وُضع النظام العالمي خلال العام الماضي والعام الجاري على محك حقيقي كشف هشاشته وهشاشة النظريات التي قام عليها ونظّرت له بما في ذلك نظرية «نهاية التاريخ» للفيلسوف السياسي فرنسيس فوكوياما، وغيرها من نظريات العلاقات الدولية والنظريات التي قام عليها نظام «الديمقراطية الليبرالية».. وما زال التاريخ يستأنف مسيرته المرتبطة بالإنسان الحي.
ورغم الكلفة الكبيرة التي دفعها/ يدفعها أحرار غزة إلا أن هذه هي طريق النصر وتحرير الأوطان وكسر القيود التي تكبل البشر بالأغلال عن استئناف تاريخهم.. وحدث هذا في كل زمان ومكان وسيبقى يحدث ما دام هناك احتلال وما دامت هناك إرادة للتحرر منه، يقول الشاعر الكبير أحمد شوقي: «وللحرية الحمراء باب، بكل يد مضرجة يدق».
ورغم أن الحرب على غزة قد كشفت هشاشة النظام العالمي الحالي وضعفه وحقيقة الكثير من الأنظمة الغربية إلا أنها كشفت أيضا عجز بعض الدول التي كانت تقدم نفسها باعتبارها قادرة على تأسيس أنظمة عالمية جديدة تقوم على أنقاض النظام الحالي، وفشلت في أن يكون لها رأي أو فعل مؤثر في هذه الحرب التي شكلت فرصة مهمة لهذه الدول/ الحضارات للتحول إلى إمبراطوريات مؤثرة وفاعلة في المشهد العالمي، ما أكد أنها دول ما زالت تعاني من صراعات داخلية عميقة وغير قادرة عمليا أن تعمل على تشكيل نظام عالمي جديد.
إن بناء نظام عالمي جديد يتجاوز أخطاء النظام الحالي ويعزز مبادئ العدل والمساواة يتطلب جهودا كبيرة وتعاونا عالميا واسع النطاق. ويمكن القول إن الصراعات العسكرية التي تشتعل في أكثر من مكان في العالم وما يصاحبها من تغيرات وتحولات جيوسياسية يمكن أن توفر فرصا ـ رغم ما يحيط بها من تحديات ـ للبدء في تشكيل ملامح هذا النظام.
وأهم ملمح يمكن أن يقوم عليه تشكيل النظام الجديد موضوع القيم والأخلاق، فهناك فجوة كبيرة الآن بين المثل العليا التي ينادي بها النظام العالمي الحالي ويتحدث عنها أو يتشدق بها وبين الممارسة العملية المليئة بالمتناقضات الكبرى، وهذا ليس على مستوى الدول فقط ولكن أيضا هذه الصفة باتت لصيقة بالكثير من المؤسسات الأممية التي تعمل وفق معايير مزدوجة وبتأثير واضح من الدول الكبرى في العالم.. وبشكل خاص الدول الغربية. إن الفجوة الأخلاقية التي يتصف بها النظام الحالي تتضح جليا خلال النظر إلى قضايا الدول غير الغربية مثل الدول العربية والدول الأفريقية والدول الآسيوية، وإلى قضايا هذه الدول مثل قضية الفقر، والحروب، وحقوق الإنسان.
لكن حتى موضوع القيم والأخلاق الذي يتطلع الجميع أن يقوم عليه النظام العالمي هو محل تحديات كبرى في ظل ما فرضته العولمة من ثقافة متداخلة ومتماهية في بعضها البعض. إن الأمر يتطلب الكثير من الجهود التي تتجاوز مستوى السياسات الدولية إلى الأنظمة التعليمية والثقافات والممارسات على جميع المستويات. هذه عملية مستمرة تتطلب الصبر والعمل المستمر.. وتطلب حضور الإرادة السياسية في مختلف دول العالم خاصة تلك المتضررة من قيم النظام الحالي.
إن ما حدث في غزة يعطي الكثير من دول العالم الدافع الكبير أن مسيرة التاريخ مستمرة وأن العالم يمكن أن يتغير ويكون أكثر إنصافا وأكثر عدلا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النظام العالمی النظام الحالی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
بوتين يهدد بضرب الدول التي تزود أوكرانيا بالأسلحة.. الباليستي رد أولي
حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من أن موسكو لا تستبعد ضرب الدول التي تستخدم أوكرانيا أسلحتها ضد الأراضي الروسية.
وقال بوتين -في خطاب بثه التلفزيون العام- إن "الصراع بدأ يأخذ طابعا عالميا"، مضيفا أن موسكو "تعتبر أن من حقها استخدام أسلحتها ضد المنشآت العسكرية العائدة إلى دول تجيز استخدام أسلحتها ضد منشآتها، وفي حال تصاعد الأفعال العدوانية سترد بقوة موازية".
كما أكد أن الهجوم الذي شنته بلاده اليوم على أوكرانيا جاء رد فعل على الضربات الأوكرانية لأراض روسية بصواريخ أمريكية وبريطانية في وقت سابق من الأسبوع الجاري.
وأعلن أن روسيا سوف توجه تحذيرات مسبقة إذا شنت مزيدا من الهجمات باستخدام مثل هذه الصواريخ ضد أوكرانيا كي تتيح للمدنيين الإجلاء إلى أماكن آمنة، محذرا من أن أنظمة الدفاع الجوي الأميركية لن تكون قادرة على اعتراض الصواريخ الروسية.
وفي وقت سابق، اتهمت كييف روسيا بإطلاق صاروخ عابر للقارات قادر على حمل رأس نووي على أراضيها، وهو أول استخدام لهذا السلاح ويشكل تصعيدا غير مسبوق للنزاع والتوترات بين روسيا والغرب.
وقال سلاح الجو الأوكراني في بيان إن القوات الروسية استخدمت الصاروخ في هجوم في الصباح الباكر على مدينة دنيبرو (وسط) شمل أنواعا عدة من الصواريخ واستهدف منشآت حيوية.
من جانبه ذكر مسؤول أمريكي، أن موسكو "تسعى الى ترهيب أوكرانيا والدول التي تدعمها عبر استخدام هذا السلاح أو إلى لفت الانتباه، لكن ذلك لا يبدل المعطيات في هذا النزاع".
ويأتي الهجوم في وقت بلغت التوترات أعلى مستوياتها بين موسكو والغرب، مع اقتراب عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل، والتي ينظر إليها على أنها نقطة تحول.
وسبق أن استخدمت أوكرانيا قبل أيام صواريخ أتاكمز الأمريكية التي يبلغ مداها 300 كيلومتر، وذلك لأول مرة ضد منشأة عسكرية في منطقة بريانسك الروسية بعد حصولها على إذن من واشنطن.
وأشارت موسكو إلى أن أنظمة الدفاع الجوي لديها أسقطت صاروخين من طراز "ستورم شادو" (ظل العاصفة) بريطانية الصنع، و6 صواريخ أميركية من طراز هيمارس، و67 طائرة مسيرة.
وزودت دول غربية عدة كييف بصواريخ بعيدة المدى، لكنها لم تسمح باستخدامها على الأراضي الروسية خوفا من رد فعل موسكو.
وعززت روسيا تحذيراتها النووية في الأيام الأخيرة، وفي عقيدتها الجديدة بشأن استخدام الأسلحة النووية -التي أصبحت رسمية أول أمس الثلاثاء- يمكن لروسيا الآن استخدامها عند وقوع هجوم "ضخم" من قبل دولة غير نووية ولكن مدعومة بقوة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة.