كلب الأسيرة.. كيف ربحت المقاومة الفلسطينية معركة الصورة؟
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
منذ زمن بعيد والحرب لا تقف عند حد أحداث المواجهة في ميدان النار والدم والهلاك والخراب، والتي تصاغ في أخبارٍ تبثها مختلف وسائل الإعلام، وقصصٍ يرويها المتحاربون، إنما تمتد إلى الصور التي تنبت من رحم الواقع، أو تهندسها عقول ماهرة في حبك الدعاية وسبكها.
ففي القرون الغابرة، وقبل اختراع الكاميرا، كان جنرالات الحرب يصطحبون معهم الرسامين، ليرسموا ما يجري، فإن كان ثَمةَ نصرٌ أرسلوا الصور ليراها الناس في البلاد، ويطمئنوا إلى أن جيشهم ينتصر.
تعزّز حضور الصورة في الحرب مع اختراع الكاميرا، وتقدمت لتشغل جانبًا كبيرًا من تعريف النصر أو الإقرار به، بل إن حروبًا كاملة أُعلن فيها هذا النصر من جانب الطرف القادر على صناعة الصورة وتصديرها والتحكم في تدفقها، كانت أولاها حرب الخليج الثانية التي شنتها قوات التحالف على العراق لإخراجه من الكويت في عام 1991، وسيطرت فيها "السي. إن. إن" على الأذهان والمخيلات.
صارت الصورة جزءًا من معادلة النصر، أو عنصرًا من حساباته المعقدة، وبات وجودها، عفويًا كان أو مدبرًا، له تأثير مهم على سير المعارك، ثم على النتائج المترتبة عليها في المديَين: القريب والبعيد؛ نظرًا لما تتمتع به الصورة من قدرة على الرسوخ في الذهن، وانفتاح على تأويلات متعددة تصبّ في صالح من يصنعها أو من يستغلها بوعي واقتدار.
لم يكن هذا الأمر خافيًا بالطبع على قادة إسرائيل، ومن يديرون جهاز دعايتها المتوثّب دومًا، فأطلقوا يوم السابع من أكتوبر صورة خيالية، عبر سردية شفاهية، حين تحدثوا عن أطفال إسرائيليين مقطوعي الرأس، ونساء مشقوقات الصدور ومبقورات البطون.
ونطق بهذا الرئيس الأميركي جون بايدن نفسه، نقلًا عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فتسابقت وسائل الإعلام العالمية على تصوير ما لم يره أحد.
إسرائيل تخسرتساءل الناس عن الصورة التي تم وصفها دون أن يعرضها أحد أمام عيونهم، وهذا لم يكن أمرًا مستساغًا في زمن اجتياح الصور، وسهولة تداولها، فأُسقِط في يد بايدن.
أعاد بايدن ارتباكه إلى نتنياهو، فلم يجد أمامه من سبيل سوى الإمعان في الكذب، ليعرض أمام العيون صورة مختلفة، قال: إنها لطفل متفحم، لكن كثيرين قاموا بتكذيبها بما مكنته إياهم تقنيات الاتصالات من قدرة على التحقق، ثم سرعان ما انجرف كل هذا في الصور الأليمة التي انهمرت من غزة كمطر أسود.
بيدها خسرت إسرائيل معركة الصورة في عدوانها على غزة ثلاث مرات متتابعة، بينما ربحتها المقاومة مرتين، فتضاعف مكسبها حين أضيف إليه ما أخفقت فيه تل أبيب، وهذه مسألة لم تتحقق للفلسطينيين منذ انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987، بل هي هذ المرّة أسرع وأنصع شكلًا، في ظل ثورة الاتصالات، التي حوّلت العالم كله إلى غرفة واحدة.
الإرهاب الإسرائيليلقد حضرت الصورة بغزارة في العدوان الإسرائيلي على غزة، وكانت الأكثر تحريكًا للمشاعر والعقول، ولأننا في عصر الصورة فقد طغت، ولأنها وحدها، وفي حد ذاتها، عابرة للغات واللهجات والثقافات، فقد ساحت الصور الملتقطة من قلب غزة، لاسيما لأطفال شهداء أو مجروحين أو محروقين، وتبعتها صور المستشفيات المقصوفة، وكذلك المدارس والمساجد والكنائس والبيوت.
