بعد وفاته.. كيف ساند هنري كيسنجر المواقف الإسرائيلية بالمنطقة؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
تعد الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأكبر لإسرائيل، ومع استمرار انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني منذ سنوات طويلة، تصر واشنطن على الوقوف إلى جانب الرواية الإسرائيلية، في كل الظروف.
تزامنًا مع وفاة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كسينجر، تستعرض «الوطن»، في هذا التقرير، دوره في مساندة ودعم مركز إسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط.
بحسب ما نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، كانت أهم مساهمة لـ«كيسنجر» في الشهور الأولى من منصبه كمستشار للأمن القومي، في عهد ريتشارد نيكسون عام 1969، قيامه هو وسفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، إسحاق رابين، بصياغة قرار «التفاهم النووي»، الذي ينص على موافقة «نيكسون» على عدم الضغط على إسرائيل للانضمام إلى المعاهدة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، مما يدعم «سياسة الغموض» التي انتهجتها إسرائيل، ووعد جولدا مائير، رئيسة وزراء الاحتلال في ذلك الوقت، بعدم الإعلان عن امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، وعدم إجراء أي تجارب نووية.
ووضع هذا التفاهم أيضًا حدًا للتوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي بنت المفاعل النووي في ديمونة، بمساعدة فرنسية، وبدعم من الرئيسين جون كينيدي، وليندون جونسون، اللذين حاولا كبح ومراقبة الأنشطة النووية الإسرائيلية، وفقًا لـ«هآرتس».
وأوقف «كيسنجر» زيارات المفتشين الأمريكيين إلى ديمونة، مما مكن إسرائيل من الاحتفاظ بالمفاعل النووي حتى في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تتخذ إجراءات لإحباط الطموحات النووية للدول الأخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية.
ماذا قالت صحيفة «هآرتس» عن كيسنجر؟وذكرت صحيفة «هآرتس» أن نهج كيسنجر جاء منسجمًا مع سياسة إسرائيل الخارجية، التي تؤمن منذ أيام رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون بالقوة، بينما تتعارض مع المعايير الدولية مثل حقوق الإنسان ومراقبة الأسلحة.
ويعتبر هذا هو السبب في أن النقد القاسي لكيسنجر من قبل اليسار، باعتباره الشخص المسؤول بشكل مباشر عن القتل الجماعي والفظائع في كمبوديا ولاوس وتشيلي وبنغلاديش وتيمور، وعن الإطالة الدموية التي لا داعي لها لحرب فيتنام، وتفخر المؤسسات الإسرائيلية بكيسنجر باعتباره أكبر يهودي في الإدارة الأمريكية، ربما اليهودي الأكثر نفوذا في التاريخ الأمريكي، إلى جانب بوب ديلان.
إسرائيل تنعي وفاة هنري كيسنجروينظر الإسرائيليون إلى كيسنجر باعتباره عملاق الدبلوماسية الأمريكية، التي خدمت إسرائيل في القرن العشرين، وفق ما أفادت «تايمز أوف إسرائيل»، وقال الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوج، إن هنري كيسنجر، أول وزير خارجية أمريكي يهودي، هو أحد أعظم الدبلوماسيين على الإطلاق.
وتابع قائلًا: «إسرائيل تنعم حتى يومنا هذا بثمار العمليات التي قادها كيسنجر، بما في ذلك إرساء أسس اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر»، وأضاف: «لطالما شعرت بحبه وتعاطفه مع إسرائيل وإيمانه بالدولة اليهودية».
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان، إنه حزن على وفاة رجل دولة وعالِم وصديق عظيم، وأشاد نتنياهو بـ«الذكاء الهائل والبراعة الدبلوماسية» لهنري كسينجر، والتي لم تشكل مسار السياسة الخارجية الأمريكية فحسب، بل كان لها أيضًا تأثير عميق على المسرح العالمي.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إسرائيل أمريكا الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
FT: ترامب يهدد بتحويل الولايات المتحدة إلى دولة مارقة
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقال رأي للمعلق جدعون راتشمان قال فيه إن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب يخاطر بتحويل بلاده إلى دولة مارقة، في إشارة للتصريحات التوسعية التي أطلقها بشأن جيرانه والسيطرة على قناة بنما والاستيلاء على جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك.
