توماس فريدمان: إسرائيل اندفعت بشكل أعمى إلى حرب بأهداف متناقضة
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
قال الصحفي الأمريكي توماس فريدمان، إنه يشعر بالقلق على "إسرائيل"، لأنها تتصرف بغضب أعمى في عدوانها على غزة، وتهدف إلى تحقيق هدف بعيد المنال، وهو محو حماس من على وجه الأرض، دون خطة للصباح في اليوم التالي وفق وصفه.
وأوضح فريدمان في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، ترجمته "عربي21" أنه من خلال الغضب الأعمى الذي يقود إسرائيل، فإنه يمكن لها أن تظل عالقة إلى الأبد في غزة، ومعترفة بكل أمراضها ومضطرة إلى حكم 2 مليون شخص وسط أزمة إنسانية، فضلا عن تشويه سمعة الجيش الإسرائيلي، الذي كان يحاول استعادة ثقة الإسرائيليين.
وتابع: "بصراحة، عدت بذاكرتي إلى أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، وسألت نفسي، ما الذي كنت أتمنى أن أفعله أكثر قبل أن نطلق حربي الانتقام والتحول في أفغانستان والعراق، اللتين دفعنا فيهما ثمنا باهظا؟".
وأضاف: "أتمنى لو كنت قد جادلت بشأن ما قالته وكالة المخابرات المركزية حول ما أطلق عليه الفريق الأحمر، وهو مجموعة من ضباط المخابرات خارج التسلسل القيادي العسكري أو السياسي المباشر، والذين كانت مهمتهم الرئيسية هي فحص خطط الحرب وأهدافها في العراق وأفغانستان واختبار الضغط، من خلال اقتراح بدائل متعارضة لأهداف قابلة للتحقيق لاستعادة الأمن والردع الأمريكي. وأن يتم نشر توصيات الفريق الأحمر على الملأ قبل خوضنا الحرب".
وكما قال لي مسؤول كبير متقاعد في الاستخبارات الأميركية: إن الدور الذي لعبته الخلية الحمراء التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في حل المشاكل الشائكة الأخرى "كان يتمثل في مساعدة حكومة الولايات المتحدة على اتخاذ القرارات بأعين مفتوحة وشراء المخاطر، ولكن ليس القضاء عليها، إن اتخاذ قرارات مستنيرة ليس علامة ضعف، وأعتقد أن الخلية الحمراء هي أداة عظيمة لتقييم الخيارات البديلة والتأثيرات المحتملة من الدرجة الثانية والثالثة، وهو ما يجب على قادة إسرائيل أن يكونوا صارمين وليس فقط عاطفيين في هذه اللحظة من الزمن".
وقال فريدمان: "أقترح على إسرائيل تشكيل ليس فقط فريقا أحمر لكيفية التعامل مع حماس في غزة، ولكن أيضا فريقا أزرقا لانتقاد الفريق الأحمر، تحتاج إسرائيل إلى إجراء نقاش داخلي أكثر قوة، لأنها اندفعت بشكل واضح إلى حرب ذات أهداف متعددة متناقضة".
وشدد على أن "هدف إسرائيل المعلن هو استعادة جميع الرهائن المتبقين لديها الذين يبلغ عددهم الآن أكثر من 130 جنديا ومدنيا بينما تقوم بتدمير حماس وبنيتها التحتية مرة واحدة وإلى الأبد، بينما تفعل ذلك بطريقة لا تتسبب في وقوع خسائر في صفوف المدنيين في غزة أكثر مما تتسبب فيه فعليا، ويمكن لإدارة بايدن أن تدافع، ودون أن تترك إسرائيل مسؤولة عن غزة إلى الأبد وتضطر إلى دفع فواتيرها كل يوم"، وعلق ساخرا "بالتوفيق في كل ذلك".
