السياسة . . وكتابة التاريخ !
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
يوسف عوض العازمي
" على أعداء أمريكا أن يخشوا أمريكا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر "
(هنري كيسنجر)
كنت أشاهد شاشة الجزيرة بينما قادة حركة طالبان الأفغانية، قد دخلوا قصر الرئاسة، وأثناء البث لفت نظري لقطة أحد القادة ينزل العلم الأفغاني من على سارية أرضية ثم يرتبه بهدوء، ويبعده عن السارية، في هذه اللقطة بالذات إشارة لانتهاء العمل بهذا العلم، والتحضر لإحضار علم جديد، أثناء مشاهدتي لهذا المنظر تساءلت: ما الذي سيكتبه التاريخ حول هذا الحدث، وهذه اللقطات كيف سيتناولها المؤرخون حاليًا" وغدا" وفي المستقبل؟
في اليوم التالي كانت الكارثة الإنسانية في مطار كابول الدولي، عندما تعلق الآلاف من الأفغان بعجلات بطائرات الشحن المُغادرة، مقاطع وصور انتشرت في العالم عنوانها الرئيسي: إنهيار قيمة الإنسان !
مما لايعلمه الكثيرون أن هناك مفاوضات بين حركة طالبان والولايات المتحدة في إحدى الدول الخليجية، وهذه المباحثات والمفاوضات استمرت لسنوات بشكل غير مُعلن، كانت الولايات المتحدة تفاوض طالبان بينما في الوقت ذاته كانت الحكومة الأفغانية الموالية لها تحكم وبشكل سلس وطبيعي، بالطبع يعلم المفاوض الأمريكي أن الحكومة الحالية وقتذاك كانت في الحقيقة بغطاء سياسي وأمني أمريكي ولولا ذلك لما جلست على كرسي السلطة دقيقة واحدة، وطالبان كانت تملك القوة الفعلية في ذلك البلد الذي أنهكته الحروب، السؤال الذي يطرح نفسه هل كانت الحكومة الموالية تعلم بما يجري على ضفاف الخليج، أم أنها تعلم لكن على طريقة لاحول ولاقوة؟
مخطئ من يعتقد أن الولايات المتحدة ستنسحب هكذا مجانا" بلا مكاسب، وهذه للنسيان، لكن ماهي المكاسب التي على إثرها تم تسليم الحكم بالجمل بما حمل وبعد سحب الغطاء عن الموالين؟ وهذا ما سيجيب عليه التاريخ.
لاشك أنَّ الوضع وماحصل حياله كان بسبب تقاطعات المصالح، كما أسلفت في مقالات سابقة فالسياسة هي واحد زائد واحد يساوي اثنين، يجب أن تكون الحسابات صحيحة وفي محلها الملائم، ومحلها الملائم قد يتجاوز مبادئ أخلاقية أو قيم دارجة، لكن الغلبة ستبقى للمصلحة والمصلحة فقط، وعلى ذكر الأمريكان فهم براغماتيون من الدرجة الأولى، يضعون الأخلاق متى أرادوا ويتم ركنها على الرف وبهدوء متى أرادوا، المصلحة هي القرار الأخلاقي الأول .
هنا لا أوبخ السياسة الأمريكية ولا أشيد بها لكني أصف مشهدا" أخذ الألباب والعقول، وسيطر على فكر الساسة في العالم، لا تطمئن إلا للمصلحة التي تربطك مع السياسيين، فليس الوضع حلقة مواعظ أو أنك تدخل للاستمتاع بمظاهر أخلاقية راقية، فالسياسي تجده تحركه بوصلة المصلحة وواحد زائد واحد، كما أسلفت في مقالات سابقة وكما قلت لك قبل سطرين !
لكن هل كل السياسات متوحشة؟
يُمكن ولا يُمكن، هي تعتمد على الوضع المهيمن على الساحة، السياسي الحاذق يعرف تمامًا" كيف يختار الحلفاء، وكبف يدير اللعبة السياسية، وأين وكيف ومتى يتصرف بأوراق الضغط، قصة أنك طيب وكمان على نياتك هذه قد تكون أروع مسرحية كوميدية في تاريخ السياسة !
