تأثير استضافة الأحداث الكبرى في نوعية الحياة والتماسك الاجتماعي
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
تتنافس الدول - وخاصة في المنطقة - على استقطاب واستضافة الأحداث العالمية الكبرى، سواء كانت في الجانب الرياضي أو في الجوانب الاقتصادية أو الاستثمارية أو في غيرها من الجوانب؛ ويعزى ذلك لعدة عوامل، أهمها رغبتها في الاندماج العالمي، والتواصل الثقافي وزيادة نشاط سياحة الفعاليات، إضافة إلى نيتها في تسويق مدن معينة، وتحويل سلوك ساكنيها ليكون متصلًا بشكل أكبر بالسياق الثقافي العالمي المتحول، عوضًا عن كون استضافة هذه الأحداث يعد ركيزة وقاطرة أيضًا لعمليات أخرى تسرع صعودها التنموي؛ ومن تلك العمليات مضاعفة حجمها الاقتصادي، وتطوير بناها الأساسية ومرافقها اللوجستية، وتنشيط سلسلة القيمة المرتبطة بالحدث (مؤسسات صغيرة ومتوسطة - أنشطة اقتصادية متنوعة لخدمة المستضافين - خدمات نوعية تناسب ثقافات متعددة - أنظمة اتصال وإعلام قادرة على تسويق الحدث.
تظهر التحليلات التي جرت حيال تأثير استضافة الأحداث الكبرى على المجتمعات أن هناك آثارًا اجتماعية يمثلها استضافة الحدث على المجتمع، اطلعت على عديد الدراسات التي جرت حول ذات السياق ووجدت أن أحد أكثر الآثار الاجتماعية شيوعًا هو الشعور بما يُعرف بـ«الفخر المدني وروح المجتمع Civic pride and community spirit» ويمكن تبسيطها كونها الطريقة التي يشعر فيها الأفراد بتجسد انتمائهم لوطن ما أو مجموعة ما وتماسكهم المعنوي والمادي مع تلك المجموعة، وقدرتهم على الافتخار والتعبير الإيجابي عن ذلك التماسك والانتماء. وخصوصًا الحالة التي يكون فيها المجتمع «مجتمعًا متعددًا» في الأصول والثقافات والعرقيات. يذكر ألكسندر هيرست حيال أثر تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في جنوب أفريقيا أن الحكومة في جنوب أفريقيا حاولت استخدام المنافسة الدولية كشيء يمكن أن يتحد حوله كافة أطياف المجتمع، ويتجذرون فيه، ويفتخرون به. وتم الترويج للشعارات الرياضية بألوان العلم الوطني، وتم تخصيص أيام الجمعة «أيام الجمعة لكرة القدم»، حيث سُمح للعمال بارتداء مثل هذه الشعارات الرياضية للعمل. وكانت النتيجة أن حققت بطولة كأس العالم نجاحاً كبيراً في تحقيق هذه الأهداف الاجتماعية. وتؤكد البيانات حسب دراسة جيوفانا دوسينا والتي تم جمعها من خلال مسح تم إجراؤه على سكان ميلانو بعد ثلاث سنوات من نهاية معرض إكسبو ميلانو 2015 أن «الفخر بالمجتمع» كان الأثر الاجتماعي المتصور والممارس لدى غالبية أفراد العينة. على الجانب الآخر تشير عديد الدراسات والتقصيات إلى الفعلي لاستضافة الأحداث الكبرى في تعزيز «القيمة المعنوية للتطوع»، حيث تمكن هذه الأحداث من دفع قطاع واسع من المجتمع وتحديدًا فئة الشباب نحو التطوع في سلسلة تنظيم الحدث، وهذا يرتبط لديهم بقيم عالية أهمها: إدراك القيمة العليا المتحققة، والاندماج مع أنماط مختلفة من الثقافات، ورؤية الأثر لتطوعهم على نطاق واسع وملموس.