وقال إنه لو كان هناك فريق أحمر، فسيقول لإسرائيل: " إن الجيش ومجلس الوزراء اندفعوا إلى غزة في هذه الحرب، ويبدو أنهم لم يخططوا قط لأي لعبة نهائية، وتجد إسرائيل نفسها الآن في مأزق صعب، حيث دفعت ما يزيد عن مليون مدني من شمال غزة إلى الجنوب لإبعادهم عن القتال، وفي الوقت الذي حاولت فيه القضاء على جميع مقاتلي حماس في مدينة غزة وضواحيها، لكن الآن، فإن الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها إسرائيل نقل الحرب البرية إلى جنوب غزة حول خان يونس، حيث يشتبه أن كبار قادة حماس يختبئون في الأنفاق تتلخص في التحرك عبر هذه الكتلة من النازحين وخلق المزيد منهم".
وأشار إلى أنه في مواجهة هذا المأزق، "يقترح الفريق الأحمر الإسرائيلي بديلا جذريا، يجب على إسرائيل أن تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار يعقبه انسحاب إسرائيلي فوري لجميع القوات العسكرية في غزة بشرط أن تعيد حماس جميع الرهائن الذين تحتجزهم. وقد غادر مدنيون وعسكريون، وأي قتلى، لكن حماس لن تحصل على أي سجناء فلسطينيين في المقابل، مجرد صفقة نظيفة انسحاب إسرائيلي ووقف دائم لإطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين يزيد عددهم عن 130".
وأضاف: "الجميع سيفهم، أن إسرائيل تحتفظ بحقها، في تقديم كبار قادة حماس الذين خططوا لهذه المذبحة إلى العدالة في المستقبل، وكما فعلت بعد مذبحة ميونيخ، فإن إسرائيل ستفعل ذلك بالمشرط، وليس بالمطرقة".
وأشار إلى أن هذه الاستراتيجية، ستحقق للاحتلال 5 مزايا، وتابع: "أولا، قد يجادل الفريق الأحمر، بأن كل الضغوط من أجل وقف إطلاق النار لتجنيب المدنيين في غزة المزيد من الموت والدمار سوف تقع على عاتق حماس، وليس على إسرائيل. فلتقل حماس لشعبها الذي يعيش تحت البرد والمطر وللعالم إنها لن توافق على وقف إطلاق النار مقابل ثمن إنساني مجرد يتمثل في إعادة جميع الرهائن الإسرائيليين".
وقال إن هذا سيضمن "عدم حصول حماس على أي نصر سياسي كبير، من هذه الحرب، مثل إجبار إسرائيل على إطلاق سراح جميع الفلسطينيين، الذين يقبعون في سجونها والذين يزيد عددهم عن 6000 مقابل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس، بل ستكون مجرد صفقة نظيفة، وقف دائم لإطلاق النار مقابل الرهائن الإسرائيليين، نقطة، يمكن للعالم أن يفهم ذلك، لنرى حماس ترفضه وتعلن أنها تريد المزيد من الحرب".
وأضاف: "ثانيا، قد يشتكي البعض، وربما الكثير، في إسرائيل من أن الجيش لم يحقق هدفه المعلن المتمثل في القضاء على حماس، وبالتالي كان ذلك انتصارا لحماس. وسوف يرد الفريق الأحمر بأن الهدف كان غير واقعي، وخاصة مع عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية اليمينية في العمل مع السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالا في الضفة الغربية لبناء بديل لحماس لإدارة غزة".
ورأى بأن "ما ستحققه إسرائيل، كما يقول الفريق الأحمر، هو إرسال رسالة ردع قوية إلى حماس وحزب الله في لبنان، بأنكم تدمرون قرانا، وسوف ندمر قراكم 10 مرات أكثر، هذه أشياء قبيحة، لكن الشرق الأوسط عبارة عن غابة هوبزية، إنها ليست الدول الاسكندنافية".
وتابع: "فكروا بذكاء في الأمر، في أعقاب وقف إطلاق النار الدائم هذا، سيتعين على يحيى السنوار، زعيم حماس، أن يخرج من نفقه، وينظر إلى الشمس، ويواجه شعبه للمرة الأولى منذ ذلك الحين، نعم، في الصباح التالي لخروجه، سيحمله العديد من سكان غزة على أكتافهم ويغنون باسمه لأنه وجه مثل هذه الضربة القوية لليهود".
