د. مينا بديع عبدالملك يكتب: كتاب «حكماء وادى النيل» سرد تاريخى لكنوز مصر القديمة
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
صدر الكتاب فى نوفمبر من عام 1990 ضمن سلسلة «كتاب اليوم»، التى تصدر عن «مؤسسة أخبار اليوم» للكاتب والصحفى «محمد العزب موسى» (1935 - 1992)، الذى شغل منصب نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار المصرية، وله ما يقرُب من ثلاثين كتاباً مؤلفاً ومُترجماً ما بين الرواية والأدب والتاريخ. قامت د. نعمات أحمد فؤاد (1924- 2016) بتقديم الكتاب، فقالت: (قرأت الكتاب لأكتب مقدمة له فسرقنى من نفسى وكدت أفرغ منه، ولم أكتب بعد سطراً واحداً.
أخبار متعلقة
د. مينا بديع عبدالملك يكتب: عن كتاب فلسفة الرياضة للدكتور محمد ثابت الفندى
د. مينا بديع عبدالملك يكتب: قصة أروع اكتشاف أثرى تُروى للمرة الأولى
مينا بديع عبد الملك يكتب : كتاب «متحف الخط العربى» التوثيق وحماية الهوية العربية
محمد العزب موسى
يقول الأستاذ محمد العزب موسى فى كلامه عن فكرة العدالة فى مصر القديمة: (لا أتصور أن هناك حضارة من الحضارات تعرضت لحملة من الافتراءات والأكاذيب والتشويه مثلما تعرضت لها الحضارة المصرية القديمة.. هذه الحملة الظالمة التى استهدفت مصر بدأها «بنو إسرائيل» بعد خروجهم الشهير، وشارك فيها «اليونانيون» الذين استوطنوا مصر فى أواخر عصورها الذهبية، ثم «الإغريق» الذين جاءوها فى زمن البطالمة، فـ«الرومان» الذين جعلوها أهراء قمح لروما وحرموا أبناءها دون سائر شعوب الإمبراطورية حق المواطنة الرومانية!!..)، ثم يضيف قائلاً: (ومن أشد ما يحز فى القلب أن بعضاً منا نحن «المصريين المحدثين»، ولنقل بل والكثيرين، لم تصل إليهم هذه الدهشة بعد، جهلاً أو تغريراً، فمازالوا يأنفون من ذكر مصر القديمة، ويرونها مجرد أمة بائدة من الوثنيين، ويفصمون بين حاضرهم وماضيهم المجيد بشتى الدعاوى الخاطئة). لقد عرفت مصر القديمة فكرة العدالة، وكانت هناك معايير دقيقة لتطبيقها، وأدبيات كثيرة تشيد بها.
غلاف الكتاب
كانت هناك آلهة للعدالة المُطلقة تُسمى «ماعت» هى ربة العدل والحق والصدق. تصورها النقوش فى هيئة سيدة واقفة أو جالسة مرتكزة على عقبيها، وتحمل فوق رأسها ريشة «طاووس». إن «ماعت» كانت تعنى الصدق والشجاعة والعدالة والحق والفضيلة. كانت بمثابة دستور أخلاقى غير مكتوب يهتدى به الناس فى معاملاتهم، كأنها تقول للإنسان: قُل الصدق.. افعل الخير.. التزم جادة الصواب... إلخ. وكما ورد فى أحد النصوص القديمة وهى من التعاليم الموجهة إلى «مريكارع»: (فضيلة «ماعت» الرجل المستقيم خير عند الإله من ثور يقدمه صانع الآثام).
