التشكيك في التغير المناخي لا علاقة له بالنزعة الشكّية
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -
يعود مصطلح «المتشكّكين في التغيّر المناخي» إلى الواجهة بمناسبة كل مؤتمر سنوي يُعقد في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي أو ما يُعرف بمؤتمر الأطراف، وعلى خلفية صرخات الإنذار التي تطلقها مؤسسات دولية مختلفة (منظمة الأمم المتحدة، الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
تأتي هذه الملاحظة كتفاعل مع التعليقات الأخيرة التي أدلى بها دافيد شافالاريا (David Chavalarias)، عالم الرياضيات، والتي وردت في مقال نُشر بصحيفة «لوموند» بتاريخ الخامس من شهر أكتوبر 2023، تحت عنوان «المناخ: العلماء هم أول المستهدَفين لجيش المتشكّكين في ظاهرة الاحترار المناخي». ويقول شافالاريا أنه يفضّل استعمال مصطلح «المنكرين» من أجل وصف المتشكّكين في التغير المناخي. لقد شاع استعمال مصطلح «المتشكّك في التغير المناخي» خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتكرّس استعماله بعد أن دخل إلى قاموس لوبتي روبير (Le Petit Robert)، الذي يقدّم عنه التعريف التالي: «الشخص الذي يشكّك في النظريات الأوسع انتشارا فيما يتعلق بالاحترار المناخي».
غير أن الشك في حقيقة الأمر يعبّر عن موقف فكري خالٍ من أي أحكام مسبقة أو جاهزة، إذ يمكن للمرء أن يشك لأنه ينتظر حججا أكثر إقناعا، أو لأنه ينتظر إيضاحات إضافية حول الأطروحات أو الفرضيات المقترحة. إن الشك لا يعبّر بتاتا عن ارتيابٍ منهجي ثابت، بل يتطلب فحصا صارما وقادرا على إنتاج حكم نابعٍ من معرفة ومؤسس عليها، على غرار الفيلسوف ديكارت، الذي وضع كقاعدة أولى لأي منهج فكري «التشكيك في كل ما ليس سوى محتمل من حيث الصحة».
النزعة الشكيّة أو الشكوكيّة (بالإنجليزية: Skepticism) هي تيّار فلسفي يعود تاريخه إلى العصور القديمة. ولقد عُرف بفضل عدد من الشخصيات الفلسفية الرائدة منها الفيلسوف بيرون (Pyrrhon) الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، والفيلسوف سيكستوس إمبيريكوس (Sextus Empiricus) الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد. وهم مفكّرون شكّلوا جميعا مصادر للمعرفة نهل منها فلاسفة معروفون بعمق إسهماتهم وثرائها، مثل الفيلسوف الفرنسي مونتين (القرن السادس عشر)، أو الفيلسوف الإنجليزي هيوم (القرن الثامن عشر).
لا يمكن اختزال النزعة الشكيّة بأي حال من الأحوال في استحضار الشك أثناء التفكير، أو في إنكار إمكانية الوصول إلى الحقيقة. بل تعني أن إدراك الحقيقة يتطلّب في أغلب الأحيان سعيا يتجاوز الإمكانيات الفكرية للإنسان، وأن الحذر يستدعي تعليق الحكم وعدم الجزم بأي شيء حول ما لا نعرفه حقّا. وذلك لأن المتشكّك يأخذ على محمل الجدّ أساسات المعرفة، ويظل في سعي دائم وراء المناهج التي من شأنها أن تتيح له إمكانية تفكير يحظى بالموثوقية، لكنه لا يجعل من نفسه أضحوكة من خلال إنكار الواقع.
