ويذهب إلى السلام؛ وهو ليس مستحيلًا، لكنه في الوقت الراهن يمكن تحقيقه، لكنه سيكون أشبه باستراحة محارب لا أكثر؛ لأن السلام يحققه أبناؤه بدرجة أساسية.
وفيما يتعلق بما ذهب إليه تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي يقول عبد السلام: قرأت هذا التقرير، وهو يستبعد تحقيق السلام في اليمن في المدى القريب؛ لأن وجهات نظر القوى المتصارعة ما زالت متطرفة كما يراه البعض؛ فـ»أنصار الله» يقولون إنه لابد أن يكون هناك جبر ضرر وتعويض وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، بينما تتحدث الحكومة الشرعية عن تسليم السلاح؛ وهذا ممكن يكون في النهاية، لكن هذا لا يعني أنه من الصعب الوصول إلى حل؛ فالحل متاح لكن متى؟ هو متاح متى ما اتفقت القوى المتصارعة، وغلبت مصلحة الوطن الذي يجمعها.
وفيما يتعلق بالمحادثات بين السعودية والحوثيين أكد عبد السلام أنه «يبدو أن السعودية وافقت على كثير من مطالب الحوثيين، وأهمها صرف المرتبات وفتح المطار والميناء، وبالتالي يرى البعض أنه لم تعد هناك معضلة أمام إتمام الاتفاق، وإن كان ثمة عراقيل أخرى، بما فيها التي تضعها الولايات المتحدة، وما زالت تمثل حجرة عثرة أمام إتمام هذا الاتفاق، انطلاقا من موقفها من شكل الدولة اليمنية، إذ تريدها إما أقاليم أو محافظات مستقلة؛ وهذا أمر ينسجم مع دور واشنطن في المنطقة، من أجل استمرار سيطرتها على هذه البلدان» حد قوله.
المأزق اليمني
ويعتقد عبد السلام أن الرياض تولي اهتمامًا كبيرًا لمشروع رؤيتها 2030 «وقد رأت أن وجودها في اليمن بمثابة مأزق لابد أن تتجاوزه؛ وهو ما تعمل عليه حاليًا للتفرغ لرؤيتها الطموحة».
وقال: لهذا السبب تحرص السعودية على إيجاد سلام في اليمن أو لنقل هدن طويلة أو مؤقتة، لكن المعول في تحقيق السلام في اليمن ليس على الإقليم، ولا على المجتمع الدولي، وإنما على القوى السياسية اليمنية، التي يجب أن تقبل ببعضها، وتتحاور مع بعضها، وتعمل من أن تجاوز عُقد الخلاف، وتسوية كل مشاكلها، والانطلاق من جديد صوب بناء بلدها، ابتداء من تحقيق السلام، أما الرؤية الضيقة والمتطرفة التي تحكم علاقات القوى السياسية اليمنية ببعضها حاليًا، والتي ترفض من خلالها بعضها البعض؛ فهو مأزق لليمنيين أنفسهم للأسف؛ وبالتالي فالمأزق اليمني ليس للسعودية، بل لليمنيين في حال لم يتحاورا مع بعضهم، وينشدوا السلام والاستقرار والتطوير لبلدهم؛ لأن الحل بيد اليمنيين أنفسهم.
ودعا عبدالسلام «كل القوى السياسية اليمنية الداخلية للعمل على الاعتراف بالآخر وتجاوز التعصب الاثني، والعمل على مؤازرة بعضها، والبدء في حوار يمني يمني؛ فهذا الحوار هو وحده القادر على الوصول باليمن إلى بر السلام الحقيقي؛ وليس السلام الذي هو في حقيقته هدنة مؤقتة في حرب مستمرة».
الحوار
من ضمن بنود خريطة الطريق التي وضعتها الرياض للسلام في اليمن تموضع الحوار اليمني اليمني ضمن مراحل هذه الخريطة؛ لكن ما زالت قوى يمنية ترفض الاعتراف ببعضها، وبالتالي من الصعب الحديث عنه في الوقت الراهن ما يزيد من تعقيد الوضع الداخلي. هنا يقول عبدالسلام: الحوار اليمني اليمني هو مطلب كل اليمنيين، ليس من اليوم، وإنما من مراحل مبكرة، وتجدد هذا الطلب بوضوح عام 2011م، وها هو يتجدد اليوم، ونؤكد عليه باعتباره كفيلا بإزالة كل بؤر التوجس والخوف، وبالتالي لابد من قبول القوى السياسية ببعضها؛ وكل يحتفظ بوجهة نظره لا مشكلة في ذلك.
لكن عبدالسلام ذهب إلى القول إن خريطة الطريق ما زالت مليئة بالغموض في تعاملها مع بعض قضايا الخلاف، وبالذات ذات العلاقة بموقع الرياض كوسيط، وهو ما يرفضه الحوثيون.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن السعودية الحوثي الحكومة اليمنية مفاوضات تحقیق السلام فی القوى السیاسیة فی الیمن ما زالت
إقرأ أيضاً:
105 هجمات خلال شهر مارس.. أين تتمركز خريطة العنف في باكستان؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تشهد باكستان تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة العنف المسلح، حيث سجّل شهر مارس 2025 أعلى عدد من الهجمات المسلحة في البلاد منذ عام 2014، وفقًا لإحصاءات معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن. فقد شهدت البلاد 105 هجمات، ما أسفر عن مقتل 228 شخصًا، بينهم 73 من أفراد الأمن، و67 مدنيًا، و88 مسلحًا.