لا يمكن إغفال الآثار الاجتماعية - الاقتصادية الأخرى مثل توافر فرص التشغيل، واختبار مهارات جديدة للعاملين مثل العمل تحت الضغوط، وإدارة الأزمات، والعمل في بيئات متعددة الثقافات، وصقل مهارات الذكاء الاجتماعي والانفعالي. عوضًا عن ذلك فإن واحدا من أهم الآثار المحتملة في تقديرنا لاستضافة الأحداث الكبرى يتمثل في كونها «مختبرًا لإعادة تشكيل السلوك الاجتماعي»، حينما يتوحد المجتمع على قواعد سلوكية معينة يفرضها الحدث يصبح لتلك القواعد إلزامها العرفي في المجتمع، وتتحول خلال فترة الحدث -بحكم العادة- إلى سلوك شائع، وبالمثل حينما يرفض المجتمع سلوكًا معينًا. تؤثر الوحدة الاجتماعية بشكل أكبر في دفع الأفراد إلى تغيير أنماطهم السلوكية، أو استبقاء أنماط سلوكية معنية وإبرازها. يمكن سحب ذلك على سلوكيات الصحة البدنية، أو السلوكيات الصديقة للبيئة مثل إعادة تدوير النفايات، واستخدام المواد الأكثر قابلية للتدوير، أو في احترام الثقافات الأخرى وتعظيم قيمة التعددية، أو في سلوكيات الحفاظ على المال العام وسواها. يمكن استخدام دورة الألعاب الأولمبية الصيفية (لندن 2012) مثالًا على ذلك، حيث صممت البطولة بشكل أساسي على مفاهيم وسلوكيات الاستدامة البيئية، بما في ذلك (حسب بيانات هيئة إعادة تدوير المواد العضوية) الاتفاق مع مؤسسات الضيافة (الفنادق والمطاعم) لاستخدام أدوات طعام قابلة لإعادة التدوير والتحلل وبناء أكبر فرع لإحدى المطاعم العالمية الشهيرة باستخدام مواد قابلة لإعادة التدوير/إعادة الاستخدام بنسبة 100% وإعادة استخدام أو إعادة تدوير ما لا يقل عن 90% من حطام البناء والتشييد. إضافة إلى ضخ أكثر من 10 مليارات دولار أمريكي في تحسينات النقل الجماعي. كانت أحد أهم النتائج المتحققة تحقيق مستويات عالية وغير متوقعة من إعادة تدوير النفايات واستجابة السلوك الاجتماعية لهذه التدابير.
هذا لا يعني طبعًا أن الآثار الاجتماعية ستكون إيجابية بالمطلق لأي حدث، هناك مخاوف لا زالت تشير إليها الأدبيات من تأثير هذه الأحداث على إقلاق الحياة العامة للسكان، والتلوث، إضافة إلى انعكاسات وعجوز الموازنات ما بعد الحدث فيما يتعلق بالتنمية المحلية، والتحديات التي سيفرزها الانفتاح المباشر للمجتمع على مجموعة قيم عالمية متداخلة. ولكن الكثير من المراكز والمرجعيات المتخصصة في هذه المسألة بدأت تصميم أدلة ومقاييس استرشادية في سبيل قيمة اجتماعية مضافة من تنظيم هذه الأحداث، وهذه القيم حسب الإجماع تقتضي التركيز على تصميم الحدث من خلال مراعاة عدة أبعاد: (المشاركة الرياضية، والصحة والرفاهية، النمو الاقتصادي والعمالة والابتكار، التنمية الحضرية والاستدامة البيئية، والإدماج الاجتماعي والثقافي) ومن خلال التركيز على موازنة هذه الأبعاد يمكن ضمان تأثيرات اجتماعية مرغوبة تتوازى مع العوائد الاقتصادية والسياسية والبيئية لتنظيم هذه الأحداث. وفي المجمل يمكن القول أن الأحداث الكبرى أصبحت اليوم مساحة للتنافس بين الدول، وباتت جزءا من أجندتها التنموية الوطنية، وذلك لقدرتها على اختصار عديد الجهود التنموية التي تبذل في سبيل «التسويق الوطني» وتحسين البنى الأساسية، وتقوية الثقافة الوطنية، وإرساء مؤسسات إعلامية تشكل قوة نسبية للدولة.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إعادة تدویر هذه الأحداث
إقرأ أيضاً:
"التعليم".. 6 مبادرات استراتيجية لتحسين جودة الحياة في مناطق المملكة
تعمل وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية على تحقيق اثنين من الأهداف الاستراتيجية ضمن برنامج جودة الحياة، الذي يهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كوجهة رياضية وترفيهية عالمية، وجعلها وجهة سياحية رائدة على المستويين الإقليمي والدولي.
يأتي ذلك من خلال ست مبادرات نوعية تسهم في تعزيز جودة الحياة وتحقيق أثر إيجابي ملموس على مختلف فئات المجتمع في جميع مناطق المملكة.التدريب على الرياضات الذهنيةتهدف المبادرة إلى تأهيل وتشغيل (7) مرافق متخصصة في الرياضة الذهنية، مع إعداد برامج وأنشطة تدريبية تركز على تطوير القدرات الذهنية للطلاب والطالبات.
