لجريدة عمان:
2024-11-08@09:19:21 GMT

يوميات الحرب البعيدة

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

هذه هي المرة الأولى التي يكرهني فيها الحاضر على مزامنته بلا انقطاع، على الاجتهاد في تحليله لحظة بلحظة طيلة شهرين من الحرب. الآن، يضعني الحاضر رهن كتابة آنية لا تقبل التسويف أو التأجيل إلى وقت أوضح يتلاشى فيه دخان الحرب عن الحقيقة التي هي أولى ضحايا الاحتلال. أكتبُ حاضرا، لا غائبا كما اعتدت. هنا والآن أكتب، كأني إن أجلت الحاضر ساعة واحدة فتحت الباب للنسيان وسقطتُ في عِداد القتلى قبل أن أدرك مكاني وزماني.

يسقط اليوم في الأمس، يصبح الفعل مضارعا ويمسي ماضيا. باختصار، هكذا يصير الخبر العاجل على شريط الأنباء تاريخا. ثم ماذا؟ ماذا سنصنع بكل هذا الماضي حين ننجو من انكسار الحاضر الهش؟ سوف نرجع إلى الصفحة الأولى من حكاية فلسطين لنسرد لأولادنا سيرة الدم العربي بكلمات أوضح وأبسط، ونهرب من سؤالهم العفوي: لماذا يستمر الاحتلال منذ خمسة وسبعين عاما ما دامت الحقيقة واضحة وبديهية إلى هذا الحد؟ هل نقول لهم إن العالم ما زال يبحث عن أدلة وبراهين جديدة على وضوح الشمس؟

تفرك الحرب البعيدة عيوننا الغارقة في الحلم، ترجُّ وعينا بأخطر الأسئلة المسكوت عنها، تعري العاري وتنفخ في الكثير من الأوهام. تغيرنا الحرب المستمرة وتغير أصدقاءنا الذين صدقوا أن هيروشيما لن تتكرر، وأن الحروب الانتقامية أسلوب بدائي، قَبَلي، لا ينسجم مع شرائع هذا العصر ولا مع شعاراته الليبرالية. ستغير هذه الحرب أعداءنا أيضا، أولئك الذين توهموا أن فلسطين أصبحت تراثا، أغنية حزينةً مات مغنيها المقهور، أو شِعرا مثخنا بالاستعارات والمجاز فوق ما تحتمله واقعية الواقع. كان على كل شيء أن يتغير في صبيحة السابع من أكتوبر 2023، اليوم الذي سيصبح تاريخا مرجعيا لتأويل مستقبل هذا الجزء من العالم.

خلال أيام الهدنة جلسنا نتابع على قناة الجزيرة تلك اللقاءات السريعة التي تجريها جيفارا البديري ونجوان سمري مع الأشبال المحررين والزهرات المحررات من سجون الاحتلال في صفقة التبادل. نتعلم منهم ما لا نتعلمه من كبار فلاسفة الحرية وشعرائها، نصغي إليهم بانبهار الأطفال وهم يعلموننا الارتجال الحر وانتقاء الكلمات الملائمة التي يسدّدونها كالصفعة في وجه النظام العالمي. من يظن نتانياهو وسموتريتش وبن غفير وحفنة الفاشيين الصغار أنفسَهم أمام هؤلاء المراهقين الفلسطينيين الخارجين لتوهم من سجن عوفر العسكري؟! كل من يراهن على أن الجيب الإسرائيلي سوف يرعب هذا الجيل العنيد من الفلسطينيين فعليه أن يعيد حساباته.

كانت القضية الفلسطينية مدرسة كتاباتنا الأولى، أما اليوم فقد صارت الجامعة التي نمتحن فيها الأفكار والنظريات الصعبة والمعقدة. هي رواية قرن كامل من الحرب والسلم، ولا سلم ولا حرب. هي ثقافة شعبية يصدرها العامة للنخب وليس العكس. إنها أسطورة النضالات اليائسة منذ الثورة الطلابية في فرنسا عام 1968 إلى اليوم. والمفارقة تقول إن علم الدولة التي لم تتحقق بعد بات العلم الأغلى والأكثر شهرة في سوق الأعلام، إلى درجة تأخذ البعض للتخوُّف من سطوة الموجة الفلسطينية الجديدة على وعي هذا الجيل من الشباب العربي.

تُطل فلسطين من كل جرح راعف. نجد انعكاس قضيتها في المظالم الكبرى حول العالم وفي المظالم الشخصية الصغيرة. هل يا ترى يدرك مجلس الحرب في إسرائيل أننا العرب نزداد فلسطينيةً في كل يوم يقرر فيه أن يجدد حربه على قطاع غزة؟ فكما أن الحرب على الفلسطينيين هي «الرياضة القومية» الوحيدة التي يتقنها الإسرائيليون لضخ الدم في هويتهم الشاحبة، فإن الحرب، كذلك، هي ما تجعل عربَ اليوم عربا أكثر عروبة من خلال فلسطين. وربما كانت هذه أحد تقاليد المستضعفين الفطرية في الدفاع عن الذات: استنطاق الألم والقهر والغضب لتعميق الهُوية، كما يحدث دائما عبر التاريخ، حين ينسى الظالم ولا ينسى المظلوم.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الدولار مقابل الشيكل.. أسعار صرف العملات في فلسطين اليوم الجمعة 8 نوفمبر

رام الله - صفا

جاءت أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الشيكل الإسرائيلي، اليوم الجمعة 8 نوفمبر/ تشرين ثاني 2024 على النحو التالي:

سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل 3.72 شيكل.

سعر صرف الدينار الأردني مقابل 5.24 شيكل.

سعر صرف اليورو الأوروبي مقابل 4.01 شيكل.

سعر صرف الجنيه المصري مقابل 0.075 شيكل.

مقالات مشابهة

  • الدولار مقابل الشيكل.. أسعار صرف العملات في فلسطين اليوم الجمعة 8 نوفمبر
  • اليوم.. باكستان تستقبل الدفعة الثامنة من الطلاب الفلسطينيين لمواصلة دراستهم
  • جماهير “حديقة الأمراء” يطالبون بوقف الحرب الإسرائيلية في فلسطين ولبنان
  • تقرير: المتفجرات التي أسقطت على قطاع غزة أكثر مما ألقي خلال الحرب العالمية الثانية
  • "المجاهدين": إقالة غالانت لن تمحو العار والهزيمة التي تلاحقه
  • لا فارق بين سياسات ترامب وهاريس تجاه فلسطين: "مفاضلة بين سيئ وأسوأ"
  • أبرز شركات الطيران التي علقت رحلاتها للمنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية
  • منذ بداية الحرب..أستراليا ترفض 70% من طلبات الفلسطينيين الحصول على تأشيرة
  • ما علاقة الفلسطينيين بعداء إسرائيل لهذه الدولة الأوروبية؟
  • مصر تعيش أجواء الهزيمة.. فما الحرب التي خاضتها؟