لجريدة عمان:
2025-07-12@07:36:35 GMT

ضرر كيسنجر على الداخل الأمريكي

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

ثمة الكثير الذي يمكن قراءته منذ توفي يوم الأربعاء الماضي هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي السابق للرئيسين ريتشارد نيكسن وجيرالد فورد. لكن ظني أن أفضل ما كتب له من نعي واستعراض هو ما ركز على دوره الهائل في نشر الشقاء الإنساني في أرجاء الكوكب، باسم السياسة الواقعية وما اعتبره «المصالح الوطنية» الأمريكية.

ولنبدأ بإسهام كيسنجر الكامل ـ بوصفه مستشار الأمن الوطني للرئيس نيكسن ـ في قرار التفويض بالقصف السري الشامل لكمبوديا الذي أسقطت فيه الولايات المتحدة أكثر من خمسمئة ألف طن من المتفجرات على ذلك البلد بما أسفر عن مصرع ما يصل إلى مئة وخمسين ألفا من المدنيين. لقد لعب ذلك القصف ـ الذي زعزع كمبوديا ـ دورا في صعود بول بوت والخمير الحمر، الذين مضوا حتى قتلوا ما يقرب من مليوني شخص خلال فترة ولايته التي استمرت لأربع سنوات في السلطة.

كان كيسنجر أيضا مهندس الجهود الأمريكية لتقويض حكومة سلفادور أليندي الاشتراكية المنتخبة ديمقراطيًّا في تشيلي. في غداة انقلاب عام 1973 الذي أتى بالجنرال أوجستو بينوشيه ليرأس نظاما دكتاتوريا عسكريا، دفع كيسنجر الولايات المتحدة أيضا لدعم نظام حكم جديد عمل على قتل وتعذيب وسجن الآلاف من مواطني تشيلي.

ولقد قال كيسنجر لنوابه ـ بحسب ما يرد في محاضر الاجتماعات التي رفعت عنها السرية ـ في الأسابيع التالية للانقلاب «أعتقد أننا يجب أن نفهم سياستنا، وهي أن هذه الحكومة مهما أساءت التصرف هي خير لنا من أليندي». وبعد سنوات قلائل، في عام 1976، سيقول كيسنجر لبينوشيه «إن تقديري هو أنك ضحية للجماعات اليسارية في العالم وأن خطيئتك الكبرى عندها هي أنك أطحت بحكومة كانت ذات نزعة شيوعية».

استشرى عمل كيسنجر القذر حتى تجاوز جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية. فقد دعم ـ إلى جانب نيكسن ـ الجهود الوحشية التي بذلتها حكومة باكستان الغربية السابقة لقمع القوميين البنغال في باكستان الشرقية السابقة التي تعرف اليوم ببنجلاديش. وقد قدَّرت دراسة حديثة عدد القتلى في هذا الصراع بنحو 269 ألف شخص، فضلا عن دفع ملايين اللاجئين إلى الهند المجاورة. كما أعطى كيسنجر الضوء الأخضر لغزو الدكتاتور الإندونيسي سوهارتو لتيمور الشرقية سنة 1975 مشعلا شرارة صراع سوف يسفر في ما بين 1976 و1980 عن مقتل ما لا يقل عن مئة ألف من السكان البالغ عددهم قرابة ستمئة وخمسين ألفا.

وما تلك إلا عينة من أنشطة كيسنجر التي سوف تستمر في العقود التالية لخروجه من الحكومة إذ عمل مستشارا خاصا ومرشدا ـ من نوع ما ـ لفئة كبيرة متنوعة من الساسة وقادة الأعمال. ويشير المؤرخ جريج جراندين في النعي الذي نشرته مجلة ذي نيشن إلى أنه «ما من مستشار سابق للأمن للوطني أو وزير للخارجية قد حظي بمثل ما حظي به كيسنجر من نفوذ بعد تركه السلطة». وهذا النفوذ هو الذي يفسر السبب في أن كيسنجر قد «مات نجما» وعضوا مرموقا ومحترما في المؤسسة الأمريكية ـ حسبما كتب سبنسر أكرمان في رولنج ستون.

تأتي وفاة كيسنجر في وقت يتصاعد فيه القلق على مستقبل الديمقراطية الأمريكية. فثمة تخوف كبير من قيام دونالد ترامب ـ في حال حصوله على ولاية ثانية في البيت الأبيض ـ بتفكيك نظام حكمنا الذاتي الدستوري لصالح نوع من الأوتقراطية. فيجدر بنا إذن أن نفكر لا في تأثير كيسنجر فقط على السياسة الخارجية الأمريكية وإنما في تأثيره أيضا على الديمقراطية الأمريكية. ويمكنكم إيجاز ذلك في الازدراء الذي عبر عنه للديمقراطية التشيلية حينما قال إنه ما من سبب لدى الولايات المتحدة «للاكتفاء بالمشاهدة بينما تتجه تشيلي إلى الشيوعية من جراء محض انعدام المسؤولية لدى شعبها».

لم يظهر كيسنجر ـ شأن راعيه نيكسن ـ غير الازدراء للمحاسبة أو الرأي العام أو سيادة القانون. فقد كتب المؤرخ جاري جيه باس لمجلة ذي أطلنطيك يقول إن كيسنجر تجاهل حظر الكونجرس الصريح المفروض على إرسال أسلحة إلى باكستان.

