لجريدة عمان:
2024-08-03@05:16:42 GMT

القضية الفلسطينية في حاجة إلى قيادة جديدة

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

ستظل القضية الفلسطينية في ضمير أجيال متعاقبة من العرب، وستبقى هي القضية المحورية التي لم نُحسن إدارتها عبر ما يزيد على خمسة وسبعين عاما، خضنا خلالها حروبا راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشباب، وبسببها تعثرت التنمية في بعض أقطارنا العربية، ورغم ذلك لم نحصد إلا الدماء التي نراها صباح مساء، بينما العالم الغربي ما يزال يدعي بأنه يدافع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدعم هذه الحرب غير المتكافئة، والتي أتت على الأخضر واليابس، وأعتقد أن الكثير من الشعوب العربية تتطلع إلى وقف هذه الحرب التي تحصد آلاف الشهداء يوماً بعد آخر.

تابعت الجولات المتعاقبة التي قام بها بعض وزراء الخارجية العرب، وهو جهد دبلوماسي مطلوب، إلا انه جاء متأخرا وخصوصا وأن مفتاح الحل ما يزال بيد الولايات المتحدة الأمريكية، وقد صدمني موقف مندوبتها في الأمم المتحدة، حينما راحت تعيد المشهد يوم ٧ أكتوبر الماضي بشكل درامي تأكيداً على ثبات الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل دون الإشارة إلى ما أعقب ذلك من دمار وقتل وحصار لشعب كاد أن يقتله اليأس بعد أن فقد الأمل وسط عالم ظالم لا يرى إلا ما تقول به إسرائيل، وهو مشهد مأساوي لا مثيل له في التاريخ الحديث.

ستبقى القضية الفلسطينية قضية معقدة مستعصية على الحل، في ظل انقسام عربي وصراع فلسطيني فلسطيني، حكومة في رام الله تعترف بها الكثير من دول العالم، وأخرى في قطاع غزة والخلاف بينهما لا يقل عن خلافهما مع إسرائيل، وفي الوقت الذي تطالب فيه معظم دول العالم بقيام دولتين متجاورتين، وهو ما تسعى إليه الدول العربية، لكن السؤال: ما هو الفصيل السياسي الذي يمثل الجانب الفلسطيني؟ هل ستقبل حماس أن يتولى أبو مازن وجماعته التفاوض مع إسرائيل؟ وهل ستقبل بما ستسفر عنه المفاوضات؟ أتذكر منذ عدة عقود ما قاله المرحوم معمر القذافي في أحد اجتماعات القمة العربية، مقترحاً دولة واحدة تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين معا (إسراطين) وهو مقترح تلقاه الإعلام العربي بقدر من السخرية!

أعتقد أن إسرائيل لن تقبل أبداً بهذا الحل، الذي لو توفرت له كل الشروط اللازمة، بقيام دولة علمانية يتساوى فيها العرب والإسرائيليون أمام الدستور والقانون على قدم وساق، وينعم فيها الجميع بفرص متساوية في التعليم والخدمات، أنا على ثقة بأن هذا الحل لن توافق عليه إسرائيل، ولا حتى الفلسطينيين، وسيبقى شعار حل دولتين متجاورتين كلام مرسل، تشوبه الكثير من التعقيدات، لعل في مقدمتها صعوبة التواصل بين غزة والضفة الغربية، وستظل إسرائيل متمسكة بالسيطرة على الحدود والمطارات، حتى هذا المقترح الذي قال به معمر القذافي لن ترضى به إسرائيل ولا الفلسطينيون، وفكرة قيام دولة منزوعة السلاح هو الآخر لن يقبل به الفلسطينيون ولا الإسرائيليون.

ما يحدث الآن من مفاوضات غير مباشرة مع حماس بشأن الأسرى هو قضية هزلية، ففي مساء كل يوم تُفرج فيه إسرائيل عن بضعة أفراد من الفلسطينيين يحدث في صباح اليوم التالي اقتحام للقرى والمدن في الضفة الغربية والقدس لإلقاء القبض على مئات الفلسطينيين والزج بهم في السجون دون محاكمة، ولم يلتفت المفاوضون إلى هذه القضية، التي لم يكتف فيها الإسرائيليون على مجرد السجون، وإنما يُستشهد كل يوم عشرات الفلسطينيين، في القدس ورام الله ومختلف مدن الضفة الغربية، يحدث هذا دون أن يتحرك ضمير العالم لهذه المأساة.

أعتقد أن الفلسطينيين في حاجة ملحة إلى قيادات جديدة تحظى بثقة الشعب الفلسطيني - ونحن على ثقة بأن الفلسطينيين في الداخل والخارج لديهم قيادات واعية منتشرون في معظم دول العالم، ولعل ممثل الحكومة الفلسطينية في بريطانيا (حسام الزملط) الذي فاجأنا بأدائه الرائع ولغته الإنجليزية الراقية، ومقدرته على مخاطبة الغرب بخطاب سياسي مقنع، فضلاً عن ممثل فلسطين في الأمم المتحدة، الذي شاهدناه متحدثا واعياً مدركاً للقضية التي يدافع عنها، وغيرهما من الفلسطينيين الأكاديميين والدبلوماسيين والمفكرين، وجميعهم منتشرون في معظم دول العالم، لأن القضية ستبقى مستعصية على الحل ما بقيت القيادات القديمة التي تجاوزها الزمن، وما نجم عنها من ظهور تيارات راديكالية عنيفة يصعب أن يتقبلها العالم.

