العلاقة مع أمريكا.. هل تتطلع السعودية إلى النموذج التركي؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
أمام السعودية خيارين جيدين بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة، فإما صفقة كبرى للتطبيع مع إسرائيل تُدخل المملكة في نظام التحالف الأمريكي أو تتبع مسار دولة متأرجحة صاعدة دون ضمانات أمنية أمريكية كنسخة من النموذج التركي مع إدخال تحسينات.
تلك القراءة طرحها كليف كوبشان في تحليل بمجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية (National Interest) ترجمه "الخليج الجديد"، على ضوء زيارته للسعودية لمدة خمسة أيام الأسبوع الماضي لاستكشاف السياسة السعودية تجاه الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والنهج السعودي للتوصل إلى صفقة كبرى مع الولايات المتحدة.
وقبل حرب الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت تُجرى محادثات بين الرياض وتل أبيب وواشنطن لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل التي تواصل احتلال أراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان منذ عقود.
ومقابل التطبيع مع إسرائيل، ترغب السعودية في توقيع معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة والحصول على أسلحة أكثر تطورا وتشغيل دورة وقود نووي كاملة، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم داخل المملكة، بالإضافة إلى التزامات إسرائيلية نحو إقامة دولة فلسطينية.
كوبشان تابع: "التقيت (في السعودية) بمسؤولين حكوميين وقادة مؤسسات بحثية وأعضاء من القطاع الخاص، وكان التعاطف والدعم للشعب الفلسطيني قويين ومنتشرين في كل مكان، لكنني سمعت أيضا دعما واسع النطاق للصفقة الكبرى مع واشنطن، والتي من شأنها أن توفر للرياض الحماية".
وأردف: "أدرك المحاورون السعوديون أن توقيت الصفقة تعرض لانتكاسة كبيرة بسبب الحرب في غزة، وإذا تمت الصفقة فستكون خلال ولاية (الرئيس الأمريكي جو) بايدن الثانية (بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) أو رئاسة (دونالد) ترامب، وسمعت أيضا أن المحادثات مع الولايات المتحدة مستمرة، ولكن بوتيرة أبطأ بكثير".
واستطرد: كما يرون أن هذه الصفقة "ستكون مستحيلة في ظل حكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، وأعتقد معظمهم أن حكومة بقيادة بيني غانتس ستكون أفضل قليلا، وكان هناك اعتقاد بأن التوصل إلى اتفاق بشأن القضية الفلسطينية أمر بعيد المنال، حتى على المدى المتوسط".
اقرأ أيضاً
السعودية: التطبيع مع إسرائيل ما زال مطروحا بشرط
خياران جيدان
"القيادة السعودية أمام خيارين جيدين، فإما أن تستمر في السياسة الحالية وتحاول الدخول في نظام التحالف الأمريكي أو أن تتبع مسارا كدولة متأرجحة صاعدة دون التزام أمني من الولايات المتحدة"، كما أضاف كوبشان.
وتابع: "قدمت هذه الرؤية إلى منتديات خاصة عديدة أثناء وجودي في الرياض، وتم الترحيب بها باهتمام كبير، وفي حالات قليلة، قيل لي إن هذه الخيارات تتم مناقشتها بهدوء وبشكل غير رسمي.. لكن اختلف آخرون، معتبرين أن نظام الأمن الأمريكي أفضل بكثير".
وأوضح: "قلت إن بعض الدول في الجنوب العالمي، الأعضاء في مجموعة العشرين، وبينها السعودية، تتمتع بثقل جيوسياسي وآخذة في الصعود، وهي دول تمتع بقوة أكبر من أي وقت مضى منذ عام 1945 (نهاية الحرب العالمية الثانية)".
واستطرد: "فهي تستفيد في عصر تراجع العولمة من وضعها كقوى إقليمية، ويمكنها تعزيز مصالحها من خلال تأليب الولايات المتحدة والصين ضد بعضهما البعض، ومن هنا يتم تصنيفها كدول متأرجحة".
