بسبب فلسطين..الجزائر تمنع زعيم حزب إسلامي من السفر والأخير يفجر حقائق خطيرة
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
أخبارنا المغربية - عبدالاله بوسحابة
بون شاسع وفرق كبير بين الشعارات الرنانة التي تتشدق بها الجزائر، فيما يتعلق بالتضامن مع فلسطين ونصرة أهاليها المضطهدين، وبين وما يبطنه نظامها من نفاق وازدواجية في المواقف التي لها صلة بالقضية الأبرز للأمة العربية والإسلامية.
دليل ما جرى ذكره، إقدام نظام الكابرانات على منع المعارض السياسي الجزائري، الدكتور "عبد الرزاق مقري"، الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، والرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، من السفر إلى خارج الجزائر، لأسباب قال إنها مرتبطة بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية.
في ذات السياق، نشر "مقري" تدوينة مطولة عبر حسابه الخاص على الفيسبوك، عنونها بـ"لقد منعت من السفر خارج الوطن"، وجاء فيها: "كنت قبل يومين أهم بالسفر خارج الوطن فإذا بي أخبر في موقع شرطة الحدود أنني ممنوع من الخروج، وعند مناقشتي الضابط الذي كلف بإخباري وجدته لا يعرف شيئا عن الموضوع سوى أنني ممنوع وأنه لا يعرف غير هذا".
وتابع المعارض الجزائري حديثه قائلا: "لقد تأكد لدي بأن سبب منعي من مغادرة التراب الوطني له علاقة بالقضية الفلسطينية، وبغض النظر عن السبب وعن قضيتي الشخصية فإن هذا الإجراء الأمني المخالف للدستور والقوانين ولمبادئ الحقوق الأساسية للمواطن يدل على استخفاف السلطات بظروف ومصائر الناس، دون أي اكتراث بما قد يلحق المسافر من الأذى في مصالحه المادية والمعنوية والنفسية وربما الصحية والتعليمية وغير ذلك، وكذا مصالح من لهم علاقة به وبسفره. وهو إجراء يدل كذلك على جرأة كبيرة في الدوس على الدستور والقوانين والأخلاق بمجرد الوهم من غير سؤال ولا حوار مع المعني وبدون أي احترام له كإنسان و كمواطن حر".
وفيما يلي، بقية نص الرسالة التي نشرها "مقري" عبر صفحته الفيسبوكية:
1 – أقوم بنشر الخبر بنفسي للرأي العام وملابساته وآثاره بعدما لم أفلح في حل المشكل عن طريق الاتصال بالجهات المعنية للأسف الشديد ولم أستطع استئناف سفري للوجهة التي كنت أريدها والقيام بأعمالي وفق برنامجي وتحقق الضرر الذي لحق بي. علما بأن الخبر قد تم تداوله في عدة دوائر منذ وقوعه، وأؤكد بالمناسبة لمن يهمه الأمر بأنني لست متابعا قضائيا، وأثناء الليلة التي وقعت فيها مجـ..زرة المستشفى الأهلي في غـ..زة والتي خرجت على إثرها للشارع بشكل تلقائي دون تنسيق مع أحد ودعوت عبر هاتفي الناس للخروج لإظهار غضبنا كجزائريين ضد الصـ.@ـاينة مثل غيرنا من الشعوب في العالم أخبِرت رسميا بأنه لا توجد أي متابعة قانونية.
2 - يشرفني كثيرا أن أتعرض لهذا الاعتداء الرسمي بسبب مناصرتي للقضية الفلسـ..طينية، وسعادتي لا توصف أنني أتحمل ضمن الملحمة التاريخية العالمية التي دشنها طوفان الأقـ..صى هذا الجزء اليسير من الأذى الذي لا وزن له مقارنة بما يكابده أهلنا في غـ..زة. إن مواقفي في معارضة النظام السياسي التي تجعلهم ينتقمون مني بسببها كثيرة منذ سنوات، في مجال السياسة والحريات والاقتصاد ومكافحة الفساد، ولكن الحمد لله أن القضية التي اعتدي علي بسببها هي قضية مقدسة لا يختلف عليها الجزائريون.
