د. عصام البرام يكتب: باولو كويلو.. صوفية النص والأسطورة فى رواية الخيميائى
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
قبل الولوج إلى قراءة رواية الخيميائى لكاتبها البرتغالى بابلو كويلو، لابد من نافلة القول والإشارة إلى أن الأدب العربى الزاخر بتراثه الفكرى القديم والحديث، وكل ما ورثناه من الكم الهائل مما كتبه أدباؤنا الذين أغنوا الفكر الإنسانى بالعديد من الروايات والقصص والأساطير والحكايات المتنوعة، لا شك، كان له التأثير الكبير المباشر أو غير المباشر، فى تأريخ الأدب الإنسانى.
أخبار متعلقة
د.عصام البرام يكتب: نازك الملائكة.. سيميائية النص فى قصيدة «أنا»
د. عصام البرام يكتب: البير كامو وإنسانه المتمرد.. عبثية أم تجديد؟
د. عصام البرام يكتب: الواقعية السحرية فى «مائة عام من العزلة»
غلاف الكتاب
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمنذ أن كُتبت الملحمة السومرية ملحمة كلكماش أو ألف ليلة وليلة، أو الإرث الشفاهى المتوارث عبر الأجيال لحضارة بلاد الرافدين وحضارات البلاد العربية الأخرى، يبدو جلياً، خاصة عندما نقرأ، نجد أن هنالك الكثير من الروايات والكتب الغربية والعالمية، قد استقت جوهر الفكرة من تراث الملاحم والروايات والأحداث العربية، لتكتب فيما بعد روايتها بشكل أو بآخر، لكن بمعالجة سردية درامية وفكرية ترتدى ثوبها المعاصر، وبأحداث تكاد تكون تقترب صبغتها من التراث الفكرى الإنسانى الذى أنتجته الإنسانية عبر أجيال متعاقبة من بلاد الرافدين أو بلاد العرب الأخرى.
ولكى نعرج على عجالة من أمرنا بهذا المقال دون إسهاب وباختصار، فإن المطلع على تفاصيل رواية الخيميائى للكاتب بابلو كويلو، يجد هنالك خيوط تأخذ أشكالها بالربط بين ما ورد من أحداث فى هذه الرواية وحكايات ألف ليلة وليلة، وربما من رحلة السندباد والأساطير التى رافقته، إلا أن الشكل العام للرواية وأبطالها والبناء السردى حتما سوف يختلف ليوازى الكتابة المعاصرة والزمن الذى نحن فيه. ولكن تبقى فكرة الخيميائى المنبثقة من روح النص العربى والمركز المحورى لانطلاق هذه الرواية، التى ترتكز على بداية الرحلة لبطل الرواية والمصاعب والأهوال التى عاشها وشاهدها وواجهته خلال رحلة البحث عن الكنز فى أرض العرب، وكأنه يذكرنا ومن اطلع على التراث العربى والقارئ اللبيب برحلة السندباد البحرى فى حكايات ألف ليلة وليلة.
تتناول رواية الخيميائى أحداثا متنوعة، يختلط بها العالم السحرى من الفنتازيا أو الدهشة، فهى واحدة من الأعمال الأدبية البارزة التى استحوذت على اهتمام القراء حول العالم. إذ يروى بابلو كويلو فى هذه الرواية قصة الراعى الأندلسى سانتياجو، الذى يترك بلاده ورعيته أو مرعاه وحقول المزارع فى أرض الأندلس، ليبحث عن كنزٍ مدفون فى أرض الحضارات العربية بمنطقة الشرق قادماً من جهة بلاد المغرب العربى، ليقرر السعى الحثيث فى البحث والكشف عنه والغور فى عالم الحضارات العربية. والرواية تعتبر رحلة داخلية للبحث عن الهدف الحقيقى فى الحياة، وتعرض مفاهيم وقيمًا فلسفية عميقة تدفع القارئ للتأمل والتفكير بشكل عميق. حيث يقدم الكاتب للشخصية الرئيسية وهو بطل الرواية سانتياجو، كشاب راعٍ يعيش حياة بسيطة فى بلاد الأندلس، يراوده حلمٌ يدعوه إلى البحث والسعى الحثيث من أجل الوصول لذلك الكنز، والذى يشكل محور الرواية التى قدمها لنا كويلو. يخاطر سانتياجو بكل ما يملك ليحقق حلمه، ومن هنا تنمو وتتطور شخصيته والأحداث، ليواجه العديد من التحديات والصعوبات خلال رحلته، لكنه يكتشف خلالها قوته الداخلية وإيمانه بقدرته على تحقيق أحلامه. تتضمن رواية «الخيميائى» العديد من المفاهيم الفلسفية المهمة فى الرواية التى تحدث عنها الكاتب من خلال شخصية بطله والشخصيات الأخرى.
