لجريدة عمان:
2025-01-02@23:46:12 GMT

يوميات الحرب البعيدة

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

هذه هي المرة الأولى التي يكرهني فيها الحاضر على مزامنته بلا انقطاع، على الاجتهاد في تحليله لحظة بلحظة طيلة شهرين من الحرب. الآن، يضعني الحاضر رهن كتابة آنية لا تقبل التسويف أو التأجيل إلى وقت أوضح يتلاشى فيه دخان الحرب عن الحقيقة التي هي أولى ضحايا الاحتلال. أكتبُ حاضرا، لا غائبا كما اعتدت. هنا والآن أكتب، كأني إن أجلت الحاضر ساعة واحدة فتحت الباب للنسيان وسقطتُ في عِداد القتلى قبل أن أدرك مكاني وزماني.

يسقط اليوم في الأمس، يصبح الفعل مضارعا ويمسي ماضيا. باختصار، هكذا يصير الخبر العاجل على شريط الأنباء تاريخا. ثم ماذا؟ ماذا سنصنع بكل هذا الماضي حين ننجو من انكسار الحاضر الهش؟ سوف نرجع إلى الصفحة الأولى من حكاية فلسطين لنسرد لأولادنا سيرة الدم العربي بكلمات أوضح وأبسط، ونهرب من سؤالهم العفوي: لماذا يستمر الاحتلال منذ خمسة وسبعين عاما ما دامت الحقيقة واضحة وبديهية إلى هذا الحد؟ هل نقول لهم إن العالم ما زال يبحث عن أدلة وبراهين جديدة على وضوح الشمس؟

تفرك الحرب البعيدة عيوننا الغارقة في الحلم، ترجُّ وعينا بأخطر الأسئلة المسكوت عنها، تعري العاري وتنفخ في الكثير من الأوهام. تغيرنا الحرب المستمرة وتغير أصدقاءنا الذين صدقوا أن هيروشيما لن تتكرر، وأن الحروب الانتقامية أسلوب بدائي، قَبَلي، لا ينسجم مع شرائع هذا العصر ولا مع شعاراته الليبرالية. ستغير هذه الحرب أعداءنا أيضا، أولئك الذين توهموا أن فلسطين أصبحت تراثا، أغنية حزينةً مات مغنيها المقهور، أو شِعرا مثخنا بالاستعارات والمجاز فوق ما تحتمله واقعية الواقع. كان على كل شيء أن يتغير في صبيحة السابع من أكتوبر 2023، اليوم الذي سيصبح تاريخا مرجعيا لتأويل مستقبل هذا الجزء من العالم.

خلال أيام الهدنة جلسنا نتابع على قناة الجزيرة تلك اللقاءات السريعة التي تجريها جيفارا البديري ونجوان سمري مع الأشبال المحررين والزهرات المحررات من سجون الاحتلال في صفقة التبادل. نتعلم منهم ما لا نتعلمه من كبار فلاسفة الحرية وشعرائها، نصغي إليهم بانبهار الأطفال وهم يعلموننا الارتجال الحر وانتقاء الكلمات الملائمة التي يسدّدونها كالصفعة في وجه النظام العالمي. من يظن نتانياهو وسموتريتش وبن غفير وحفنة الفاشيين الصغار أنفسَهم أمام هؤلاء المراهقين الفلسطينيين الخارجين لتوهم من سجن عوفر العسكري؟! كل من يراهن على أن الجيب الإسرائيلي سوف يرعب هذا الجيل العنيد من الفلسطينيين فعليه أن يعيد حساباته.

كانت القضية الفلسطينية مدرسة كتاباتنا الأولى، أما اليوم فقد صارت الجامعة التي نمتحن فيها الأفكار والنظريات الصعبة والمعقدة. هي رواية قرن كامل من الحرب والسلم، ولا سلم ولا حرب. هي ثقافة شعبية يصدرها العامة للنخب وليس العكس. إنها أسطورة النضالات اليائسة منذ الثورة الطلابية في فرنسا عام 1968 إلى اليوم. والمفارقة تقول إن علم الدولة التي لم تتحقق بعد بات العلم الأغلى والأكثر شهرة في سوق الأعلام، إلى درجة تأخذ البعض للتخوُّف من سطوة الموجة الفلسطينية الجديدة على وعي هذا الجيل من الشباب العربي.