كوبشان اعتبر أن "الميزة الواضحة للسعي وراء صفقة كبرى هي أنها توفر إمكانية الحماية الأمريكية، إذ تواجه السعودية تهديدا مستمرا من إيران ووكيلها (جماعة) الحوثي (في اليمن المجاور للمملكة)، والمخاطر الأمنية العامة الكامنة في منطقة خطيرة".
وزاد بأنه "من المرجح أن يسمح الضمان الأمني الموثوق به من الولايات المتحدة للحكومة السعودية بالتركيز بشكل أفضل على رؤية 2030 (التنموية) وأجندتها المحلية".
اقرأ أيضاً
ستراتفور: حرب غزة أعادت أهمية القضية الفلسطينية.. وعقدت جهود التطبيع السعودية
النموذج التركي
في الواقع، بحسب كوبشان، "تسعى الرياض إلى الحصول على نسخة من النموذج التركي للعلاقات الأمنية مع واشنطن، والتي تجمع بين مكانة الدولة المتأرجحة الصاعدة والضمانات الأمريكية الرسمية".
وبيَّن أن "أنقرة تحاول توسيع نموذج الانحياز الأمريكي للحصول على مزيد من استقلال في السياسة الخارجية. وقد تكون نسخة من هذا النموذج هي الخيار الأفضل للمملكة، على الرغم من أن لها عيوب".
و"باعتبارها عضوا قديما في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، سعت تركيا إلى تقليص اعتمادها الأمني على الولايات المتحدة وتأمين وضع دفاعي أكثر استقلالية على مدى العقد الماضي"، كما أضاف كوبشان.
ولفت إلى أنه "بناء على ذلك، اشترت أنقرة (مظومة الدفاع الجوي) إس-400 من روسيا وهاجمت شركاء الولايات المتحدة في سوريا، وهي تحركات أثارت توترات مع واشنطن، ففرضت عقوبات على كيانات تركية وأدت إلى تآكل رأس المال السياسي لأنقرة في واشنطن".
وشدد شوبكان على أن "هذه الديناميكيات تسلط الضوء على مخاطر النموذج التركي: فقد يأتي بنتائج عكسية إذا اعتبرت واشنطن أنه يقلل من مصداقية الضمانات الأمريكية".
واستدرك: "لكن النسخة السعودية ستعمل بشكل مختلف، وستكون الفجوات مع واشنطن على الجانب السياسي أكثر بكثير، مثل الحرب في غزة والمبيعات العسكرية. ومع ذلك، فإن خطر الفشل سيكون مماثلا".
اقرأ أيضاً
مودرن دبلوماسي: السعودية مصممة على اتفاقية دفاع مع أمريكا حتى لو فشل التطبيع
المصدر | كليف كوبشان/ ناشونال إنترست- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العلاقة أمريكا السعودية تحالف ضمانات أمنية مع الولایات المتحدة مع واشنطن
إقرأ أيضاً:
أكاديمي فرنسي: الأمل أيضا قد يقتل في غزة
يعتقد الأستاذ الجامعي جان بيير فيليو -في عموده بصحيفة لوموند- أن المدنيين الذين أنهكتهم حرب لا ترحم، دامت أكثر من 15 شهرا في قطاع غزة، قد يشعرون بخيبة أمل كبيرة في حال عدم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وأوضح الأكاديمي الفرنسي أن العالم تخلى عن أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة، وتركهم في حرب مروعة، قتل فيها ما معدله 100 شخص يوميا، مع أن الرقم 47 ألف قتيل المعلن لا يشمل عشرات الآلاف ممن دفنوا تحت الأنقاض، ولا الضحايا غير المباشرين الذين قتلتهم الأمراض وظروف البقاء المروعة وانعدام الرعاية الصحية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2يديعوت أحرونوت: 4 خيارات لحكم غزة بعد انتهاء الحربlist 2 of 2كاتبة فرنسية: تحقق تنبؤات قديمة للاستخبارات الأميركية بشكل العالم في 2025end of listوكان الأكثر ضعفا هم النازحون الذين أجبروا مرات على التخلي عن كل شيء، ليتكدس أكثر من مليون منهم في "المنطقة الإنسانية" الضيقة التي حددتها إسرائيل على ساحل المواصي، ولكنها لم تسلم من قصفها، إذ قتل فيها أكثر من 550 شخصا في نحو 100 غارة خلال 8 أشهر.
