الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -

يعود مصطلح «المتشكّكين في التغيّر المناخي» إلى الواجهة بمناسبة كل مؤتمر سنوي يُعقد في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي أو ما يُعرف بمؤتمر الأطراف، وعلى خلفية صرخات الإنذار التي تطلقها مؤسسات دولية مختلفة (منظمة الأمم المتحدة، الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

..). لكن حينما نستعمل مصطلح «المتشكّك» من أجل وصف مجموعة من الخطابات والممارسات التي لا علاقة لها إطلاقا بالشك، أفليس هذا تكريما مبالَغا لهؤلاء النشطاء الرافضين لنتائج الأبحاث العلمية؟

تأتي هذه الملاحظة كتفاعل مع التعليقات الأخيرة التي أدلى بها دافيد شافالاريا (David Chavalarias)، عالم الرياضيات، والتي وردت في مقال نُشر بصحيفة «لوموند» بتاريخ الخامس من شهر أكتوبر 2023، تحت عنوان «المناخ: العلماء هم أول المستهدَفين لجيش المتشكّكين في ظاهرة الاحترار المناخي». ويقول شافالاريا أنه يفضّل استعمال مصطلح «المنكرين» من أجل وصف المتشكّكين في التغير المناخي. لقد شاع استعمال مصطلح «المتشكّك في التغير المناخي» خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتكرّس استعماله بعد أن دخل إلى قاموس لوبتي روبير (Le Petit Robert)، الذي يقدّم عنه التعريف التالي: «الشخص الذي يشكّك في النظريات الأوسع انتشارا فيما يتعلق بالاحترار المناخي».

غير أن الشك في حقيقة الأمر يعبّر عن موقف فكري خالٍ من أي أحكام مسبقة أو جاهزة، إذ يمكن للمرء أن يشك لأنه ينتظر حججا أكثر إقناعا، أو لأنه ينتظر إيضاحات إضافية حول الأطروحات أو الفرضيات المقترحة. إن الشك لا يعبّر بتاتا عن ارتيابٍ منهجي ثابت، بل يتطلب فحصا صارما وقادرا على إنتاج حكم نابعٍ من معرفة ومؤسس عليها، على غرار الفيلسوف ديكارت، الذي وضع كقاعدة أولى لأي منهج فكري «التشكيك في كل ما ليس سوى محتمل من حيث الصحة».

النزعة الشكيّة أو الشكوكيّة (بالإنجليزية: Skepticism)‏ هي تيّار فلسفي يعود تاريخه إلى العصور القديمة. ولقد عُرف بفضل عدد من الشخصيات الفلسفية الرائدة منها الفيلسوف بيرون (Pyrrhon) الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، والفيلسوف سيكستوس إمبيريكوس (Sextus Empiricus) الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد. وهم مفكّرون شكّلوا جميعا مصادر للمعرفة نهل منها فلاسفة معروفون بعمق إسهماتهم وثرائها، مثل الفيلسوف الفرنسي مونتين (القرن السادس عشر)، أو الفيلسوف الإنجليزي هيوم (القرن الثامن عشر).

لا يمكن اختزال النزعة الشكيّة بأي حال من الأحوال في استحضار الشك أثناء التفكير، أو في إنكار إمكانية الوصول إلى الحقيقة. بل تعني أن إدراك الحقيقة يتطلّب في أغلب الأحيان سعيا يتجاوز الإمكانيات الفكرية للإنسان، وأن الحذر يستدعي تعليق الحكم وعدم الجزم بأي شيء حول ما لا نعرفه حقّا. وذلك لأن المتشكّك يأخذ على محمل الجدّ أساسات المعرفة، ويظل في سعي دائم وراء المناهج التي من شأنها أن تتيح له إمكانية تفكير يحظى بالموثوقية، لكنه لا يجعل من نفسه أضحوكة من خلال إنكار الواقع.

إن المتشكّك لا يعارض بين «الحقيقة» ومجموعة «وقائع» بديلة بطريقة عقائدية ومن خلال تخويف الآخرين، وإنما يُسائل ويستجوب ويقارن. فالطبيب والفيلسوف سيكستوس إمبيريكوس إذا كان أمام ساقٍ مكسورة، لن ينكر أو يشكك في الكسر الماثل أمام عينيه. بينما نرى أن المتشكّكين في التغير المناخي، وأمام ظاهرة الاحترار المناخي وتداعياته التي تشهد لها الغالبية العظمى من السلطات العلمية القائمة، يواجهون الأمر بإنكار راديكالي، أو من خلال اتهام النتائج التي خلص إليها العلماء على سبيل التشكيك في مسؤولية الإنسان عن هذا التغير.

