جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-06@05:23:28 GMT

إسقاط القدوات وتحديات التنشئة

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

إسقاط القدوات وتحديات التنشئة

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

هناك مقولة شهيرة ومتداولة على نطاق واسع تقول: "إذا أردت أن تهدم حضارة أمة، فهناك وسائل ثلاث: اهدم الأسرة، اهدم التعليم، إسقاط القدوات، ولكي تسقط القدوات عليك بالعلماء، اطعن فيهم، شكك فيهم، قلل من شأنهم، حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد".

إنَّ التربية بالقدوة هي أحد أساليب التربية وتنشئة الأجيال، وتهتم المجتمعات كثيراً بصنع نماذج لشخصيات اجتماعية؛ سواء كانت رموزا سياسية وطنية أو دينية أو علمية أو فنية أو رياضية أو غيرها من المجالات، حتى تكون أمثلة تحتذي بها الأجيال القادمة، وتقتدي بها، في محاولة للوصول لمستواها المتميز من البذل والعطاء والتحلي بالصفات التي تحملها هذه النماذج، خاصة على مستوى القيم الاجتماعية والسلوك السوي.

إنَّ هوية المجتمعات تتشكل بما تملكه من قدوات، وما تنهجه من أساليب في التنشئة الحديثة، لذلك وعبر التاريخ اهتمت الحضارات بهذا الجانب، وقد سعت المجتمعات لإبراز ما يميزها من شخصيات مؤثرة، فعلى سبيل المثال ما إن تذكر الحضارة اليونانية إلا ويتبادر للذهن عصر الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو وسقراط، والحال ذاتها عندما نذكر عصور ما قبل الإسلام  حيث يبرز الشعراء كالمتنبي وامرئ القيس وعمرو بن كلثوم وغيرهم، وفي عهود الإسلام يبرز العلماء والمجددون في الفكر الإسلامي، وهكذا الحال على مر العصور.

وفي مجتمعاتنا العربية، ومن المؤسف أن نشاهد من يتطاول على القدوات للدرجة التي تصل به إلى محاولة التشكيك في قيمتها ومكانتها العلمية والاجتماعية، وهذا الفعل مرده إلى الفهم السطحي لمعنى حرية التعبير عن الراي، وعدم إدراك الفرد لحقيقة مستواه الفكري، فيظن أنه بمجرد قراءاته لعدد من الكتب وتفرده بتخصص معين أنه أصبح متمكناً وقادراً على نقد العلماء الراسخين في العلم، بل إن أكثر من يقوم بهذا الفعل ينطلق من سوء تقديره لمفهوم الصراحة وخلطه بينها وبين الوقاحة وانعدام اللباقة.

ومن البديهي أن كل رأي قابل للصحة والخطأ وهذ حقيقة علمية ثابتة وأن النقد ديدن العلم، وأن التمحيص في كل ما يرد للإنسان هو منفذه لقبول السمين وتجنب الغث، لكن بشرط أن يمارس كل ذلك وفق أدبياته وأصوله ومنطلقاته وآلياته، وأن يمارسه من هو أهل لذلك حتى لا يكون الهدف منه زرع الشك في نفوس الناشئة، وتضليل الناس حول هذه الشخصية الاجتماعية، وإفقاد المجتمع أحد أهم أساليب التربية الحديثة؛ وبالتالي الوصول إلى مرحلة من البحث عن نماذج بديلة وقوالب تناسب الفراغ الذهني الذي يتركه مثل هذا السلوك.

وفي الوقت الحالي، بدت عملية إسقاط القدوات الممنهجة سهلة للغاية في ظل توافر العديد من العوامل المساعدة، كضعف مؤسسات التعليم، وقصور دور المؤسسات المجتمعية التربوية مثل الأسرة والمسجد، وانشغال المربين بالحياة والأعمال، والاستعانة ببدائل المربين مثل العاملات المنزلية ودور الحضانة، والأسوأ من هذا كله هو توافر الوسائل لنشر هذه الأفكار ورواجها وسهولة الحصول عليها، وأقصد هنا وسائل التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.