كما نفذت قوات الأمن الباكستانية عمليات مكثفة لمكافحة التمرد، أسفرت عن مقتل 107 أشخاص، بينهم 83 مسلحًا و13 من أفراد الأمن و11 مدنيًا، ليصل إجمالي عدد القتلى خلال الشهر إلى 335 شخصًا. ويعكس هذا الرقم تصاعدًا في العنف لم تشهده البلاد منذ عقد، حيث كان شهر مارس ثاني أكثر الشهور دموية بالنسبة لقوات الأمن الباكستانية خلال العشر سنوات الأخيرة، بعد يناير/كانون الثاني 2023.
وتتسم خارطة العنف في باكستان بتمركز واضح للهجمات في مناطق تشهد اضطرابات أمنية مزمنة، مثل مقاطعتي بلوشستان وخيبر بختونخوا، إلا أن اللافت في تصاعد العنف خلال مارس هو تسجيل زيادة غير مسبوقة في النشاط المسلح في مقاطعة البنجاب، حيث وقعت سبع هجمات، معظمها منسوبة إلى حركة طالبان باكستان.
ويعد هذا الرقم الأعلى في المقاطعة خلال العقد الأخير، ما يشير إلى تغير واضح في استراتيجيات الجماعات المسلحة، التي باتت توسع عملياتها خارج نطاقها التقليدي. إن هذا التوسع الجغرافي للعنف يعكس تحولًا في المشهد الأمني داخل باكستان، حيث لم تعد مناطق التوتر مقتصرة على الأطراف الحدودية، بل امتدت إلى مناطق كانت تُعد أكثر استقرارًا نسبيًا.
لا يمكن فهم التصعيد الحالي في باكستان بمعزل عن العوامل الإقليمية، حيث تتهم الحكومة الباكستانية حركة طالبان الأفغانية بتوفير بيئة حاضنة للجماعات المسلحة التي تشن هجمات داخل أراضيها. ووفقًا لمسؤولين باكستانيين، فإن المسلحين يستغلون الأراضي الأفغانية كقاعدة انطلاق لتنفيذ عملياتهم، لا سيما في المناطق الشمالية الغربية من البلاد. من جانبها، تنفي طالبان هذه الاتهامات، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
هذا التوتر المستمر بين إسلام أباد وكابول يفتح الباب أمام تصعيد أكبر، وربما يؤدي إلى تدخلات إقليمية إضافية، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على كلا البلدين لضبط الأمن على حدودهما المشتركة. ومع ذلك، فإن غياب التنسيق الأمني الفعّال بين الحكومتين يجعل من الصعب احتواء هذا التهديد المتنامي، ما يزيد من احتمال استمرار العمليات المسلحة خلال الأشهر المقبلة.
في ظل هذه المعطيات، يواجه الأمن الباكستاني تحديات متزايدة، حيث لم تنجح العمليات العسكرية وحدها في القضاء على الجماعات المسلحة بشكل كامل. فعلى الرغم من تنفيذ حملات أمنية مكثفة خلال السنوات الماضية، لا تزال الجماعات المتشددة قادرة على إعادة تنظيم صفوفها وشن هجمات واسعة النطاق.
وتطرح هذه التطورات تساؤلات حول جدوى النهج الأمني الحالي، ويدعو إلى التفكير في استراتيجيات بديلة تتجاوز الحلول العسكرية التقليدية، فإلى جانب المواجهات المسلحة، تحتاج الحكومة إلى معالجة الأسباب الجذرية التي تغذي العنف، بما في ذلك الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي، التي توفر بيئة خصبة للتطرف.
على الصعيد السياسي، يزيد تصاعد العنف من الضغوط على الحكومة الباكستانية، التي تواجه بالفعل تحديات داخلية متعددة، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية وغياب الاستقرار السياسي. إن تزايد الهجمات المسلحة يؤثر بشكل مباشر على صورة الحكومة أمام الرأي العام، حيث تتعرض لانتقادات بسبب عدم قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية. ومن المرجح أن يؤدي استمرار العنف إلى مزيد من التوترات السياسية، خاصة إذا استغلت المعارضة هذا التصعيد لمهاجمة سياسات الحكومة الأمنية. كما أن التراجع الأمني قد تكون له تداعيات اقتصادية، حيث يتردد المستثمرون في ضخ أموالهم في بلد يعاني من اضطرابات متكررة، مما يزيد من تفاقم الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.
يبدو أن باكستان أمام اختبار صعب يتطلب إعادة تقييم شاملة لسياساتها الأمنية والإقليمية. فبينما تواصل قوات الأمن عملياتها لمواجهة الجماعات المسلحة، يبقى التساؤل حول مدى قدرة الدولة على احتواء هذه الموجة من العنف ومنع امتدادها إلى مناطق جديدة. إن الأرقام المسجلة في مارس 2025 ليست مجرد إحصاءات، بل تعكس واقعًا معقدًا يستدعي حلولًا جذرية تتجاوز النهج العسكري البحت. وفي ظل التوترات الإقليمية المستمرة، تظل خيارات الحكومة محدودة بين التصعيد الأمني أو البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية، وهو تحدٍّ قد يحدد ملامح الاستقرار في باكستان خلال السنوات القادمة.