هذه هي المرة الأولى التي يكرهني فيها الحاضر على مزامنته بلا انقطاع، على الاجتهاد في تحليله لحظة بلحظة طيلة شهرين من الحرب. الآن، يضعني الحاضر رهن كتابة آنية لا تقبل التسويف أو التأجيل إلى وقت أوضح يتلاشى فيه دخان الحرب عن الحقيقة التي هي أولى ضحايا الاحتلال. أكتبُ حاضرا، لا غائبا كما اعتدت. هنا والآن أكتب، كأني إن أجلت الحاضر ساعة واحدة فتحت الباب للنسيان وسقطتُ في عِداد القتلى قبل أن أدرك مكاني وزماني.
تفرك الحرب البعيدة عيوننا الغارقة في الحلم، ترجُّ وعينا بأخطر الأسئلة المسكوت عنها، تعري العاري وتنفخ في الكثير من الأوهام. تغيرنا الحرب المستمرة وتغير أصدقاءنا الذين صدقوا أن هيروشيما لن تتكرر، وأن الحروب الانتقامية أسلوب بدائي، قَبَلي، لا ينسجم مع شرائع هذا العصر ولا مع شعاراته الليبرالية. ستغير هذه الحرب أعداءنا أيضا، أولئك الذين توهموا أن فلسطين أصبحت تراثا، أغنية حزينةً مات مغنيها المقهور، أو شِعرا مثخنا بالاستعارات والمجاز فوق ما تحتمله واقعية الواقع. كان على كل شيء أن يتغير في صبيحة السابع من أكتوبر 2023، اليوم الذي سيصبح تاريخا مرجعيا لتأويل مستقبل هذا الجزء من العالم.
خلال أيام الهدنة جلسنا نتابع على قناة الجزيرة تلك اللقاءات السريعة التي تجريها جيفارا البديري ونجوان سمري مع الأشبال المحررين والزهرات المحررات من سجون الاحتلال في صفقة التبادل. نتعلم منهم ما لا نتعلمه من كبار فلاسفة الحرية وشعرائها، نصغي إليهم بانبهار الأطفال وهم يعلموننا الارتجال الحر وانتقاء الكلمات الملائمة التي يسدّدونها كالصفعة في وجه النظام العالمي. من يظن نتانياهو وسموتريتش وبن غفير وحفنة الفاشيين الصغار أنفسَهم أمام هؤلاء المراهقين الفلسطينيين الخارجين لتوهم من سجن عوفر العسكري؟! كل من يراهن على أن الجيب الإسرائيلي سوف يرعب هذا الجيل العنيد من الفلسطينيين فعليه أن يعيد حساباته.
كانت القضية الفلسطينية مدرسة كتاباتنا الأولى، أما اليوم فقد صارت الجامعة التي نمتحن فيها الأفكار والنظريات الصعبة والمعقدة. هي رواية قرن كامل من الحرب والسلم، ولا سلم ولا حرب. هي ثقافة شعبية يصدرها العامة للنخب وليس العكس. إنها أسطورة النضالات اليائسة منذ الثورة الطلابية في فرنسا عام 1968 إلى اليوم. والمفارقة تقول إن علم الدولة التي لم تتحقق بعد بات العلم الأغلى والأكثر شهرة في سوق الأعلام، إلى درجة تأخذ البعض للتخوُّف من سطوة الموجة الفلسطينية الجديدة على وعي هذا الجيل من الشباب العربي.
تُطل فلسطين من كل جرح راعف. نجد انعكاس قضيتها في المظالم الكبرى حول العالم وفي المظالم الشخصية الصغيرة. هل يا ترى يدرك مجلس الحرب في إسرائيل أننا العرب نزداد فلسطينيةً في كل يوم يقرر فيه أن يجدد حربه على قطاع غزة؟ فكما أن الحرب على الفلسطينيين هي «الرياضة القومية» الوحيدة التي يتقنها الإسرائيليون لضخ الدم في هويتهم الشاحبة، فإن الحرب، كذلك، هي ما تجعل عربَ اليوم عربا أكثر عروبة من خلال فلسطين. وربما كانت هذه أحد تقاليد المستضعفين الفطرية في الدفاع عن الذات: استنطاق الألم والقهر والغضب لتعميق الهُوية، كما يحدث دائما عبر التاريخ، حين ينسى الظالم ولا ينسى المظلوم.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
طقس فلسطين اليوم السبت 23 نوفمبر
رام الله - صفا
توقعت دائرة الأرصاد الجوية أن يكون الجو، يوم السبت، غائماً جزئياً إلى صافٍ لطيفاً في معظم المناطق، ولا يطرأ تغير يذكر على درجات الحرارة لتبقى حول معدلها السنوي العام.
وأوضحت الأرصاد أن الرياح ستكون شمالية شرقية إلى شمالية غربية خفيفة إلى معتدلة السرعة والبحر خفيف ارتفاع الموج.
أما هذه الليلة؛ فيكون الجو غائماً جزئياً إلى صافٍ وبارداً خاصة فوق المناطق الجبلية، والرياح شمالية غربية إلى شمالية شرقية خفيفة إلى معتدلة السرعة، والبحر خفيف إلى متوسط ارتفاع الموج.
وغدًا الأحد، توقعت الأرصاد أن تتأثر البلاد تدريجياً بمنخفض جوي مصحوب بكتلة هوائية باردة، لذا يكون الجو غائماً جزئياً إلى غائم، ويطرأ انخفاض ملموس على درجات الحرارة، ويصبح الجو بارداً خاصة في المناطق الجبلية، واعتباراً من ساعات الظهيرة تسقط بمشيئة الله زخات متفرقة من الأمطار على مختلف المناطق، وتكون الرياح جنوبية غربية إلى شمالية غربية معتدلة إلى نشطة السرعة مع هبات قوية أحيانا، والبحر متوسط ارتفاع الموج إلى مائج.