الخليج الجديد:
2024-12-24@12:18:07 GMT

أقنعة المركزية والكونية المشتركة

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

أقنعة المركزية والكونية المشتركة

أقنعة المركزية والكونية المشتركة

ألا يوجد بديل للفكر العربي خارج لاهوت الظهور والتجسد من جهة ولاهوت الشتات والاختلاف من جهة أخرى؟

ضرورة التخلص من الصورة الأحادية للإنسان، سواء تعلق الأمر باعتبارات الوعي الذاتي أو بأنماط التشكل التاريخي والاجتماعي.

هل من المتاح تحرير العقل من سلطان نقاد الإمبراطورية من الداخل؟ وهل يمكن التخلص كلياً من أقنعة الكولونيالية الماكرة؟

ما عجز الفكرُ الغربي عن التفكير فيه ليس الوجودَ، ولا الآخرية otherness، بل المماثلة التي هي المعنى الحقيقي لوحدة الإنسانية أخلاقياً ومعيارياً.

الدراسات النقدية للكولونيالية تنطلق من رفض المركزية الغربية في سرديتها التاريخية وتشكُّلاتها المفهومية ونمط علاقاتها بالثقافات الأخرى.

إرادةَ الحقيقة في مسار الثقافة الغربية كانت أداةً للضبط والتحكم وأن العلوم الإنسانية لم تكن موجَّهة بالحياد الموضوعي، بل بغايات واستراتيجيات نفعية عملية.

بين إدوارد سعيد أن خطاب الهوية في الفكر الأوروبي لا ينفصل عن النزعة الإقصائية للثقافات الأخرى التي ليس لها بالضرورة موقع في الكونية الإنسانية التي هي براديغم الحداثة الغربية.

* * *

بعد أحداث غزة الأخيرة التي اصطف فيها بعض كبار مفكري الغرب وكتابه مع العدوان الإسرائيلي، تساءل صديقي الفيلسوف التونسي صالح مصباح:

هل من المتاح تحرير العقل من سلطان نقاد الإمبراطورية من الداخل؟ وهل يمكن التخلص كلياً من أقنعة الكولونيالية الماكرة؟

الصديق صالح مصباح من أوائل فلاسفة العرب اطلاعاً على الدراسات النقدية للكولونيالية، وقد خصص كثيراً من جهده لكتابات توني نغري ومايكل هاردت وجورجيو أغامبن.. وهي في عمومها تنطلق من رفض المركزية الغربية في سرديتها التاريخية وتشكُّلاتها المفهومية ونمط علاقاتها بالثقافات الأخرى. لقد بدأ هذا التوجه في الفلسفة الغربية المعاصرة مع ميشال فوكو وريتشارد رورتي.

أولهما فرنسي تمحورت دراساتُه حول العلاقة المركبة بين المعرفة والسلطة في الخطابات المعرفية وأنظمة العقاب والرغبة، مبيِّناً أن إرادةَ الحقيقة في مسار الثقافة الغربية كانت أداةً للضبط والتحكم وأن العلوم الإنسانية لم تكن موجَّهة بالحياد الموضوعي، بل بغايات واستراتيجيات نفعية عملية.

وثانيهما أميركي رفض بشدة التصور الموضوعي للوجود من منظور تداولي يكرس أولوية التضامن على الحقيقة الوجودية، بما يفسح المجال أمام أخلاقية مفتوحة للنقاش العمومي دون مرجعيات أنطولوجية ثابتة أو محددة.

ومع أن الفيلسوفين المذكورين لم يخرجا من مدونة الفكر الغربي، إلا أن أعمالهما وُظِّفت على نطاق واسع في الدراسات النقدية لما سماه الكاتب المصري سمير أمين «الكولونيالية الإبستمية»، وهو يعني بالعبارة الخلفيةَ الاستعمارية للمقولات والنظريات الفلسفية والعلمية التي تتناول الإنسان غير الغربي.

ولعل أهم ممارسة نظرية جدية للنقد الكولونيالي برزت في البداية في كتابي المفكر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد «الاستشراق» و«الثقافة والإمبريالية».

لم يكن قصد سعيد كما يستشف من كتابه الأول نقد الدراسات الاستشراقية التي تعرضت للإسلام الوسيط والثقافة العربية الكلاسيكية، وإنما كان غرضه أن يبين كيف أن خطاب الهوية في الفكر الأوروبي لا يمكن أن ينفصل عن النزعة الإقصائية للثقافات الأخرى التي ليس لها بالضرورة موقع من منظور الكونية الإنسانية التي هي برادايم الحداثة الغربية.

لم يكن إدوارد سعيد فيلسوفاً، وإنما كان ناقداً وأديباً وناشطاً سياسياً ومدنياً فاعلاً، إلا أنه دشَّن مسلكاً منهجياً هاماً في الفكر الفلسفي والدراسات الإنسانية عرف بـ«ما بعد الكولونيالية» و«دراسات التابع» (subaltern studies).

وقد انتشر هذا المسلك لدى مفكرين بارزين من آسيا وأفريقيا وداخل الجامعات الأميركية. الإشكال الذي ظل مطروحاً بالنسبة لهؤلاء الباحثين هو إلى أي حد تمكن الاستعانة بمناهج وأدوات المفكرين الغربيين الذين نقدوا سردية الكونية الأوروبية في البحث عن ما سماه المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، تبعاً لأنطونيو غرامشي، «الاستقلال الحضاري للذات»، أي بناء قاعدة صلبة للهوية المختلفة عن المركزية الغربية وسلطتها المطلقة؟

لقد بدا للبعض من مفكرينا أن الحل هو اعتماد فلسفات المغايرة والاختلاف بديلاً عن فلسفات الوعي والذات، لتأكيد حقوقنا في التميز والانفصال، بيد أن هذا الطريق قاد إلى أفق مسدود، بعد أن ظهر جلياً للعيان أن برادايم الاختلاف هو آخر قلاع المركزية الغربية وأصعبها على الاختراق والتجاوز.