توفي قبل أيام هنري كيسنجر ثعلب السياسة الأمريكية، وبغض النظر عمَّا قيل فيه وعنه، لكنه بالفعل يمثل وجها" حقيقيا" للسياسة الأمريكية، أتذكر عندما قرأت قصته مع الملك فيصل بالسعودية، وفي خيمة بالصحراء في أقصى الرياض، كانت قصة مستوحاة من الأثر السياسي، دهاء الرجلين سيطر على ساحة المباحثات، كان الحوار غير المباشر هو المباحثات الحقيقية بينهما، وكانت جسارة الفيصل قد أذهلت الثعلب الأمريكي الذي فهم بأنَّ الملك لن يتزعزع عن موقفه قيد أنملة، واستمرار وقف النفط العربي عن الدول الداعمة للكيان الصهيوني (كانت ثلاث دول خليجية استخدمت سلاح وقف النفط عن الدول الداعمة للصهاينة وهي السعودية والإمارات والكويت) رغم العلاقة التاريخية الوثيقة بين البلدين، وبعدها حصل ماحصل من أحداث بينت بوضوح مدى تأثر المصالح بلعبة هات وخذ السياسية !
لذلك وبما أن الحديث عما جرى في أفغانستان أيام جائحة كورونا، وبعد تذكر سياسات وفكر كيسنجر بعد وفاته، فإن أفضل عمل يقوم به "كاتب "في التاريخ، أنه عندما يعجز عن نقل "الحقيقة" ألا يكتب، الصمت خير من التصفيق لباطل، أو على الأقل ألا يتحدث عن شكوك بأنها أمر واقع، فالتاريخ خطر جدا" لدرجة أن من يكتبه قد يكونون فائقي الشجاعة، فكلمة الحق أحيانًا مؤلمة، وقد لاتمر مرور الكرام !
يوسف عوض العازمي
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غزة بين التهدئة والتصعيد.. مفاوضات تحت نيران المناورات والضغوط
تستمر الجهود الدبلوماسية في محاولة لتمديد اتفاق الهدنة في قطاع غزة، وسط تعقيدات سياسية وإستراتيجية تعيق الوصول إلى حل دائم.
وفي هذا السياق، علّق أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والقيادي بحركة فتح، الدكتور أيمن الرقب، على المشهد الحالي، مشيرًا إلى العقبات التي تواجه المباحثات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، والتي تجري بوساطة أمريكية وقطرية.
وأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن وصول المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، لم يسهم حتى الآن في تحقيق اختراق جوهري في ملف التهدئة. وأوضح أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لا يبدو جادًا في التوصل إلى اتفاق حقيقي في هذه المرحلة.
ولفت إلى أن نتنياهو أرسل وفدًا إلى المباحثات دون صلاحيات حقيقية أو قيادة إستراتيجية، ما يعكس نية إسرائيلية لجعل هذه الجولة استطلاعية أكثر من كونها جلسة حقيقية لتوقيع اتفاق.
الدور الأمريكي وتحريك الجمودوأشار الرقب إلى أن هناك آمالًا معلقة على دور الولايات المتحدة في كسر الجمود السياسي، لا سيما مع وصول مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، والذي كان له دور أساسي في إتمام الاتفاق السابق في يناير الماضي. وأضاف أن الأيام الأخيرة شهدت تكثيفًا للاتصالات، حيث التقى المسؤول الأمريكي آدم بولار بقيادة حركة حماس، وهو ما أثار استياء الجانب الإسرائيلي الذي يرى في هذه اللقاءات تحريكًا للمياه الراكدة.
وتابع الرقب موضحًا أن التقديرات تشير إلى طرح مقترح يقضي بتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، مع تنفيذ صفقة تبادل أسرى، دون الانتقال إلى المرحلة الثانية بشكل مباشر. ووفقًا لهذا السيناريو، قد تفضل إسرائيل تنفيذ انسحابات جزئية بدلاً من الانسحاب الكامل من قطاع غزة.
وأضاف أنه في حال وافقت حماس على هذا التعديل، فقد تجد إسرائيل نفسها مضطرة لتنفيذه تحت الضغط الأمريكي. ومع ذلك، تبقى هناك شكوك حول مدى استعداد واشنطن لدفع إسرائيل نحو انسحاب أوسع في هذه المرحلة الدقيقة.
واختتم الدكتور أيمن الرقب تصريحاته بالتأكيد على أن مستقبل الاتفاق مرهون بقدرة الأطراف المعنية على تجاوز العقبات السياسية، وإيجاد حل يُنهي المعاناة الإنسانية في غزة. ومع استمرار المباحثات، يظل المشهد مفتوحًا على جميع الاحتمالات، في ظل غياب مؤشرات واضحة على تحقيق اختراق حاسم قريبًا.