وأضاف: "لكن في صباح اليوم التالي، كما توقع الفريق الأحمر، سيبدأ العديد من الذين يحملونه بالتهامس له: سنوار، بماذا كنت تفكر؟ أصبح منزلي الآن كومة من الأنقاض ومن سيعيد بنائه؟ لقد اختفت وظيفتي في إسرائيل التي كانت تطعم عائلتي المكونة من 10 أفراد كيف سأطعم أطفالي؟ أنت بحاجة إلى أن تقدم لي بعض المساعدة الإنسانية الدولية ومنزلا ووظيفة جديدين وكيف ستفعل ذلك إذا واصلت إطلاق الصواريخ على اليهود؟".
وقال إنه "مع خروج إسرائيل، فإن الأزمة الإنسانية التي خلقتها هذه الحرب في غزة ستصبح مشكلة السنوار وحماس كما ينبغي أن تكون، كل مشكلة في غزة ستكون خطأ السنوار، بدءا بالوظائف".
وتابع فريدمان: "ثالثا، قد يجادل الفريق الأحمر الإسرائيلي بأن هذا سيخلق نفس نوع الردع لحماس الذي أحدثه القصف الإسرائيلي المدمر للمجتمعات المؤيدة لحزب الله في الضواحي الجنوبية لبيروت في حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، ولم يجرؤ زعيم حزب الله حسن نصر الله قط على إثارة حرب واسعة النطاق مع إسرائيل منذ ذلك الحين".
ويضيف الفريق الأحمر أن الضرر الذي ألحقته إسرائيل بحماس وغزة لن يخلق ردعا مماثلا فحسب، بل ستفعل أيضا حقيقة أن إسرائيل تستطيع الآن إعادة تصور وتعزيز دفاعاتها الحدودية، لقد أظهرت حماس لإسرائيل أين تكمن كل نقاط ضعفها وكيف قامت بتهريب الكثير من الأسلحة، ويمكن لإسرائيل الآن التأكد من أن هذا لن يحدث مرة أخرى أبدا.
رابعا، إحدى أكبر الفوائد الاستراتيجية لخروج إسرائيل من غزة في مقابل وقف إطلاق النار تحت مراقبة دولية هو أنها تستطيع بعد ذلك تكريس اهتمامها الكامل لحزب الله في جنوب لبنان، حزب الله وإيران لن يرغبا في ذلك، إنهم يريدون أن تكون إسرائيل منهكة عسكريا بشكل دائم وأن تضطر إلى الاحتفاظ بقسم كبير من قوات الاحتياط التي يزيد عددها عن 300 ألف جندي، الذين يقودون اقتصادها، في حالة تعبئة دائمة لحكم غزة.
كما أنهم يريدون أن يتحمل الاقتصاد الإسرائيلي طاقته بشكل دائم لدفع ثمن ذلك، ويريدون أن ترهق إسرائيل أخلاقيا من خلال امتلاكها الأزمة الإنسانية في غزة بشكل دائم، بحيث لا تشرق الشمس كل يوم في غزة، ولا يهطل المطر، ولا تتدفق الكهرباء، ويقول العالم إن ذلك خطأ إسرائيل، ولا يمكن لأسوأ أعداء إسرائيل أن يصمموا لها مصيرا أسوأ، وهذا ما يصلي من أجله حزب الله وإيران.
وقال: "أخيرا، قد يجادل الفريق الأحمر الإسرائيلي بأن لدى إسرائيل علاجا مهما يجب القيام به في الداخل، حدث هذا الهجوم المفاجئ لأن إسرائيل كان لديها رئيس وزراء، بنيامين نتنياهو، الذي مزق البلاد من خلال محاولته القيام بانقلاب قضائي مجنون والذي حكم إسرائيل لمدة 16 عاما بإستراتيجية تقسيم الجميع المتدينين والعلمانيين، من اليسار من اليمين، الأشكناز من السفارديم، العرب الإسرائيليون من اليهود الإسرائيليين، مما يضعف جهاز المناعة في البلاد، ولا يمكن لإسرائيل أن تتعافى داخليا وأن تستأنف مشروعها المتمثل في تطبيع العلاقات مع جيرانها العرب وإقامة علاقة مستقرة مع القيادة الفلسطينية الأكثر اعتدالا في الضفة الغربية إلا إذا تمت إزالة نتنياهو، إذا استمرت الحرب إلى الأبد وهذا لن يحدث أبدا، وهذا بالضبط ما يريده نتنياهو".
