لجريدة عمان:
2024-07-05@11:26:48 GMT

ضرر كيسنجر على الداخل الأمريكي

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

ثمة الكثير الذي يمكن قراءته منذ توفي يوم الأربعاء الماضي هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي السابق للرئيسين ريتشارد نيكسن وجيرالد فورد. لكن ظني أن أفضل ما كتب له من نعي واستعراض هو ما ركز على دوره الهائل في نشر الشقاء الإنساني في أرجاء الكوكب، باسم السياسة الواقعية وما اعتبره «المصالح الوطنية» الأمريكية.

ولنبدأ بإسهام كيسنجر الكامل ـ بوصفه مستشار الأمن الوطني للرئيس نيكسن ـ في قرار التفويض بالقصف السري الشامل لكمبوديا الذي أسقطت فيه الولايات المتحدة أكثر من خمسمئة ألف طن من المتفجرات على ذلك البلد بما أسفر عن مصرع ما يصل إلى مئة وخمسين ألفا من المدنيين. لقد لعب ذلك القصف ـ الذي زعزع كمبوديا ـ دورا في صعود بول بوت والخمير الحمر، الذين مضوا حتى قتلوا ما يقرب من مليوني شخص خلال فترة ولايته التي استمرت لأربع سنوات في السلطة.

كان كيسنجر أيضا مهندس الجهود الأمريكية لتقويض حكومة سلفادور أليندي الاشتراكية المنتخبة ديمقراطيًّا في تشيلي. في غداة انقلاب عام 1973 الذي أتى بالجنرال أوجستو بينوشيه ليرأس نظاما دكتاتوريا عسكريا، دفع كيسنجر الولايات المتحدة أيضا لدعم نظام حكم جديد عمل على قتل وتعذيب وسجن الآلاف من مواطني تشيلي.

ولقد قال كيسنجر لنوابه ـ بحسب ما يرد في محاضر الاجتماعات التي رفعت عنها السرية ـ في الأسابيع التالية للانقلاب «أعتقد أننا يجب أن نفهم سياستنا، وهي أن هذه الحكومة مهما أساءت التصرف هي خير لنا من أليندي». وبعد سنوات قلائل، في عام 1976، سيقول كيسنجر لبينوشيه «إن تقديري هو أنك ضحية للجماعات اليسارية في العالم وأن خطيئتك الكبرى عندها هي أنك أطحت بحكومة كانت ذات نزعة شيوعية».

استشرى عمل كيسنجر القذر حتى تجاوز جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية. فقد دعم ـ إلى جانب نيكسن ـ الجهود الوحشية التي بذلتها حكومة باكستان الغربية السابقة لقمع القوميين البنغال في باكستان الشرقية السابقة التي تعرف اليوم ببنجلاديش. وقد قدَّرت دراسة حديثة عدد القتلى في هذا الصراع بنحو 269 ألف شخص، فضلا عن دفع ملايين اللاجئين إلى الهند المجاورة. كما أعطى كيسنجر الضوء الأخضر لغزو الدكتاتور الإندونيسي سوهارتو لتيمور الشرقية سنة 1975 مشعلا شرارة صراع سوف يسفر في ما بين 1976 و1980 عن مقتل ما لا يقل عن مئة ألف من السكان البالغ عددهم قرابة ستمئة وخمسين ألفا.

وما تلك إلا عينة من أنشطة كيسنجر التي سوف تستمر في العقود التالية لخروجه من الحكومة إذ عمل مستشارا خاصا ومرشدا ـ من نوع ما ـ لفئة كبيرة متنوعة من الساسة وقادة الأعمال. ويشير المؤرخ جريج جراندين في النعي الذي نشرته مجلة ذي نيشن إلى أنه «ما من مستشار سابق للأمن للوطني أو وزير للخارجية قد حظي بمثل ما حظي به كيسنجر من نفوذ بعد تركه السلطة». وهذا النفوذ هو الذي يفسر السبب في أن كيسنجر قد «مات نجما» وعضوا مرموقا ومحترما في المؤسسة الأمريكية ـ حسبما كتب سبنسر أكرمان في رولنج ستون.

تأتي وفاة كيسنجر في وقت يتصاعد فيه القلق على مستقبل الديمقراطية الأمريكية. فثمة تخوف كبير من قيام دونالد ترامب ـ في حال حصوله على ولاية ثانية في البيت الأبيض ـ بتفكيك نظام حكمنا الذاتي الدستوري لصالح نوع من الأوتقراطية. فيجدر بنا إذن أن نفكر لا في تأثير كيسنجر فقط على السياسة الخارجية الأمريكية وإنما في تأثيره أيضا على الديمقراطية الأمريكية. ويمكنكم إيجاز ذلك في الازدراء الذي عبر عنه للديمقراطية التشيلية حينما قال إنه ما من سبب لدى الولايات المتحدة «للاكتفاء بالمشاهدة بينما تتجه تشيلي إلى الشيوعية من جراء محض انعدام المسؤولية لدى شعبها».

لم يظهر كيسنجر ـ شأن راعيه نيكسن ـ غير الازدراء للمحاسبة أو الرأي العام أو سيادة القانون. فقد كتب المؤرخ جاري جيه باس لمجلة ذي أطلنطيك يقول إن كيسنجر تجاهل حظر الكونجرس الصريح المفروض على إرسال أسلحة إلى باكستان.