غير أن الشك والاتّهام ليسا الشيء نفسه. فعندما يعبّر الشك عن الحذر في ممارسة الحكم، يكشف الاتهام عن تحدٍّ إزاء سلطة أو مجتمع علمي. إن هذا الاتّهام، كما يقول الباحثون، وهم مستهدفون من هجمات المتشككين في التغيّر المناخي باستمرار، يهدف إلى تقويض مصداقية الأبحاث المنجزة، وإنزال ما يعتمد على عشرات وعشرات السنين من الدراسات الاستقصائية والملاحظات والفرضيات والاستنتاجات، إلى مرتبة الرأي والمعتقد.

وعلى خلاف ما يقتضيه المنهج العلمي، يعمد المتشككون في التغير المناخي إلى عرض قصة أخرى حول المناخ، ويقدمون في سبيل ذلك حججا واهية يضمّونها إلى بعضها البعض مثل لعبة الصور المركّبة. وغالبا ما تحاكي هذه الحجج نظرية ما من نظريات المؤامرة الكثيرة: الإنسان لا علاقة له بالتغيّر المناخي، درجة الحرارة على الأرض ترتفع بانتظام، العلماء يحبسون أنفسهم في مختبراتهم ولا يعيشون في «الواقع»...

تظل مواقف هؤلاء المتشككين بعيدة كل البعد عن الالتزام بأي مطلب علمي، لكنهم يراهنون على جهل جمهورهم والمستمعين لخطابهم من أجل إثارة البلبلة وتوزيع الاتهامات، ويقدّمون عبر شبكاتهم المضلّلة قصة بديلة لا أساس لها من الصحة. إن وصفهم بكونهم «متشككين في التغير المناخي» هو انتحال لرأسمال فلسفي غني بالدروس (النزعة الشكية أو الشكوكية)، ويكاد هذا الوصف يعطي الانطباع بأنهم قد فازوا بالفعل بالمعركة.

يمكن لمصطلح «المتشكك في التغير المناخي»، وعلى عكس ما يُحيل عليه اليوم، أن يعني الحذر الشديد تجاه المظاهر المباشرة والآنية للطقس، والقدرة على التمييز بين الطقس والمناخ، وضرورة الاعتماد دائما على مجموعة كبيرة من البيانات قبل الجزم بخصوص أي شيء. لكنه لا ينبغي أن يعني عدم الثقة في الاستنتاجات التي يخرج بها الباحثون المتخصصون من أعمالهم البحثية المتعلقة بعلوم المناخ. إن التشكيك في التغير المناخي ينمّ في واقع الأمر عن خدعة، ومصطلح مثل «منكرون للتغير المناخي» سوف يعبّر عن موقف هؤلاء على نحو أفضل كثيرا.

جيل بارو أستاذ الفلسفة وباحث مشارك بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا

عن صحيفة لوموند الفرنسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ک فی التغیر المناخی التشکیک فی ر المناخی

إقرأ أيضاً:

جنود مصريون في القرن الإفريقي.. ما أسباب مشاركة القاهرة في بعثة حفظ السلام في الصومال؟

أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أمس الإثنين، أن بلاده سترسل إلى الصومال جنودا للمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي. وقد تعززت العلاقات بين مصر وهذا البلد بعد أن انتقدت القاهرة اتفاقا بين أديس أبابا وأرض الصومال يقضي ببناء ميناء لإثيوبيا في الجمهورية الانفصالية.

اعلان

وخلال مؤتمر صحفي في القاهرة، وقال الوزير عبد العاطي لنظيره الصومالي أحمد معلم فقي: " إن قرار مصر المشاركة في البعثة، يأتي بناء على طلب الحكومة الصومالية، وبناء على ترحيب أيضا مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي."

وبهذا فإن القاهرة ستشارك في بعثة حفظ السلام الإفريقية المعروفة باسم أوسوم والتي ستحلّ محل قوة لمكافحة الإرهاب المرتقب انتهاءُ مهمتها نهاية هذه السنة.

وأضاف وزير الخارجية المصري أنه تحدث إلى الوزير فقي "عن الأوضاع في الصومال والدعم المصري لفرض سلطات الدولة وسيادتها على كامل التراب الصومالي، والرفض الكامل لأي إجراءات أحادية الجانب تمس بوحدة وسلامة وسيادة الصومال الشقيق".

وقد تكون ثمة علاقة بين مشاركة مصر في بعثة حفظ السلام الإفريقية وبين ملفات إقليمية أخرى تعتبر القاهرة طرفا فيها. إذ اندلع نزاع بين إثيوبيا والصومال هذا العام بسبب خطة أديس أبابا بناء ميناء في جمهورية أرض الصومال الانفصالية.