إذ تتعامل الرواية مع مفهوم الرحلة الروحية والبحث عن الهدف الحقيقى فى الحياة. حيث يتعلم سانتياجو خلال رحلته أن الكنز المطلوب الذى يسعى إليه ليس مجرد كمية من الذهب أو غيره، بل هو اكتشاف الذات وتحقيق التوازن والإرادة. لقد أعطى بابلو كويلو لروايته العديد من الأبعاد والقيم الفلسفية والأدبية التى تساهم فى إثراء المحتوى الروائى وتعمق البعد السردى الهادف، والجو الصوفى الذى يرافق أحداث روايته. لقد جاءت الرواية استكشافًا فلسفيًا للبحث عن الهدف الحقيقى والمعنى الحقيقى للحياة، حيث يتم تمثيل ذلك بواسطة شخصية سانتياجو ورحلته فى البحث عن الكنز، فهو يعطى دلالة لكى يتعلم القارئ من خلال الرواية أن الكنز الحقيقى هو الاكتشاف الداخلى والتحول والانتصار والتصميم الروحى، والإيمان وتعزيز الإرادة، للوصول إلى الهدف المنشود، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الكاتب تناول مفهوم القدر والتوجيه الروحى فى الرواية، ليعطى اكثر عمقاً بأن الإنسان ينبغى ألا يكون أسير قدره السلبى والإحساس بالإحباط والهوان.
فعنده بطل الرواية يتعلم أن هناك قوى خفية توجه حياته وتدله على الطريق الصحيح، كما هو الحال حيث تتجلى هذه الفكرة فى شخصيات الآخرين للرواية مثل ملك الملوك والكائن الخارق الذى يساعد سانتياجو على فهم العالم الروحى وتحقيق رحلته. أى يسعى الكاتب إلى خلق حالة من المزج بين قراءاته لفلسفة الحياة الروحية والقدرية عند أهل الشرق القدماء، وبين العملية الإبداعية المضافة لحبكة البناء الروائى وما يمكن توظيفه داخل تيمة النص.
فالكاتب استطاع أن يوظف الرمزية والأسطورة فى جسد نص الرواية، وهى أى الرواية، التى أغناها بالسحر الشرقى الملىء بالأساطير والرموز التى تحمل معانى عميقة ومتعددة الأبعاد، على سبيل المثال، فعندما يرمز للكنز فى الرواية، إنما يعنى ذلك الهدف الرامى إليه فى الحياة كمظهر وقيمة عليا، فى حين ترمز الصحراء، وكذلك البحر، إلى الصعوبات والتحديات التى يجب تجاوزها لتحقيق النجاح، وهذا ما يسحرنا به بابلو كويلو فى أسلوبه، بنفس كتابى، صوفى، بلاغى، عالى الدقة.
تشجع الرواية على السعى لتحقيق الذات والتطوير الروحى من خلال شخصية البطل سانتياجو ومعركته الداخلية، فالكاتب يسعى إلى أن يلقى على المتلقى نظرة عميقة على أهمية التنمية الشخصية والتفكير العميق (بالمفهوم المعاصر) فى السعى إلى أهدافه وتحقيقها، لقد اكتشف كويلو فى روايته هذه العلاقة المعقدة بين الإنسان والكون وكيف تتداخل طبائعهما، وذلك يظهر من خلال العديد من الإشارات والتفاعلات الطبيعية التى تحدث خلال رحلة سانتياجو من بلاد الأندلس إلى بلاد العرب وكنوز حضارته فى الشرق.