أغنت تلك الصور عن ملايين الكلمات التي تشرح ما يجري، وتجعل من له عين ترى، وعقل يفهم، وضمير يحكم، بوسعه، أن يميز بين الأشياء، ويعرف أين هو المعتدي، وأين المعتدَى عليه؟ أين صاحب الحق، وأين هاضمه؟
ثم جاءت لحظة تبادل الأسرى لتميز بين الفريقين المتصارعين تمامًا، وتنطق بأشياء كثيرة يتم السكوت عنها، أو مستبعدة بفعل فاعل عن أذن العالم وبصره. فالمقاومة التي يتم نعتها بالإرهاب، تعامل أسراها من الإسرائيليين وغيرهم الذين أفرجت عنهم بطريقة غاية في الاحترام والتواضع واللطف، بينما يعامل الاحتلال من أخرجهم مجبرًا من سجونه في منتهى القسوة والغلظة والاستفزاز، ويمنع أهلهم من الاحتفاء أو الاحتفال بهم، ويهددهم هم أنفسهم بالاعتقال والسجن.
صورةُ الأسرى الخارجين من غزوة مصحوبةٌ بتلويح أيادٍ مودعة، ومصافحات دافئة، وابتسامات ونظرات مفعمة بالامتنان. بل رأينا هذه التي تكتب رسالة بالعبرية تقول للمقاومة فيها: "شكرًا لأنكم عاملتم ابنتي كملكة".
ورأينا هذه التي تصطحب كلبها الذي كان محتجزًا معها، وكيف خرج هو الآخر دون أن ينقص من جسده شيء، بل عدَّه الفاهمون دليلًا على الراحة والاطمئنان الذي لاقاه الأسرى، لأنه لا يمكن لكلب أن يُمثّل الارتياح أو يتصنعه مؤقتًا ليمرر موقفًا عصيبًا مثلما يفعل البشر.
أما صورة الأسرى المفرج عنهم من سجون إسرائيل، فكانت على النقيض من ذلك. خرج أطفال فلسطين ونساؤها من الزنازين كاسفي البال، وجوههم مرهقة، وإن ابتسموا في وجه أهاليهم، فهم يدمعون حزنًا على إخوانهم الذين تركوهم خلف ظهورهم يلاقون أصنافًا من التعذيب الرهيب في السجن.
تغيّر الذهنية الغربيةقادت المضاهاة بين المشهدين كثيرين في مشارق الأرض ومغاربها إلى تكوين انطباع ليس عن سير الحرب فقط، بل أيضًا عن اختلاف الطباع، وتفاوت القدرة على التحمل، بين قوات الاحتلال والمقاومة، وبين "المستوطين" و"المحاصرين"، بل وجدنا من يتساءل عن الاعتقاد الديني الذي يجعل شعبًا يصبر ويتحمل الأذى الشديد على هذا النحو؟ وهو ما جعل فتاة أيرلندية تربط بين الإسلام وقوة التحمل، وسيدة أميركية ترى أن الله حاضر بين الفلسطينيين، ثم تقول منفعلة: لو أن هناك إلهًا سيكون الفلسطينيون والمسلمون شعبه المختار.
إنَّ الصورة الفوتوغرافية والمتلفزة التي حملتها وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تغيير جانب من "الصورة الذهنية" لكثير من المواطنين في الغرب، التي كرّستها الرؤى الاستشراقية، والدعاية الصهيونية والإسرائيلية، ووسائل الإعلام التقليدية المعبرة عن القوى السياسية المهيمنة في أوروبا والولايات المتحدة لزمن طويل.
