جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-11@12:23:41 GMT

السياسة . . وكتابة التاريخ !

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

السياسة . . وكتابة التاريخ !

 

يوسف عوض العازمي

" على أعداء أمريكا أن يخشوا أمريكا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر "

(هنري كيسنجر)

كنت أشاهد شاشة الجزيرة بينما قادة حركة طالبان الأفغانية، قد دخلوا قصر الرئاسة، وأثناء البث لفت نظري لقطة أحد القادة ينزل العلم الأفغاني من على سارية أرضية ثم يرتبه بهدوء، ويبعده عن السارية، في هذه اللقطة بالذات إشارة لانتهاء العمل بهذا العلم، والتحضر لإحضار علم جديد، أثناء مشاهدتي لهذا المنظر تساءلت: ما الذي سيكتبه التاريخ حول هذا الحدث، وهذه اللقطات كيف سيتناولها المؤرخون حاليًا" وغدا" وفي المستقبل؟

في اليوم التالي كانت الكارثة الإنسانية في مطار كابول الدولي، عندما تعلق الآلاف من الأفغان بعجلات بطائرات الشحن المُغادرة، مقاطع وصور انتشرت في العالم عنوانها الرئيسي: إنهيار قيمة الإنسان !

 

مما لايعلمه الكثيرون أن هناك مفاوضات بين حركة طالبان والولايات المتحدة في إحدى الدول الخليجية، وهذه المباحثات والمفاوضات استمرت لسنوات بشكل غير مُعلن، كانت الولايات المتحدة تفاوض طالبان بينما في الوقت ذاته كانت الحكومة الأفغانية الموالية لها تحكم وبشكل سلس وطبيعي، بالطبع يعلم المفاوض الأمريكي أن الحكومة الحالية وقتذاك كانت في الحقيقة بغطاء سياسي وأمني أمريكي ولولا ذلك لما جلست على كرسي السلطة دقيقة واحدة، وطالبان كانت تملك القوة الفعلية في ذلك البلد الذي أنهكته الحروب، السؤال الذي يطرح نفسه هل كانت الحكومة الموالية تعلم بما يجري على ضفاف الخليج، أم أنها تعلم لكن على طريقة لاحول ولاقوة؟

مخطئ من يعتقد أن الولايات المتحدة ستنسحب هكذا مجانا" بلا مكاسب، وهذه للنسيان، لكن ماهي المكاسب التي على إثرها تم تسليم الحكم بالجمل بما حمل وبعد سحب الغطاء عن الموالين؟ وهذا ما سيجيب عليه التاريخ.

لاشك أنَّ الوضع وماحصل حياله كان بسبب تقاطعات المصالح، كما أسلفت في مقالات سابقة فالسياسة هي واحد زائد واحد يساوي اثنين، يجب أن تكون الحسابات صحيحة وفي محلها الملائم، ومحلها الملائم قد يتجاوز مبادئ أخلاقية أو قيم دارجة، لكن الغلبة ستبقى للمصلحة والمصلحة فقط، وعلى ذكر الأمريكان فهم براغماتيون من الدرجة الأولى، يضعون الأخلاق متى أرادوا ويتم ركنها على الرف وبهدوء متى أرادوا، المصلحة هي القرار الأخلاقي الأول .

هنا لا أوبخ السياسة الأمريكية ولا أشيد بها لكني أصف مشهدا" أخذ الألباب والعقول، وسيطر على فكر الساسة في العالم، لا تطمئن إلا للمصلحة التي تربطك مع السياسيين، فليس الوضع حلقة مواعظ أو أنك تدخل للاستمتاع بمظاهر أخلاقية راقية، فالسياسي تجده تحركه بوصلة المصلحة وواحد زائد واحد، كما أسلفت في مقالات سابقة وكما قلت لك قبل سطرين !

لكن هل كل السياسات متوحشة؟

يُمكن ولا يُمكن، هي تعتمد على الوضع المهيمن على الساحة، السياسي الحاذق يعرف تمامًا" كيف يختار الحلفاء، وكبف يدير اللعبة السياسية، وأين وكيف ومتى يتصرف بأوراق الضغط، قصة أنك طيب وكمان على نياتك هذه قد تكون أروع مسرحية كوميدية في تاريخ السياسة !

توفي قبل أيام هنري كيسنجر ثعلب السياسة الأمريكية، وبغض النظر عمَّا قيل فيه وعنه، لكنه بالفعل يمثل وجها" حقيقيا" للسياسة الأمريكية، أتذكر عندما قرأت قصته مع الملك فيصل بالسعودية، وفي خيمة بالصحراء في أقصى الرياض، كانت قصة مستوحاة من الأثر السياسي، دهاء الرجلين سيطر على ساحة المباحثات، كان الحوار غير المباشر هو المباحثات الحقيقية بينهما، وكانت جسارة الفيصل قد أذهلت الثعلب الأمريكي الذي فهم بأنَّ الملك لن يتزعزع عن موقفه قيد أنملة، واستمرار وقف النفط العربي عن الدول الداعمة للكيان الصهيوني (كانت ثلاث دول خليجية استخدمت سلاح وقف النفط عن الدول الداعمة للصهاينة وهي السعودية والإمارات والكويت) رغم العلاقة التاريخية الوثيقة بين البلدين، وبعدها حصل ماحصل من أحداث بينت بوضوح مدى تأثر المصالح بلعبة هات وخذ السياسية !

