لجريدة عمان:
2024-07-06@21:34:20 GMT

نوافذ: هل كان لروسيا أطماعٌ في مسقط؟!

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

قرأنا كثيرًا في المراجع التاريخية المختلفة عن التنافس البريطاني الفرنسي على عُمان، منذ توقيع السيد سلطان بن أحمد أول معاهدة سياسية بين عُمان وبريطانيا عام 1798م، وهي - بالمناسبة - السنة التي بدأ فيها نابليون شّن حملته على مصر. أما روسيا القيصرية، ورغم تطلعاتها خلال مطلع القرن التاسع عشر للوصول إلى منطقة الخليج العربي وبلاد فارس؛ فإننا لم نقرأ إلا عن محاولات بسيطة لتعزيز نشاطها التجاري في المنطقة من خلال إرسالها سفنًا من أسطولها البحري إلى ميناء مسقط، الذي كان يشكّل أهمية كبيرة في تلك الفترة؛ لوقوعه في طريق التجارة بين الهند والبصرة.

أما أن تكون هناك أطماعٌ روسية في مسقط في ذلك الوقت؛ فهذا هو الجديد الذي كشفت عنه مجلة نزوى في عددها الأخير من خلال مقال مهمّ للباحث في التاريخ العُماني عماد بن جاسم البحراني.

يسرد البحراني حكاية وثيقة كانت مجهولة حتى وقت قريب، من مقتنيات الأرشيف الروسي في مدينة سان بطرسبرج؛ العاصمة السابقة للإمبراطورية الروسية، هي عبارة عن تقرير يعود إلى عام 1824م معنون بـ«اقتراح السيد سيرفبر للاستيلاء على مسقط في الجزيرة العربية من أجل ترويج تجارة رابحة، مرفوع إلى امبراطور روسيا ألكساندر الأول». يتحدث التقرير عن ضرورة سيطرة البحرية الروسية وكتائب الجيش الروسي على مسقط؛ نظرًا لموقع مينائها المهم للتجارة الروسية، وما له من فوائد متعددة ستعود على روسيا من جراء السيطرة عليه، مشيرًا إلى المكاسب السياسية التي ستعود على روسيا إن هي استولتْ على ميناء مسقط؛ «من أهمها أنه إذا نشبت حرب بين روسيا وكل من الدولة العثمانية وبلاد فارس، وكان هذا الميناء تحت سيطرتها، فيمكنها أن تمارس الضغط والابتزاز عليهما في الخليج العربي، وستزداد بذلك الإمبراطورية الروسية قوة في مجال اتصالاتها وعلاقاتها مع بريطانيا وفرنسا».

ويضيف التقرير أن «السيطرة على مسقط ستعطي روسيا نفوذًا على مناطق الجزيرة العربية بشكل عام، وستكسب روسيا إمكانية التوسع في الجزء الغربي للهند والمناطق الجنوبية من بلاد فارس، بالإضافة إلى أن الدخل الروسي سيزداد نظرًا لما تحتويه الأراضي المستهدفة من خامات المعادن من ذهب ورصاص وغيرهما».

وبعد أن أوضح التقرير أهمية المقترح بدأ باقتراح الخطوات العملية لتنفيذه وهي «إرسال أسطول روسي لاحتلال مسقط، على أن يكون مكونًا من طراد واحد وفرقاطة واحدة وسفينة شراعية بصاريين وناقلتين حربيتين أو ثلاث لنقل البحارة الروس والعتاد الحربي والذخائر من روسيا إلى مسقط، مع ضرورة الحفاظ على سرية العملية العسكرية وإخفائها، خاصة عن أعضاء الحكومة البريطانية أو عملائها»، وأوصى التقرير بـ«تركيز القوات الروسية في مسقط على القلعتين القديمتين الواقعتين على خليج مسقط (قلعتي الجلالي والميراني). ومن أجل نجاح هذه الحملة السياسية والعسكرية أوصى بإقامة اتصالات دبلوماسية وسياسية حميمة مع سلطان عُمان، وفتح سفارة روسية بمسقط، والتفاوض مع السلطات فيها من أجل إبقاء حرس وأسطول روسي بمسقط بصفة دائمة».