الفلسطينيون يربحونويمكن لهذا التغير الذي جاء في ركاب "طوفان الأقصى" أن يتعمق ويتسع، إذا توافر شرطان أساسيان هما:
1ـ قدرة الفلسطينيين على الاحتفاظ بالصورة الناصعة التي صُنعت لهم، وبُني جزء أساسي منها على إفراط إسرائيل في العدوان، وجزء آخر على تصرف الشعب الفلسطيني بإبداء التحمل والصبر والصمود، مثلما رأينا مع الرجل الذي كان يودع حفيدته ويصفها بـ "روح الروح"، أو تصرف المقاومة من خلال التسامي والتسامح، حسبَ ما جرى في لحظة تسليم الأسرى إلى الصليب الأحمر.
ولا بد في هذه النقطة من الانتباه إلى عدم ارتكاب الفلسطينيين أنفسهم مستقبلًا أي فعل يجرح هذه الصورة، ويخلق فرصة سانحة لإسرائيل كي تسيء إليها، وتستعيد زمام المبادرة في معركة الصورة الذهنية.
2 ـ قدرة مناصري القضية الفلسطينية على تبديد الهجمة الدعائية المرتدة التي أخذت إسرائيل في تنفيذها، وبدأت بالتضييق على حراس البوابات أو أصحاب المنصات، مثلما حدث مع إيلون ماسك مالك منصة" X"، ثم الذهاب إلى المؤسسات الأكاديمية والإعلامية التقليدية والاجتماعية، وتجنيد الذباب الإلكتروني، وصنّاع المحتوى على شبكة الإنترنت، في سبيل تحسين الصورة، أو استعادة الصورة التي ثبت أنها بريقها هو بفعل الطلاء المزيف.
لقد ربح الفلسطينيون معركة الصورة مستفيدين من أخطاء عدوهم، ومن جهد المتعاطفين معهم في قارات العالم الست، لكن استمرار هذا الزخم قويًا وفاعلًا، يحتاج إلى جهد منظم في قابل الأيام، تقوم عليه مؤسسة أو مجموعة منظمة ومتماسكة مؤهلة، لممارسة هذا الدور على أفضل وجه ممكن، حتى تبقى الصورة نابضة بقضية الفلسطينيين العادلة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
رئيس لجنة شؤون الأسرى لـ “الثورة نت”: مستعدون لتنفيذ كل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها برعاية الامم المتحدة دون قيد أو شرط
المرتضى: الطرف الآخر يستخدم ملف الأسرى ورقة ابتزاز سياسي بعيداً عن الجانب الإنساني المرتضى: محمد قحطان ذريعة يستخدمها الطرف الآخر للتنصل عن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه والالتزام به المرتضى: تم تحرير أكثر من 6500 من أسرانا منهم 1350 في صفقتي تبادل عبر الامم المتحدة المرتضى: حريصون على تفعيل دور الوساطات المحلية لكن الجانب السعودي يمنع تنفيذ اي صفقة يتم الاتفاق عليها المرتضى: مؤخراً تم ارسال وسطاء محليين الى مأرب في محاولة منا لتقريب وجهات النظر وحل الاشكاليات فيما بيننا وحزب الاصلاح المرتضى: للأسف قيادة حزب الاصلاح رفضت كل المقترحات والحلول التي تقدم بها الوسطاء المرتضى: حزب الإصلاح يعطل دور الوسطاء المحللين بعد نجاحهم في تحرير مئات الأسرى من الطرفين المرتضى: نعلن الجاهزية والاستعداد للدخول في صفقة شاملة تشمل جميع الأسرى من كل الاطراف وبلا استثناءالثورة نت../ خاص
قال رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى الأستاذ عبدالقادر المرتضى، إن ملف الاسرى يحظى باهتمام كبير جداً من قبل القيادة الثورة والقيادة السياسية وهناك متابعة مستمرة لعملنا من قبل قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ورئيس المجلس السياسي الأعلى الرئيس مهدي المشاط وقيادة وزارة الدفاع نظراً لأهمية هذا الملف وبُعده الإنساني والاجتماعي.