أعتقد أن الشعب الفلسطيني الجسور يملك قراره، بالدفع بقيادات جديدة يقبلها الفلسطينيون وتحظى بدعم عربي ودولي، يمكنها من الوصول إلى حلول عملية، لكي يعيش الفلسطينيون في ظروف اجتماعية واقتصادية وإنسانية بعيدا عن ثقافة الموت، عندئذ ستفقد إسرائيل مبرراتها أمام العالم، وخصوصاً وأن القضايا المعقدة في التاريخ، والتي اتخذت من الحروب وسيلة لتحقيق أهدافها قد انتهى بها الأمر إلى مفاوضات شاقة حققت حلولاً عملية وفق قواعد قانونية وسياسية، وهي تجارب مر بها العالم منذ القرن السادس عشر الميلادي وحتى نهايات الحرب العالمية الثانية.

المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قضية صعبة ومعقدة، وهي في حاجة إلى قيادات جديدة لديها القدرة على اتخاذ قرارات جسورة، في ظل سيطرة إسرائيل على الأرض والبحر والجو، وستبقى القضية بتعقيداتها ما بقيت هذه القيادات القديمة التي تورطت في استقطابات إقليمية ودولية أضرّت القضية ضررا بالغا.

إن أعظم ما تملكه فلسطين هو شعبها، الذي استطاع عبر هذه العقود الطويلة أن يحافظ على هويته ويتمسك بحقوقه، سواء في الداخل أو الخارج، رغم أن معظم من عاشوا في بلاد الشتات لم يشاهدوا فلسطين، لكنهم حريصون على أن تظل القضية حاضرة في وجدانهم، أعرف الكثيرين منهم، مثقفين، فنانين، شعراء، خبراء في كل مناحي الاقتصاد والتعليم، من أمريكا اللاتينية وحتى الأقطار العربية، وجميعهم يعيشون قضيتهم لحظة بلحظة، رغم القيود الصارمة التي وضعتها إسرائيل للحيلولة دون العودة إلى وطنهم، حتى لو كان ذلك لمجرد الزيارة والبحث عن الجذور.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دول العالم

إقرأ أيضاً:

لائحة كبار قادة المقاومة الفلسطينية والطريقة التي اغتالهم بها الجيش الإسرائيلي منذ 1993

أعلنت حركة حماس اغتيال إسرائيل لرئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، ومرافقه في العاصمة الإيرانية طهران، ليلتحق بعدد من القادة الذين اغتالتهم سلطات الاحتلال في مواقع ومناطق مختلفة.

وكان آخر ظهور لهنية في طهران أثناء حفل تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وجاء استهدافه بعد إعلان تل أبيب مطاردة قادة حماس في غزة وخارجها، وفي كل مكان، رداً على ما تقول إنه الهجوم الذي قامت به المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023.

ومع أسئلة الاستفهام التي تركها استهداف إسماعيل هنية في عاصمة الدولة الحليفة لحماس، ما تزال الأنباء شحيحة عن سبيل الوصول إليه في هذا الظرف، والذي كشف عن اختراق أمني عالي المستوى.

لكن بالعودة لعمليات سابقة، تتضح بعض التفاصيل من جمع محاولات قامت بها إسرائيل للوصول لعشرات القيادات من فصائل المقاومة الفلسطينية، وإن تراجعت وتيرتها أو توقفت مؤقتا، لمعظم الفصائل الأخرى ما عدا “حماس”، خلال مفاوضات السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

ووضعت سلطات الاحتلال قوائم واسعة بأسماء شخصيات وقيادات من حماس ترغب في الوصول إليهم، استكمالاً لتاريخ أجهزتها في استهداف قادة الحركة منذ تأسيسها في ثمانينات القرن الماضي، دون وضع حد بين السياسية منها والعسكرية.

وبعد “عملية طوفان الأقصى”، استهدفت طائرة مسيرة إسرائيلية مكتباً تابعاً لحماس ضمن بناية تقع في قلب معقل حزب الله بالضاحية الجنوبية لبيروت، واغتالت صالح العاروري، نائب رئيس “حماس” وقائد الحركة في الضفة الغربية، ويعد من أهم حلقات الوصل مع “حزب الله” اللبناني وإيران.

ولم يكن اغتيال العاروري سابقة أو مرتبطا بتداعيات السابع من أكتوبر، بل يأتي ضمن سلسلة من عمليات الاغتيال التي طالت قادة وكوادر حركة حماس منذ بداية تسعينات القرن الماضي. وتأتي محاولات تل أبيب ضمن ما تقول إنه محاولة لإضعاف والقضاء على الحركة، مع جهود تبذلها مختلف أذرعها الاستخباراتية والعسكرية والأمنية والسياسية، على امتداد سنوات للوصول إلى رموز حماس، مثل اغتيال عماد عقل وهو من أبرز القادة العسكريين لكتائب عز الدين القسام، والذي اغتيل بعد محاصرة إسرائيلية في 24 نوفمبر 1993، منزلاً بحي الشجاعية في مدينة غزة واغتالته مع أحد مساعديه.