لقد قدمت هذه الوسائل خدمة جليلة لأصحاب الأفكار الهدامة، والذين يسعون لإفساد النشء من خلال إسقاط القدوات، وعندما نرى أن مساحة صوتية في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي تسفه رأي عالم جليل، فعلينا أن ندرك أن الهدف ليس مجرد حرية التعبير عن الرأي وطرح ومناقشة الأفكار، وإنما الهدف أكبر من ذلك بكثير، وعلينا أن نعي أن من يقوم بهذا الفعل لديه أجندة محددة للوصول بالمجتمع إلى أدنى مراحل المحافظة على القيم التي يتمتع بها أفراده.

وفي المقابل، نرى أن النماذج السيئة تظهر على السطح ويتم الترويج لها بشكل يثير الريبة والدهشة، وتتصدر المشهد في وضع مريب يجعلك تتساءل عن أسباب ذلك، ولماذا يحاول البعض إظهار المجتمع من خلال هؤلاء الأفراد الذين لا يملكون فكراً ولا محتوى هادفا ولا معرفة علمية ولا قيما يمكن الاعتداد بها لصناعة جيل يواجه تحديات المستقبل، بل إن بعض هذه النماذج وصلت بها الحال إلى اعتبارها أحد عوامل هدم القيم المجتمعية وتقويض بناء الاسرة ومصدر للسلوك السيئ.

علينا كمسؤولين عن تربية النشء الانتباه جيداً وقراءة الأحداث التي تمر علينا يومياً قراءة تحليلية فاحصة، فلكل سلوك سبب ظاهر وسبب مخفي، والمسؤولية تلزمنا بأن نقف في وجه من يحاول إسقاط القدوات لأن ذلك سوف يعود أثره علينا جميعاً، وأن نتصدى لمحاولة صناعة نماذج سيئة وتقديمها كقدوات لأبنائنا وبناتنا، والله من وراء القصد.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من الهزيمة العسكرية إلى صناعة الكذب .. السعودية تحاول إسقاط اليمن إعلامياً

في الوقت الذي تبدو فيه المنطقة العربية غارقة في مشاريع التطبيع والتحالفات الجديدة، تشهد الساحة اليمنية تصعيداً خفياً ومتصلاً في الخطاب الإعلامي والسياسي الذي تقوده السعودية ضد مشروع المسيرة القرآنية، يصف مراقبون هذا التصعيد بأنه جزء من مخطط متكامل يستهدف اليمن على المستويين العسكري والفكري، بعدما فشلت الرياض في تحقيق أهدافها ميدانياً خلال سنوات العدوان، فتحوّلت إلى استخدام الإعلام والدعاية وحرب الأفكار لإضعاف البنية الفكرية والسياسية للمشروع القرآني.

يمانيون / تقرير / خاص

 

من العدوان العسكري إلى العدوان الناعم

بدأ التدخّل العسكري السعودي في اليمن عام 2015 لإعادة ما يسمى الشرعية ،  لكنّ النتائج الميدانية جاءت معاكسة لتطلعات تحالف العدوان، فبعد نحو عقد من هذا العدوان الغاشم، لم تستطع السعودية حسم عدوانها عسكرياً، بينما تكرّس وجود مشروع المسيرة القرآنية، في اليمن وخصوصاً المحافظات الحرة، مُكتسباً شرعيةً اجتماعية وشعبية واسعة.

هذا التحوّل الميداني دفع الرياض، إلى التحوّل نحو أدوات غير تقليدية، الحرب النفسية، التضليل الإعلامي، اختراق النسيج الاجتماعي، والضغط الاقتصادي، وكلها تصبّ في هدفٍ واحد، تحجيم مشروع المسيرة القرآنية وتجريده من حاضنته الشعبية والفكرية.