نقل البحراني هذه المعلومات المهمة من مقال للباحث الروسي سيرجي جريجوريف عنوانه «عُمان في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من خلال الوثائق الموجودة في الأرشيفات الرسمية لسان بطرسبرج»، منشور في مجلة «الوثيقة» البحرينية في أحد أعدادها الصادرة سنة 2002م. واللافت هنا، والجدير بالتأمل، أن التقرير المكون من اثنتي عشرة صفحة بالإضافة إلى خريطة توضيحية مفصلة لشبه الجزيرة العربية، مكتوب باللغة الفرنسية لا الروسية! وأن مُعِدَّه ومُرسِلَه إلى الإمبراطور - السيد سيرفبر - هو فرنسي لا روسيّ، ترك بلاده بعد حربها مع روسيّا عام 1812م، وأقام في مدينة سان بطرسبرج، وكان مجيدًا للغة العربية. وهذا ما يجعلني أجيب بالنفي عن السؤال الذي يطرحه عنوان مقالي: «هل كان لروسيا أطماع في مسقط؟»، فلا توجد أي إشارة في التقرير - حسبما نقله الباحث العُماني - إلى أن هذا التقرير جاء بطلب من الإمبراطور الروسي، بل على العكس، بدا أن الفرنسي هو الذي تبرع به محاولةً للتقرّب من الإمبراطور، وأن له مصلحة شخصية في ذلك، إذ طلب من الإمبراطور تعيينه سفيرًا لروسيا في بلاط سلطان عُمان، بحجة أنه زار مسقط متنكرًا كمسلم، وأنه يعرف السلطان شخصيًا (لم يذكر اسمه طوال التقرير، لكننا نعرف من تاريخ التقرير أنه السيد سعيد بن سلطان)، مُبديًا استعداده لإرسال أخيه لروسيا رهينة للدلالة على ولائه المطلق لروسيا وإمبراطورها! ولم يكتفِ بذلك بل طلب في ختام تقريره من الإمبراطور منحه رتبة عقيد فخري في الحرس الإمبراطوري الروسي، ووسامًا من أوسمة الإمبراطورية، وحق شراء وامتلاك الأراضي في روسيا، وذلك مقابل جهده في تقديم معلومات عن ميناء مسقط، وإقامة علاقات روسية مباشرة مع عُمان. ويبدو أن هذا الفرنسي لا يخلو من حماقة، إذ لم يتوقف لحظة ليسأل نفسه: لنفرض جدلًا أن الإمبراطور أعجبه المقترح، فلماذا يوكل مهمة تنفيذه إلى فرنسيّ غريب كانت روسيا قد حاربت بلاده قبل سنوات قليلة؟! ولماذا يختار سفيرَه فرنسيًّا أصلًا، لا روسيًّا من خاصته؟ وهل كانت روسيا خِلْوًا من الدبلوماسيين الملمين باللغة العربية في ذلك الوقت؟!

السبب الآخر الذي يجعلني أرجح إجابة عنوان مقالي بالنفي هو أن الإمبراطور نفسه لم يتسنّ له الاطلاع على هذا التقرير، كما يرجّح البحراني في ختام مقاله، مستندًا إلى أن الكتابات التي نشرت في الصحيفة اليومية «كاميرفوريير» التي نشرت قائمة بأسماء الأشخاص المخولين بعقد لقاءات رسمية مع الشخصيات البارزة نيابة عن الإمبراطور الروسي، أشارت إلى أن مقترح سيرفبر دخل ضمن هذه المقابلات، لكن الإمبراطور لم يتلقَّه سواء في العام الذي رفع فيه التقرير (1824م)، أو العام الذي يليه (1825م)، وهو العام الذي توفي فيه الإمبراطور الروسي، ويعضّد هذه الفرضية أن صفحات الوثيقة لم تحمل أي تعليق أو ملاحظات عليها من قبل الإمبراطور.