وأكد المرتضى في حوار خاص مع موقع ” الثورة نت” أن المفاوضات جارية بشكل مستمر من خلال التواصل واللقاءات المباشرة مع مكتب المبعوث الأممي، إلا أنه لم يحصل أي تقدم في المفاوضات منذ جولة الأخيرة للمفاوضات في مسقط في يوليو الماضي، نظراً للتعنت من قبل طرف العدوان ومرتزقته في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوقع عليها برعاية الامم المتحدة ورفضهم لكل المقترحات والحلول التي تُقدم سواءً من قبل الامم المتحدة او من قبل الوسطاء المحليين الذين نقوم بإرسالهم بين الحين والآخر الى مأرب.
وفيما يلي نص الحوار:
• لم تكل القيادة الثورية والسياسية عن السعي لتخفيف معاناة الشعب خاصة في ملف الاسرى حيث سعت خلال السنوات الماضية لإنجاح عمليات تبادل الاسرى رغم التعنت من قبل الطرف الآخر؟ ومن خلال عملكم على هذا الملف الإنساني، الى اين وصلت المفاوضات وما التقدم الذي تم احرازه في هذا الملف؟
اولاً نشكر موقع الثورة نت وصحيفة الثورة على اتاحة الفرصة للحديث عن ملف الأسرى هذا الملف الإنساني الهام والذي يهم الآلاف من الأسر اليمنية، طبعا هذا الملف يحظى باهتمام كبير جداً من قبل القيادة الثورة والقيادة السياسية وهناك متابعة مستمرة لعملنا من قبل قائد الثورة يحفظه الله ورئيس المجلس السياسي الأعلى الرئيس مهدي المشاط وقيادة وزارة الدفاع نظراً لأهمية هذا الملف وبعده الإنساني والاجتماعي.
المفاوضات في هذا الملف جارية بشكل مستمر من خلال التواصل واللقاءات المباشرة مع مكتب المبعوث الأممي إلا أنه لم يحصل اي تقدم في المفاوضات منذ جولة مسقط الاخير في شهر يوليو من العام الحالي وذلك نظراً للتعنت الحاصل من قبل طرف العدوان ومرتزقته في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوقع عليها برعاية الامم المتحدة ورفضهم لكل المقترحات والحلول التي تقدم سواءً من قبل الامم المتحدة او من قبل الوسطاء المحليين الذي نقوم بإرسالهم بين الحين والاخر إلى مأرب ولكن نحن لم نيأس فلا زلنا على تواصل مستمر بالأمم المتحدة ومع الطرف الآخر عبر الوسطاء في محاولة منا لإحراز أي تقدم من شأنه التخفيف من معاناة الاسرى واهاليهم من الطرفين.
• كيف تتعاملون مع هذا الملف، لأهميته وحساسيته، وهو ملف إنساني بالدرجة الأولى؟
كما قلت بأن هذا الملف ملف انساني ونحن نتعامل معه من هذا المنطلق سواء ما يتعلق بالتعامل مع الاسرى الموجودين معنا من الطرف الآخر او ما يتعلق بالمفاوضات على هذا الملف، نحن نعمل بكل ما نستطيع على ان يبقى هذا الملف ملفا انسانيا بعيدا عن الحسابات السياسية والامنية والعسكرية ونحن منذ بداية العدوان نتعامل مع هذا الملف على هذا الأساس ولهذا أبرمنا المئات من صفقات التبادل تحرر فيها بعون الله آلاف الاسرى من الطرفين وكان ذلك اثناء التصعيد العسكري من قبل قوى العدوان ومرتزقته.
