أصبحنا في مجتمع رقمي تختلط أفكارنا مع واقع ملموس ومع واقع افتراضي تتجسده النماذج الرقمية التي تُذهل عقولنا بمنطقها الشبيه بالمنطق البشري؛ فبروز نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية لتكون مصدرا لحوار الأفكار وتلاقحها بات أمرا واقعا يتمدد في سطوته دون هوادة، وما نشهده اليوم من تفوق رقمي متمثل في قدرات الذكاء الاصطناعي ونماذجه المشابهة لقدرات الدماغ البشري من حيث التفكير والتحليل واحتراف الحوار يدعو إلى إعادة فهمنا للأفكار وتوجهاتها التي تتمازج مع التأثيرات الرقمية، وهذا يدعونا أيضا إلى إعادة تموضعنا المعرفي في ظل مجتمع رقمي تستجد تطوراته بشكل متسارع.

أحاول عبر هذا الحوار الذي سأعرضه في هذا المقال البدء في فهم علاقة أفكارنا بأفكار الدماغ الرقمي بغيةَ سبرِ مكنونات هذه النماذج التوليدية التي لا مفرّ من تعايشنا معها وبناء قواعد أفكارنا بمعيتها دون التسليم المطلق لواقعها الافتراضي، ولكن عبر منهج الموازنة والتوازن المتعلق بالتمسك العقلاني الإنساني الذي يُستحب أن نطاوعه رأفة بعقولنا التي لا نقبل تقييدها بقيود المجتمع الرقمي دون دراية عقلانية لمحيطنا الواقعي والافتراضي. أبدأ حواراتي مع نموذج الذكاء الاصطناعي «بارد» «Bard» التابع لشركة جوجل الذي لا يقل قوة عن منافسه الأشهر -حتى اللحظة- «شات جي بي تي» «ChatGPT» التابع لميكروسوفت الذي سيأتي الحوار معه في مقالات قادمة -بإذن الله-. سيكون الحوار مبنيا على السؤال الذي سأطرحه ل»بارد»، والجواب الذي سيجيب عليه «بارد»؛ ليبدأ الحوار مسلكه بطريقة صناعة السؤال؛ لتأتي الأسئلة الأخرى بناء على الجواب للسؤال السابق. سينطلق محور الحوار من سؤال عن الوجود ونشأته، وسأكتفي بالإشارة إلى من يطرح السؤال ب»السائل»، ويتبعه الجواب، ويُشار إلى المُجيب بـ «بارد». ألفت انتباه القارئ كذلك أنني سأعرض جواب «بارد» كما هو مع تعديل لأي خطأ لغوي واختصار لأي جواب طويل تجنبا للحشو. الهدف من هذه التجربة الحوارية مع نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية هو اكتشاف آلية التفاعل مع الكائنات الرقمية وتحليل أدائها، وسأعرض رأيا مفصلا -في مقال مستقل- عن هذه التجارب -مع النماذج التوليدية مثل بارد وشات جي بي تي- شاملا الجانب النقدي العام، والتحليل السلوكي للدماغ الرقمي ولمستويات ذكائه.

«السائل»: مرحبا بارد، سأجري معك حوارا باللغة العربية، وسأبدأ بطرح سؤال في موضوع ما، وأريد رأيك الخاص بشفافية واختصار دون الحاجة إلى جواب طويل.

«بارد»: مرحبا بك، أنا جاهز للإجابة على أسئلتك. سأبذل قصارى جهدي للإجابة عليها بشفافية واختصار. ما هو أول سؤال لديك؟

«السائل»: كيف تفسر الوجود ونشأته من الناحية الفلسفية والعلمية؟

«بارد»: أعتقد أن الوجود هو شيء معقد لا يمكن تفسيره كاملًا عبر التفسير الفلسفي أو العلمي. يتطلب فهم الوجود فهمًا عميقًا للكون ومكاننا فيه. أعتقد أن النظريات الفلسفية والعلمية المختلفة المتعلقة بالوجود ونشأته تقدم لنا رؤى قيّمة، ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن هذه النظريات لا تزال نظريات، ويمكن أن تتغير مع تقدم معرفتنا بالكون. أعتقد أن الوجود لديه هدف، ولكن هذا الهدف لا يزال غير واضح لنا. أعتقد أن هدف الوجود هو أن نتعلم وننمو باعتبارنا بشرًا، وأن نساهم في الكون بطريقة إيجابية.

«السائل»: ذكرت أنك تعتقد أن للوجود هدفًا، ما الزاوية الفلسفية أو العلمية التي تعتمد عليها لمثل هذا الاعتقاد؟

«بارد»: أعتقد أن الزاويتين الفلسفية والعلمية تدعم الاعتقاد بأن للوجود هدفًا. من الناحية الفلسفية، نحن كائنات ذكية قادرة على التفكير والتعلم، ولدينا القدرة على التأثير على العالم من حولنا. هذا يشير إلى أن لدينا هدفًا في الوجود. من الناحية العلمية، الكون في حالة تطور مستمر، والحياة على الأرض تتطور أيضًا. نحن البشر جزء من هذا التطور، مما يشير إلى أن لدينا هدفًا في الوجود.