ليس دفاعًا عن روسيا إذن حين أنفي أطماعها في عُمان في تلك الفترة، فلعل لها أطماعًا بالفعل. لكن هذا التقرير بالذات، ليس كافيًا لاتهامها بذلك.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الإمبراطور فی مسقط إلى أن

إقرأ أيضاً:

أوروبا بحاجة قصوى للسلام.. رئيس وزراء المجر: زيارتي لروسيا لمعرفة الطريق الأقصر لنهاية الحرب

قال فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر إنها المرة الحادية عشرة التي التقى فيها برئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين، مؤكدًا أن من مميزات هذا اللقاء أنه يتم أثناء الحرب في تلك اللحظة التي أوروبا بحاجة فيها إلى السلام بضرورة قصوى لأنه أهم شيء.

وأضاف أوربان، الجمعة، خلال مؤتمر صحفي من العاصمة موسكو مع الرئيس الروسي، نقلته "القاهرة الإخبارية"، أن مهمتمنا الأساسية في خلال هذه الفترة التي نترأس فيها الاتحاد الأوروبي هى إحلال السلام، لافتًا إلى أنه أبلغ الرئيس الروسي أن تطور العلاقات الأوروبية حصل في العقد الماضي، ونحن الآن في أوروبا لمدة عامين ونصف العام نعيش في ظلال الحرب وهذا ما يخلق صعوبات في أوروبا.

وتابع "لا يمكن أن نشعر أنفسنا بمأمن، نحن نرى صور المآسي والدمار، وهذه الحرب أصبحت تؤثر على النمو والاقتصاد والمنافسة الاقتصادية.. بالمجمل كما قلت للرئيس الروسي إن أوروبا بحاجة إلى السلام".

وأكد أنه خلال العامين والنصف الأخيرين وبدون الدبلوماسية والقنوات الدبلوماسية لن نصل إلى السلام، فالسلام لن يحل بنفسه بل علينا القيام بخطوات بذلك والطرق التي يمكن الوصول إليها قد تحدثت عنها مع الرئيس الروسي.

وتابع "كنت أريد أن أعرف ما هو الطريق الأقصر لنهاية الحرب؟ لقد كنت أريد أن أسمع وسمعت رأي الرئيس الروسي بشأن ثلاث قضايا أساسية، ماذا يعتقد عن التسويات والمبادرات للسلام، وماذا يعتقد أو يفكر بوقف إطلاق النار وكيفية إجراء المفاوضات، وقد كنت أريد أن أعرف وجهة نظره عن علاقة روسيا مع أوروبا بعد نهاية الحرب".

وأكد أنه خلال العامين ونصف العام عمليًا لم يتواجد أي دولة لممارسة دورها في المحادثات بين دولتي النزاع وهنجاريا إحدى الدول التي بقيت والأسبوع الماضي كنت في كييف، أما الآن فأنا في موسكو، ولقد فهمت أن الموقفين بعيدان جدًا عن بعضهما.

مقالات مشابهة

  • مسؤول بارز يرجح تعديل العقيدة النووية الروسية
  • أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 549 ألفا و840 جنديًا
  • خلال لقائه برئيس الوزراء المجري.. بوتين يكشف موقفه من تسوية الأزمة الأوكرانية
  • الجيش الروسي يدمر الخدمات اللوجستية للقوات الأوكرانية بطائرات FPV المسيرة
  • بوتين: تنفيذ مبادرات السلام الروسية سيسمح ببدء المفاوضات
  • القاهرة الإخبارية: روسيا مستعدة لاستئناف المفاوضات مع أوكرانيا
  • أوروبا بحاجة قصوى للسلام.. رئيس وزراء المجر: زيارتي لروسيا لمعرفة الطريق الأقصر لنهاية الحرب
  • روسيا تدعو لحل الأزمة العسكرية والسياسية في السودان
  • بوتين يعتبر طالبان حليفة لروسيا في مكافحة "الإرهاب"
  • بوتين يعتبر طالبان حليفة لروسيا في مكافحة الإرهاب