حكم دعاء آخر العام .. هل يعتبر من الأمور البدعية؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هناك دعاء منتشر بين الناس في أول العام ودعاء آخر في آخره، فما حكم هذا الدعاء؟
دعاء قضاء الدين مكتوب.. كلمات لمن تعسرت معيشته دعاء الشفاء والفرج.. كلمات فيها طوق النجاة من المرض بعد العلاجوأكدت دار الإفتاء، أن من البدع المنهجية المنكرة التي انتشرت بين بعض المتعالمين في هذا العصر: الادِّعاءُ بأن تخصيصَ أوقات معينة للدعاء أو العبادة هو أمر مُبتَدَعٌ لا يجوز، وهذه الدعوى الباطلة هي البدعة حقًّا، وهي من بِدَعِ الضلالةٍ التي لم يُسبَقْ إليها أصحابُها، ولم يُعوِّل عليها أحد من أهل العلم في قديم الدهر أو حديثه.
وقالت دار الإفتاء، إن تخصيصُ يوم معيَّن في السَّنَة للدعاء أو العبادة جائزٌ شرعًا، وهو أمرٌ جرى عليه المسلمون عبر القرون، ونص أهل العلم من مختلف المذاهب على مشروعيته، ما لم يُعتَقَد أنه سنّةٌ نبوية.
حكم دعاء أول العام وآخرهوذكرت دار الإفتاء، أن دعاءُ أولِ العام ودعاءُ آخره هما من أدعية الصالحين ومُجرَّبَاتهم، وهما من الأدعية المستحسَنة المأثورة عن مشايخ الحنابلة منذ نحو ألف سنة، وقد كان يوصي بهما ويعلِّمُهما وينقُلُهما عن مشايخه إمامُ الحنابلة وشيخُهم في وقته؛ الشيخُ الإمامُ الوليُّ الصالحُ أبو عمر المقدسي محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي [ولد سنة 528هـ، وتوفي سنة 607هـ]، وهو أخو الإمام العلامة الموفق بن قدامة [ت: 620هـ] صاحب كتاب "المغني" في الفقه.
قال العلامة المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في تاريخه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان" (22/ 180-181، ط. دار الرسالة العالمية): [وعَلَّمَني دُعاء السَّنَة، فقال: ما زال مشايخنا يواظبون على هذا الدُّعاء في أوَّل كلِّ سنة وآخرها، وما فاتني طول عمري: أما أوَّل السنة فإنَّك تقول: "اللهم أنتَ الأبدي القديم، وهذه سَنَةٌ جديدة، أسألك فيها العصمة من الشيطان وأوليائه، والعَوْنَ على هذه النَّفْس الأمَّارة بالسُّوء، والاشتغال بما يقرِّبُني إليك يا ذا الجلال والإكرام"، فإنَّ الشيطان يقول: قد آيسنا مِنْ نفسه فيما بقي، ويوكل الله به ملكين يحرسانه.
وأما دعاءُ آخر السنة، فإنَّه يقول في آخر يوم من أيام السَّنة: "اللهم ما عَمِلْتُ في هذه السنة مما نهيتني عنه، ولم تَرْضَه ولم تنسه، وحَلُمْتَ عني بعد قُدْرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التَّوبة من بعد جرأتي على معصيتك، فإني أستغفرك منه فاغفرْ لي، وما عملت فيها مما ترضاه ووعدتني عليه الثَّواب، فأسألك أن تتقبَّلَه مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم". فإنَّ الشيطان يقول: تعبنا معه طول السنة فأفسد فِعْلَنَا في ساعة] اهـ.
ومنذ ذلك الحين وأهل العلم من مختلف المذاهب والمشارب يتناقلون هذين الدعاءين ويوصون بهما في أذكار العام من غير نكير، حتى نبتت هذه النابتة فجعلت الدعاء بهما بدعة، متهِمَةً الأمةَ وعلماءَها بالضلال من غير علم ولا تثبُّتٍ ولا فهم؛ كالادِّعاء بأن الكتب التي تذكر هذين الدعاءين ليست معتمدة ولا تهتم بتصحيح الحديث، وهي دعوى فاسدة نشأت عن عدم الاطلاع.
وقالت إن الكتاب المذكور في السؤال هو "حاشية العلامة أبي عبد الله محمد بن المدني كنُّون [ت: 1302هـ] فقيه أهل المغرب في عصره، اختصر فيها حاشية العلامة محمد بن أحمد الرهوني [ت: 1230هـ] مفتي المالكية في عصره، على شرح العلامة محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي [ت: 1122هـ] خاتمة المحدثين بالديار المصرية، على متن العلامة الشيخ أبي المَوَدَّة خليل المالكي [ت: 776هـ]"، وهو من كتب المالكية المتفق على اعتمادها في المذهب، والعلامة كنون نقلهما عن العلامة علي الأجهوري شيخ المالكية، عن سبط ابن الجوزي، عن الشيخ أبي عمر المقدسي، ولم يدَّع أحدٌ ورودَهما في الحديث الشريف حتى يُحتاجَ إلى الفحص عن سند روايتهما، ولم يدَّع أحد من علماء الحنابلة -فضلًا عن غيرهم- أنها بدعةٌ أو محرمة أو ما أشبه ذلك من الأحكام الهوجاء التي لا خطام لها ولا زمام.