إن المتشكّك لا يعارض بين «الحقيقة» ومجموعة «وقائع» بديلة بطريقة عقائدية ومن خلال تخويف الآخرين، وإنما يُسائل ويستجوب ويقارن. فالطبيب والفيلسوف سيكستوس إمبيريكوس إذا كان أمام ساقٍ مكسورة، لن ينكر أو يشكك في الكسر الماثل أمام عينيه. بينما نرى أن المتشكّكين في التغير المناخي، وأمام ظاهرة الاحترار المناخي وتداعياته التي تشهد لها الغالبية العظمى من السلطات العلمية القائمة، يواجهون الأمر بإنكار راديكالي، أو من خلال اتهام النتائج التي خلص إليها العلماء على سبيل التشكيك في مسؤولية الإنسان عن هذا التغير.
غير أن الشك والاتّهام ليسا الشيء نفسه. فعندما يعبّر الشك عن الحذر في ممارسة الحكم، يكشف الاتهام عن تحدٍّ إزاء سلطة أو مجتمع علمي. إن هذا الاتّهام، كما يقول الباحثون، وهم مستهدفون من هجمات المتشككين في التغيّر المناخي باستمرار، يهدف إلى تقويض مصداقية الأبحاث المنجزة، وإنزال ما يعتمد على عشرات وعشرات السنين من الدراسات الاستقصائية والملاحظات والفرضيات والاستنتاجات، إلى مرتبة الرأي والمعتقد.
وعلى خلاف ما يقتضيه المنهج العلمي، يعمد المتشككون في التغير المناخي إلى عرض قصة أخرى حول المناخ، ويقدمون في سبيل ذلك حججا واهية يضمّونها إلى بعضها البعض مثل لعبة الصور المركّبة. وغالبا ما تحاكي هذه الحجج نظرية ما من نظريات المؤامرة الكثيرة: الإنسان لا علاقة له بالتغيّر المناخي، درجة الحرارة على الأرض ترتفع بانتظام، العلماء يحبسون أنفسهم في مختبراتهم ولا يعيشون في «الواقع»...
تظل مواقف هؤلاء المتشككين بعيدة كل البعد عن الالتزام بأي مطلب علمي، لكنهم يراهنون على جهل جمهورهم والمستمعين لخطابهم من أجل إثارة البلبلة وتوزيع الاتهامات، ويقدّمون عبر شبكاتهم المضلّلة قصة بديلة لا أساس لها من الصحة. إن وصفهم بكونهم «متشككين في التغير المناخي» هو انتحال لرأسمال فلسفي غني بالدروس (النزعة الشكية أو الشكوكية)، ويكاد هذا الوصف يعطي الانطباع بأنهم قد فازوا بالفعل بالمعركة.
يمكن لمصطلح «المتشكك في التغير المناخي»، وعلى عكس ما يُحيل عليه اليوم، أن يعني الحذر الشديد تجاه المظاهر المباشرة والآنية للطقس، والقدرة على التمييز بين الطقس والمناخ، وضرورة الاعتماد دائما على مجموعة كبيرة من البيانات قبل الجزم بخصوص أي شيء. لكنه لا ينبغي أن يعني عدم الثقة في الاستنتاجات التي يخرج بها الباحثون المتخصصون من أعمالهم البحثية المتعلقة بعلوم المناخ. إن التشكيك في التغير المناخي ينمّ في واقع الأمر عن خدعة، ومصطلح مثل «منكرون للتغير المناخي» سوف يعبّر عن موقف هؤلاء على نحو أفضل كثيرا.
جيل بارو أستاذ الفلسفة وباحث مشارك بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا
عن صحيفة لوموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ک فی التغیر المناخی التشکیک فی ر المناخی
إقرأ أيضاً:
إعتقالات في دولة أوروبيّة... ما علاقة الموقوفين بـحزب الله؟
نفذ الحرس المدني الإسباني، الثلاثاء، عملية مكافحة إرهاب ضد عدة متهمين بالانضمام إلى هيكل لوجستي لحزب الله في إسبانيا، وتحديدا فصيل كان يسهّل توفير قطع غيار لتجميع الطائرات المسيّرة.
