للمرة الأولى منذ غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، يبدو وكأنه قادر على الفوز في مواجهة الغرب لعدة أسباب على الجانبين، بحسب تحليل في مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية (The Economist) ترجمه "الخليج الجديد".

ويبرر بوتين هجومه العسكري المستمر على أوكرانيا بأن خطط جارته، المدعومة من الغرب، للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة، تهدد الأمن القومي الروسي.

المجلة قالت إن "الرئيس الروسي عزز قبضته على السلطة، واشترى إمدادات عسكرية من الخارج، ويساعد في تأليب الجنوب العالمي ضد الولايات المتحدة، ويقوض الاقتناع في الغرب بأن أوكرانيا قادرة على الخروج من الحرب باعتبارها ديمقراطية أوروبية مزدهرة".

وتابعت: "يمكن للغرب أن يفعل الكثير لإحباط بوتين، إذ يستطيع نشر موارد عسكرية ومالية تتضاءل أمامها موارد روسيا، لكن الافتقار الصادم إلى الرؤية الاستراتيجية يعترض الطريق، وخاصة في أوروبا. ولمصلحته هو وأوكرانيا، يحتاج الغرب بشكل عاجل إلى التخلص من سباته".

و"السبب وراء احتمالية فوز بوتين هو أن الفوز يتعلق بالقدرة على التحمل وليس الاستيلاء على الأراضي، فلا يستطيع أي من الجيشين طرد الآخر من الأرض التي يسيطر عليها حاليا"، كما أضافت المجلة.

واستطردت: "لقد توقف هجوم أوكرانيا المضاد، فيما تخسر روسيا أكثر من 900 رجل يوميا في معركة الاستيلاء على مدينة أفدييفكا في منطقة دونباس (شرق). وهذه حرب يمكن أن تستمر لسنوات عديدة".

اقرأ أيضاً

383 مليار دولار.. الميزانية الأضخم لروسيا توضح أولوية الحرب لدى بوتين بأوكرانيا

دعم أجنبي

و"إذا انسحبت أوكرانيا، فسترتفع أصوات المعارضة في كييف، وكذلك سترتفع أصوات في الغرب تقول إن إرسال الأموال والأسلحة إلى أوكرانيا ليس إلا إهدارا للأموال"، بحسب المجلة.

ورأت أنه "في عام 2024 على الأقل، ستكون روسيا في وضع أقوى للقتال؛ لأنها ستمتلك المزيد من الطائرات بدون طيار وقذائف المدفعية، وجيشها طور تكتيكات حرب إلكترونية ناجحة ضد بعض الأسلحة الأوكرانية، وسيتقبل بوتين وقوع خسائر مروعة في صفوف قواته".

وتابعت أن "تزايد الدعم الأجنبي يفسر جزئيا تفوق روسيا في ساحة المعركة، إذ حصل بوتين على طائرات بدون طيار من إيران وقذائف من كوريا الشمالية. وعمل على إقناع قسم كبير من دول الجنوب بأنه ليس لديه مصلحة كبيرة في ما يحدث لأوكرانيا (إلقاء اللوم على الغرب)".

وأضافت أن "تركيا وكازاخستان أصبحتا بمثابة قنوات للبضائع التي تغذي آلة الحرب الروسية، وفشلت خطة غربية للحد من عائدات النفط الروسية عبر وضع حد أقصى لسعر خامها عند 60 دولارا للبرميل؛ وذلك بسبب ظهور هيكل تجاري موازٍ بعيد عن متناول الغرب. ويبلغ سعر خام الأورال من روسيا 64 دولارا، مرتفعا بنحو 10% منذ بداية عام 2023".

اقرأ أيضاً

ف. تايمز: روسيا تغير بنك أهدافها في أوكرانيا لهذا السبب.. ما علاقة صواريخ الغرب؟

أمريكا وأوروبا 

كذلك يفوز بوتين، بحسب المجلة، "لأنه عزز موقفه في الداخل. والآن يقول للروس، على نحو سخيف، إنهم عالقون في صراع من أجل البقاء ضد الغرب".