ولم تمرّ هذه الخطوة مرور الكرام إذ رآها البعض محاولة من شأنها أن تفاقم من حالة عدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي. وبعد محادثات توسطت فيها تركيا، قالت الصومال وإثيوبيا إنهما ستعملان معا لحل القضية.

Relatedدراسة تكشف سرًا عمره 5700 عام.. ما السبب وراء تقويم قرون الأغنام في مصر القديمة؟آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصلفضيحة مصرفية تهز أكبر بنك في اليابان.. موظفة تسرق 6.6 مليون دولار من ودائع العملاء

وقبل أشهر، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موقف مصر الثابت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للصومال أو المساس بوحدة أراضيها. وأضاف أن "أي محاولة للسيطرة على أراضٍ بالقوة لن تلقى قبولًا".

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك في القاهرة 25 تشرين الأول أكتوبر 2023Christophe Ena/AP

ووقع البلدان اتفاقية أمنية سلمت بعدها مصر إلى الصومال أسلحة وذخائر منها مدافع مضادة للطائرات ومدفعية. وقد أكدت الخبر مصادر دبلوماسية صومالية. وكانت تلك المرة الأولى التي تقدم فيها القاهرة مساعدات من هذا النوع منذ أكثر من أربعة عقود.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية اكتشاف أثري في مصر: لوحة عمرها 3000 عام تظهر امرأة تشبه "مارج سيمبسون" وول ستريت جورنال: مقترح مصري جديد لوقف النار في غزة يشمل تبادل الأسرى وتدفق المساعدات إلى غزة محكمة العدل الأوروبية تؤيّد غرامة ضد بنك HSBC في قضية التلاعب المصرفي حفظ السلامإثيوبياسد النهضة الإثيوبي الكبيرنهر النيلالصومالمصراعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحرب في يومها الـ445: الأونروا تؤكد مقتل طفل كل ساعة في غزة وانسحاب بطيء لإسرائيل من جنوب لبنان يعرض الآن Next ترامب والصحة العالمية كلاكيت ثاني مرة.. الرئيس المقبل ينوي الانسحاب من المنظمة فهل يفعلها مجددا؟ يعرض الآن Next طلاق أسماء الأسد.. رحل بشار عن سوريا فهل ترحل عنه زوجته؟ يعرض الآن Next وول مارت تبيع قمصانا عليها صورة السنوار وإسرائيل تستشيط غضبا يعرض الآن Next 12 قتيلًا على الأقل بإنفجار في مصنع للمتفجرات شمال غرب تركيا اعلانالاكثر قراءة بعد ثلاثة أيام.. العثور على ركاب الطائرة المفقودة في كامتشاتكا أحياء مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز هل بدأ انتقام إسرائيل من أردوغان وهل أصبحت تركيا الهدف المقبل للدولة العبرية؟ فلتذهبوا إلى الجحيم! اللعنة كلهم يشبه بعضه! هكذا تعاملت ممرضة روسية مع جندي جريح من كوريا الشمالية بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادبشار الأسدإسرائيلالصراع الإسرائيلي الفلسطيني سورياضحايادونالد ترامبشرطةأوروباروسياأبو محمد الجولاني هيئة تحرير الشام الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • 24 ساعة فارقة في القرن الأفريقي.. آبي أحمد يجهض إعلان أنقرة بشن هجوم على الصومال
  • علماء يحذرون من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبًا
  • طبيب يُحذّر: إدمان وسائل التواصل يسبب تعفن الدماغ
  • ليس اختراعا أميركيا.. رحلة تطور الكاتشاب عبر قرون
  • مجلس الشباب العربي للتغير المناخي يطلق تقرير “تمكين أصوات الشباب في سياسة المناخ العربية”
  • سر صحوة ريال مدريد بعد مرحلة الشك
  • جنود مصريون في القرن الإفريقي.. ما أسباب مشاركة القاهرة في بعثة حفظ السلام في الصومال؟
  • التوسع الزراعي استراتيجية لتأمين احتياجات الغذاء.. وخبراء: هناك دور للتكنولوجيا في تحقيق التوسع وحماية الموارد البيئية.. والتوسع حل أساسي لتعزيز الأمن الغذائي ومواجهة تحديات التغير المناخي
  • مسؤول بالكونغرس .. ترامب قد ينفذ صفقة القرن للسيطرة على تيك توك
  • شواطئ.. لماذا تتحارب الأمم؟ (1)