معوقات تنفيذ الاتفاقات
• ما أبرز معوقات تنفيذ الاتفاق بناء على قاعدة «الكل مقابل الكل» الذي أقرته مفاوضات ستوكهولم حتى اليوم بعد كل هذه السنوات؟
طبعا إتفاق الكل مقابل الكل هو المبدأ الذي نؤمن به والذي نسعى اليه منذ اول مفاوضات من قبل الامم المتحدة وهو الحل الانسب والافضل لهذا الملف الانساني وهو ايضا ما تم الاتفاق عليه في مفاوضات السويد نهاية العام 2018 إلا أنه اثناء تنفيذ الاتفاق اصطدم بالكثير من العوائق التي حالت دون تنفيذه ومن ابرز هذه العوائق ان الطرف الآخر عبارة عن مجموعة من الاطراف والاجنحة المتفاوتة والمختلفة لم نستطع الوصول معهم الى صيغة للاتفاق حول آليات التنفيذ كون كل طرف من هذه الاطراف لديه رؤية ومطالب تختلف عن رؤية ومطالب الاطراف الاخرى، كما انه لا يوجد لديهم قيادة واحدة تمثل جميع الاطراف في طاولة المفاوضات والفريق الذي نتفاوض معه هو لا يمثل جميع الاجنحة الموجودة في الميدان مما أعاق تنفيذ اتفاق الكل مقابل الكل بشكل كبير جداً، لكن بالنسبة لنا نحن طرف واحد ولدينا كامل الصلاحية في تنفيذ اتفاق الكل مقابل الكل وليس لدينا اي معوقات او اشكاليات تمنعنا من ذلك، أضف الى ذلك أن الاطراف الاخرى تتعمد وبشكل مستمر اخفاء المئات من اسرانا ورفض الكشف والافصاح عن مصيرهم.
• كيف يمكن تجاوز إشكالية التعامل مع ملف الأسرى كورقة ضغط سياسية والتعامل معها من جانب إنساني؟
كما أوضحت سابقا ان هذا الملف ملف انساني ونحن منذ البداية نتعامل معه على هذا الاساس لكن للأسف بالنسبة للطرف الآخر يتعامل معه تعاملاً سياسياً بحتاً، ويستخدمه كورقة ابتزاز سياسي بعيدا عن الجانب الانساني سواء فيما يتعلق بتعاملهم مع الأسرى داخل سجونهم وما يمارسونه من اشكال التعذيب ضد أسرانا، او فيما يتعلق بتعاملهم مع المفاوضات التي يتعمدون فيها افشال عشرات الاتفاقيات المحلية والدولية لأسباب سياسية بحتة، وبلا مراعاة للحالة الانسانية التي يعيشها الاسرى وأهاليهم من كلا الطرفين، ونحن نعتبر هذا التصرف لا أخلاقي ولا انساني ولا قيمي ولا ديني لان ملف الاسرى يجب ان يتجرد فيه كل طرف عن كل الحسابات السياسية والعسكرية والامنية وان يراعى فيه البعد الانساني بشكل كامل.
التفاوض مع عدة أطراف
• ما تأثير تعدد السلطات في طرف حكومة المرتزقة في هذا الصدد؟
بكل تأكيد ان تعدد الاطراف هي الاشكالية الاكبر التي نواجهها اثناء المفاوضات ونضطر في كل جولة الى التفاوض مع عدة أطراف يختلفون على كل شيء حتى في من يرأس فريقهم، فهم الى الآن لم يتفقوا على شخص او على رئيس لفريق التفاوض الذي يمثلهم، وإن حصل اتفاق نواجه اشكالية في التنفيذ على الواقع، لان كل طرف منهم لديه وجهة نظر مختلفة عن الآخر ولديه مطالب تختلف عن مطالب الطرف الآخر.
• ثمة إصرار من قبل المرتزقة على بقاء ملف الاسرى مفتوحاً واستمرار استخدامه كورقة ضغط ومساومة سياسية، على الرغم من أنها مسألة إنسانية بحتة؟ برأيك لماذا هذا التعنت من قبل الطرف الآخر؟
في الواقع أن حكومة المرتزقة لا تمتلك القرار الذي تستطيع من خلاله تنفيذ كل الاتفاقيات وانهاء هذا الملف الانساني، إذ ان الجانب السعودي يتحكم في كل القرارات في هذا الملف وما الجمود الحاصل في ملف الاسرى منذ الجولة الأخيرة في مسقط إلا بسبب الرفض السعودي لتنفيذ الاتفاقيات التي تمت بيننا وبين اطراف المرتزقة برعاية الامم المتحدة، لان هذه الاتفاقيات لم تشمل أسرى سعوديين، ولهذا صدرت الأوامر السعودية للمرتزقة بمنع تنفيذ اي من هذه الاتفاقيات بالإضافة الى منعهم المسبق من تنفيذ اي صفقات تبادل تمت بوساطات محلية وفي هذا الصدد قاموا بإيقاف وإلغاء عشرات الصفقات التي تم التوافق عليها بوساطات محلية.