أخبار متعلقة عقوبة(16,000) ريال لكل متر مربع.. ضبط مخالفين لنظام البيئة بالرعي في مناطق محظورةطقس السعودية اليوم.. أمطار ورياح على أجزاء من عدة مناطقتشمل المبادرة أيضًا تخفيف الاضطرابات السلوكية والانفعالية التي تؤثر على (600) طالب وطالبة.
يتم تنفيذ هذه الأنشطة من خلال تدريب (24) مدربًا ومدربة، مما يساهم في معالجة التحديات السلوكية وصعوبات التعلم لدى المستهدفين.تطوير الأنشطة البدنية في الجامعاتتسعى المبادرة إلى تأهيل (14) مركزًا رياضيًا قائمًا وتجهيزها، بالإضافة إلى إنشاء (12) مركزًا رياضيًا جديدًا داخل الجامعات.
كما تهدف إلى تدريب مختصين ومختصات للعمل في هذه المراكز، مع توفير بيئة رياضية تنافسية تشمل جميع منسوبي الجامعات وذوي الاحتياجات الخاصة.
تسهم هذه المبادرة في رفع الكفاءة التشغيلية للمنشآت الرياضية الجامعية وتعزيز ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع، مما يدعم مشاركة الطلاب والطالبات في مسابقات تنافسية داخل المملكة وخارجها.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } تنفذ وزارة التعليم ست مبادرات نوعية لتعزيز جودة الحياة - أرشيفيةتطوير مادة الفنون في المدارستسعى المبادرة إلى دمج الفنون البصرية والأدائية والسمعية ضمن المناهج الدراسية من خلال بناء معايير تدريس متخصصة، بالإضافة إلى تطوير قدرات المعلمين والمعلمات.
تشمل الخطة تجهيز البنية التحتية للمدارس وإقامة مسابقات ثقافية وفنية داخلية، مما يسهم في تحسين جودة التعليم ورفع مستوى الثقافة الفنية لدى أكثر من (6 ملايين) طالب وطالبة في مختلف المراحل التعليمية.أندية الحي التعليمية والترفيهيةتستهدف المبادرة تجهيز وتشغيل أندية مجتمعية لتقديم أنشطة تعليمية وترفيهية موجهة لجميع أفراد المجتمع، بما يتيح استثمار أوقات الطلاب والطالبات وأفراد المجتمع كافة.
تسعى المبادرة إلى تجهيز هذه الأندية بالمرافق المناسبة والكوادر البشرية المؤهلة والمدربة، مما يعزز نشر ثقافة ممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية في المجتمع.تطوير النشاط البدني في المدارستشمل هذه المبادرة إنشاء (31) مركزًا رياضيًا جديدًا وتأهيل (6) مراكز قائمة في مختلف مناطق المملكة. تتيح هذه المراكز ممارسة مجموعة متنوعة من الرياضات مثل كرة القدم وكرة الطائرة وكرة السلة والتنس وكرة اليد وألعاب القوى والسباحة.
تسعى المبادرة أيضًا إلى تطوير الأداء المهني لما يزيد عن (10,000) معلم ومعلمة للتربية البدنية ورفع كفاءتهم، مما يسهم في زيادة نسبة ممارسة الرياضة بين أكثر من (7 ملايين) طالب وطالبة في جميع المراحل التعليمية واكتشاف المواهب الرياضية في المدارس.تعزيز المشاركة الرياضية للطالبات في المدارستهدف المبادرة إلى إنشاء (151) صالة رياضية جديدة، وتأهيل (590) صالة قائمة في مدارس التعليم العام بمراحله الابتدائية والمتوسطة والثانوية.
وتتضمن الخطة تأهيل وتوظيف (1,222) معلمة تربية بدنية لتقديم الدعم الفني وتعزيز ثقافة ممارسة الرياضة. تسهم المبادرة في زيادة عدد الطالبات المشاركات في الأنشطة الرياضية وتعزيز مشاركة المعلمات في نشر الوعي الرياضي.
تمثل هذه المبادرات نموذجًا متقدمًا لجهود وزارة التعليم في تعزيز جودة الحياة، من خلال الاستثمار في بناء القدرات التعليمية والرياضية والثقافية، بما يتماشى مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ويعزز من مكانة المملكة كدولة رائدة في جميع المجالات.