تميزت رواية «الخيميائى» بأسلوب سردى بسيط وجذاب يجذب المتلقى ويجعله متشوقًا لمعرفة تطورات الأحداث التى تتلاحق فى أجواء رحلة سانتياجو، كما استخدم كويلو لغة بسيطة وصياغة مفاهيم فلسفية بطريقة سهلة الفهم، كأن الكاتب يدرك كيفية ومعرفة توظيف المفهوم الفلسفى للحياة داخل النص الروائى لتقديمه للقارئ مبسطاً، مما يثير إعجاب كل من اطلع عليه، ناهيك عن القيمة الروحية التى تعرضها الرواية حول البحث عن الغاية المنشودة، وإلهام القارئ وتحفيز ذاته للقراءة والتمعن والبصيرة المتعمقة بين أسطر الرواية.
فالرواية تأخذ أبعادها بطريقة تصاعدية هارمونية وكأنك بين عالم يتوزع بين الحقيقة والخيال، أو كأنك بين عوالم أساطير التراث العربى والحكايات العربية القديمة التى ألفناها وسمعنا عنها من قبل، فالكاتب يوظف عنصر التشويق والدراما التى تكون إيحائية وبصور وأصوات متعددة، فضلاً على عمق الشخصيات وتفاعلها مع بعضها.
لقد أعطى بابلو كويلو لشخوصه الروائية وقرائه حالة من التعاطف بين الطرفين، والاستغراق داخل النص بانسيابية مبدعة، حيث لم تكن الأساطير إلا رموزاً وبعداً استخدمها فى الرواية لإضفاء عمق وتعقيد على الحبكة الروائية، وبطريقة توحى بالقدرة الإبداعية للكاتب فى حسن التوظيف للأسطورة الموفقة للرمز. لقد أثرت رواية الخيميائى بشكل كبير فى تأريخ الرواية العالمية، وحظيت بشعبية واسعة فى جميع أنحاء العالم، وتعد مرجعًا روائيًا للعديد من القرّاء والكتّاب، حيث تحتوى على فلسفة وحكم ونصائح قيّمة. تسلط الرواية الضوء على قضايا مثل البحث والإصرار فى الحياة، وقوة الإيمان والتحقيق الذاتى، وأهمية الشغف والتفانى فى تحقيق الأحلام، والسعى لتحقيق الطموح الشخصى. بفضل تأثيرها العميق، أصبحت جزءًا من التراث الأدبى العالمى، ومرجعًا روائيًا يستخدمه العديد من الكتّاب والمفكرين فى دراسة وتحليل الأدب. كما أنها ساهمت فى إثارة الاهتمام بالروايات الروحية والفلسفية فى الأدب العالمى.
إن ما تميزت به رواية «الخيميائى» بأبعاد فلسفية عميقة تتعامل مع الهدف الحقيقى فى الحياة، والتحول الروحى، والقدر، والأسطورة، والتنوير الذاتى، والعلاقة بين الإنسان والكون، تعتبر هذه الأبعاد جزءًا أساسيًا من القيمة الأدبية والفلسفية التى تقدمها الرواية، مما جعلها من بسط سلطتها الإبداعية على مساحة واسعة من القراء.
ثقافة باولو كويلو رواية الخيميائىالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين ثقافة العدید من البحث عن من خلال
إقرأ أيضاً:
الرواية.. بين الانتصار للحقوق وإملاءات الجوائز
لا تزال الساحة الثقافـية بين ضفتي المتوسط مشغولة بقضية الكاتب الفرنسي الجنسية الجزائري الأصل كمال داود، الحائز مؤخرا على جائزة «غونكور» الفرنسية، التي لا تتجاوز قيمتها المالية أكثر من عشرة يورو، ولكن للجائزة قيمة معنوية تمنح الرواية الفائزة شهرة واسعة فـي البلدان ذات الثقافة الفرنكوفونية، التي تُعد هذه الجائزة إحدى قواها الناعمة والمغرية للكُتّاب بلغة فولتير، مع أن هذه الجوائز تُخضِع الأدب القادم من العالم الثالث لمواصفات وشروط الذائقة الأوروبية والفرنسية على وجه التحديد، كما ذكر ذلك الكاتب الفرنسي جان ــ لو أمسيل فـي كتابه «اختلاق الساحل» الذي راجعه الكاتب بابا ولد حرمه ونشره فـي الموقع الإلكتروني لمركز الجزيرة للدراسات. ويرى الكاتب بأن ذلك الإبداع يستجيب «لشروط وهياكل مسبقة شيدتها فرنسا عبر شبكات تعاونها المتمثل فـي المراكز الثقافـية ووسائل الإعلام والجوائز الأدبية ودور النشر التي تخصص حيزاً كبيراً من جهودها لما يبدعه كتاب ومثقفون ومفكرون ذوو علاقات وطيدة مع النخب الثقافـية والعلمية فـي باريس». وقد عنون الكاتب الفصل الثاني من الكتاب « توطين المثقف الناطق بالفرنسية فـي الساحل» حيث ذكر المؤلف بأن « فرنسا تقتات ثقافـيا على إبداعات وطاقات أبناء القارة السمراء الطافحة بالوعود والحياة» ويتطرق المؤلف إلى تتبع خيوط الروايات الحائزة على الجوائز الأدبية وخاصة جائزة «غونكور» المهتمة بالأعمال المناهضة «للإسلاموية أو الرُهاب من الإسلام وما تخلفه هذه الأعمال من صدى، وما يُـذرف من دموع فـي أرجاء فرنسا حسرة وأسى على مصائر شخوصها من ضحايا الأبوية و«الإسلاموية» والتطرف المناقض للقيم الإفريقية «الأصيلة السمحاء».