لذلك وبما أن الحديث عما جرى في أفغانستان أيام جائحة كورونا، وبعد تذكر سياسات وفكر كيسنجر بعد وفاته، فإن أفضل عمل يقوم به  "كاتب "في التاريخ، أنه عندما يعجز عن نقل  "الحقيقة" ألا يكتب، الصمت خير من التصفيق لباطل، أو على الأقل ألا يتحدث عن شكوك بأنها أمر واقع، فالتاريخ خطر جدا" لدرجة أن من يكتبه قد يكونون فائقي الشجاعة، فكلمة الحق أحيانًا مؤلمة، وقد لاتمر مرور الكرام !

 

يوسف عوض العازمي

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السياسة وجهود التقارب بين المذاهب الإسلامية!

 

 

 

صالح البلوشي

 

 

جاءت تصريحات فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قبل عدة أيام، حول الخلاف بين المذاهب الإسلامية، في إطار موقف الأزهر التاريخي حول أهمية الحوار والتعارف بين المذاهب الإسلامية والتحذير من الخطابات المتشددة التي تروجها بعض الأوساط المعروفة بتوجهاتها الطائفية.

 

ولقد قال شيخ الأزهر في ثاني حلقات برنامجه الرمضاني "الإمام الطيب": "إن الخلاف بين السنة وإخوانهم الشيعة لم يكن خلافا حول الدين، وعلى كل من يتصدى للدعوة أن يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: 'من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلكم المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته'، ويتقن فهمه الفهم الصحيح"، مؤكدا "أن الأمة الإٍسلامية حاليا في أشد الحاجة إلى الوحدة في القوة والرأي لمجابهة تحديات العصر والانتصار على أعداء الأمة، فهناك كيانات عالمية اتحدت دون وجود ما يوحدها، كما اتحدت دول الاتحاد الأوروبي وغيرها، ليس لشيء سوى أنها رأت ذلك ضرورة من الضرورات الحياتية العملية، ونحن أولى منهم بذلك بكل ما بيننا من مشتركات".

 

وقد كان لشيوخ الأزهر وعلمائها دور كبير في دعم دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تأسست في القاهرة عام (1368هـ / 1947م) على يد نخبة من العلماء المسلمين من السنة والشيعة وضم عند تأسيسها 20 عضوا من كبار العلماء من مختلف المذاهب.

 

ولكن من يتابع مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية في العصر الحديث يجد أنها مرتبطة بالأجواء السياسية في المنطقة، فدار التقريب بين المذاهب الإسلامية- مثلًا- تم تجميد عملها بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران سنة 1980، كما يجد أن الخطابات المتشددة والطائفية تخفت في لحظات الهدوء وتظهر بدلا منها الخطابات التي تدعو إلى وحدة الصف والمصير، وأن هذه الأمة يجب أن تقوم من غفوتها وتعيد أمجادها وأن ذلك لن يتحقق إلا بوحدة الأمة ووقوفها صفا واحدا أمام الأعداء، وفي هذه اللحظات تتكرر مشاهد العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية وهم يلقون الكلمات العصماء والخطب الرنانة حول أهمية الوحدة وترك الخلافات الفرعية جانبا، ولكن ما أن تظهر مشكلة سياسية حتى تصحو الطائفية مجددا من غفوتها فإنها تعيد إنتاج خطاباتها السابقة ولكن بثوب جديد يلائم الوضع الحاضر.

 

من يقرأ الصفحات الدامية من التاريخ الإسلامي يجد بوضوح أن الطائفية هي سلاح سياسي تستخدمه الأنظمة والحكومات وحتى أحزاب المعارضة أيضا عندما تجد نفسها في خطر أو تريد تحقيق غاية سياسية معينة، وقد استخدمت في السنوات الأخيرة بالحرب الأهلية السورية من جميع أطراف الصراع بدون استثناء، ومنهم مثقفون وأدباء محسوبون على الفكر العلماني، مما يؤكد بأن الطائفية من الممكن أن تُستخدم ثقافيًا وأدبيًا أيضًا وليس دينيًا فحسب، ولذلك لا يمكن القضاء عليها بقرار سياسي أو فتوى دينية أو ندوة ثقافية أو مؤتمر للتقريب بين المذاهب أو صلاة مشتركة؛ وإنما بثورة معرفية تنويرية تفصل ما بين السياسة والقضايا الدينية وتؤكد أن المذاهب الدينية ليست وحيا من السماء وإنما اجتهادات بشرية ظهرت في سياقات زمكانية معينة، وأنها جميعها تنبع من منبع واحد وهو الكتاب والسنة، فليختلف السياسيون ما شاؤا أن يختلفوا فالسياسة في طبيعتها تقوم على الاختلاف ولكن دون أن يزجوا باسم الدين أو المذاهب في خلافاتهم من أجل شرعنتها للقضاء على الآخر المختلف.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • فيديو.. بدء المباحثات الأمريكية والأوكرانية في جدة
  • انطلاق المباحثات الأمريكية الأوكرانية في السعودية
  • المباحثات الأوكرانية الأمريكية.. المملكة تواصل جهودها لتحقيق السلام العالمي
  • ماركو روبيو: ممتنون للسعودية ومتفائلون بالمباحثات
  • مرة واحدة فقط..روبيو: المباحثات مع حماس لم تؤت ثمارها
  • أسئلة النسوية العربية وكتابة الذات في قصص أمل بوشارب
  • مسؤول أوكراني: اقتراح هدنة في الجو والبحر خلال المباحثات مع الولايات المتحدة
  • الحكومة: احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي متوافرة عند مستويات مطمئنة جدا.. نواب: الدولة نجحت في إصلاح السياسة النقدية.. ومصر في صدارة الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية
  • إغلاق الحكومة الأمريكية على الطاولة.. وترامب يبحث عن بدائل
  • السياسة وجهود التقارب بين المذاهب الإسلامية!