وبدأ الكاتب بالإشارة إلى تصريحات السفيرة الكندية في واشنطن والتي قالت فيها: "أعتقد أن الرئيس المنتخب يمزح قليلا"، وذلك في رد على اقتراح ترامب الأول بأن تصبح بلادها الولاية الأمريكية رقم 51.
و"النكتة" الخطيرة هي إحدى طرق ترامب المفضلة للتواصل، مع أن الرئيس القادم تحدث الآن بتفاصيل عن طموحه لضم كندا إلى الولايات المتحدة لدرجة أجبر فيها ساسة كندا إلى التعامل مع كلامه على محمل الجد، ورفضها علنا.
ويقول راتشمان إن عزاء الكنديين الصغير هو أن ترامب استبعد القيام بغزو شامل لأراضي بلادهم، واستبدله بتهديدهم اقتصاديا. وبالمقابل رفض استبعاد الخيار العسكري لاستعادة السيطرة على قناة بنما وجزيرة غرينلاند التي تتمتع بحكم ذاتي تابع للدنمارك.
وتساءل الكاتب إن كان هناك المزيد من المزاح الخفيف؟ مشيرا إلى أن المستشار الألماني ووزير خارجية فرنسا أخذوا تهديدات ترامب على محمل الجد لدرجة حذرا فيها قائلين إن غرينلاند هي أراض تابعة للاتحاد الأوروبي وينطبق عليها بند الدفاع المشترك.
وبعبارات أخرى، فقد تتتهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على الأقل نظريا، إلى حرب من أجل جزيرة غرينلاند.
ويعلق الكاتب إن المدافعين عن ترامب والمتملقين له يتعاملون مع الأمر بكونه "مزحة كبيرة"، وقد أشارت صحيفة "نيويورك بوست" إلى "عقيدة مونرو"، وهي رسالة تعود إلى القرن التاسع عشر للأوروبيين بعدم التدخل في النصف الغربي من الكرة الأرضية، حيث تم تعليم غرينلاند بعلامة "إنها أرضنا". وسخر النائب الجمهوري براندون غيل قائلا إن على الكنديين والبنميين والغرينلانديين الشعور بالفخر من فكرة تحولهم إلى مواطنين أمريكيين.
إلا أن "حقوق الأمم الصغيرة ليست مزحة" كما يقول راتشمان، و"لأن السيطرة بالقوة على بلد من جار قوي هو جرس إنذار كبير للسياسة العالمية. وهو إشارة عن دولة مارقة تزحف للأمام".
ولهذا السبب أدرك التحالف الغربي أن دعم مقاومة أوكرانيا للغزو الروسي أمر مهم جدا. وهو السبب أيضا الذي حدا بالولايات المتحدة في بداية التسعينات من القرن الماضي إلى تجميع تحالف دولي بهدف طرد العراق من الكويت.
وأشار الكاتب إلى أن الاعتداءات على الدول الصغيرة كانت سببا في اندلاع حربين عالمتين. وعندما عجز مجلس الوزراء البريطاني في عام 1914 عن تحديد ما إذا كان ينبغي خوض الحرب مع ألمانيا، كتب ديفيد لويد جورج، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء، إلى زوجته: "لقد حاربت بشدة من أجل السلام، ولكنني توصلت إلى استنتاج مفاده أنه إذا تعرضت الجنسية البلجيكية الصغيرة لهجوم من ألمانيا فإن كل ما آمنت به سيصبح في جانب الحرب".