وعندما تحدث عن «حكماء وادى النيل» قال: (كانت مصر القديمة أرض الحكمة والحُكماء، مثلما هى أرض العلم والعلماء. وقد صارت الحكمة المصرية مضرباً للأمثال منذ قديم الزمان، وحفظ لنا التاريخ أسماء الكثيرين من حكماء وادى النيل الذين عاشوا فى مختلف العصور الفرعونية وتركوا تعاليم ونصائح كانت نبراساً يهتدى به المصريون فى حياتهم.. ولكن هناك حكماء آخرين لم تصل إلينا سوى أسمائهم مع أنهم لا يقلون شهرة، بل قد يزيدون، ومنهم «أيمحُتب» العظيم وزير الملك «زوسر» مؤسس الأسرة الثالثة، وكان حكيماً وطبيباً ومهندساً وفلكياً وكاتباً وكبيراً للكهنة المرتلين ورُفع فى أواخر العصور الفرعونية إلى مرتبة «إله الطب»، و«حرددف» ابن الفرعون «خوفو» بانى الهرم الأكبر، وكان أميراً عاقلاً طيب المعشر مطلعاً على تاريخ الأجداد، وقد هجر فيما يبدو السياسة فى ذلك العصر الملىء بالصراع وتفرغ للحكمة ومصاحبة العلماء، ومنهم أيضاً «أمنحُتب بن حابو» وزير الفرعون «أمنحُتب» الثالث الذى وصلت فى عهده الإمبراطورية المصرية إلى قمة الثراء، ويُنسب إليه أنه بانى تمثالى ممنون الشهيرين، وكان وزيراً وطبيباً ومهندساً. وبالرغم من أنه كان فرداً عادياً ينتمى إلى أسرة متواضعة من «بنهاو»، إلا أنه رُفع إلى مصاف الآلهة- مثل «أيمحُتب»- وأقيم له معبد فى جبانة طيبة الغربية).
لكن الزمن أبقى لنا الكثيرين من الحكماء الذين عاشوا فى وادى النيل، لعل من أشهرهم الحكيم «ايبور» الذى شهد الثورة الاجتماعية الدامية التى أعقبت سقوط الدولة القديمة، ووصفها وصفاً بليغاً، وزميله «نفرروهو» صاحب النبوات عن تحسُن الأحوال وسيادة النظام والعدل، وأنشودة «عازف القيثار» التى تدعو الناس إلى التمتع بمباهج الحياة قبل أن يحين الأجل المحتوم. ولدينا من عصر الدولة القديمة الحكيم «كاجيمنى»، وقد وصل إلينا جزء صغير من تعاليمه محفوظ فى «بردية باريس» وفيها يحث على التواضع والاستقامة والحذر من الكلام غير المسؤول، كما يتحدث عن آداب المائدة وما يجب أن يتحلى به الإنسان من التعفف وضبط النفس وهو يؤاكل الآخرين. ولدينا من الدولة الوسطى وصايا «أمنمحات الأول» لابنه «سنوسرت»، وهى وصايا سياسية فى المحل الأول تصلح كدستور يجب أن يتحلى به الحاكم العادل قوى الشكيمة، وتعاليم «خيتى» لابنه «بيبى» التى تحضه على التعليم والثقافة وتبين فضل قراءة الكتب. أما الدولة الحديثة فلدينا منها نصائح «آنى» لابنه وهى تحض على عظيم الفضائل والخلال، ولا تكاد تجد مجالاً إلا وطرقته، سواء فى العلاقات الأسرية أو العبادة أو دخول المنازل أو الابتعاد عن مواطن الشُبهات أو البر بالوالدين أو عدم الاغترار بالقوة والمال أو معاملة الزوجة والرؤساء.
من أقوالهم الحكيمة يقول «بتاح حُتب»: (كن مجتهداً فى كل وقت، افعل أكثر مما هو مطلوب منك، لا تضع وقتاً هباءً إذا فى إمكانك أن تعمل، مكروه ذلك الذى يسىء استخدام وقته، إن العمل يأتى بالثروة، والثروة لا تدوم إذا هُجر العمل)، ويقول الحكيم «آنى»: (إن قلب الإنسان يشبه مخزناً للغلال مليئاً بالإجابات من كل نوع، اختر الردود الطيبة منها وتحدث بها على لسانك، واحتفظ بالردود السيئة فى داخلك).
