نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً للكاتبتين فانيسا نيوباي وكيارا روفا حول الوضع في جنوب لبنان والتحديات التي تواجه السكان والقادة في المنطقة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها إن "الخط الأزرق" الذي أنشأته الأمم المتحدة في سنة 2000 لمراقبة انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، يعدّ من أخطر خطوط الصدع الجيوسياسية في العالم، ومن المرجّح أن يندلع صراع هناك قد يزعزع بلاد الشام والمنطقة برمتها، بما في ذلك إيران وربما جميع القوى العظمى أو بعضها.



ومنذ حرب تموز 2006 التي اندلعت بين حزب الله وإسرائيل، المعروفة باسم "حرب لبنان الثانية"، ظل جنوب لبنان ينعم بالسلام حتى في غياب اتفاق رسمي بين لبنان وإسرائيل.

وفي سنة 1978، أطلقت الأمم المتحدة عمليّة حفظ السلام على هذه الحدود، وهي قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل). ومنذ ذلك الحين غُمرت المنطقة بالعمليات الاستطلاعية على مدار الساعة لمراقبة الجانب اللبناني من أجل منع أي وجود واضح لحزب الله. كذلك، أنشأت اليونيفيل قناة اتصال منتظمة بين الجيشين اللبناني والإسرائيليّ، ونظمت اجتماعات شهرية لمنع أي تصعيد غير مقصود بين الطرفين.

وذكرت الصحيفة أن الكثيرين يعتقدون أن السلام لم يتحقق، لأن البيئة الاستراتيجية لم تكن مواتية للتصعيد، وأضافت: "يبدو أن حزب الله وإسرائيل أدركا أنهما سيفتقران إلى الدعم الداخلي لمواجهة جديدة، هذا بالإضافة إلى عدم الاستقرار الإقليمي بسبب تنظيم الدولة والحرب السورية. مع ذلك، فقد اعتبروا دائمًا أن "حرب تموز" لم تنتهِ.

تغيير البيئة الاستراتيجية

وتستعد إسرائيل منذ سنة 2006 بهدوء لتصعيد محتمل على ما تسمّيه "الجبهة الشمالية"، وقد مثّلت ساحة المعركة هذه صعوبة للجيش الإسرائيلي في سنة 2006، واعتبر العديد من الخبراء العسكريين في إسرائيل أن حرب لبنان الثانية قد شكلت أداء ضعيفاً.

على الجانب اللبناني، منذ سنة 2016، أصبحت منطقة عمليات اليونيفيل أقل ترحيبا بقوات الأمم المتحدة، حيث أصبح وجود حزب الله هناك أكثر وضوحاً. وعلى بعد بضعة كيلومترات من منشآت اليونيفيل، قام الحزب ببناء مهابط طائرات وميادين إطلاق نار، كما قامت منظمة "خضراء بلا حدود"، وهي منظمة بيئية غير حكومية تابعة له، ببناء العديد من أبراج المراقبة المطلة على إسرائيل.   في غضون ذلك، أعلنت "اليونيفيل" عن زيادة في التدخّل المحلي ما منعها من القيام بدوريات في العديد من المناطق على طول "الخط الأزرق".

أما اليوم، فتغيّرت البيئة الاستراتيجية: فالهجوم الذي قامت به حماس في "إسرائيل" في السابع من تشرين الأول يجعل فكرة الحرب بين الدول ممكنة مرة أخرى، ويبدو أن الاشتباكات الحدودية تتصاعد. مع ذلك، إذا أصبح الصراع ممكنا الآن، فما هي الفوائد التي يمكن أن يتوقعها الطرفان منه؟

وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل شاركت في الماضي بعمليات توغل عسكرية في لبنان، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تعزيز خصومها على المدى الطويل.   وتدمير منظمة التحرير الفلسطينية لم يمنع ظهور حماس، كما خلقت إسرائيل بملاحقتها لها في جنوب لبنان، الظروف الملائمة لصعود حزب الله. ورغم خمس عمليات اجتياح، أثبتت إسرائيل أنها غير قادرة على احتلال أدنى قطعة من الأراضي اللبنانية، كما أجبرها حزب الله والاحتجاجات المدنية على مغادرة "المنطقة الآمنة" في سنة 2000، وبالتالي فإن الهجوم الإسرائيلي الجديد قد يكون عقابياً، وفق الصحيفة.

وتلفت "لوموند" إلى أنّ "حزب الله يدرك أنه سيتحمّل المسؤولية إذا انجر لبنان إلى حرب أخرى، خصوصاً أنه يؤكد دائماً أن سبب وجوده يكمن في الدفاع عن السيادة اللبنانية"، مشيرة إلى أنّ "اندلاع حرب أخرى مع إسرائيل، خاصة إذا ما أدت إلى سحق لبنان، من شأنها أن تُعرّض حزب الله لخطر خسارة كل الدعم الشعبي عندما يحين وقت التوصل إلى السلام، وبالتالي التعجيل بنهايته".