3 – إن عملي للقضية الفلسـ..طينية ليس جديدا ولا يوجد أي سبب للتحسس منه بخصوصي من قبل السلطات، فقد كنت الأمين العام لفرع مؤسسة القدس العالمية تحت رئاسة الشيخ شيبان والأستاذ عبد الحميد مهري رحمهما الله، وكنت رئيس الوفد الجزائري لأسطول الحرية وبعد خروجنا من السجن الإسرائيلي في فلسطـ..ين المحـ..تلة بعد هجوم الجيش الصـ.@يوني على سفينة مرمرة نقلتنا طائرة خاصة رسمية جزائرية من الأردن إلى الجزائر، وكنت رئيس الوفد الجزائري في قافلة شريان الحياة 5 الذي ضم أكثر من مائة فرد جزائري والعديد من القوافل بعد ذلك وكنت بخصوصها في اتصال دائم مع سفارتنا في مصر، وشاركت في مسيرة العودة التأسيسية الأولى في الأردن نحو الحدود الفلسطـ..ينية المحـ..تلة، ونظمت وشاركت في مسيرات ومهرجانات لا تحصى لنصرة فلسـ..طين في الجزائر وخارجها، وعلاقتي مع الفلسطينيين مكشوفة واضحة لا تخفى على أحد وأنا عضو في حركة جزائرية اسمها الأول "حمـ.ـlس" نشأت كجزء من مسيرة الأمة لتحرير فلسـ..طين، ومن بلد اسمه الجزائر شعاره الخالد "مع فلسـ..طين ظالمة أو مظلومة"، وأنا إذ أتعرض للأذى بسبب انخراطي في تحولات طوفان الأقـ..ـصى فإن ذلك شرف لي أكثر من أي مساهمة سابقة بالنظر للتحولات التاريخية التي أنشأها هذا الطوفان المبارك، الذي كنت أستشرفه دون أي معلومات سابقة عنه، وتحدثت عن ضرورة تصعيد المقـ..lومة لإنقاذ القضية الفلسـ..طينية من الضياع أياما قليلة قبل وقوعه، ووقع كما كنت أتوقعه وثمة شهود على ذلك، فكيف لا أحتفي به وقد كان جزء من فكري ومشاعري قبل حدوثه.
4 - كنت أثناء منعي من مغادرة التراب الوطني متجها إلى الدوحة وماليزيا، وكان برنامجي في الدوحة هو زيارة مجاملة وتهنئة للقائد هـ...نية والقيادة الفلسـ..طينية في اليوم الموالي وحدد الموعد لذلك، وبعدها القيام باتصالات لإبرام اتفاقات شراكة لعقد المؤتمر الدولي السابع لمنتدى كوالالمبور الذي سيعالج الانهيار القيمي والأخلاقي في العالم، وسيركز على انهيار القيم الأخلاقية للدول الغربية تجاه المحرقة الجارية في غزة، بمشاركة شخصيات من مختلف أنحاء العالم من المسلمين وغير المسلمين، ومن ذلك الالتقاء وفق مواعيد مضبوطة مع عدد من العلماء على رأسهم الشيخ الددو والشيخ الصلابي. وأما في ماليزيا فكنت سألتقي مع الدكتور مهاتير رئيس منتدى كوالالمبور لمناقشة المؤتمر وقضايا المنتدى بصفتي الأمين العام، بالإضافة إلى لقاءات أخرى مهمة مع العديد من الشخصيات حول قضايا المسلمين والقضية الفلسطينية، علاوة على ندوة كنت سأقدمها عن كتابي " الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور". وقد اتصل بي من كان لي معهم مواعيد للسؤال عن تأخري فلم أخبرهم بعد، وبالرغم من أن سبب منعي مخجل سأضطر لمراسلتهم بعدم قدرتي على السفر.
5 – هذا التضييق يدل على أنني أصبحت مستهدفا بشكل مباشر من النظام السياسي وقد أقدم على هذا التجاوز الظالم ضمن سياسة التحكم في الجميع المتبعة من قبل، وبغرض العزل السياسي المتعلق بالتحولات الجديدة، وبالاعتماد على حالة الركود السياسي والحقوقي العام في البلاد، وبالنظر أنه لا توجد قوة خارجية تسندني على غرار ما تفعله فرنسا وأمريكا والدول الأوربية حين يتم التضييق على أصدقائهم وحلفائهم أو عملائهم من النشطاء السياسيين الجزائريين، بل إن سبب التضييق عليّ المتعلق بالقضية الفلسـ..طينية سيجعل هؤلاء الغربيبن يسعدون بذلك، وقد سبق لهم التحريش ضدي عبر أحد وكلائهم كما قد أبينه لاحقا، ولكن ثقتي في الله كبيرة وتوكلي عليه عظيم، وسأبقى أكافح من أجل ما أؤمن به بأنه حق ولو كنت وحدي ولا يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا والأيام دوّارة، والله سبحانه أقوى من الظالمين جميعا، وحسبنا مولانا عز وجل وهو نعم الوكيل. وصدق الله تعالى إذ يقول: " إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوان كفور".