مستعدون لتنفيذ كل الاتفاقيات
• في المقابل هناك من قد يقول أنكم كذلك تستغلُّون هذا الملف سياسياً.. ما رَدُّكم على ذلك؟
نحن نعتبر أن استخدام هذا الملف للابتزاز السياسي جريمة بحق الأسرى وبحق الإنسانية ولا يمكن أن نستخدم هذا الملف للابتزاز السياسي، لأننا نعتبر أن اسرانا امانة في اعناقنا واي استغلال سياسي لهذا الملف هو يعتبر خيانة للأسرى وأهاليهم وخيانة لدماء الشهداء.
ولهذا نحن نعلن عبر صحيفتكم أننا جاهزون ومستعدون لتنفيذ كل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها برعاية الامم المتحدة دون قيد او شرط، كما نعلن جاهزيتنا واستعدادنا الدخول في صفقة شاملة تشمل جميع الأسرى من كل الاطراف وبلا استثناء، كما ندعو المشايخ والشخصيات الاجتماعية ممن لديهم القدرة في العمل كوسطاء محليين، إلى التحرك في هذا الملف ونحن سوف نكون لهم عوننا وسندا لأننا حريصون جدا على انهاء هذا الملف الانساني وإنهاء معاناة الاسرى بأي طريقة.
ومما يدلل على أننا لا نستغل هذا الملف الانساني سياسياً هي المبادرات الأحادية المتتالية التي نقوم من خلالها بأطلاق المئات من أسرى الطرف الآخر بدون أي مقابل، وهي تعتبر رسائل سلام إيجابية كان المفترض أن يستقبلها الطرف الآخر برد مماثل، لأن ذلك من شأنه تعزيز الثقة وتقريب وجهات النظر، لكن للأسف مع كل مبادرة نقوم بتنفيذها يقابلها الطرف الآخر بموقف سلبي ينبئ عن توجه سيء من قبلهم تجاه هذا الملف.
ذرائع للتنصل عن تنفيذ الاتفاق
• في آخر جولة تفاوض في مسقط كنتم على وشك إتمامِ صفقة تبادل للأسرى. لماذا لم تنجح هذه الجولة؟ وما هي أبرز نقاط الاتفاق والاختلاف؟
في الحقيقة كان الطرف الآخر قبل الجولة يتحجج بأنه لا يستطع تنفيذ ما تم التوافق عليه مسبقاً كون الاتفاق لم يشمل محمد قحطان، ولهذا كنا حريصين على اسقاط اي عذر لهم، فوافقنا على ان يكون محمد قحطان ضمن هذه الصفقة لكن للأسف تفاجأنا أن موضوع محمد قحطان ليس إلا شماعة وذريعة يستخدمونها للتنصل عن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه والالتزام به، وظهرت مطالب اخرى لم تكن ضمن الاتفاق، من ابرزها مطالبة السعودية بضم جميع الاسرى السعوديين بما فيهم الطيارين الى هذه الصفقة، ورغم ذلك لم يكن لدينا أي مانع من ضمهم شريطة ان يضم الاتفاق الاسرى الفلسطينيين من حركة حماس المعتقلين في السعودية منذ سنوات، لكن الطرف السعودي رفض ذلك.