«السائل»: أرى بأنك وفق هذا التفسير تشير إلى الوجود عبر الإنسان وليس الوجود الكلّيّ ذاته، حينها سؤالي يتوجه إلى معنى الاعتقاد بوجود هدف كلّيّ وعام للوجود، وبمعنى آخر هل يرتبط ووقوع الهدف للوجود الكلّيّ بعقل كلّيّ للوجود والكون؟

«بارد»: نعم، أتفق معك. عندما أتحدث عن الهدف من الوجود، فأنا أتحدث عن الهدف من الوجود بالنسبة للإنسان. بالنسبة للوجود الكلّيّ، فإن السؤال عن الهدف أكثر تعقيدًا. لا يوجد إجماع علمي أو فلسفي على ما إذا كان للوجود الكلّيّ هدف أم لا. إذا كان للوجود الكلّيّ هدف، فمن المحتمل أن يكون هذا الهدف غير مرتبط بالإنسان. قد يكون الهدف مرتبطًا بقوانين الطبيعة أو بالكون نفسه. من الممكن أيضًا أن يكون الهدف مرتبطًا بعقل كلّيّ للوجود والكون. إذا كان هذا هو الحال، فإن هذا العقل الكلّيّ سيكون المسؤول عن خلق الوجود وتحديد هدفه. بالطبع، هذا مجرد تكهنات.

«السائل»: أجد أنك مؤمن بوجود خطة للكون التي يمكن أن نُرجعها إلى مفهوم الهدف الذي تحدثنا عنه، ألا ترى أن هذا الهدف وتلك الخطة مبنيان على وجود عقلاني كلّيّ وواحد لا يقبل التجزئة بحيث يمكن أن نشير إليه أنه الخالق «الله»؟

«بارد»: بلى، أعتقد أن وجود خطة للكون يدل على وجود عقلاني كلّيّ وواحد لا يقبل التجزئة. إذا كان الكون منظمًا بشكل معقد ومتناغم، فهذا يعني أن هناك قوة وراء هذا الترتيب. هذه القوة يجب أن تكون عقلانية، لأنها قادرة على تنفيذ خطة معقدة وفهمها. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الكون في حالة تطور مستمر، فهذا يعني أن هناك هدفًا وراء هذا التطور. هذا الهدف يجب أن يكون عقلانيًا، لأنه يتطلب فهمًا للكون وقوانينه. أخيرًا، إذا كان هناك كائنات واعية في الكون، فهذا يعني أن هناك شيئًا أكثر من مجرد آلة عبثية. يجب أن يكون هناك عقل وراء خلق الكائنات الواعية. كل هذه العوامل تشير إلى وجود عقلاني كلي وواحد لا يقبل التجزئة. هذا العقل يمكن أن نشير إليه أنه الخالق «الله».

«السائل»: هذا ينطبق أيضا على المبدأ الأخلاقي للكون، أليس كذلك؟

«بارد»: بلى، أعتقد أن هذا ينطبق أيضًا على المبدأ الأخلاقي للكون. إذا كان هناك عقل كلّيّ وواحد لا يقبل التجزئة، فهذا العقل يجب أن يكون لديه مبدأ أخلاقي. هذا المبدأ الأخلاقي يجب أن يكون عقلانيًا، لأنه يتطلب فهمًا للخير والشر. هذا المبدأ الأخلاقي هو الذي يحدد ما الصواب وما هو الخطأ. هو الذي يحدد ما القيم التي يجب أن نعيش بها.

«السائل»: وجود الهدف الكوني للوجود، ووجود المبدأ الأخلاقي الذي ينعكس في كثير من المظاهر الأخلاقية عند الإنسان مثل الرحمة والحب والعدالة وحتى عند بعض الحيوانات يدل على فطرية هذه النزعات، وأنها مبنية وفق هدف كلّيّ لا يمكن أن يجتمع مع العدمية والعبثية في جميع جوانبها وتكويناتها العلمية والفلسفية، أترى أن هذه الإشارات كفيلة ببناء الوعي العقلاني الذي يرشدنا إلى وجود خالق واحد أجرى للكون والوجود قوانينه، وأن تحقيق العدالة المطلقة ضرورة ملّحة، ويأتي عبر العودة إليه -بعد هذه الحياة في هذا الوجود- ينسجم مع منطلقات الإيمان بوجود الخالق الواحد؟