تُطل فلسطين من كل جرح راعف. نجد انعكاس قضيتها في المظالم الكبرى حول العالم وفي المظالم الشخصية الصغيرة. هل يا ترى يدرك مجلس الحرب في إسرائيل أننا العرب نزداد فلسطينيةً في كل يوم يقرر فيه أن يجدد حربه على قطاع غزة؟ فكما أن الحرب على الفلسطينيين هي «الرياضة القومية» الوحيدة التي يتقنها الإسرائيليون لضخ الدم في هويتهم الشاحبة، فإن الحرب، كذلك، هي ما تجعل عربَ اليوم عربا أكثر عروبة من خلال فلسطين. وربما كانت هذه أحد تقاليد المستضعفين الفطرية في الدفاع عن الذات: استنطاق الألم والقهر والغضب لتعميق الهُوية، كما يحدث دائما عبر التاريخ، حين ينسى الظالم ولا ينسى المظلوم.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وحيد حامد.. كتب في الماضي وعايش الحاضر وقرأ المستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تحل اليوم الموافق ٢ يناير، ذكرى رحيل وحيد حامد أحد أهم كتاب السينما والدراما المصرية على مر تاريخها، وتعد أعماله الفنية بوصلة لتاريخ الوطن.

وحيد حامد

عشق وحيد حامد الكتابة، وكانت البداية بإشباع هوايته بكتابة القصص القصيرة، حتى لفت أنظار كل من حوله لأسلوب وكتاباته لها ثقل وأبعاد رغم اعتماده على البساطة في الطرح، وكان السرد الدرامي هو بطل المشهد في كتاباته، وهو ما كان يضيف الإمتاع والتشويق على كل رسائله المغلفة كانت أو المباشرة.

مدرسة وحيد حامد

استطاع الكاتب القدير وحيد حامد أن يسطر تاريخاً كبيراً خلال رحلته مع الكتابة، وكان يمتاز بتقديم رسائل من خلال أعماله، ولم يكتف بذلك، بل كان يبارز المستقبل في جولات داخل عقله، وكان ينتصر في الكثير من الأحيان، ويقدم رؤية واضحة نابعة من عقل راجح، ويملك حكمة الفلاسفة والمفكرين، حتى قدم لنا أعمالا تحاكي المستقبل وكأنها كتبت بعد أحداثها وليس قبل، ليقدم عددا كبيرا من الأعمال التي عاشت لكل الأجيال، وكانت عابرة للزمن، وحقق من خلالها رؤيته الفنية التي كانت في كثير الأحيان منارة للمجتمع وكأنه ترك إرثاً فنياً يحمل في طياته نصيبا للوطن، والذي كان يحمل كل قضاياه من خلال أحبار قلمه وكتاباته الفنية.

 كاتب لعب مع الكبار 

قدم الكاتب وحيد حامد أعمال مع كبار نجوم الفن والسينما، وكان له مكانه كبيرة على مدار تاريخه الفني، وسطر تاريخ فني هائل وأبرز النجوم المشاركين رحلته الفنية، الزعيم عادل إمام، الساحر محمود عبد العزيز، والامبراطور أحمد ذكي، والفنانة نادية الجندي، والفنانة نبيلة عبيد، الفنان يحيى الفخراني، القدير عادل أدهم، الفنانة مديحة كامل، والفنان القدير محمود مرسي.

أبرز أعماله الفنية

قدم الكاتب وحيد حامد رحلة فنية حافله بالأعمال الهامة، أبرز تلك الأعمال في السينما فيلم "طيور الظلام، المنسي، الإرهاب والكباب، اللعب مع الكبار، رغبة متوحشة، مسجل خطر، المساطيل، كشف المستور، الراقصة والسياسي، الدنيا على جناح يمامة، ملف سامية شعراوي، اضحك الصورة تطلع حلوة، احكي يا شهرزاد"، وعلى مستوى الدراما قدم مسلسل "الجماعة، بدون ذكر أسماء، أوان الورد، العائلة، البشاير، الرجل الذي عاد".

مقالات مشابهة

  • وحيد حامد.. كتب في الماضي وعايش الحاضر وقرأ المستقبل
  • كارثة سكانية في غزة.. 6% تراجعا في عدد الفلسطينيين ونقص الغذاء يهدد حياة 11 ألف امرأة حامل
  • نبض الأصالة.. فيض المعاصرة
  • الكشف عن الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيين في غزة
  • الحواط: وعدي لكم المزيد من العمل ليبقى الفرح عنوان يوميات جبيل ولبنان
  • 2024.. حصاد فلسطين الثقافي غير العادي
  • كاتب أمريكي: الولايات المتحدة شريكة في إبادة الفلسطينيين.. ويجب إصدار أمر باعتقال بايدن
  • حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين
  • بالفيديو.. خبير سياسات دولية: إسرائيل تستخدم الجوع كأداة من أدوات الحرب لقتل الفلسطينيين
  • قناة تكشف العقبة الرئيسية التي تعيق تقدم مفاوضات صفقة التبادل