وقد تم تنفيذ 3 اعتقالات، حتى الآن، في شقة في حي إيشامبل في برشلونة، على الرغم من أنه يتم تنفيذ عمليات تفتيش في جيرونا، وفقا لما أفادت به مصادر مطلعة على التحقيق لصحيفة "لا فانغوارديا".
العملية مرتبطة بتلك التي جرت في تموز الماضي أيضًا في برشلونة، بالتعاون مع السلطات الألمانية، لتفكيك الهياكل اللوجستية لتصنيع الطائرات المسيّرة التابعة لحزب الله. ونتيجة للوثائق التي تم جمعها في تلك العملية، استمر التحقيق ليؤدي إلى عمليات التفتيش والاعتقالات التي تمت الثلاثاء.
في تموز، كان جهاز المخابرات التابع للحرس المدني، بالتعاون مع الشرطة الألمانية، قد أوقف بالفعل 4 أشخاص، 3 في برشلونة وآخر في بادالونا، بتهمة توريد مكونات لتصنيع الطائرات المسيّرة الانتحارية التي تُطلق من لبنان ضد إسرائيل.
ومن بين المعتقلين آنذاك كان هناك اثنان من رجال الأعمال من أصل لبناني وحاصلين على الجنسية الإسبانية. (سكاي نيوز عربية) مواضيع ذات صلة هل يخوض "حزب الله" المعركة بـ"أبناء العــشائر"؟ Lebanon 24 هل يخوض "حزب الله" المعركة بـ"أبناء العــشائر"؟ 01/04/2025 16:50:33 01/04/2025 16:50:33 Lebanon 24 Lebanon 24 إسرائيل تستغل إطلاق الصواريخ لتوسيع عدوانها و "حزب الله" يقف "خلف الدولة" Lebanon 24 إسرائيل تستغل إطلاق الصواريخ لتوسيع عدوانها و "حزب الله" يقف "خلف الدولة"
01/04/2025 16:50:33 01/04/2025 16:50:33 Lebanon 24 Lebanon 24 نتنياهو أهدى ترامب هدية غير متوقعة.. ما علاقتها بـ"حزب الله"؟ Lebanon 24 نتنياهو أهدى ترامب هدية غير متوقعة.. ما علاقتها بـ"حزب الله"؟
01/04/2025 16:50:33 01/04/2025 16:50:33 Lebanon 24 Lebanon 24 صحيفة إسرائيليّة: هدف مُشترك يجمع أحمد الشرع وإسرائيل... ما علاقة "حزب الله"؟ Lebanon 24 صحيفة إسرائيليّة: هدف مُشترك يجمع أحمد الشرع وإسرائيل... ما علاقة "حزب الله"؟
01/04/2025 16:50:33 01/04/2025 16:50:33 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان عربي-دولي قد يعجبك أيضاً
المرأة اللبنانية في سوق العمل.. تحديات وفرص في ظل الضغوط الأسرية
Lebanon 24 المرأة اللبنانية في سوق العمل.. تحديات وفرص في ظل الضغوط الأسرية
09:30 | 2025-04-01 01/04/2025 09:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 المدير العام للأشغال زار عنايا واطلع على وضع الطريق العام
Lebanon 24 المدير العام للأشغال زار عنايا واطلع على وضع الطريق العام
09:13 | 2025-04-01 01/04/2025 09:13:32 Lebanon 24 Lebanon 24 هذا ما تحتاج إليه الحكومة لكسب ثقة الناس
Lebanon 24 هذا ما تحتاج إليه الحكومة لكسب ثقة الناس
09:01 | 2025-04-01 01/04/2025 09:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 هل ستستمرّ إسرائيل بقصف الضاحية؟
Lebanon 24 هل ستستمرّ إسرائيل بقصف الضاحية؟
08:50 | 2025-04-01 01/04/2025 08:50:23 Lebanon 24 Lebanon 24 "حزب الله": هو عهد المقاومة لأهلها الشّرفاء
Lebanon 24 "حزب الله": هو عهد المقاومة لأهلها الشّرفاء