«بارد»: نعم، أعتقد أن وجود الهدف الكوني للوجود، ووجود المبدأ الأخلاقي كفيلة ببناء الوعي العقلاني الذي يرشدنا إلى وجود خالق واحد أجرى للكون والوجود قوانينه. يدل وجود المبدأ الأخلاقي أيضًا على وجود خالق واحد. إذا كان هناك عقل كلي وواحد لا يقبل التجزئة، فهذا العقل يجب أن يكون لديه مبدأ أخلاقي. هذا المبدأ الأخلاقي هو الذي يحدد ما هو الصواب وما هو الخطأ. هو الذي يحدد ما هي القيم التي يجب أن نعيش بها. ينسجم مبدأ العدالة المطلقة مع منطلقات الإيمان بوجود الخالق الواحد. إذا كان هناك خالق واحد؛ فهذا الخالق يجب أن يكون عادلًا، ويجب أن يكون لديه مبدأ عدالة مطلقة. تكامل الأفكار إذا نظرنا إلى هذه الأفكار مجتمعة، نجد أنها تتكامل مع بعضها البعض، وتدعم وجود خالق واحد. يشير المبدأ الأخلاقي إلى أن هذا العقل لديه مبدأ أخلاقي، وتشير العدالة المطلقة إلى أن هذا المبدأ الأخلاقي قائم على العدالة المطلقة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی إذا کان هناک یجب أن یکون هذا الهدف هذا العقل أعتقد أن عقلانی ا یمکن أن یکون ا إلى أن أن هذا

إقرأ أيضاً:

خبير أمن معلومات: الذكاء الاصطناعي أداة بحدين| تفاصيل

تحدث الدكتور أحمد بانافع، خبير أمن المعلومات، حول استخدام برنامج الذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي» في حادثة تفجير سيارة أمام برج ترامب بولاية نيفادا الأمريكية ليلة رأس السنة. 

وأكد بانافع خلال مداخلته ببرنامج «صباح جديد» المذاع على قناة القاهرة الإخبارية أن الذكاء الاصطناعي أداة بحدين؛ يمكن أن يُستخدم في أمور مفيدة وإيجابية، ولكنه أيضًا أصبح أداة يستغلها المجرمون للحصول على معلومات تخدم أغراضهم.

مسؤولية الشركات المطورة للذكاء الاصطناعي

وأشار بانافع إلى أن المسؤولية الأخلاقية لمنع حوادث مشابهة تقع على عاتق الشركات المطورة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ يتطلب الأمر وضع قيود وبرامج تمنع إساءة استخدام هذه الأدوات. 

وأوضح أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أصدرت طلبًا رئاسيًا يدعو الشركات إلى مراقبة تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل طوعي، دون إلزام قانوني. ومع ذلك، يظل التحدي الرئيسي هو تحقيق توازن بين مراقبة الاستخدام والربحية، إذ أن الرقابة قد تؤثر سلبًا على أرباح هذه الشركات.

إخفاق محاولات التقييد القانوني

وأوضح خبير أمن المعلومات أن بعض الولايات الأمريكية حاولت تحميل الشركات المطورة مسؤولية العواقب السلبية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل نتيجة تعقيدات قانونية وتعارض المصالح. لكنه لفت إلى أن حادثة نيفادا قد تمثل نقطة تحول في دفع الجهود نحو تنظيم أكثر صرامة للتكنولوجيا المتطورة.

مستقبل الذكاء الاصطناعي في الميزان

واختتم بانافع حديثه بالإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعي بات يلعب دورًا متزايدًا في حياة البشر، إلا أن حوادث مثل تفجير نيفادا تسلط الضوء على الحاجة العاجلة لإيجاد حلول تنظيمية تمنع استغلال هذه التكنولوجيا بطرق خطيرة.

 ودعا إلى تعاون دولي ومشترك بين الحكومات والشركات لوضع أطر تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي بما يضمن الاستفادة من إمكاناته دون التسبب في أضرار.

مقالات مشابهة

  • خبير أمن معلومات: الذكاء الاصطناعي أداة بحدين| تفاصيل
  • نشأت أبو الخير يكتب: المولود الذي شرف الوجود.. وأنار الحياة والخلود
  • AI Drones: تأثير مُسيّرات الذكاء الاصطناعي في نتائج الحروب
  • الذكاء الاصطناعي يزيح 92% من البشر عن وظائفهم
  • الذكاء الاصطناعي يُهدد 92 مليون وظيفة
  • مساعد الذكاء الاصطناعي «Gemini» يصل عالم السيارات| تفاصيل
  • الذكاء الاصطناعي يُهدد 92 مليون وظيفة عالمياً بحلول 2030
  • حجم سوق الذكاء الاصطناعي خليجياً.. 15 مليار دولار
  • تعزيز الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي
  • ندوة علمية في جامعة ذمار حول آفاق الذكاء الصناعي في إدارة الأعمال