 

المسيرة القرآنية .. مشروع الوعي المقاوم 

مشروع المسيرة القرآنية هو منهج بنيوي لإصلاح الأمة وتوجيه طريقها نحو العزة والكرامة والاستقلال يستمد كل موجهاته على كافة المستويات الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية من القرآن الكريم كمرجعية شاملة، رافضاً التبعية للخارج، ومناهضاً للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
أما في الإعلام السعودي، فيُقدَّم المشروع على النقيض تماماً، بأنه كيانٌ متطرّفٌ مرتبط بإيران، يُهدد استقرار المنطقة.
الفارق بين الخطابين ليس مجرد اختلاف في التوصيف، بل هو صراع سرديات يعكس جوهر المواجهة بين مشروعين:

مشروع يعتمد على الوعي الشعبي والهوية الدينية المقاومة،

ومشروع يسعى إلى تطويع المنطقة ضمن تحالفات أمريكية – إسرائيلية – خليجية.

 

أدوات المخطط السعودي

الإعلام كسلاح رئيسي ، خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت الحملات الإعلامية الموجّهة من منصات سعودية ضد صنعاء والمشروع القرآني.

القنوات الفضائية السعودية مثل العربية والحدث خصصت مساحات يومية لتقارير تُصوّر المشروع كتهديد إرهابي، في المقابل، أطلقت الرياض عبر منصات التواصل حملات رقمية منسقة استخدمت وسوماً مثل: خطر_الحوثي وإيران_تحتل_اليمن، لإثارة الذعر الإقليمي وتبرير استمرار العدوان.

يقول أحد المحللين أن السعودية فشلت في كسب المعركة على الأرض، لذلك انتقلت إلى معركة تزييف الوعي، وأصبح الإعلام صاروخاً موجهاً، يهدف لتجريد المسيرة القرآنية من بعدها الديني والوطني.

 

التضليل والتشويه الممنهج

تتّبع الآلة الإعلامية السعودية استراتيجية تقوم على إعادة إنتاج الأكاذيب بشكل دوري، ترويج أخبار مزعومة عن انقسامات داخل صنعاء، ونشر تقارير مجهولة المصدر حول صراعات داخل البنية القيادية للمسيرة، والتركيز على شماعة التدخل الإيراني كحجة دائمة لتشويه المشروع.

بحسب تحليل أعدّه مركز إعلامي مستقل في صنعاء عام 2024، فإن أكثر من 60% من الأخبار المتعلقة باليمن في وسائل سعودية تحمل طابعاً تضليلياً أو دعائياً، وتستند إلى مصادر مجهولة أو تقارير من مواقع مشبوهة.

 

الحصار الاقتصادي كسلاح سياسي

في موازاة الحرب الإعلامية، تستخدم السعودية الاقتصاد كسلاحٍ في معركتها ضد اليمن، من إغلاق المنافذ، وتجميد الموانئ، وتعطيل تصاريح الشحن، كلها أدوات ضغط تهدف إلى إضعاف قدرة المشروع القرآني على إدارة مؤسسات الدولة وتلبية احتياجات المواطنين، وبالتالي خلق تذمّر شعبي من الداخل.

لكن الواقع أظهر أن هذا الضغط الاقتصادي لم يُضعف تماسك المجتمع اليمني بقدر ما كشف الطابع العقابي للحصار العدواني، وجعل الخطاب الذي يفضح مخططات السعودية أكثر حضوراً بين الناس.

 

الاختراق الثقافي والديني

تعمل مؤسسات دينية سعودية على إعادة إنتاج خطاب ديني رسمي يُشيطن المشروع القرآني ويصفه بالانحراف المذهبي.
ويؤكد باحثون يمنيون أن هذه الخطابات تُضخ في المناهج التعليمية والخطاب الإعلامي الخليجي ضمن حرب هويةٍ طويلة المدى تستهدف وعي الأجيال الجديدة في اليمن والمنطقة.