وتابعت: "ربما لا يحب الروس العاديون الحرب، لكنهم اعتادوا عليها. وقد شددت النخبة قبضتها على الاقتصاد وتجني الكثير من المال. ويستطيع بوتين أن يدفع أجرا مدى الحياة لأسر أولئك الذين يقاتلون ويُقتلون".

وقالت إنه "في مواجهة كل هذا، لا عجب أن المزاج العام في كييف أصبح أكثر قتامة، فلقد عادت السياسة، حيث يتدافع الناس على النفوذ. واندلعت خلافات بين الرئيس فولوديمير زيلينسكي وأكبر جنرالاته فاليري زالوزني، وتظهر استطلاعات الرأي أن فضائح الفساد والمخاوف بشأن مستقبل أوكرانيا أثرت على موقف زيلينسكي لدى الناخبين".

و"تصر الحكومات الغربية على أنها ملتزمة تجاه أوكرانيا كما كانت دائما. لكن استطلاعات الرأي في جميع أنحاء العالم تشير إلى أن الكثيرين يشككون في ذلك"، كما أردفت المجلة.

وأضافت أنه "في الولايات المتحدة، تكافح إدارة (الرئيس جو) بايدن لجعل الكونجرس يفرج عن تمويل بأكثر من 60 مليار دولار. وقريبا ستقف الحملة الانتخابية (للرئاسة) في العام المقبل عائقا في الطريق. وإذا تم انتخاب دونالد ترامب رئيسا، بعد أن وعد بإحلال السلام في وقت قصير، فقد تتوقف وانشطن فجأة عن توريد الأسلحة تماما لكييف".

وزادت بأنه "ينبغي على أوروبا أن تستعد لاحتمال إبطاء المساعدة الأمريكية، أيا كان (الرئيس) الموجود في البيت الأبيض".

واستدركت: "لكن بدلا من ذلك، يتصرف القادة الأوروبيون كما لو أن بايدن السخي سيظل في السلطة دائما. ووعد الاتحاد الأوروبي أوكرانيا بمبلغ 50 مليار يورو (56 مليار دولار)".

وقالت المجلة إنه "في ديسمبر/كانون الأول (الجاري)، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يشير إلى استعداده لبدء المحادثات بشأن عضوية أوكرانيا. ولكن هذه العملية سيتم تأجيلها لأن التوسعة صعبة وتهدد مصالح خاصة".

اقرأ أيضاً

هزيمة روسيا في أوكرانيا لا تقل خطورة على الغرب من انتصارها

المصدر | ذي إيكونوميست- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أوكرانيا بوتين الحرب الفوز الغرب

إقرأ أيضاً:

شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (4)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يتابع عالم السياسة الشهير ألكسندر جليبوفيتش رار في كتاب (روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟)، والذى نقله إلى العربية محمد نصر الدين الجبالى، بقوله: وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى مباشرة قام يلتسين بكل ما هو ممكن للإبقاء على أوكرانيا وروسيا البيضاء في كونفدرالية تضم الدول السلافية. 

وكانت تلك الفكرة هى النواة الأولى لتأسيس رابطة الدول المستقلة لاحقًا. غير أن النموذج "السلافى" للاتحاد لم ينجح لأسباب ثلاثة: أولا، أن الجمهوريات الإسلامية لن ترغب فى الانضمام إلى تحالف كهذا. وثانيًا أن أوكرانيا كانت تسعى إلى الخروج بأى شكل من عباءة موسكو ونفوذها. وثالثا، أن الغرب الذى يؤثر بشكل كبير على تطورات الأحداث في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي يرفض هو الآخر فكرة تأسيس اتحاد سلافي ويرى فيه خطرا يهدد بميلاد إمبراطورية جديدة. 

وقد أثار الاستقلال الوطني لأوكرانيا ومولدوفيا وروسيا البيضاء قلق النخبة الحاكمة فى روسيا. 