وفشلت بريطانيا وفرنسا بطريقة مخزية بتوفير الحماية لدولة تشيكوسلوفاكيا من النازية الألمانية عام 1938. واكتشفتا في غضون عام مدى الخطأ الذي ارتكب ومدا يد العون إلى بولندا ووفرتا لها الضمانات الأمنية، حيث كانت هذه هي الدولة التالية على قائمة ألمانيا النازية. وكان غزو بولندا بداية للحرب العالمية الثانية.
ويضيف راتشمان أن أنصار ترامب يرفضون بشدة أي مقارنة بين خطابه وخطاب المعتدين من الماضي أو الحاضر. وهم يزعمون أن مطالبه تهدف في الواقع إلى تقوية العالم الحر والوقوف ضد الصين الاستبدادية وربما روسيا أيضا. وقد برر ترامب طموحاته التوسعية في كندا وغرينلاند وبنما على أساس الأمن القومي.
كما يسوق أنصاره جدالا آخر لتبرير تهديدات ترامب وأنها مجرد أسلوب تفاوضي. ويقولون إنه يقوم بالضغط المطلوب على الدول الحليفة لعمل ما هو ضروري، ومن أجل منفعة التحالف الغربي.
وفي نهاية المطاف ألا يطالب عدد كبير من سكان غرينلاند البالغ عددهم 55,000 الاستقلال عن الدنمارك؟ ألا يشعر الكنديون بإحباط من النخبة التي تدعم فكرة "اليقظة" وتدير بلادهم؟
ولكن هذه هي حجج واهية، فمن المشروع محاولة ترامب إقناع الغرينلادنيين بأن حياتهم ستكون أفضل لو كانوا أمريكيين، إلا أن التهديد بالعمل العسكري والإكراه هو أمر شائن. وكذا مزاعمه بأن سكان كندا يحبون الانضمام إلى الولايات المتحدة، هي مجرد وهم، فقد رفضت نسبة 82% من سكان كندا الفكرة في استطلاع جرى قبل فترة قريبة.
أما محاولة ربط التهديدات هذه باستراتيجية كبرى لمواجهة الصين، فتصريحات ترامب على غرينلاند وبنما وضم كندا، تمثل هدية كبرى لكل من الصين وروسيا.
فلو زعم ترامب أنه من المشروع سيطرة بلاده على قناة بنما وغرينلاند، فلماذا لا يحق لبوتين الزعم بأن السيطرة على أوكرانيا هي ضرورة استراتيجية؟ وإذا كان بوسع النائب غيل الزعم بأن توسيع حدود أمريكا هو "قدر محتوم"، فمن ذا الذي سيقف في وجه شي جين بينغ، عندما يصر على ضم تايوان للصين باعتباره قدر الصين المحتوم؟
ومن المعروف أن روسيا والصين تحلمان منذ وقت طويل بتفكيك التحالف الغربي، ومن هنا يقوم ترامب بالمهمة نيابة عنهما.
وفقط، قبل بضعة أسابيع، كان من المستحيل أن يحلم الكرملين برؤية مجلة الأخبار الرئيسية في كندا تنشر قصة على غلافها بعنوان: "لماذا لا تستطيع أمريكا غزو كندا". وكانت فكرة استحضار الزعماء الأوروبيين لبند الدفاع المتبادل في الاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة ــ وليس روسيا - يبدو أيضا وكأنه خيال، ولكن هذه هي الحقائق السياسية الجديدة.
وحتى لو لم ينفذ ترامب وعيده، فإنه ألحق ضررا كبيرا بمكانة أمريكا العالمية، وهو لم يتول منصب الرئاسة بعد. ويظل من المستبعد أمر ترامب بغزو عسكري شامل لغرينلاند، مع أن محاولته إلغاء الانتخابات عام 2020 كان أمرا مستبعدا. ومن غير المرجح أيضا أن يتم ترهيب كندا حتى تتنازل عن استقلالها.
و"لكن حقيقة أن الرئيس القادم يمزق المعايير الدولية هي كارثة. وأي سخرية من "نكات" ترامب في غير محلها، ما نشهده هو مأساة، وليس كوميديا".