وعندما تعرض الأستاذ محمد العزب موسى لموضوع العبادة فى مصر القديمة تحت عنوان «لم يكونوا مجرد عبدة أوثان، قال: (لعل من أكبر المطاعن التى توجه إلى مصر القديمة أنها لم تعرف الإله الحق، وإنما عبدت خليطاً من الآلهة والربات من ذوى الأصول الكونية أو الحيوانية أو البشرية. وإن المصريين القدماء كانوا يعبدون الأصنام، أو كما أعرب أحد المثقفين الذين دخلت معهم فى معركة فكرية منذ ربع قرن عن عجبه واستنكاره لدفاعى عن الحضارة المصرية والتاريخ الفرعونى بدعوى أن «المصريين القدماء كانوا أمة بائدة من الوثنيين ولا يستحقون بالتالى شرف التقدير أو مئونة الاهتمام بهم إلا بمقدار ما تستحق ذلك قبائل الكفرة من عرب الجاهلية قبل الإسلام!» والحق أن شبهة الوثنية والكفر من أشد ما ألحق جهلاً بالمصريين القدماء، وهى شبهة محقت فى أعين الكثيرين كل الأمجاد التى حققها المصريون الأوائل فى السياسة والفكر والصناعة والحرب وكل ألوان الحضارة. ولكن هذه الشبهة غير صحيحة على إطلاقها، ولا يصح أن يوصف المصريون القدماء بالكفر. فقد تصور الإنسان القديم أن الإله مرتبط بالإقليم الذى يُعبد فيه ويجب أن يُرجع إليه باعتباره الحامى لهذا الإقليم. وهذا وضع طبيعى فى سلم التطور، فالناس لم يصلوا إلى نظرة كونية عالمية بعد، وإنما كل عالمهم إقليمهم الذين يعيشون فيه.. مشاعر العبادة لديهم صادقة ولكنها محدودة، فلا ينبغى أن يُطلب من إنسان محدود أن يفكر فى اللامحدود، وإنما من المفهوم أن يكون تفكيره محدوداً بظروفه. ومع ذلك، ورغم كل الصعوبات والمخاطر، عرف تاريخ الفكر الدينى المصرى ذلك الإنسان الشجاع الذى يعنى حقيقة الوحدانية بصراحة وقوة غير آبه بما يجره عليه ذلك من مشاكل وتعقيدات. ذلك الإنسان هو «إخناتون» الذى وصفه كثير من المؤرخين بإمام الموحدين وأول من دعا إلى وحدانية الخالق. ولم يكن «إخناتون» رجلاً عادياً، وإنما كان فرعوناً يجلس على عرش آبائه وأجداده فراعنة الأسرة الثامنة عشرة. غير أن الفكر الدينى المصرى، بغض النظر عن فشل التجربة الوحدانية الأولى، استشرق أهم المبادئ التى قامت عليها الديانات السماوية فيما بعد، وهى مبدأ خلود الروح والحساب فى العالم الآخر والجزاء على الأعمال الدنيوية بالنعيم أو الجحيم.
ما أشد احتياجنا إلى الوعى السليم بتاريخ وتعاليم حضارتنا المصرية العريقة، وأن يتم تدريسها بكل الفخر لأولادنا فى مدارسنا ومعاهدنا، وأن تكون لمتاحفنا المتعددة رسالة واضحة فى إيضاح روعة الحضارة المصرية وعظمتها.
ثقافة مؤسسة أخبار اليوم كتاب حكماء وادى النيلالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين ثقافة
إقرأ أيضاً:
مهرجان القاهرة السينمائي.. أحلام وقضايا الشعوب العربية تتلاقى في رحلة من السعادة والمتعة
فى حضرة الشاشة الكبيرة تجوب الأنفس أرجاء العالم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث تتلاقى الثقافات والفنون والعادات والتقاليد من مختلف دول العالم فى مهرجان القاهرة السينمائى بدورته الـ45، التى تحمل تنوعاً وثراءً فنياً واضحاً من جميع الدول، فى رحلة لا منتهية من السعادة والمتعة، فمن بين الأعمال السينمائية المشاركة والتى تعرض لأول مرة ضمن فعاليات المهرجان، الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، والسورى «سلمى»، كل منهما يحمل قصة ورسالة مختلفة بقضية إنسانية تلمس الوجدان.