صدمة العودة
أمضيت للتو أكثر من شهر في هذه المنطقة المعزولة داخل المنطقة التي تسمى "المنطقة الإنسانية" -كما يقول أستاذ العلوم السياسية- وعشت الشهر الأخير من الأعمال العدائية والأيام الأولى للهدنة الهشة هناك، وما زلت لا أفهم من أين حصل هؤلاء المهجورون على ما يكفي من الطاقة للخوض في كل هذه التجارب، وتحمل كل هذا الألم، والتغلب على كل هذا الحزن.
إعلانولكنني أعلم أن هذه الحشود المنكوبة قد استنفدت احتياطياتها وأنها صمدت فقط على أمل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، والعودة إلى ديارهم واستعادة شكل من أشكال الحياة الطبيعية، وليس هناك سبب لهذه الموجات البشرية التي تسير نحو ما كان ذات يوم موطنها، إلا الأمل، ولكن الأمل يمكن أن يصبح السلاح الأكثر فعالية ضد شعب هرب من الحديد والنار، خاصة عندما يصدم هؤلاء اليائسون عند العودة بواقع مدمر بعد وقف عمليات القتل اليومية.
والطريقة الوحيدة للتغلب على مثل هذه الصدمة، عندما يقف الشخص أمام أنقاض منزله وأشلاء أقاربه، ويكتشف حجم الكارثة المرعب، هي أن نتمكن من إعادة بناء أنفسنا وأسرنا من خلال إعادة بناء ما فقدناه بالتدريج، ولكن أهل غزة حرمهم العالم الذي تخلى عنهم من هذا البلسم بعد أن لم يبق في غزة شيء على الإطلاق.
هدنة من ورقصحيح أن هناك هذه الهدنة الهشة المثيرة للقلق -كما يقول الكاتب- وقد قتل 122 شخصا بعد الإعلان عنها وقبل بدء تنفيذها، وشهدت أول أزمة خطيرة أسبوعها الثاني، عندما قررت حكومة إسرائيل تأجيل عودة النازحين إلى شمال القطاع 48 ساعة، مما يعني أنها معرضة لخطر الانهيار في أي لحظة لأنها لا تستند إلى المبادئ الأساسية للقانون الإنساني، وليس "لضامنيها" الثلاثة، الولايات المتحدة ومصر وقطر، وجود على الأرض.
ولكي تتطور هذه الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار بعد 3 أشهر، يتطلب الأمر التزاما كبيرا من جانب المجتمع الدولي، لا ينبغي اختصاره في إرسال بضع مئات من الشاحنات المحملة بالمساعدات يوميا، لأن سكان غزة الذين يواجهون خطرا مدمرا من تجدد الأعمال العدائية، سيضطرون إلى العودة إلى سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وخلص الكاتب إلى أن على المجتمع الدولي أن يساعد هذه الجماهير العاجزة بشكل دائم الآن وبأسرع وقت ممكن، من خلال تقديم 10 أو 100 شاحنة أخرى، ومنظور لائق للمستقبل، في إطار حل الدولتين الذي أصبحت خطوطه العريضة معروفة منذ عقدين من الزمن، وإلا فإن دائرة المواجهات ستستأنف حتما بين إسرائيل وحماس دون أدنى شك.
إعلانوهذه هي الدائرة المفرغة من الحرب من أجل الحرب، هي ما يتعين على الأصدقاء الحقيقيين للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني أن يتحلوا بالشجاعة اللازمة لكسرها، وإلا فإن الأمل هو الذي سوف يأتي ليقتل في غزة.