08:27 | 2025-04-01 01/04/2025 08:27:34 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة
أمطارٌ غزيرة وعواصف رعديّة... الأب إيلي خنيصر: هكذا سيكون الطقس
Lebanon 24 أمطارٌ غزيرة وعواصف رعديّة... الأب إيلي خنيصر: هكذا سيكون الطقس
10:05 | 2025-03-31 31/03/2025 10:05:12 Lebanon 24 Lebanon 24 هجوم عنيف من وديع الشيخ على وسام حنا.. إليكم بالفيديو ما قاله
Lebanon 24 هجوم عنيف من وديع الشيخ على وسام حنا.. إليكم بالفيديو ما قاله
14:04 | 2025-03-31 31/03/2025 02:04:41 Lebanon 24 Lebanon 24 برفقة أولاد زوجها.. هكذا احتفلت إعلامية الـ MTV نبيلة عواد بعيد الفطر (صورة)
Lebanon 24 برفقة أولاد زوجها.. هكذا احتفلت إعلامية الـ MTV نبيلة عواد بعيد الفطر (صورة)
04:43 | 2025-04-01 01/04/2025 04:43:31 Lebanon 24 Lebanon 24 "ترند" جديد يجتاح لبنان.. هذا هو سره وهذه خطورته
Lebanon 24 "ترند" جديد يجتاح لبنان.. هذا هو سره وهذه خطورته
15:00 | 2025-03-31 31/03/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 ساعد في التخطيط لهجوم كبير.. إسرائيل تكشف هوية المُستهدف في الغارة على الضاحية الجنوبية
Lebanon 24 ساعد في التخطيط لهجوم كبير.. إسرائيل تكشف هوية المُستهدف في الغارة على الضاحية الجنوبية
23:10 | 2025-03-31 31/03/2025 11:10:46 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان
09:30 | 2025-04-01 المرأة اللبنانية في سوق العمل.. تحديات وفرص في ظل الضغوط الأسرية 09:13 | 2025-04-01 المدير العام للأشغال زار عنايا واطلع على وضع الطريق العام 09:01 | 2025-04-01 هذا ما تحتاج إليه الحكومة لكسب ثقة الناس 08:50 | 2025-04-01 هل ستستمرّ إسرائيل بقصف الضاحية؟ 08:27 | 2025-04-01 "حزب الله": هو عهد المقاومة لأهلها الشّرفاء 08:13 | 2025-04-01 عن أمن المطار وهبوط الطيران الإيراني في لبنان... هذا ما قاله وزير الأشغال فيديو تراجع فجأة خلال المباراة وفقد وعيه.. ملاكم توفي بطريقة مأساوية (فيديو)
Lebanon 24 تراجع فجأة خلال المباراة وفقد وعيه.. ملاكم توفي بطريقة مأساوية (فيديو)
03:54 | 2025-04-01 01/04/2025 16:50:33 Lebanon 24 Lebanon 24 "فرّ" من الجيش.. فنان لبناني شهير يكشف تفاصيل عن حياته وهذا ما قاله عن فضل شاكر (فيديو)
Lebanon 24 "فرّ" من الجيش.. فنان لبناني شهير يكشف تفاصيل عن حياته وهذا ما قاله عن فضل شاكر (فيديو)
03:59 | 2025-03-25 01/04/2025 16:50:33 Lebanon 24 Lebanon 24 برج إيفل مُغطى بحجاب.. إعلان في فرنسا يؤدي لانقسامات ثقافية ودينية (فيديو)
Lebanon 24 برج إيفل مُغطى بحجاب.. إعلان في فرنسا يؤدي لانقسامات ثقافية ودينية (فيديو)
01:50 | 2025-03-25 01/04/2025 16:50:33 Lebanon 24 Lebanon 24
Download our application
مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات أخبار عاجلة
Download our application
Follow Us
Download our application
بريد إلكتروني غير صالح Softimpact
Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24