وأعرض عن تحذيرات مساعدين في البيت الأبيض ومحامين في وزارة الخارجية والبنتاجون من عدم شرعية نقل الأسلحة إلى باكستان. وفي عام 1971 وجَّه نيكسن ـ في حضور النائب العام جون ميتشل ـ سؤالا إلى كيسنجر فقال: «هل الأمر بالفعل خارج كثيرا على القانون؟» فاعترف كيسنجر بأنه كذلك. ودونما مبالاة بوضع إطار قانوني للسلطة التنفيذية، مضى نيكسن وكيسنجر قدما وفعلا ما أرادا على أي حال. وقال نيكسن «إلى الجحيم بكل هذا، لقد فعلنا ما هو أسوأ».

وسوف نشهد خيانة كيسنجر وازدواجيته الجامحتين ـ وإيمانه الواضح بعدم أحقية الشعب في معرفة سلوك حكومته في الخارج ـ إذ يتردد صداهما في السياسة الأمريكية على المدار العقود التالية لخروجه من البيت الأبيض. فمن الصعب أن ننظر إلى أفعال بيت ريجان الأبيض في قضية إيران كونترا، على سبيل المثال، دون أن نرى المساعي كيسنجرية الطابع للتحايل على الشعب وممثليه بهدف ممارسة السلطة دونما محاسبة ديمقراطية.

ومثل ذلك يسري على برنامج التعذيب غير الشرعي الذي انتهجه الرئيس جورج بوش الابن. فالروح الكيسنجرية ـ في واقع الأمر ـ هي الاعتقاد بأن للرئيس أن يفعل ما يشاء، في أي مكان من العالم، دونما تداول ديمقراطي أو محاسبة شعبية. وهذه رؤية تعامل الديمقراطية إما بوصفها واجهة أو بوصفها ـ وهذا هو الحال في أكثر الأحيان ـ مصدر إزعاج يجدر اجتنابه كلما أمكن ذلك.

ولم يكن كيسنجر يبالي قط بالطموحات الديمقراطية لأغلب شعوب هذا الكوكب، والأمريكيون منهم لا أكثر ولا أقل.

كاتب المقال مراسل سياسي سابق لمجلة سليت، وكاتب رأي في نيويورك تايمز منذ 2019

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«السيسي رفض تنفيذ المخطط».. مصطفى بكري: «تفكيك الداخل المصري هدف الأجهزة الخارجية الآن»

أكد الإعلامي مصطفى بكري، على أهمية الاصطفاف الوطني وعدم الانخداع بالحملة التشويهية المدعومة من أجهزة خارجية لديها مخططات تهدف إلى الإيقاع بمصر، لافتا إلى أن تفكيك الداخل المصري هو الهدف الأسمى بالنسبة إليهم.

وأضاف مصطفى بكري، خلال تقديمه برنامج حقائق وأسرار، المذاع على قناة صدى البلد، أنهم يستهدفون تفكيك الاصطفاف الوطني خلف القيادة السياسية، يريدون هدم الشعب وقيادته، وإدخال البلاد في فوضى.

وقال مصطفى بكري، إنهم يفعلون ذلك لأن الرئيس السيسي لا ينفذ لهم ما يريدون، وكشف مخططاتهم، موضحا أن الرئيس رفض التهجير، ولازال مستمرا في دعم القضية الفلسطينية والوصول إلى حل عادل لها، سلّح الجيش المصري بأحدث الأسلحة، رفض مرور السفن الأمريكية من قناة السويس بدون رسوم، رفض إنشاء قواعد أمريكية على أرض مصر.

وأشار بكري إلى أنه بسبب كل الأفعال السابقة التي ليست على هوى هذه الأجهزة كان تدمير الداخل المصري هو الحل والهدف الأهم بالنسبة لهم، مضيفا أن الحصار الاقتصادي، وتسليط الإعلام الخارجي على مصر، وإحداث المشاكل في البلاد، والتهويل من أمر الحوادث، جزء من هذه الحملة وهذا المخطط الفاشي.

وأكد أن المنخدعين بالكلام السلبي الذي انتشر على السوشيال ميديا بدون داعي في الفترة الأخيرة، والتشكيك في قوة الدولة، هؤلاء للأسف المغيّبون.

اقرأ أيضاًرجل لا يعرف الراحة.. مصطفى بكري: «لا ننسى إنجازات الفريق كامل الوزير»

مصطفى بكري: «مصر صامدة بشعبها وقيادتها وقادرة على مواجهة التحديات والأزمات»

مصطفى بكري ردا على المشككين: « إحنا مستعدين ندوس على قلوبنا لنبعث الأمل مهما كانت التحديات»

مقالات مشابهة

  • سوريا تشتعل من جديد.. انفجارات في الداخل وحرائق تلتهم غابات اللاذقية
  • اين موقع ودور القوى الوطنية في التغيير المنشود في العراق المحتل ؟
  • خطة شيطانية لضرب مصر من الداخل .. مصطفى بكري ينفعل على الهواء
  • «السيسي رفض تنفيذ المخطط».. مصطفى بكري: «تفكيك الداخل المصري هدف الأجهزة الخارجية الآن»
  • مجلس الشيوخ الأمريكي قلق بشأن غياب التنسيق بين البيت الأبيض والبنتاغون حول أوكرانيا
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • ترامب: الناتو سيدفع ثمن الأسلحة الأمريكية التي سترسل إلى أوكرانيا
  • إدارة ترامب تعلن رواتب البيت الأبيض لعام 2025.. وتنفذ أكبر تقليص في جهاز الاستخبارات الأمريكية
  • “الجبهة الديمقراطية” تُدين العقوبات الأمريكية على المقررة الأممية ألبانيز
  • الزعاق: أجواء القيظ معتدلة هذا العام وسياحة الداخل خيار مثالي .. فيديو