وأدت مساعي هذه الجمهوريات إلى الاندماج في المؤسسات الاقتصادية والسياسية الغربية سواء الاتحاد الأوروبي أو الناتو إلى إثارة الكثير من المشكلات بينها وبين روسيا. 

ومن ناحية أخرى كانت النخبة الحاكمة في موسكو تتفهم أن علاقات روسيا بالدول الغربية الأعضاء في رابطة الدول المستقلة لا يمكن تسويتها خارج الإطار الأوروبي. 

ووضعت الحكومة الروسية من بين أهدافها على الأقل عدم السماح بتحول هذه الدول إلى منطقة عازلة بين روسيا والغرب. 

وفى ظل تمسكها الفعلى بمسار التقارب مع حلف الأطلسي حاولت موسكو بكل قوتها إظهار أنها لا تمثل أى تهديد للغرب.وحدد يلتسين الأولوية الأهم فى السياسة الخارجية الروسية فى التسعينيات وتتمثل فى الانضمام إلى النظام الاقتصادى العالمى والتكامل السياسى مع الغرب وتأسيس منظومة للأمن الجماعى فى أوروبا. 

وفى السنوات الأولى من التسعينيات قامت روسيا بتنفيذ كافة التزاماتها الدولية، حيث قامت خلال ثلاث سنوات بسحب كل قواتها من شرق أوروبا وقامت بالتخلى عن حلفائها الشيوعيين القدامى فى العالم الثالث وحرصت على تنفيذ كل توصيات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى. 

غير أنه سرعان ما خاب أملها فى إحداث تقارب سريع مع الغرب. وفشلت محاولات تأسيس "البيت الأوروبى المشترك"، سواء فى المجال الاقتصادى أو السياسى أو حتى فى مجال الأمن. كان هناك تباين كبير فى الرؤى والمبادئ حول النظام الأوروبى الجديد. 

كانت الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ترغب فى بناء أوروبا المستقبل انطلاقًا من قيم ديمقراطية مثل دولة القانون والديمقراطية واقتصاد السوق. وهى نفس القيم التى دافع عنها الغرب على مدى النصف الثانى من القرن العشرين ضد الاتحاد السوفيتى والتهديد الشيوعى. 

أما روسيا بتقاليدها الدبلوماسية الممتدة لقرون، والقائمة على مبدأ " توازن القوى" فلم تستطيع قبول نظرية "القيم الديمقراطية المشتركة" والتى تعد أساسا لخارطة باريس حول مستقبل أوروبا. لم تكن روسيا مستعدة للعمل وفق مبدأ "التعددية الديمقراطية" فيما يتعلق بقضايا الأمن بل أرادت لعب دور مهيمن يتفق ووضعها كدولة عظمى. 

أدى هذا الاختلاف الجوهرى إلى مشكلات كبيرة بين الغرب وروسيا رأت روسيا فى نفسها دولة عظمى عالمية وسعت إلى اقتسام النظام العالمى مع الولايات المتحدة الأمريكية الدولة العظمى الأخرى، وتمثل أوروبا أهمية جيوسياسية استثنائية بالنسبة لروسيا. 

واستعصى على فهم القادة فى روسيا ما يقوم به الاتحاد الأوروبى من ضمن البلدان التى تعترف بالديمقراطية وحدها إلى عضويته. 

ولكن روسيا التى ترغب فى العودة إلى السياسة الأوروبية بوضعها ومكانتها القديمة لا تلقى القبول من الغرب، فقد شهدت فترة ما بعد الحرب قيام أوروبا الغربية بتأسيس نظام فريد يضمن الاستقرار والسلام والتعاون والأمن للحضارة الغربية. 

ويرى هؤلاء فى ضم روسيا تهديدًا، كون الأخيرة تسعى إلى الهيمنة مرة أخرى انطلاقا من تفوقها وقدراتها العسكرية فى الوقت الذى تتصرف فيه باقى دول القارة وفق مصالحها الاقتصادية. 