كما كان من ضمن الاسباب ما تم ابلاغنا به من قبل الجانب السعودي ان هناك ضغوطات أمريكية عليهم لوقف اي تقدم في اي ملف من الملفات المتعلقة بالعدوان على اليمن. بالإضافة الى الاختلاف الكبير الذي وقع بين اطراف المرتزقة والذي أدى الى توجيه الاتهامات بالخيانة الى فريقهم المفاوض من قبل قيادات حزب الاصلاح حتى بمن فيهم رئيس حزب الاصلاح محمد اليدومي والذي قام بنشر بيان تخوين على حسابه بمنصة أكس.
مسألة صعبة
• كيف تستطيعون التفاوض مع أكثر من ممثل في نفس الوقت.. أليس من الصعب التوافقُ مع كُـل الأطراف على طاولة واحدة؟
حقيقة هذا الموضوع يعد مسألة صعبة ونحن نعاني من هذا معاناة كبيرة جدا، ولكن لأننا حريصون على أسرانا وتحريرهم وانهاء معاناتهم، نضطر الى التفاوض معهم بهذا الشكل، والطريقة التي نتفاوض بها هي التفاوض مع كل طرف على حدة حتى في الجولة الواحدة التي برعاية الأمم المتحدة، كون التفاوض معهم مجتمعين يؤدي الى خلافات وانقسامات داخلية بينهم تؤدي في كثير من الاحيان الى افشال جولات التفاوض.
دور أممي جيد
• ماذا عن موقف الأمم المتحدة في المفاوضات الأخيرة وهل مارست الضغط على الطرف الآخر لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه؟
الأمم المتحدة تقوم بدور جيد في تقريب وجهات النظر وصياغة الاتفاقيات كونها وسيط إلا انها لا تملك اي وسائل للضغط على اي طرف يتعنت ويرفض ويعرقل تنفيذ الاتفاقيات ولهذا نحن لا نعول عليها كثيرا في هذا المجال.
• كيف تقيمون دور المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في اليمن تجاه ملف الأسرى؟
للأسف الشديد جميع المنظمات التابعة للأمم المتحدة العاملة في اليمن لم تقم بأي دور يذكر في ملف الاسرى لا من ناحية تخفيف معاناة الاسرى وفضح الاطراف التي تقوم بارتكاب الجرائم والانتهاكات اللا إنسانية تجاه الاسرى رغم اننا ومنذ بداية العدوان نرفع لهم بملفات متكاملة عن كل الجرائم التي مارسها مرتزقة العدوان بحق الاسرى سواءً كانت اعدامات وتصفيات ميدانية او ما يرتكبونه من انتهاكات وتعذيب داخل سجوهم.
دور إيجابي للصليب الأحمر
• ماذا عن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذا الموضوع؟
بالنسبة للصليب الاحمر يقوم بدور إيجابي وجيد منذ بداية العدوان وحتى الآن، حيث تقوم اللجنة وبشكل مستمر بزيارة الاسرى داخل السجون لدينا، وتحاول اجراء الزيارات للأسرى في سجون الطرف الآخر، وهناك من يسمح لهم بزيارة السجون والاطلاع على احوال الاسرى وتطمين أهاليهم، لكن هناك من يمنع ويرفض إجراء مثل هذه الزيارات كماهو الحال في مأرب، إذ أن حزب الاصلاح ومن عشر سنوات لم يسمح للجنة الدولية للصليب الاحمر بزيارة أي سجن من السجون التي يديرها في مأرب، كما ان للجنة الدولية للصليب الأحمر دوراً كبيراً في ملف المفاوضات فهي شريك اساسي مع الأمم المتحدة في كل جولة من جولات المفاوضات وهي من تقوم بتقديم الدعم اللوجستي لتنفيذ أي اتفاق على صفقة تبادل، وقد قامت بدور جيد في دعم وتنفيذ الصفقتين اللتين تمتا عبر الامم المتحدة في الاعوام الماضية، وهي مشكورة على ذلك.