وردا على هذه الفكرة قال فريدمان: "ولكن الآن يأتي الفريق الأزرق الإسرائيلي. ماذا سيقول عن الفريق الأحمر؟ حسنا، أولا، سيسألك، ماذا ستفعل إذا قال السنوار ببساطة لا، لن أقبل مجرد وقف إطلاق النار، وأحتاج إلى إخراج ما يزيد عن 6000 سجين من السجون الإسرائيلية وسأدفع الثمن أمام الرأي العام الغربي. الرأي للصمود بالنسبة لهم؟ ثم إسرائيل عالقة مرة أخرى".
سيقول الفريق الإسرائيلي الأزرق: لدينا فكرة أفضل. أولا، خفض مستوى أهدافنا، نعلن أن هدف الجيش ليس محو حماس من على وجه الأرض، بل تقليص قدرتها القتالية بشكل كبير.
وأضاف: "لأننا في الواقع، كما يقول الفريق الأزرق، لا نؤمن بالردع، لم يتم ردع حزب الله حقا منذ عام 2006. وهذا مجرد وهم، إن إيران تنقذ حزب الله فقط لليوم الذي ستهدد فيه إسرائيل برنامجها النووي، نحن أعضاء الفريق الأزرق نؤمن بأهمية التقليل المستمر لقدرات أعدائنا. وبمجرد أن نقوم بتقليص قدرات حماس إلى حد كبير، فإننا لن نبقى في غزة إلى الأبد حتى نقتل كل زعيم".
وبدلا من ذلك، سوف ننسحب وننشئ محيطا ومواقع استيطانية على بعد ميل واحد داخل الحدود بين غزة وإسرائيل لضمان عدم تعرض مجتمعاتنا الحدودية للهجوم برا مرة أخرى كما حدث في 7 أكتوبر، وسنفعل ذلك للتأكيد على ذلك لدينا القدرة والنوايا للعودة متى شئنا إذا استمرت حماس في إطلاق الصواريخ علينا، إذا أرادت حماس مبادلة رهائننا بالسجناء، فيمكننا أن نتحدث، أما بالنسبة للحكم في غزة، فإن حماس المتضائلة تستطيع البقاء في السلطة، وإذا كان هذا هو ما يريده أهل غزة، فلتكن حماس مسؤولة عن الماء والكهرباء.
وأخيرا، سيقول الفريق الأزرق للقيادة السياسية الإسرائيلية: "توقف عن الكذب على نفسك وعلى الجمهور. إذا حاولنا احتلال غزة بأكملها والاحتفاظ بها، فإن غزة لن تبتلعنا في النهاية فحسب، بل ستخلقون أنتم أيها السياسيون شكوكا كبيرة في ذهن الجمهور حول الجيش من خلال إعطائه هدفا غير قابل للتحقيق، ولا تستطيع إسرائيل ببساطة تحمل المزيد من الشكوك حول الجيش ثانية".
باختصار، تحتاج إسرائيل إلى هذا النوع من النقاش الداخلي، حيث يستطيع الفريق الأحمر الإسرائيلي والفريق الأزرق تذكير قيادة البلاد بأنه لا توجد نتيجة مثالية تنتظر إسرائيل في غزة، إن إصلاح غزة مرة واحدة وإلى الأبد كان دائما ضربا من الخيال.
وختم مقاله بالقول: "لكن إليكم ما ليس خيالا، التاريخ الحقيقي للعلاقات بين إسرائيل وحماس. أنها بسيطة جدا. إنها الحرب، الهدنة، الحرب، الهدنة، الحرب، الهدنة، الحرب، الهدنة …. إن حماس تزدهر في الحروب، لأن هذا هو كل ما يمكنها تقديمه وكل ما وجدت من أجله، تزدهر إسرائيل في فترات التوقف الطويلة، في وقف إطلاق النار، عندما تبرز كل نقاط قوتها المجتمعية والاقتصادية والابتكارية في المقدمة، وتريد إيران وحماس وحزب الله جر إسرائيل إلى حالة حرب دائمة، لذلك تحتاج إسرائيل إلى فريق أحمر وفريق أزرق للدعوة بدلا من ذلك إلى وقف إطلاق النار لفترة أطول، وإلى حدود أكثر تشددا، وإلى المرونة اللازمة للعودة إلى غزة إذا أجبرتها حماس على ذلك".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة حربي غزة الاحتلال دمار حرب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقف إطلاق النار الفریق الأزرق إسرائیل إلى إسرائیل أن إسرائیل من المزید من إلى الأبد حزب الله من خلال فی غزة
إقرأ أيضاً:
هآرتس: الحرب مع إسرائيل تعزز قبضة الحوثيين على الداخل وتثير قلق دول الخليج (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إن الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وجماعة الحوثي يعزز قبضة الأخيرة على الداخل اليمني ويثير في الوقت نفسه قلق دول الخليج العربي.