«أنا مش أنا» فيلم مغربى مدبلج باللهجة المصريةوقال هشام الجبارى، مخرج ومؤلف الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، الذى جرى عرضه باللهجة المصرية بعد دبلجته، إن الفيلم يعد خطوة فى مسار تعزيز التبادل الفنى بين المغرب ومصر، وبخاصة أن اللهجة المغربية صعبة الفهم، لذا تمت دبلجة الفيلم لكسر الحاجز بين الشعوب العربية حتى يتمكنوا من فهم أحداث العمل.
والأمر نفسه أكده بطل العمل عزيز داداس، الذى أعرب عن فخره وسعادته بمشاركته فى مهرجان القاهرة، قائلاً: «شرف كبير لى عرض الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الأهم والأعرق فى المنطقة العربية، وسعيد بدبلجته إلى اللهجة المصرية».
وشهدت قاعة العرض حالة كبيرة من التصفيق والتفاعل مع الحضور فور انتهاء عرض الفيلم، الذى حرص عدد من نجوم الفن والرياضة المغاربة على دعمه بمشاهدته بالمهرجان، حيث رفع الفيلم شعار كامل العدد قبل أيام من انطلاقه بدور العرض المصرية.
فيلم «أنا مش أنا» من تأليف وإخراج هشام الجبارى، بطولة عزيز داداس، مجدولين الإدريسى، دنيا بوطازوت، وسكينة درابيل، ووِصال بيريز، وإنتاج فاطنة بنكران.
يأتى ذلك كجزء من مبادرة مهرجان القاهرة السينمائى لدعم التجارب السينمائية التى تعزز التواصل الثقافى بين الشعوب، إذ يمكن الجمهور المصرى من التفاعل مع إنتاجات دول أخرى خارج الدائرة المعتادة للسينما العالمية.
وذكر مهرجان القاهرة السينمائى، فى بيان، أنه فخور بهذه التجربة التى تسعى إلى تقديم صورة جديدة للإبداع السينمائى، من خلال التفاعل بين الصورة والصوت والتجارب الثقافية المختلفة، وهو ما يعكس التزامه بدعم التنوع السينمائى عالمياً.
«سلمى» يسلط الضوء على معاناة الشعب السورىأما الفيلم السورى «سلمى»، الذى يشارك فى مسابقة آفاق للسينما العربية، فهو من بطولة الفنانة السورية سولاف فواخرجى، التى أعربت عن سعادتها بالعرض العالمى الأول لفيلمها بمهرجان القاهرة السينمائى، موضحة فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن الفيلم يتناول قضية إنسانية رغم المآسى التى يتطرق إليها وتعبر عن واقع الشعب السورى إلا أنها حاولت أن يكون الفيلم رسالة قوية للقدرة على المواصلة فى تجاوز الصعاب بالإرادة.
«سولاف»: رسالة لتجاوز الصعاب بالإرادةوقال جود سعيد، مخرج «سلمى»، الذى يشارك فى فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى للمرة السادسة، منذ عام 2009، إنه كان يشعر بالحزن عندما لا يشارك بأفلامه ضمن المهرجان، مشدداً على رفضه لفكرة حمل الفيلم رسالة محددة، وأن كل مشاهد هو صانع العمل بعينه ويراه حسبما يشاء تبعاً لثقافته وما يشعر به.
وأضاف «سعيد» أنه مهووس بالقصص والحكايات الحقيقية وتحويلها لعمل فنى يتفاعل ويستمتع معه الجمهور، لافتاً إلى أنه تجمعه علاقة صداقة قوية مع «سولاف»، أفضت إلى مزيد من التعاون بينهما وحالة من الشراكة انعكست على الشاشة.
من جانبه، أعرب الفنان السورى ورد، الذى يجسد دور شقيق بطلة العمل «سولاف» بالأحداث، أن مشاركة «سلمى» بالمهرجان حلم بالنسبة له وطموح لكل من يعمل فى صناعة السينما، معرباً عن فخره بفكرة الفيلم التى تنتمى إلى الكوميديا السوداء.