تحرير أكثر من 6500 أسير
• ماذا عن عدد الأسرى الذين تم الافراج عنه خلال صفقات التبادل؟
منذ بداية العدوان حرصنا على العمل بكل الطرق والوسائل لتحرير أسرانا من سجون العدو سواءً عبر الامم المتحدة او عبر المفاوضات والتفاهمات المحلية وبعون الله وتوفيقه تم الى الآن تحرير أكثر من 6500 أسير من اسرانا منهم 1350 أسيراً في صفقتي تبادل عبر الامم المتحدة والبقية تم تحريرهم في صفقات عبر التفاهمات والاتفاقيات المحلية.
حلحلة الإشكاليات
• هل تتوقع انعقاد جولة مفاوضات قادمة خلال الفترة القادمة؟
نحن على تواصل مستمر مع الامم المتحدة منذ انتهاء جولة المفاوضات الاخيرة في مسقط في محاولة لحلحلة كل الاشكاليات والعوائق التي تحول دون تنفيذ ما تم التوافق عليه، وهناك جهود جيدة تبذل من قبل الأمم المتحدة ومقترحات يتم طرحها بين الحين والآخر لتقريب وجهات النظر، ومع انها وللأسف الشديد تصطدم بتعنت الطرف الآخر، إلا اننا لم نيأس ولا زلنا نحاول وبكل الطرق ان نصل الى اتفاق لحلحلة كل هذه الإشكاليات، وفي حال استطعنا تجاوز الاشكاليات والعوائق التي يختلقها طرف العدوان ومرتزقته، فإن الامم المتحدة ستدعو إلى عقد جولة مفاوضات جديدة يتم التوافق فيها على آلية تنفيذ للاتفاقيات السابقة، ونحن حريصون على ان تكون اي جولة مقبلة حاسمة في هذا الموضوع بإذن الله.
رفض وتعنت حزب الاصلاح
• ماذا عن الوساطات المحلية ألا يمكن ان يكون لها دورا ايجابيا في هذا الوقت خاصة أنه كان لها دور في السنوات الماضية؟
بكل تأكيد أن الوساطات المحلية لها دور ايجابي وكبير في هذا الجانب وقد اسهمت في ما مضى بإنجاح كثير من الصفقات، ونحن حريصون جداً على تفعيل دورها، لكن كما ذكرت سابقا أن هناك منعاً من الجانب السعودي لتنفيذ اي صفقات يتم الاتفاق عليها محلياً، وقبل ثلاثة اسابيع قمنا بإرسال ثلاثة من الوسطاء المحليين ممن لهم دور فاعل وبارز في هذا الجانب الى مأرب في محاولة منا لتقريب وجهات النظر وحل الاشكاليات فيما بيننا مع حزب الاصلاح لكن للأسف الشديد لم يتم التجاوب معهم مطلقاً ورفضت قيادة الاصلاح كل المقترحات والحلول التي تقدم بها الوسطاء لحل الخلافات وعاد هؤلاء الوسطاء خاليي الوفاض. ونحن نتأسف ان يتم تعطيل دور الوسطاء المحللين والتفاهمات المحلية بهذا الشكل لأنها كانت تعتبر متنفساً يتم من خلالها تحرير مئات الاسرى من الطرفين.
• هل لكم من كلمة أخيرة؟
نؤكد وكما أسلفنا بأن هذا الملف ملف انساني ويجب على جميع الاطراف التعامل معه من هذا المنطلق، وندعو قوى العدوان ومرتزقتهم الى الكف عن استخدام هذا الملف للابتزاز السياسي والكف عن اختلاق الذرائع التي تعرقل تنفيذ ما تم التوافق عليه، وندعو الامم المتحدة الى الضغط على الطرف الآخر للوفاء بالتزاماتهم وتنفيذ جميع الاتفاقيات التي تمت برعايتها، ونحن من جانبنا نؤكد استعدادنا وجهوزيتنا لتنفيذ كل الاتفاقيات دون قيد أو شرط، كما نؤكد لأهالي أسرانا بأننا سنبذل قصارى جهدنا لتحرير من تبقى منهم دون كلل او ملل ولن نألو جهدا في العمل على ذلك، والله على ما نقول شهيد.