وذكرت صحيفة "هارتس" في تحليل للباحث تسفي برئيل وترجم أبرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" إن الحرب المستمرة تحافظ على النظام الصارم للحوثيين في اليمن، وليس هناك يقين من أنه إذا انتهت الحرب في غزة، أو إذا طلبت إيران منهم وقف هجماتها، فإن المتمردين سيتوقفون عن إرهاب إسرائيل والبحر الأحمر.
وقال التحليل إن اتفاق الرواتب، وهو نتاج لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في عام 2022 بين الحكومة اليمنية والحوثيين، يشكل انتصارا مهما للحوثيين لأنه قد يزيل على الأقل عنصرا واحدا من القائمة الطويلة من العوامل التي تشكل تهديدا مستمرا لاستقرار نظام الحوثيين الذي سيطر على صنعاء في عام 2014.
وأضاف "في مواجهة هذه الترتيبات والاتفاقيات التي تدعم نظام الحوثيين، قد يتساءل المرء عن مدى تأثير هجمات إسرائيل على ميناء الحديدة وأهداف أخرى على قدرة النظام على مواصلة الحرب أو ردعه عن إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
نطاق العمليات الإسرائيلية محدود
وحسب التحليل فإن الأمر الأكثر أهمية هو أنه على الرغم من الصور المثيرة للإعجاب القادمة من المواقع المتضررة وانقطاع التيار الكهربائي المرتبط بها، فإن نطاق العمليات الإسرائيلية في اليمن محدود. ومع ذلك، لا يرجع هذا إلى نقص القدرات العسكرية. فعندما يتم ضرب ميناء الحديدة، لا يتوقف الضرر في مناطق الحوثيين، بل يؤثر على البلاد بأكملها.
وطبقا للصحيفة فإن الحديدة هي ميناء الدخول ليس فقط للأسلحة الإيرانية والمساعدات العسكرية، ولكن أيضًا للمساعدات الإنسانية المخصصة لنحو 70 في المائة من سكان البلاد الذين يعيشون تحت خط الفقر. وكان هذا أيضًا السبب وراء تجنب الولايات المتحدة وشركائها في التحالف العسكري الذي أنشأته في البحر الأحمر لمكافحة التهديد الحوثي مهاجمة الميناء باستمرار.
ووفقا للصحيفة العبرية فإن استراتيجية الاستجابة الأمريكية تقوم على مبدأ "الردع والتدهور" في مواجهة الحوثيين في اليمن، وهو ما يعني عمليًا ضرب القواعد العسكرية ومواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار، ولكن ليس البنية التحتية المدنية.
قلق دول الخليج
وترى أن إدارة بايدن، التي لا تخلو إدارتها لحملة البحر الأحمر من التناقضات، سعت دون جدوى إلى اتباع سياسة ثنائية، تعزيز المفاوضات بين شطري اليمن بيد واحدة والعمل بقوة ضد الإرهاب الحوثي الذي شل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وألحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد العالمي بشكل عام ودول المنطقة بشكل خاص.