وأعرض عن تحذيرات مساعدين في البيت الأبيض ومحامين في وزارة الخارجية والبنتاجون من عدم شرعية نقل الأسلحة إلى باكستان. وفي عام 1971 وجَّه نيكسن ـ في حضور النائب العام جون ميتشل ـ سؤالا إلى كيسنجر فقال: «هل الأمر بالفعل خارج كثيرا على القانون؟» فاعترف كيسنجر بأنه كذلك. ودونما مبالاة بوضع إطار قانوني للسلطة التنفيذية، مضى نيكسن وكيسنجر قدما وفعلا ما أرادا على أي حال. وقال نيكسن «إلى الجحيم بكل هذا، لقد فعلنا ما هو أسوأ».

وسوف نشهد خيانة كيسنجر وازدواجيته الجامحتين ـ وإيمانه الواضح بعدم أحقية الشعب في معرفة سلوك حكومته في الخارج ـ إذ يتردد صداهما في السياسة الأمريكية على المدار العقود التالية لخروجه من البيت الأبيض. فمن الصعب أن ننظر إلى أفعال بيت ريجان الأبيض في قضية إيران كونترا، على سبيل المثال، دون أن نرى المساعي كيسنجرية الطابع للتحايل على الشعب وممثليه بهدف ممارسة السلطة دونما محاسبة ديمقراطية.

ومثل ذلك يسري على برنامج التعذيب غير الشرعي الذي انتهجه الرئيس جورج بوش الابن. فالروح الكيسنجرية ـ في واقع الأمر ـ هي الاعتقاد بأن للرئيس أن يفعل ما يشاء، في أي مكان من العالم، دونما تداول ديمقراطي أو محاسبة شعبية. وهذه رؤية تعامل الديمقراطية إما بوصفها واجهة أو بوصفها ـ وهذا هو الحال في أكثر الأحيان ـ مصدر إزعاج يجدر اجتنابه كلما أمكن ذلك.

ولم يكن كيسنجر يبالي قط بالطموحات الديمقراطية لأغلب شعوب هذا الكوكب، والأمريكيون منهم لا أكثر ولا أقل.

كاتب المقال مراسل سياسي سابق لمجلة سليت، وكاتب رأي في نيويورك تايمز منذ 2019

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بعد الأداء الكارثي بالمناظرة وتخوف الأمريكيين.. البيت الأبيض يؤكد عدم ضرورة خضوع بايدن لاختبار معرفي

ذكر البيت الأبيض يوم الثلاثاء أنه "لا ضرورة" لخضوع الرئيس الأمريكي جو بايدن لاختبار معرفي، موضحا تفهمه مخاوف الأمريكيين بعد أدائه الكارثي في المناظرة مؤخرا.

وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير خلال مؤتمر صحفي، حول الوضع الصحي للرئيس جو بايدن الذي يثير الكثير من التساؤلات، قائلة: "لا ضرورة لخضوع الرئيس جو بايدن لاختبار معرفي".

إقرأ المزيد الديمقراطيون يستعدون لمعركة "نهاية العالم" بعد "كارثة" بايدن في مناظرته أمام ترامب

وشددت على أن الرئيس جو بايدن "يعرف كيف ينهض مجددا" بعد مناظرة مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب، التي كان أداء بايدن فيها كارثيا.

وأضافت أن "الإدارة الأمريكية لا تخفي أي معلومات في ما يتصل بالحال الصحية لبايدن".

وبعد المناظرة الكارثية التي خاضها جو بايدن في مواجهة منافسه الجمهوري دونالد ترمب، يضغط أعضاء الحزب الديمقراطي على جو بايدن ليكون "صادقا بشأن حالته الصحية".

وقال عضو مجلس النواب مايك كويغلي، وهو ديمقراطي عن إيلينوي، لشبكة "سي إن إن": "علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا بشأن أنها لم تكن مجرد ليلة مروعة".

وأشارت رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة الديمقراطية نانسي بيلوسي، إلى أنه "من المشروع التساؤل حول الحالة الصحية للرئيس بايدن بعد المناظرة".

إقرأ المزيد المانحون الديمقراطيون قلقون من عجز بايدن عن هزيمة ترامب

من جهته، قال السيناتور شيلدون وايتهاوس، إن "الشعب يريد التأكد من أن الرئيس وفريقه صادقون بشأن حالته"، حيث لا يزال أداء بايدن في أول مناظرة تلفزيونية ضد دونالد ترامب يثير ضجة بين الديمقراطيين.

كما وجه أول برلماني ديمقراطي يوم الثلاثاء، دعوة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن للانسحاب من السباق الرئاسي، حيث أعرب النائب لويد دوغيت عن أمله في اتخاذ هذا القرار بشكل فوري.

المصدر: RT + "أ ف ب"

مقالات مشابهة

  • السيد القائد: المعركة في البحر الأحمر أثبتت أن حاملات الطائرات الأمريكية نظام قديم عفا عليه الزمن
  • «بايدن» يفاجئ الحكام الديمقراطيين بشأن قدرته العقلية: أحتاج إلى النوم
  • ماذا يعني فضح وكشف ملفات جواسيس المخابرات الأمريكية الـ (CIA)؟
  • البيت الأبيض: الحديث بشأن تقاعد بايدن «غير صحيح»
  • مسؤولون أمريكيون سابقون: هناك تواطؤ أمريكي لا يمكن إنكاره في أعمال قتل بغزة
  • بعد الأداء الكارثي بالمناظرة وتخوف الأمريكيين.. البيت الأبيض يؤكد عدم ضرورة خضوع بايدن لاختبار معرفي
  • البيت الأبيض: لا ضرورة لخضوع بايدن لاختبار معرفي
  • البيت الأبيض: "لا ضرورة" لخضوع بايدن لاختبار معرفي
  • «سيؤدي إلى فوضى».. أنباء عن انسحاب بايدن من سباق الرئاسة الأمريكية
  • صحيفتان أمريكيتان: قرار المحكمة العليا بشأن حصانة ترامب ليس نهاية الديمقراطية