ومع حلول عام 1994 تكون انطباع لدى النخب الشيوعية أنه لا أحد فى أوروبا يفهمهم أو يقبل بهم. كان العالم يعيش ثورة من الاندماجات والتحالفات. قام الاتحاد الأوروبى بضم ثلاث دول جديدة وهى النمسا والسويد وفنلندا وتم توقيع معاهدة تاريخية للتعاون الاقتصادى بين دول النافتا (اتفاقية التجارة الحرة بين دول أمريكا الشمالية) وبين النمور الآسيوية. 

كما تم توسيع واستكمال أطر وهيكل منظمة التجارة العالمية وبقيت روسيا معزولة عن الأسواق الأوروبية وعن التحالفات الجارية فى منطقة آسيا والمحيط الهادى. 

وفى عام 1994 حدث تحول فى السياسة الروسية. فإذا كان هدف يلتسين المعلن فى بداية التسعينيات هو إنشاء منطقة آمنة من فلاديفوستوك إلى فانهوفر، فإن عام 1994 قد شهد توجه يلتسين إلى الابتعاد عن فكرة التعاون غير المشروط مع الغرب. 

وعكست الأولويات الجديدة فى السياسة الخارجية الروسية أزمة الهوية. وبعد الانتخابات البرلمانية فى ديسمبر1993 وفشل القوى الليبرالية وتنامى قوة الحزب اليمينى بزعامة فلاديمير جيرينوفسكى وصل يلتسين إلى نتيجة مفادها أن الاعتماد على المبادئ الغربية فى بناء روسيا الحديثة سيؤدى إلى فشل ذريع. لم يرفض يلتسين التعاون مع الغرب في المجال الاقتصادي ولم يوقف إصلاحات السوق ولكنه ابتعد عن حلفائها الليبراليين واقترب من الجناح المحافظ بحثا عن دعم إضافي. 

ومن بين أسباب هذا التحول فى سياسة يلتسين الخارجية خيبة أمله فى الغرب الذى يعارض كل خطط استعادة روسيا مكانتها كدولة عظمى وفى عام 1992 أكد وزير الخارجية الروسى أندرية كوزيريف أن روسيا يمكن أن تستعيد مكانتها كقوة عظمى فى حال التعاون مع الغرب. 

غير أن خطط روسيا لاستعادة مكانتها أدت إلى خلق جو من التنافس مع الغرب وليس التعايش المتوازن معه. ونتيجة لذلك قررت النخبة الروسية زيادة نفوذ روسيا فى الدول المجاورة والبحث عن حلفاء فى آسيا والعالم العربى والعودة إلى القاعدة التقليدية بخلق مناطق للنفوذ.

                                              وللحديث بقية

مقالات مشابهة

  • روسيا: انكماش قطاع التصنيع خلال سبتمبر الماضى للمرة الأولى منذ 28 شهرًا
  • «حل سلمي» للسودان… «أولوية مصرية» خلال رئاسة «الأمن الأفريقي» .. وفد من المجلس يزور بورتسودان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب
  • بوتين يقدّم تعهدا جديدا بشأن الأزمة في أوكرانيا
  • بوتين يؤكد عزم روسيا على تحقيق أهدافها في أوكرانيا ويصف ضم المناطق الأربع بـ"الحدث المصيري"
  • بوتين: سيتم تحقيق كل الأهداف المحدّدة في أوكرانيا
  • فوز غير متوقع: حزب يميني متطرف يتصدر الانتخابات في النمسا للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية
  • بوتين يتوعد: سيتم تحقيق كل الأهداف المحدّدة في أوكرانيا
  • بوتين: “سيتم تحقيق كل الأهداف المحدّدة” في أوكرانيا 
  • النصر السعودي والريان القطري يرفعان شعار لا بديل عن الفوز في دوري أبطال آسيا للنخبة
  • شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (4)