وتضيف: "منذ السابع من تشرين الأول، تعكس الخطابات من الجانبين هذه الاعتبارات. في بعض الأحيان كانت الخطابات تحريضية، ولكن الجميع احترس من الدعوة إلى حرب شاملة. في هذا الصدد، أعلنت إسرائيل أنها ليست مهتمة بالصراع على حدودها الشمالية لكن ذلك لم يمنع بنيامين نتنياهو من التصريح بأن الهجمات الإسرائيلية المضادة في لبنان ستكون على نطاق لا يمكن تصوّره وستسبب دماراً".

وفي وقتٍ سابق، توعّد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بتهديدات أيضًا رغم بعض التحفّظ، وأعلن في أحد خطاباته الأخيرة قائلاً: "ما يحدث على جبهتنا مهم وذو مغزى (...)، لكني أؤكد لكم أن هذه لن تكون النهاية. لن يكون كافيًا".   وفي 11 تشرين الثاني الماضي، أشار نصرالله إلى زيادة حدة الاشتباكات باعتبارها "تحسناً" في عمليات حزب الله "سواء من حيث الجودة أو الكمية" أو "العمق" لكنه في الوقت نفسه قال: "ستظل جبهتنا جبهة ضغط"، وامتنع عن الدعوة إلى حرب شاملة.

وأمام ذلك، رجّحت الصحيفة الفرنسيّة أن ينهار هذا التوازن الدقيق بين التهديدات والانتقام المتناسب، ذلك أن كلا الجانبين مستعدان للحرب، وأضافت: "لقد تم تكييف المقاتلين عند الجانبين منذ ولادتهم على النظر إلى بعضهم البعض كأعداء، وقد بنوا هويّتهم من خلال معارضة الآخر. إلى جانب ذلك، فإن قراءتهم لأي تحرّك على الأرض تتم من خلال هذا المنظور، الذي يجعل من الصعب للغاية إظهار ضبط النفس في ظل ضبابية الصراع.

وحتى في الوقت الذي تسعى فيه "إسرائيل" وحزب الله إلى الحفاظ على هذا التوازن على المستويين الاستراتيجي والعملياتي، فإن خطأً بسيطًا في الحكم على المستوى التكتيكي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد لا يستطيع أي من الطرفين الهروب منه.

ونقلت الصحيفة عن اليونيفيل أنه رغم التوترات المتزايدة إلا أنها تعتزم الحفاظ على وجود واضح في جنوب البلاد. ويتلخص الحل الأمثل الذي يستطيع المجتمع الدولي أن يقدمه في هذا الوقت في السماح للأمم المتحدة بنشر قوات حفظ السلام على جانبي "الخط الأزرق" ـ في لبنان وإسرائيل ـ لإظهار تطور الوضع على الأرض. ووفقاً لـ"لوموند"، فإنه من شأن ذلك أن يسمح بالسيطرة على الأطراف وتجنب السيناريو الأسوأ، المتمثل في التصعيد غير المقصود الذي يسببه عدد قليل من المقاتلين المستعدين لإطلاق النار. (عربي21)

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الأمم المتحدة جنوب لبنان حزب الله فی لبنان فی سنة

إقرأ أيضاً:

إيران تكشف عن صاروخ اعتماد.. رسالة تهديد إلى إسرائيل قبل ذكرى الثورة الإسلامية | تقرير

في خطوة تحمل دلالات استراتيجية، أزاحت إيران الستار عن أحدث صواريخها الباليستية، "اعتماد" أو "الثقة"، في احتفال رسمي حضره الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. 

جاء هذا الإعلان قبل أيام قليلة من الذكرى السادسة والأربعين لتأسيس الجمهورية الإسلامية، حيث بثّ التلفزيون الرسمي الإيراني لقطات للصاروخ، الذي وصفته طهران بأنه قادر على الوصول إلى تل أبيب.  

وخلال خطابه في الحفل الذي أُقيم اليوم الأحد في طهران، شدد الرئيس الإيراني على أن “تطوير القدرات الدفاعية وتقنيات الفضاء يهدف إلى ضمان ألا تجرؤ أي دولة على مهاجمة الأراضي الإيرانية”، في رسالة غير مباشرة إلى خصوم بلاده، وفي مقدمتهم إسرائيل والولايات المتحدة.  