وبعدها اغتالت سلطات الاحتلال، يحيى عياش، الذي يعد من أبرز القادة العسكريين في كتائب القسام، وكانت تتهمه بتنفيذ تفجيرات وعمليات داخل إسرائيل.

ولتنفيذ عملية اغتيال عياش، تمكن جهاز “الشاباك” الإسرائيلي، في يناير 1996، من تسريب هاتف ملغم إليه، وفجّره عن بعد. وهو ما جعل العديد من قادة حماس من يومها يتفادون الاستخدام المباشر للهواتف، وغالباً لا يتعاملون مع الهواتف المشبوهة.

وبداية الألفية الحالية، في 31 يناير من عام 2001، قصفت طائرات إسرائيلية بالصواريخ مكتب الإعلام والدراسات التابع لحركة حماس في مدينة نابلس بالضفة الغربية، فقتلت القياديين جمال منصور وجمال سليم. ثم لاحقاً استهدفت إسرائيل إسماعيل أبو شنب القيادي في حماس، في 21 غشت 2003 بمدينة غزة.

ولم تتوقف آلة القتل الإسرائيلية بعد الوصول لزعيم حماس، حيث بعد أسابيع قليلة، اغتالت خلفه عبدالعزيز الرنتيسي، وهو طبيب وسياسي من مؤسسي حركة حماس ومن أبرز القيادات السياسية فيها، في 17 أبريل من نفس العام.

وهو ما دفع حماس لفترات طويلة أن لا تعلن عن قادتها علناً أو تسمي رئيس مكتبها، مخافة استهدافه، مثلما حدث مع خالد مشعل الذي تعرض لمحاولة تسميم من قبل الموساد في العاصمة الأردنية عُمان عام 1997.

كما اغتالت إسرائيل شخصيات أخرى من قيادات حماس، مثل صلاح شحادة مؤسس الذراع العسكري للحركة في 22 يوليوز 2002، بقنبلة تزن أكثر من طن، ألقتها طائرة حربية على منزل في حي الدرج شرقي مدينة غزة، أدت إلى استشهاد شحادة و18 شخصا بينهم زوجته ومرافقه زاهر نصار. وكذلك اغتالت جمال منصور ومحمود أبو هنود بواسطة صاروخ أطلقته طائرة حربية على السيارة التي كان يستقلها في 23 نوفمبر 2001. واستهدفت إسرائيل بعد سنوات نزار ريان ويعد من قيادات حماس السياسية والعسكرية، وهذا في يناير 2009، بغارة استهدفت منزله.

وتوصلت إسرائيل لمحمود المبحوح في يناير 2010 الذي كان يعتبر مسؤولاً عن الخدمات اللوجستية في الحركة. واغتالته داخل غرفته بفندق في دبي عن طريق 11 عميلا للموساد دخلوا الإمارات بجوازات سفر أجنبية.

وبحسب مصادر مقربة من حماس، فإن دوافع إسرائيل من هذه العمليات اعتقادها أن ذلك يضعف الحركة، بينما الواقع أن حماس بحسب المصادر تضع الأمر بعين الاعتبار، وهي تعمل على استمرارية العمل من دون وجود المسؤول أو القائد، عبر خلايا صغيرة مدربة لاستكمال أي مهمة منوطة بها.

وإن كانت عمليات الاستهداف والاغتيالات الإسرائيلية تحد من سرعة الحركة، لكنها بحسب تلك المصادر لن توقفها، لأنها برأيهم مشروع مستمر ومتجذر، وفكرة راسخة لدى أجيال عدة.

مقالات مشابهة

  • قطب سانو: فلسطين قضية العالم الأولى والأخيرة.. والميثاق الإفتائي مرجعية للأمة
  • بهية الحريري: فلسطين قضية حق وأرض وشعب وحرية
  • سفير مصر الأسبق بإسرائيل: منظمة التحرير الفلسطينية عملت بعد 67 من لبنان والأردن
  • احتجاز الاحتلال مركبة للشرطة الفلسطينية شمال شرق القدس.. صور
  • ضغوط ديبلوماسية لردٍّ ضمن القواعد.. ميقاتي: الحل لا يكون الا سياسياً عبر الـ1701
  • لائحة كبار قادة المقاومة الفلسطينية والطريقة التي اغتالهم بها الجيش الإسرائيلي منذ 1993
  • بالأسماء والتفاصيل.. خارطة الاغتيالات “الإسرائيلية” الواسعة التي نفذها “الموساد” في البلدان العربية والأجنبية
  • قبل حفله بالعلمين.. حكاية أغنية تاريخية لـ«ويجز» حققت مليون مشاهدة في يومين
  • عطاف يبحث تطورات القضية الفلسطينية مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي
  • فلسطين.. رمزًا للصمود والمقاومة