 

قائد المشروع القرآني في اليمن ممثلاً بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، يرى أن هذه الحملات ليست سوى امتدادٍ لمخطط صهيوني _ أمريكي تقوده السعودية في المنطقة.
وقد أكد في معرض خطاباته الموجهة للسعودية التي اشتملت على النصح للسعودية وكشف خلفيات تحركاتها العدوانية بأن العدو حين عجز عن إسقاط صنعاء بالقنابل، حاول إسقاطها بالدعاية، لكن الوعي القرآني أقوى من كل حملاتهم.

في المقابل، يرى محللون أن من الضرورة كسر احتكار الصورة، وتوثيق الأكاذيب إعلامياً، عبر إنشاء منصات تحقق مستقلة تعمل على كشف التضليل وإعادة سرد الحقائق بموضوعية.

 

البعد الإقليمي .. اليمن بين مشروعين

يُجمع المحللون على أن السعودية تسعى إلى تحييد أي نموذج مقاوم يمكن أن يشكّل خطراً فكرياً يهزم منهجها الفكري أو يؤثر فيه على المستوى الإقليمي، وشحذت كل إمكاناتها وسخرتها لعداء كل مشروع يشكل خطراً فكرياً على منهجها الذي بدأ يتكشف خطره في كل الدول العربية والإسلامية .
في المقابل، يواصل مشروع المسيرة القرآنية رفع شعارات التحرّر من الهيمنة والتطبيع، ما يجعله في مواجهة مباشرة مع المخطط الأمريكي – الصهيوني الذي تتبنّاه بعض الأنظمة الخليجية.

 

أخيراً ..

يبدو أن السعودية لم تتخلّ عن هدفها الاستراتيجي في تفكيك الوعي اليمني المقاوم، لكنها غيّرت الوسيلة، من القصف إلى الكلمة، ومن الصاروخ إلى الشائعة والتضليل.
ومع كل حملة دعائية جديدة، تتكشف الحقائق في حقيقة نوايا مملكة الشر، سواءً في داخل الشارع اليمني أو العربي، ولن تنجح الرياض في إسقاط المشروع القرآني ، بالحرب الإعلامية بعد أن فشلت في الحرب العسكرية
أما المشروع القرآني، فقد تَشكّل من رحم المعاناة والحصار، ووقف وحيداً في مواجهة قوى الاستكبار العالمي وسيواصل انتصاره وتوسعه بصفته مشروعاً للتحرر والإحياء القرآني في وجه الهيمنة

مقالات مشابهة

  • عمر الدرعي: «الأمن الفكري» يبدأ من التنشئة السوية
  • مدير تعليم القليوبية يعقد اجتماعًا موسعا لمناقشة مستجدات وتحديات التعليم الخاص
  • جامعة القاهرة الأهلية تناقش فرص وتحديات الأمن السيبراني فى عصر الذكاء الاصطناعى
  • البايرن يعزز أرقامه القياسية في رحلة إسقاط البطل
  • محافظ شمال سيناء: 168 عملية إسقاط جوي للمساعدات نُفذت قبل اتفاق شرم الشيخ
  • محافظ شمال سيناء: تنفيذ 168 عملية إسقاط جوي للمساعدات في غزة قبل اتفاق شرم الشيخ
  • روسيا تعلن إسقاط 85 مسيّرة وتقرير يكشف تقدمها في شرق أوكرانيا
  • الدفاع الروسية: إسقاط 85 طائرة مسيرة أوكرانية فوق مناطق عدة خلال الليلة الماضية
  • من الهزيمة العسكرية إلى صناعة الكذب .. السعودية تحاول إسقاط اليمن إعلامياً
  • مجلس الشعب السوري.. بين صراع التأسيس وتحديات الحكم الانتقالي