إسرائيل تزعم مواصلة تمويل إيران لفصائل لبنان بحقائب مليئة بالنقدوزير خارجية إيران يزور قطر للقاء قادة حماسوزير خارجية إيران: طهران لم تتلق رسالة من ترامب بخصوص المفاوضاتإيران تعلن الحصول على طائرة متطورة من روسيا

يُنظر إلى الصاروخ الجديد باعتباره إضافة نوعية لترسانة إيران الصاروخية، حيث ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن "اعتماد" قادر على السفر لمسافة 1700 كيلومتر، ما يعني أنه قادر على ضرب أهداف في عمق الأراضي الإسرائيلية.  

ولم يخفِ المسؤولون الإسرائيليون قلقهم المتزايد من تصاعد القدرات الصاروخية الإيرانية، خاصة بعد أن تعرضت إسرائيل مرتين لهجمات صاروخية العام الماضي، وسط تصعيد متبادل في المنطقة. 

كما أثارت هذه التطورات مخاوف الغرب، إذ ترى الدول الأوروبية والولايات المتحدة أن التقدم الذي تحرزه طهران في برنامجها الصاروخي قد يعزز من قدرتها على تطوير أسلحة نووية، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط.  

وتعتبر إسرائيل أن امتلاك إيران للسلاح النووي يشكل تهديدًا وجوديًا لها، وأكدت في أكثر من مناسبة أنها قد تتخذ إجراءات أحادية لضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا رأت أن الخطر بات وشيكًا.  

استعراض للقوى   

وتزامن الإعلان الإيراني عن الصاروخ الجديد مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي انسحب في ولايته الأولى من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، معتبرًا أنه غير كافٍ لمنع طهران من تطوير أسلحة نووية.  

ومع تصاعد المخاوف من إعادة فرض عقوبات أشد قسوة على طهران، يبدو أن إيران تسعى إلى إرسال رسالة ردع إلى واشنطن وحلفائها، عبر استعراض قوتها العسكرية. 

وفي الأشهر الأخيرة، كثفت طهران اختباراتها الصاروخية، كما أجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق، وكشفت عن قواعد عسكرية تحت الأرض، في استعراض واضح لقوتها الدفاعية والهجومية.  

وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تحولت إيران من الاعتماد على الأسلحة الأمريكية إلى تطوير ترسانتها الخاصة. 

وبعد قطع العلاقات مع واشنطن وفرض العقوبات عليها في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، وجدت طهران نفسها مجبرة على الاعتماد على التصنيع العسكري المحلي.  

واليوم، تمتلك إيران ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية، وأنظمة الدفاع الجوي، والطائرات المسيّرة، وفقًا لتقارير غربية. 

ورغم تأكيد طهران أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، فإن تقريرًا صادرًا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشار إلى أن تخصيب اليورانيوم في إيران وصل إلى مستويات قريبة من تلك المطلوبة لصنع سلاح نووي، ما يزيد من المخاوف الدولية.  

ومع كشف إيران عن صاروخ "اعتماد، تدخل المنطقة مرحلة جديدة من سباق التسلح والتوترات المتزايدة. 

فبينما ترى طهران في هذا التطوير درعًا يحميها من أي اعتداء محتمل، تنظر إليه إسرائيل والولايات المتحدة باعتباره تهديدًا مباشرًا قد يستدعي ردودًا عسكرية أو دبلوماسية قاسية.  

وفي ظل التحولات السياسية في واشنطن، والتصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل، يبدو أن الشرق الأوسط يقترب من منعطف جديد، حيث قد تكون المواجهة مجرد مسألة وقت.

مقالات مشابهة

  • تقرير لـForeign Affairs يتحدث عن انتهاء حزب الله.. هذا ما كشفه
  • في رحيل الجنرال الذي أغتالته “إسرائيل” 100 مرة!!
  • آخر خبر عن تشييع نصرالله... ماذا كشف مسؤول في حزب الله؟
  • على بعد أسبوعين.. هل تنسحب إسرائيل من الجنوب اللبناني كما هو متفق عليه؟
  • قصاصة ورقية تكشف خلية سرية لحزب الله في ألمانيا.. صحيفة تكشف التفاصيل
  • إسرائيل غاضبة من عملية تياسير وتكشف التفاصيل
  • إيران تكشف عن صاروخ اعتماد.. رسالة تهديد إلى إسرائيل قبل ذكرى الثورة الإسلامية | تقرير
  • عاجل | لوبينيون الفرنسية عن رئيس الجزائر: مستعدون لتطبيع العلاقة مع إسرائيل في نفس اليوم الذي ستكون فيه دولة فلسطينية
  • من جنوب لبنان وزير دفاع إسرائيل يحذر خليفة نصرالله: لا تكرر أخطاء من سبقوك وإلا ستدفع ثمنا باهظا
  • إسرائيل: "لن يكون هناك حزب الله" في هذه الحالة