لجريدة عمان:
2025-02-03@06:17:12 GMT

غزة.. واستئناف التاريخ

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

غزة.. واستئناف التاريخ

وُضع النظام العالمي خلال العام الماضي والعام الجاري على محك حقيقي كشف هشاشته وهشاشة النظريات التي قام عليها ونظّرت له بما في ذلك نظرية «نهاية التاريخ» للفيلسوف السياسي فرنسيس فوكوياما، وغيرها من نظريات العلاقات الدولية والنظريات التي قام عليها نظام «الديمقراطية الليبرالية».. وما زال التاريخ يستأنف مسيرته المرتبطة بالإنسان الحي.

وما حدث في غزة في السابع من أكتوبر الماضي دليل آخر أن حركة التاريخ لا يمكن أن تتوقف وأن الإرادة الإنسانية قادرة دوما على استئناف التاريخ والقفز فوق كل الانسدادات الحضارية التي قد تقف حاجزا أمامه وأمام إرادة الإنسان.

ورغم الكلفة الكبيرة التي دفعها/ يدفعها أحرار غزة إلا أن هذه هي طريق النصر وتحرير الأوطان وكسر القيود التي تكبل البشر بالأغلال عن استئناف تاريخهم.. وحدث هذا في كل زمان ومكان وسيبقى يحدث ما دام هناك احتلال وما دامت هناك إرادة للتحرر منه، يقول الشاعر الكبير أحمد شوقي: «وللحرية الحمراء باب، بكل يد مضرجة يدق».

ورغم أن الحرب على غزة قد كشفت هشاشة النظام العالمي الحالي وضعفه وحقيقة الكثير من الأنظمة الغربية إلا أنها كشفت أيضا عجز بعض الدول التي كانت تقدم نفسها باعتبارها قادرة على تأسيس أنظمة عالمية جديدة تقوم على أنقاض النظام الحالي، وفشلت في أن يكون لها رأي أو فعل مؤثر في هذه الحرب التي شكلت فرصة مهمة لهذه الدول/ الحضارات للتحول إلى إمبراطوريات مؤثرة وفاعلة في المشهد العالمي، ما أكد أنها دول ما زالت تعاني من صراعات داخلية عميقة وغير قادرة عمليا أن تعمل على تشكيل نظام عالمي جديد.

إن بناء نظام عالمي جديد يتجاوز أخطاء النظام الحالي ويعزز مبادئ العدل والمساواة يتطلب جهودا كبيرة وتعاونا عالميا واسع النطاق. ويمكن القول إن الصراعات العسكرية التي تشتعل في أكثر من مكان في العالم وما يصاحبها من تغيرات وتحولات جيوسياسية يمكن أن توفر فرصا ـ رغم ما يحيط بها من تحديات ـ للبدء في تشكيل ملامح هذا النظام.

وأهم ملمح يمكن أن يقوم عليه تشكيل النظام الجديد موضوع القيم والأخلاق، فهناك فجوة كبيرة الآن بين المثل العليا التي ينادي بها النظام العالمي الحالي ويتحدث عنها أو يتشدق بها وبين الممارسة العملية المليئة بالمتناقضات الكبرى، وهذا ليس على مستوى الدول فقط ولكن أيضا هذه الصفة باتت لصيقة بالكثير من المؤسسات الأممية التي تعمل وفق معايير مزدوجة وبتأثير واضح من الدول الكبرى في العالم.. وبشكل خاص الدول الغربية. إن الفجوة الأخلاقية التي يتصف بها النظام الحالي تتضح جليا خلال النظر إلى قضايا الدول غير الغربية مثل الدول العربية والدول الأفريقية والدول الآسيوية، وإلى قضايا هذه الدول مثل قضية الفقر، والحروب، وحقوق الإنسان.

لكن حتى موضوع القيم والأخلاق الذي يتطلع الجميع أن يقوم عليه النظام العالمي هو محل تحديات كبرى في ظل ما فرضته العولمة من ثقافة متداخلة ومتماهية في بعضها البعض. إن الأمر يتطلب الكثير من الجهود التي تتجاوز مستوى السياسات الدولية إلى الأنظمة التعليمية والثقافات والممارسات على جميع المستويات. هذه عملية مستمرة تتطلب الصبر والعمل المستمر.. وتطلب حضور الإرادة السياسية في مختلف دول العالم خاصة تلك المتضررة من قيم النظام الحالي.

إن ما حدث في غزة يعطي الكثير من دول العالم الدافع الكبير أن مسيرة التاريخ مستمرة وأن العالم يمكن أن يتغير ويكون أكثر إنصافا وأكثر عدلا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النظام العالمی النظام الحالی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2

يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025

محمد الربيعي

بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن

تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.

تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.

اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.

يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.

كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.

تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.

تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.

باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.

 

مقالات مشابهة

  • وكيل النواب يحذر من التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي «فيديو»
  • سنرد بالمثل.. تنسيق بين الدول التي فرض ترامب رسوماً غير قانونية بحقها 
  • رئيس البرلمان العربي: توطين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ضرورة لمواكبة السباق العالمي
  • قراءة في كتاب عصر مابعد الحداثة والتغير الجزري للوعي العالمي
  • ما هي العوائق أمام إعادة تشكيل النظام العالمي؟
  • المراقب العالمي جيوسبي: مصر تمتلك خبرات واسعة في تنظيم بطولات سيف المبارزة
  • المسلماني: صعود الصين من معالم النظام العالمي الجديد
  • مرجعية تاريخية.. «رأس المال» لـ كارل ماركس وتأثيره العالمي
  • أهالي حماة يحيون الذكرى السنوية الـ 43 لمجزرة حماة الكبرى التي ارتكبها النظام البائد عام 1982.
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2