6 – إن هذا المستوى من تكميم الأفواه ومنع الحريات لم أر مثله من قبل، رغم طول سنوات النضال في العمل السياسي، فقد خرجنا في مسيرات في الشوارع منذ بداية التعددية دون ترخيص في وقت الإرهـ..ـاب وفي ظروف أمنية أخطر بكثير من أي وقت، ووقع التدافع بيننا وبين رجال الأمن في الشارع، دون أي حقد ولا ضغينة، فلم يُحاسب أحد ولم يتابع أحد ولم يُمنع أحد من السفر . لقد خرجنا للشوارع دون ترخيص في زمن زروال وبوتفليقة، ضد التزوير، ومن أجل العراق، وتضامنا مع غـ..زة والمقـ..lومة، وضد العهدة الرابعة، وضد الغاز الصخري وضد الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتم التصرف مع أي كان بالشكل المعمول به حاليا في هذه الفترة.
7 – لم أتوقف أنا شخصيا عن نقد بوتفليقة بأقوى العبارات، واتهمت نظامه بالفساد والفشل وتخريب البلد، وحين أغضبته مُنعت شخصيا من التلفزيون الرسمي ولم أمنع من القنوات الخاصة ولم أمنع من السفر، بل قمت بنقد القايد صالح ذاته رحمه الله، ومن قبل قمت بنقد المخابرات والجنرال توفيق، وكل تصريحاتي موثقة إلى الآن في الوسائط الاجتماعية ولم يقم أي واحد من هؤلاء الرجال الأقوياء بمنعي من السفر، ورغم انزعاجهم من توجهي السياسي كانوا جميعا يدركون بأنه ليست لي أي حسابات شخصية وأتحرك بقناعتي من تلقاء نفسي وأنهم ليسوا وطنيين أكثر مني.
8 – يجب أن نقول بكل وضوح بأن هذه المرحلة هي أكثر المراحل تضييقا للحريات، سياسيا وإعلاميا واقتصاديا ومجتمعيا، وأن هذا التضييق الذي تجاوز الحدود لا يدل على قوة السلطة الحاكمة ولكن على ضعفها، وأن البلد سيضعف معهم بتصرفاتهم هذه، وأن قمع الحريات مهما اشتدت ومهما كان ضحاياه لن يدوم، وإنما يُسجّل بأسوء الذكريات باسم أصحابه عند الله وفي التاريخ، المستبدين منهم والمناضلين والساكتين.
ملاحظة في الأخير: قال لي بعض الأصدقاء لو تمتنع عن الحديث في وسائل الإعلام أفضل. فقلت لهم لا يوجد شيء أفضل مع النظام السياسي الجزائري، تتحدث مشكلة وتسكت مشكلة، إذا الأفضل أن أتحدث حتى يسمع الناس مني ولا يسمعون عني ولعل ذلك يساهم في وعي الناس. وأنا مطلع على تجارب من قبلي سكتوا فقتلهم النظام السياسي سياسيا في صمت، من هؤلاء عبد الحميد مهري، منذ أن انقلبوا عليه وهو ساكت فلم ينفع صمته ومات بغيضه، وأصبح حزبه متحكما فيه من خارج مؤسساته، وبعده الشيخ محفوظ دمروا حياته السياسية منذ أن أصر على الترشح للانتخابات الرئاسية عام 1999، طعنوه في تاريخه وحاصروه ثم أضعفوه في الانتخابات التشريعية عام 2002، فمات بغيضه في صمت، فلم يتكلم عن أوجاعه وغضبه من النظام السياسي إلا معنا في محيطه الضيق، وكانت النتيجة أنه أصيب بالعديد من الأمراض ومات وعمره 61 عاما (أقل من السن الذي أنا فيه)، وضعف حزبه بعده وانقسم إلى عدة أجزاء، وبقي النظام السياسي، في المقابل، يكرر تجارب الفشل والفساد ويُغرق البلد في التخلف إلى أن وصل إلى الحضيض الذي ثار عليه الحراك الشعبي، وذهب سكوتهم وتضحياتهم سدى من هذه الزاوية. وهذا النهج السياسي الذي أسلكه - ليس من اليوم فقط - بكل إيمان ومسؤولية، هو الذي نفع الحركة التي كنت على رأسها، ونفع الفعل السياسي في الجزائر. وحتى وإن لم يكن في الوقوف مع المبدأ أي كسب مرحلي وكانت فيه تضحيات فذلك هو الصواب وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: النظام السیاسی من السفر دون أی من قبل
إقرأ أيضاً:
الصرخةُ.. سلاحُ الوعيِ الذي أرعبَ الأساطيلَ
حينَ صرخَ الشهيد القائد السيدُ القائدُ حسين بدر الدين الحوثي ـ رضوانُ الله عليه ـ في وجهِ المستكبرين، لم تكنْ صرخةً عبثية، ولا شعارًا لحظيًّا، بل كانت استبصارًا قرآنيًّا عميقًا لطبائعِ الصراعِ، واستشرافًا استراتيجيًّا لمآلاتِ الهيمنةِ الأمريكية.