وذكرت دار الإفتاء، أن الحق أن هذه الدعوى الباطلة هي البدعة حقًّا؛ إذ حقيقتُها: حرمانُ المسلمين من تحويل الأوامر الشرعية المطلقة إلى برامج عمل يومية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية أو موسمية، والحيلولة بينهم وبين الانتظام في الدعاء والعبادة حسب ما تمليه ظروفهم وأوقاتهم وأحوالهم، وتناسبه عاداتهم وأعرافهم؛ فإن الناس لو تُرِكُوا دون هذه الترتيبات الموسمية وبرامج العمل الحياتية التي تجعلهم على صلة بدينهم وذكر لربهم: لأدَّى بهم ذلك إلى الغفلة، وكل ذلك مَدْعَاةٌ لتقليل مظاهر الدعاء والعبادة في حياة المسلمين، هذا مع كثرة المناسبات الاجتماعية ومواسم الاحتفال وما تموج به من لهو وانشغال عن ذكر الله تعالى وعبادته، فيضيع بذلك التوازن الذي أراد الشرعُ من خلاله أن يعمل المسلم لآخرته كأنه يموت غدًا، وأن يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدًا.
وتابعت: ومن اتهم المسلمين فقد تحجر واسعًا وضيَّق على المسلمين أمرًا جعل الشرع لهم فيه سعة، حيث إن الإسلام حث حثًّا مطلقًا على الدعاء، والأمر المطلق يقتضي عموم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، ومنع المداومة على الخير ضرب من ضروب الجهل والصدّ عن ذكر الله تعالى، والناهي عن ذلك قد سنَّ سنة سيئة في المنع من فعل الخير وتنظيمه والمداومة عليه، مخالفًا بذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن أن عمله كان ديمة، ومِن أن أحب الأعمال إلى الله أدومها كما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، ولم يلتفت في نهيه هذا إلى عواقب ما يقوله ويزعمه مِن صرف المسلمين عن المداومة على الدعاء.
كما ينبغي الحذر من الفتاوى الباطلة التي تطعن في هذه الأدعية الجليلة وتصفها بالبدعة؛ بدعوى أنها لم تَرِدْ في السُّنّة، فهي فتاوى مبتدعة لم يقل بها أحد من علماء الأمة، كما أنها تستلزم الطعن على علماء الأمة وصلحائها وسلفها وأئمتها، وهو عين ما يريده الأعداء من إبعاد المسلمين عن تراثهم وإفقادهم الثقة في أئمتهم الهداة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء أول العام دعاء البدع دار الإفتاء محمد بن
إقرأ أيضاً:
الشيخ خالد الجندي: يجب على الشباب الابتعاد عن الأمور التي تشتت التركيز وتضر بالعقل
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن البيئة المحيطة قد تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد وخاصة الشباب، مشيرا إلى أن الشخص قد يحتاج في بعض الأحيان إلى الابتعاد عن البيئة التي تؤثر عليه سلبًا وتشتت تركيزه أو تجلب له مشاكل نفسية أو اجتماعية.
وأشار عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خلال حلقة خاصة بعنوان حوار الأجيال، المذاع على قناة dmc، اليوم الأربعاء، إلى أن العزلة هنا لا تعني الانعزال التام عن المجتمع، بل المقصود هو الابتعاد عن الأشياء أو الأشخاص الذين يساهمون في دفع الفرد نحو السلوكيات السلبية أو المحيط الذي لا يدعمه في تحقيق أهدافه: «إذا كانت البيئة المحيطة بك مليئة بالعادات السيئة مثل الإدمان، عليك أن تبتعد عنها وتتجنب الأشخاص الذين يروجون لهذه السلوكيات».
وأضاف أن الإنسان يجب أن يميز بين المجتمع بشكل عام، الذي يكون في معظمه بخير، وبين البيئة المحيطة به بشكل خاص، موضحا أن الشخص إذا استطاع أن يتجنب ما يضر به في محيطه، فإنه سيستطيع أن يحقق توازنًا داخليًا ويساهم في نجاحه الشخصي.
واستشهد خالد الجندي بآية قرآنية في هذا السياق، حيث قال: «وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره»، لافتا إلى أهمية الابتعاد عن الأمور التي تشتت التركيز أو تضر بالعقل والنفس، حتى وإن لم يكن ذلك يعني قطع العلاقة بشكل كامل مع المحيطين.