وقالت "للوهلة الأولى، لا تواجه إسرائيل مثل هذه المعضلة، ولا يشكل تدمير البنية التحتية المدنية عقبة في اعتباراتها الاستراتيجية. ولكن أكثر من غزة ولبنان، والآن في سوريا، يجب على اسرائيل أن تأخذ في الاعتبار ليس فقط المصالح والسياسات الأمريكية، ولكن أيضًا مصالح وسياسات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
وأردفت "لم تنضم هذه الدول إلى التحالف العسكري المناهض للحوثيين الذي أنشأته واشنطن، على الرغم من الأضرار الاقتصادية التي تعاني منها. ويتمثل خوفها الرئيسي في أن يضعها الحوثيون على قائمة أهدافهم ويجددون هجماتهم على الأصول الاقتصادية الحيوية - وخاصة على المنشآت النفطية، كما فعلوا في عام 2019، عندما تضررت منشآت أرامكو".
وأوضحت أن هجمات من هذا النوع دفعت أبو ظبي إلى الانسحاب من التحالف العسكري الذي أنشأته المملكة العربية السعودية في عام 2017 وتوثيق علاقاتها مع إيران مقابل الهدوء من جانب الحوثيين. ولا تزال السعودية ترى نفسها وسيطًا في عملية السلام الداخلية في اليمن، والتي تهدف، من بين أمور أخرى، إلى إنشاء حكومة يمنية يكون الحوثيون شركاء فيها.
وأفادت أن مصر حاولت التفاوض مع الحوثيين من أجل السماح لحركة المرور في قناة السويس بالتعافي، ولكن حتى الآن دون جدوى.
حرب البحر الأحمر تخدم سياسة الحوثي
وزادت هارتس "النتيجة هي أنه في حين أن إسرائيل شريكة في التحالف العسكري في البحر الأحمر، والذي يعتمد بشكل أساسي على القوات الأمريكية والبريطانية في اختيار أهداف هجماته، إلا أنها مقيدة بـ "الخطوط الحمراء" التي تمليها دول المنطقة، وعلى الرغم من توسيع نطاق الهجمات، إلا أنها لا تزال تبدو ملتزمة بنهج إدارة بايدن "الردع والتدهور".
"ولا يُتوقع أن يضمن تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب الشهر المقبل توسيع القيود المفروضة على الاستجابات العسكرية. لقد دعم ترامب حرب المملكة العربية السعودية في اليمن، وفي عام 2019 استخدم حق النقض ضد مشروع قانون لخفض مبيعات الأسلحة إلى الرياض بسبب الكارثة الإنسانية الشديدة التي تسببت فيها الحرب في اليمن"، حد قول الصحيفة.
"لكن ترامب كان أيضًا الرئيس الذي أجبر السعوديين على بدء مفاوضات مع الحوثيين وحتى صرح بأن الحرب في اليمن لن تنتهي بقوة السلاح بل على طاولة المفاوضات"، وفق التحليل.
في غضون ذلك، لا يزال طموح انهيار النظام الحوثي من خلال استهداف البنية التحتية المدنية ومصادر الدخل -حسب التحليل- بعيدًا عن التحقق. مشيرا إلى إن ميناء الحديدة هو في الواقع مصدر دخل مهم للنظام، لكنه ليس المصدر الوحيد.
وتطرقت الصحيفة الإسرائيلية إلى إعلان الحوثي أن "الأميركيين يدفعون النظام السعودي نحو تصرفات حمقاء وعدوانية لن نقبلها. وحقيقة أننا منخرطون في "نظام الدعم" لغزة (مصطلح يرمز إلى وحدة الجبهات) لا تعني أننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد تصرفاتهم الجنونية. سنرد بالمثل. الموانئ ضد الموانئ، والمطارات ضد المطارات، والبنوك ضد البنوك". وقد نجح التهديد، وتراجعت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عن قرارها.
وحسب هارتس فإن الحرب في البحر الأحمر تخدم السياسة التي يفرضها الحوثي على مواطنيه، فضلا عن فرض التجنيد العسكري والنضال الدؤوب ضد المنافسين السياسيين.
وخلصت صحيفة هارتس في تحليلها إلى القول "رغم أن صنعاء جزء من "حلقة النار" التي أنشأتها إيران، فإن بقاء النظام يشكل أولوية قصوى بالنسبة للمتمردين، والحرب المستمرة تخدم هذا الهدف. وبالتالي، ليس هناك يقين من أن الحرب في غزة ستنتهي، وحتى لو طلبت إيران من الحوثي وقف إطلاق النار في البحر الأحمر أو ضد إسرائيل، فقد لا يمتثل".