هكذا إذن يُقيّم المثقف الأوروبي للجوائز الأدبية التي تمنحها الدول الاستعمارية لمستوطناتها القديمة، ويذُكرنا ذلك بالمثل الإنجليزي القائل «من يدفع للزمار يختار اللحن». فالجوائز الأدبية التي تُمنح الشُهرة للعمل الأدبي، قد تؤثر على المواضيع التي يتناولها الأدب ويُتهم كتابها بالسعي إلى الشهرة على حساب القيم الوطنية والنيل من مكانة الدولة، مع العلم بأن الكتابة التي تدين العنف وتفضحه وتعريه هي كتابة مرحب بها، نظرا لأن وظيفة الأدب ليست المؤانسة والإمتاع، وإنما وسيلة من وسائل الانتصار للمظلوم ورفع الضيم عنه، ولكن للأسف يتم أحيانا توظيف الكتابة لأجندة سياسية قذرة تُستغل وتتحول إلى وسائل ابتزاز وضغط على بعض الدول، وهذا أحد أسباب الجدال «حسب رأيي» حول رواية حوريات، التي منحها محكمو الجائزة ستة أصوات من أصل عشرة للجنة التحكيم.
وبصرف النظر عن مواقف الكاتب كمال داود من القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا، فإنه لا يجوز محاكمة الكُتاب على أفكارهم شريطة ألا تتحول الكتابة إلى كآبة يتضرر منها آخرون كحال الشابة الجزائرية سعادة عربان (30 عاما) التي أفشت طبيبتها النفسية أسرارها لزوجها الكاتب كمال داوود وحكت الرواية قصتها الحقيقية، فأصبحت سعادة ضحية مرتين. مع التأكيد على أننا لم نكن لنعرف مأساة سعادة لولا رواية حوريات، كما لم نتعرف على مقتل الشاعرة الأفغانية ناديا انجومان التي قتلها زوجها عام 2005، لولا رواية حجر الصبر للكاتب الأفغاني عتيق رحيمي، الذي كشف المعاناة التي تتعرض لها المرأة فـي أفغانستان تحت حكم سلطات قامعة لكل حق فـي الحرية. وهنا تكمن سلطة الكتابة وسطوتها فـي التأثير على الرأي العام، وهنا لا بأس أن تتحول الرواية إلى ساحة جدال.
أما بخصوص الجوائز الثقافـية الغربية فتُعد المأساة الفلسطينية محكا لها وللفاعلين الثقافـيين من كتاب وإعلاميين وأكاديميين، فإما الانتصار للعدالة الإنسانية أو الخضوع لأهواء اللوبيات الداعمة للكيان الصهيوني، والتي تمارس نفوذها فـي المؤسسات الثقافـية الغربية، وهنا نستذكر ونُذكّر بحادثة الكاتبة والروائية الفلسطينية عدنية شبلي التي ألغى معرض فرانكفورت للكتاب حفل منحها جائزة «ليبراتور»، بسبب أحداث السابع من أكتوبر. لذلك لا ننتظر من المحكمين لجائزة «غونكور» تتويج أي عمل أدبي يتناول القصص الإنسانية للإبادة الجماعية فـي فلسطين وجنوب لبنان، وغيرها من قصص ضحايا الحروب التي مارسها الغرب حديثا فـي المنطقة العربية.