لقد تساءل مرة الفيلسوف السوري غانم هنا: ألا يوجد بديل للفكر العربي خارج لاهوت الظهور والتجسد من جهة ولاهوت الشتات والاختلاف من جهة أخرى؟

لا محيد عن الإقرار بأن الذين راهنوا من بيننا على فلسفة الاختلاف والمغايرة بحثوا عن قاعدة نظرية صلبة لحقوق التميز الثقافي والحوار الحضاري المتكافئ، لكنهم لم يقيموا شأناً لما سماه كانط «سياسات الحقيقة» التي تحيل إلى رهانات قوة وهيمنة خارج الإطار المعرفي نفسه. وعلى العموم لا خطر على المركزية الغربية من تجاور لا أثر له على توازنات القوة، ومِن حقوقٍ شكلية مجردةٍ لا تأثيرَ لها في الواقع العملي.

وكما يقول الفيلسوف الكاميروني آشيل بمبة، فإن التحدي المطروح راهناً ليس الدفاع عن الاختلاف الذي هو في نهاية المطاف ضربٌ من الانكفاء والانعزال، بل الدفاع عن الكونية المشتركة المتكافئة التي تجمع بين متشابهين في الإنسانية.

ما عجز الفكرُ الغربي عن التفكير فيه ليس الوجودَ كما يقول هايدغر، ولا الآخرية كما يقول لفيناس، بل المماثلة التي هي المعنى الحقيقي لوحدة الإنسانية أخلاقياً ومعيارياً، بما يعني ضرورة التخلص من الصورة الأحادية للإنسان، سواء تعلق الأمر باعتبارات الوعي الذاتي أو بأنماط التشكل التاريخي والاجتماعي.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب المركزية غزة العدوان الإسرائيلي الدراسات النقدية المركزية الغربية الفكر الأوروبي المرکزیة الغربیة التی هی من جهة

إقرأ أيضاً:

وزير الأوقاف: تضافر جهود جميع المؤسسات الدينية في مصر لنشر صحيح الفكر الإسلامي

استقبل الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، فوزية بنت عبد الله زينل، سفيرة مملكة البحرين لدى جمهورية مصر العربية، بمقر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بحضور الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وذلك لبحث أوجه التعاون بين وزارة الأوقاف المصرية ووزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف بمملكة البحرين، والمشاركة في المنتديات العلمية المختلفة في كلا البلدين.

ورحب وزير الأوقاف بالسفيرة، التي أعربت عن تقديرها لوزير الأوقاف، مشيدة بدور الوزارة المتمثل في محاورها الاستراتيجية الأربعة، وبالأخص منها: محوري صناعة الحضارة وبناء الإنسان.

وأكد وزير الأوقاف تضافر جهود جميع المؤسسات الدينية في مصر لنشر صحيح الفكر الإسلامي، ومد أواصر التعاون مع جميع الدول العربية والإسلامية.

وشهد اللقاء استعراض ما تشهده مملكة البحرين من نهضة حضارية في عهد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، ودور المملكة في ترسيخ الفكر الوسطي من خلال مؤسساتها الدينية.

وأشادت السفيرة بدور وزارة الأوقاف المصرية في خدمة القرآن الكريم وأهله بعد النجاح الكبير الذي حققته في المسابقة العالمية للقرآن الكريم الحادية والثلاثين، التي نظمتها الوزارة تحت رعاية فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بمركز مصر الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية الجديدة.

جدير بالذكر أن السفيرة سلمت وزير الأوقاف دعوة مملكة البحرين لحضور مؤتمر الحوار الإسلامي، الذي يعقد في مملكة البحرين برعاية جلالة الملك حمد بن عيسى.

اقرأ أيضاًمصر تشرفت بذكرها في كتاب الله.. نص كلمة وزير الأوقاف بالمسابقة العالمية الـ 31 للقرآن الكريم

موهبة متميزة في حفظ القرآن الكريم والإنشاد الديني.. وزير الأوقاف يدعم الطفلة «هاجر المعصراوي»

الرئيس الإندونيسي يستقبل وزير الأوقاف ممثلا لـ الرئيس عبد الفتاح السيسي.. صور

مقالات مشابهة

  • إبراهيم نجم: الذكاء الاصطناعي فرصة لتعزيز الوسطية ونشر الفكر المعتدل في مواجهة التطرف
  • وزير الأوقاف: تضافر جهود المؤسسات الدينية في مصر لنشر صحيح الفكر الإسلامي
  • وزير الأوقاف: تضافر جهود جميع المؤسسات الدينية في مصر لنشر صحيح الفكر الإسلامي
  • رئيس جامعة الأزهر ومستشارة الإمام الأكبر يكرمان المشاركين في دورة تصحيح الفكر
  • الثقافة تطرح على رئيس الوزراء 3 محاور لاستعادة دورها في قيادة الفكر والإبداع
  • بالأرقام.. تقرير يكشف حجم الإنفاق الغربي على أوكرانيا خلال 3سنوات
  • القصيبي يتفقد أعمال "مسام" في عدن والساحل الغربي
  • القصيبي يتفقد أعمال مسام في عدن والساحل الغربي
  • معلومات الوزراء يصدر مستقبل مراكز الفكر في عصر الذكاء الاصطناعي
  • القصيبي يتفقد أعمال «مسام» في عدن والساحل الغربي