أكرم محمد يكتب: جليل البندارى.. جدارية صحفية وإنسانية أم مجرد تأريخ لسيرة حساسة؟
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
جليل البندارى حالة صحفية وإنسانية متفردة، فى عالم التناسى مغردة. صحفى «جليل»، صاحب طابع خاص وبنية لم يعتدها أحد الكتاب الصحفيين فى تاريخ بلاده. هو منزوع من الأرشيف، لكنه كائن فى الوجدان، مزروع فى الأذهان.
أخبار متعلقة
«حرامي المخ والنظرية النسبية» .. في رواية مدهشة عن آينشتاين لـ شريف صالح
محمد الحدينى يكتب: رواية «آيس هارت فى العالم الآخر».
د. أسامة أبو طالب يكتب: «الكُحكُح».. رواية العزم على مغالبة الزمن
وجدان كل من تأثر بهذه العقلية الفذة، والكتابة الرابضة فى ثنائية الساخر/ الفلسفى، والكتابة الإبداعية/ الكتابة التقريرية، وعلى رأس قائمة من تأثروا به كان الصحفى والمفكر وائل لطفى، الذى أعاد نشر عدد من أعماله عن دار «كلمة» فى محاولة لبعثه، رغم نسيان الأرشيف، وتجاهل كل من يقدر أن يضيف لهذه التجربة العامرة بالأسرار والكتابة الخاصة، الحاملة فى رحمها وعلى غلافها اسم «جليل البندارى»، حيث تجربة لن تتكرر.
حيث «جليل الأدب»، هذا الوصف الذى وصفه الصوت الأهم فى تاريخ المحروسة «أم كلثوم»، إمعانًا فى الجرأة الصحفية والبعد عن الأيديولوجية النفطية للكاتب الصحفى المجاور للفنانين، المجاملة لهم، وحيث وصف لهذا صاحب التجربة غير المؤهلة للتكرار. ومن أهم كتبه، التى تخلق مفهوماً واضحا لكتابة جليل البندارى هى «عبد الوهاب طفل النساء المدلل».
جليل البندارى
ولا يعد كتاب «عبدالوهاب.. طفل النساء المدلل» مجرد تأريخا لجزء تقبع به حساسية صحفية وإنسانية من حياة واحد من أهم الموسيقيين فى تاريخ بلده، ولكنه بمثابة جدارية للصحافة المصرية فى وقت صدور طبعته الأولى وطلته على القراء عام ١٩٥٨، ويعد مع صدوره عام ٢٠٢٣ عن دار «كلمة» تأريخا ملموسا لحرية جليل البندارى وكتابته الرابضة بين ثنائية السطحية/ العمق، عن طريق أسلوبه الساخر والواضع قلمه على مرابض المشاعر والسجايا الإنسانية.
يخوض الشاعر والكاتب والصحفى الراحل جليل البندارى فى هذا الكتاب رحلة فى مغامرات صديقه الموسيقار محمد عبد الوهاب، فيبدأ من حيث انتهت حكايته مع المرأة التى تزوجها بالطلاق، وهى السيدة «إقبال نصار»، ومن ثم يخوض فى تجربة السجية الإنسانية مع الحب وعلاقته بالفن.
وتأثير الماضى على الإنسان، ككل، ومن هذه النقطة يطرح «البندارى» الجانب النفسى لشخصية محمد عبد الوهاب بسرد يسترسل بسخرية لامعة بين فلسفة هائمة فى قلب هذه الحكايات وسخرية سردها.. يسرد جليل البندارى أولى علاقاته بالنساء مع إلهته التى هواها، وعاش فى ضياها، أمه، ومن ثم السيدة الثلاثينية الأولى، التى مرت بفؤاده مرورًا له أثر فراشة لا يمحى على مر السنين، وانتصار الأقدار وتقليبها لأغوار الحياة.
تملكت لبه وعاشت فى قلبه، وعلمته الحياة الجنسية وهو عمره اثنتا عشرة سنة. لم يشك لنفر من أهله عن العلاقة بينه وبين حبيبة «باب الشعرية»، والتى انهارت وأسرت نفسه وأثّرت فيها عندما رآها الشاب الفنان فى قلب غيره، تمارس الجنس مع غيره.
هنا يظهر الجانب الفلسفى لهذا الكتاب، ولكتابة الراحل جليل البندارى، حيث الفلسفة واقعة بين الرمز والمباشرة فى ثنائية شديدة الدقة فى كتابتها.. هى أيضا متوارثة وراء سخرية تربض بنصوص جليل البندارى، وهى سخرية قائمة فى النصوص اتباعا الذاتية.
ذاتية جليل البندارى تظهر بشدة فى كتابته الصحفية، ليس فقط فى عرضه لمناطق خاصة لأصدقائه بحرية، ولكن أيضا فى السرد ذاته؛ حيث سخريته وجرأته وفلسفته ورؤيته الفنية. يعيش «عبد الوهاب» بعد هذه الصدمة، وبعد ذهابه مسافرا إلى رحلة فنية، فى أزمة صحية، ويرعاه الراحل مصطفى رضا، ومنعه أحمد شوقى، الذى كان قريباً منه، من الغناء قبل تخطى سن المراهقة.