لم يكنْ مجردَ هتافٍ، بل إعلانُ تموضعٍ حضاريٍّ في معسكرِ المستضعفين، وبدايةُ مشروعٍ قرآنيٍّ متكاملٍ يواجهُ الهجمةَ العالميةَ بكلِّ أدواتِ المواجهةِ الممكنةِ: النفسيةِ، والعسكريةِ، والسياسيةِ، الاقتصاديةِ، والثقافيةِ.
الصرخةُ كفعلٍ عسكريٍّ ونفسيٍّ:
قال رضوان الله عليه: «دعوا الشعبَ يصرخْ في وجهِ الأمريكيين، وسترون أمريكا كيف ستتلطف لكم… هي الحكمة، ألسنا نقول: إن الإيمانَ يماني، والحكمةُ يمانية؟».
لقد وعى الإمامُ القائدُ طبيعةَ الصراعِ ومفاتيحَه النفسية والسياسية والعسكرية، فحوّل شعار
«الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام» إلى سلاحٍ نفسيٍّ ووجدانيٍّ وميدانيٍّ، غيّر موازينَ الوعي في الأمة.
لقد أثبتتِ التجربةُ أنَّ الحربَ اليومَ لم تَعُدْ حربَ ميادينَ فقط، بل هي حربُ عقولٍ وأعصابٍ وإرادات.
ولأنّ أمريكا وحلفاءَها يدركونَ أن الهيمنةَ تبدأُ من كسرِ العزائمِ وتطويعِ النفوسِ، كانت الصرخةُ ـ بما تحملهُ من شحنةِ وعيٍ وعقيدةٍ وثبات ـ حربًا معاكسةً تضربُ في العمقِ النفسيّ للعدو، وتفكّكُ بنيتَهُ الإعلاميةَ والمعنويةَ.
فمنذ أن رفعت الصرخةُ، لم تستطعِ الدعايةُ الأمريكيةُ أن تُقنعَ الشعوبَ بعدالةِ مشاريعها، ولا أن تصِمَ أنصارَ الله بالإرهاب، رغمَ سيلِ التهمِ والتضليلِ، لأنها أمامَ جدارِ شعارٍ نقيٍّ، لا يشوبهُ تطرّفٌ ولا يَقبلُ مساومة.
أن بُنيةِ الشعارِ ومفاعيلهِ العسكريةِ والنفسيةِ على ساحةِ الصراعِ الكونيِّ، أهان الاستكبار العالمي في فضح هشاشة القبة الحديدية.
الصرخةُ ومعادلةُ الردعِ البحرية:
في خضمِّ معركةِ الفتحِ الموعود، تحوّل الشعارُ من هتافٍ إلى تكتيك، ومن صوتٍ إلى صاروخ.
أغلقتِ الموانئُ، توقّفَ ممرُّ إيلات، وارتبكتْ حاملاتُ الطائرات، وسُحقتِ الهيبةُ الأمريكيةُ في البحرِ الأحمرِ وخليجِ عدن. ولأولِ مرةٍ في التاريخ، تقفُ البوارجُ الأمريكيةُ عاجزةً عن حمايةِ السفنِ الإسرائيليةِ، وتضطرُّ لمواجهةِ طائراتٍ مسيّرةٍ يمنيةٍ وصواريخَ باليستيةٍ ومجنحةٍ، بعضها فرطُ صوتيّ، انطلقتْ باسمِ الشعارِ، وبروحِ المشروعِ القرآنيّ.
الصرخةُ ومنظومةُ الدفاعِ الجوّي والمعركةُ النفسية:
معركة الثقافة والمصطلحات:
حينَ تحوّلتْ المعركةُ إلى السماءِ، وإسقاط 18 طائرة “إم كيو 9” أمريكي،22 طائرة أمريكية نوع (MQ-9 ) والأف-١٥ والأف-١٦، وسجّلَ أرقامًا غيرَ مسبوقةٍ في التصدي لطيرانِ العدوّ، كانت الصرخةُ هي الموجهَ الأخلاقيّ والعقائديّ للمقاتلِ اليمنيّ. هذا المقاتلُ لا يقاتلُ بدافعِ الأجرِ أو الثأرِ، بل بدافعِ الإيمانِ بالله، والبراءةِ من أمريكا، والولاءِ لمحورِ الحقّ. ومن هنا، فإنّ شعارَ الصرخةِ ـ كما أشار السيد القائد عبد الملك الحوثي، يحفظه الله، أنّ “الشعار” ليس مجرّد هتاف، بل سلاحٌ ثقافيٌّ وسياسيٌّ وعسكريٌّ في وجه قوى الاستكبار.