غلاف الكتاب
واستكمالا لثنائية الإنسان/ الماضى يستكمل «جليل» حكاية عبد الوهاب مع الماضى، فيبوح بسبب اعتزازه بنفسه وكبريائه، وهو بسبب المعاملة السيئة للمطربين، ورؤيتهم مجرد «آلاتية» ومعاملة أصحاب الأفراح لهم بدونية، مما جعل المطرب يبالغ فى الكبرياء، حتى ينتزع من نفسه حكم الطبقية، وحكم الشعب على المطربين.
ثم ينتقل «البندارى» إلى قصة الحب الفعلية الأولى فى حياة المطرب والموسيقار، وهى حكاية «مليونير الزمالك». يكتب الصحفى الراحل بأسلوب أدبى يحمل فى رحمه ثنائية الإبداعى/ التقريرين عن حكايته مع «مليونير الزمالك»، التى منحته أموالا وهدايا وجعلته يعيش فى مكان لم يتخيله الشاب الفقير ابن «باب الشعرية»، ولكنها سلبت حريته بعشقها التى تحولت لغيرة قاتلة.
وتقاطعت الحكاية مع قصة حبه لفتاة شقراء نبعت حياتها من قصر محمد على، وكانت هذه الفتاة هى من ألفت أغنية شهيرة له، لم تنشر باسمها، ولكن قصة الحب لم تكتمل؛ بسبب رفض القصر والخال، وعدم تضحية «طفل النساء المدلل»، وانتهت حكاية الفتاة مع الحياة وأفضى بها العشق إلى الموت بناره ملتهبة، كما انتهت الحكاية مع سيدة الزمالك بطلاق مليونيرة الزمالك الثرية التى هامت فى محراب إله النساء والبخل والنفاق اللطيف عبد الوهاب.
مثلها مثل السيدة الخليجية التى تركت زوجها لأجله ولم يصح لأجلها، ولكن فن محمد الوهاب ملأ بالآهات واتجه لشعر المكلوم العاشق أحمد رامى، الذى حُيّر قلبه، بعد عشقه لزوجته السيدة إقبال نصار، التى رآها مع زوجها فى وقت استرخاء وظل يطاردها حتى أسر قلبها وتزوجها، ولم تظفر به مليونيرة الزمالك، حتى بعد محاولتها لدينه بثلاثة آلاف جنيه ليعود.
لا يكتفى الراحل جليل البندارى بالتأريخ الأدبى الإبداعى لمحطات محمد عبد الوهاب مع النساء والحياة ومواقفه فيها، تأريخ صاحب الطابع الفلسفى الإنسانى، والساخر الجرىء؛ بل لا يتوانى عن سرد محطات من حياته الفنية تقترن بحياته العاطفية، فيكتب عن علاقته برئيس حزب غضب من المطرب لقوله فى موال شهير له «ياللى تركت الوطن والأهل علشانك»، وثم يكتب ويلحن أغنية يسمعها المطرب فى فندق.
بعد أن أمر بأخذ العود من غرفة عبد الوهاب، ويسرد أولى رحلاته الفنية وهو طفل مقبل على المراهقة، ومدير من النساء، «معقدا»، بعد خيانة المرأة الثلاثينية له، وأسباب الأغانى التى غناها بعد عشقه لـ«إقبال نصار»، وبعد طلاقه، وهو ما يوضح تأثير الحياة والذاتية على الفنان.
ثقافة سور الأزبكية جليل البندارى عبد الوهاب طفل النساء المدللالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين ثقافة عبد الوهاب
إقرأ أيضاً:
المؤتمر : مصر تقود جهوداً دبلوماسية وإنسانية شاملة لإنهاء الحرب في غزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال اللواء الدكتور رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر ، إن مصر تلعب دورا محوريا في دعم القضية الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب على غزة، انطلاقا من مسؤوليتها التاريخية والإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، ووقف العدوان الإسرائيلي ورفع المعاناة عن الفلسطينيين.
وأشار فرحات إلى أن التحركات المصرية لم تقتصر على الجوانب السياسية فقط، بل تضمنت جهودا إنسانية كبرى تمثلت في فتح معبر رفح، وهو شريان الحياة الوحيد لغزة، لإدخال المساعدات الإغاثية والطبية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني و تقديم الدعم اللازم للمتضررين، وهو ما يعكس التزامها الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
وأضاف أن الدبلوماسية المصرية، التي تتميز بالحكمة والاتزان، نجحت في الوصول إلى وقف التصعيد العسكري، والعودة إلى طاولة المفاوضات، مؤكدا أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال على رأس أولويات القيادة المصرية لافتا إلى أن رفض التهجير القسري للفلسطينيين، وضرورة وقف إطلاق النار، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كانت عناوين رئيسية في أي لقاء مصري مع قادة العالم.
وأشاد فرحات بالدور الفاعل للوسطاء والدعم الدولي الذي حظيت به الجهود المصرية لدعم استقرار المنطقة مؤكدا أن هذا الإنجاز يمثل خطوة أولى نحو تحقيق تهدئة شاملة في المنطقة مشددا على أهمية استمرار التعاون الدولي لضمان تنفيذ الاتفاق، والعمل على توفير حياة كريمة وآمنة للشعب الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة الذي يعاني من أزمات إنسانية خانقة، وأن التوصل إلى حلول دائمة يتطلب تكاتفا دوليا و جهودا مستمرة لضمان احترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في الحياة بكرامة ضمن دولته المستقلة مشددا على أن مصر ستظل ركيزة أساسية للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.