فهو يفضح الهيمنة الأمريكية، ويُعبّئ الأمة وعيًا ورفضًا للتبعية، ويُمهِّد لموقف عمليٍّ يُثمرُ في ميادين التصنيع العسكري والمواجهة.
ومن الشعار بدأت المسيرة، وبالشعار تستمر حتى تحرير القدس.
مكاسبُ الصرخةِ:
وضوحُ العدوِّ، وكشفُ العملاء، لقد كشفتِ الصرخةُ زيفَ الديمقراطيةِ الغربية، وأظهرتْ أنظمةَ التطبيعِ على حقيقتِها، وأسقطتِ الأقنعةَ عن وجوهِ التبعيةِ السياسيةِ والثقافيةِ والاقتصادية.
فضحتْ الحركاتِ التكفيريةَ التي تحرّكت في سورية وصمتتْ في فلسطين، وعرّتْ العقيدةَ القتاليةَ الغربيةَ التي لا تعرفُ الشرفَ ولا تعرفُ القدس وعندما نقضت أمريكا الفيتو في مجلس الأمن، طبقت الصرخة الفيتو في البحر الأحمر.
الصرخةُ والبراءةُ:
من شعائرِ الحجِّ إلى شعائرِ الجهاد من رميِ الجمراتِ في منى، إلى قصفِ السفنِ في بابِ المندب، تتجلّى الحكمةُ اليمانيةُ في أوضحِ صورِها. فالصرخةُ ليستْ إلا امتدادًا لشعيرةِ البراءةِ التي أُمرنا بها في التوبةِ:
(براءةٌ من اللهِ ورسولِه إلى الذين عاهدتم من المشركين).
وكما نرمي الجمراتِ إعلانًا للعداءِ مع إبليس، نرمي الصواريخَ والمسيراتِ براءةً من الشيطانِ الأكبر، لقد جاءَ هذا الشعارُ متّصلًا بشعائرِ الله، تمامًا كالرجمِ في مِنى، حيثُ يرمي الحجيجُ الشيطانَ رمزًا للبراءة والمواجهة، وهكذا هي الصرخة، رجمٌ للشيطانِ الأكبرِ أمريكا، وقطعٌ لعهدِ التبعية، وإعلانُ سخطٍ دائمٍ في وجهِ الطغيان.
إنها صلةٌ إيمانيةٌ باللهِ تجعلنا أقوياء، وتجعلُ عدوَّ اللهِ ضعيفًا ومرتبكًا أمام ثباتنا.
الصرخةُ والقضيةُ المركزية:
حينَ ارتبطَ الشعارُ بفلسطين، دوَّى في أصقاع الكوكب لتصبح صرخة عالمية.
عندما ارتبطتِ الصرخةُ، شعارُ المشروعِ القرآني، بالقضيةِ المركزيةِ للأمةِ ـ فلسطين ـ تحوّلتْ من مجرّدِ شعارٍ يمنيٍّ إلى صرخةٍ أمميةٍ تتردّدُ في مساجدِ طهران، وساحاتِ بغداد، وجبالِ لبنان، وأزقةِ غزّة، ومدنِ الجنوبِ الأفريقي، وبلدانِ أميركا اللاتينية.
لقد أصبحتِ الصرخةُ رايةً تحتمي بها قلوبُ المحرومينَ، ويتسلّحُ بها كلُّ مستضعفٍ في وجهِ الطغاةِ والمحتلين.
فحيثُ وُجِدَ الظلمُ، يجبُ أن تُرفَعَ الصرخة، وحيثُ وُجِدَ الاستكبارُ، لا بدّ أن يُسمَعَ صوتُ البراءةِ في وجهِه.
وهكذا، لم تعُد الصرخةُ ملكًا لجغرافيا محددة، بل صارتِ الميثاقَ الثوريَّ للأحرار، والدستورَ الأخلاقيَّ للمقاومين، والبوصلةَ التي تُشيرُ دومًا إلى القدسِ، مهما حاولَ المطبّعونَ تشويهَ الطريق.