علِّمُوهم.. إنها فلسطين!
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
حاتم الطائي
◄ "طوفان الأقصى" نقطة تحوُّل تاريخية في مسار انتزاع الحق الفلسطيني من طغاة الأرض
◄ الاحتلال يواصل المذابح بالأسلحة المُحرَّمة دوليا لتنفيذ مخطط التطهير العرقي
◄ الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية يؤكد أن النصر قادم لا محالة
لم تكن الملحمة التاريخية "طوفان الأقصى" في صبيحة السابع من أكتوبر المجيد لعام 2023، مجرد عملية نوعية تفرّدت بها المقاومة الفلسطينية وحققت من خلالها نصرًا مظفرًا على العدو الصهيوني، وجعلته يتجرع مُرّ الهزيمة النكراء، لكنها أيضًا مثلت نقطة تحول تاريخية وغير مسبوقة في مسار الحق الفلسطيني الذي لا يقبل المساومة أو التفاوض، الحق في الأرض، والحق في إقامة الدولة المستقلة على كامل التراب الوطني، والحق في العودة، والحق في إطلاق سراح الأسرى.
ومع رفض العدو الإسرائيلي الغاشم، تمديد الهدنة وتنفيذ وقف دائم لإطلاق النار، عاود ممارسة جرائمه البشعة؛ فبمجرد انقضاء الهدنة، سارع بإطلاق القذائف وإسقاط الصواريخ، وللأسف هذه المرة بقنابل شديدة التدمير، محرّمة دوليًّا، ومنها القنابل الخارقة للتحصينات، وهي قنابل من نوع BLU-109، أرسلت الولايات المتحدة منها 100 قنبلة على الأقل، وهي قنابل خارقة للتحصينات تزن الواحدة منها 2000 رطل، مما يؤكد الضلوع الأمريكي في المذابح التي يرتكبها الاحتلال، ويُثبت مدى الضرورة القصوى لتقديم كل من تورط في هذه المذابح وهذا التطهير العرقي بحق شعب فلسطين الأعزل، للمحكمة الجنائية الدولية.
لكن ورغم ما سبق، نستطيع القول إن المقاومة الفلسطينية وبصمودها الأسطوري، وشجعاتها في خوض المعارك، وفي المقدمة معركة السابع من أكتوبر المجيدة، وهي درة تاج المقاومة وأم المعارك الفلسطينية البطولية، فقد نجحت في إنهاء عقود من التنازل المستمر دون مقابل، فبينما كانت الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب، يلوّحون بـ"جزرة السلام"، كان الكيان الإسرائيلي المُستعمِر يضرب بعصاه الغليظة في كل الأراضي الفلسطينية، غير مكترث بأي مسار تفاوضي؛ بل أمعن في تَسُلُّطِهِ وعَنْجَهِيَّتِهِ، ضاربًا عرض الحائط بالمواثيق الدولية والقانون الإنساني العالمي، مُتجاهِلًا تمامًا قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة وحتى الاتفاقيات التي وقعها وكانت مُلزمة عليه.. بينما كان الشعب الفلسطيني الذي يعاني الظلم الفادح منذ أكثر من 75 عامًا، يبكي شهداءَه يومًا بعد الآخر، ويُلملم جراحه علّه يتجاوز المحن والنكبات. إلّا أنه في ظل هذه المعاناة، أظهر بسالةً منقطعة النظير، فتحمّل ويلات الاحتلال البغيض، وصَبَرَ على الأذى الشديد الذي لحق به، بينما أرضه تُغتَصَب منه، ومنازله تُهدَم أمام عينيه، ويُزج بهم خلف قضبان السجون أسرى لدى الاحتلال اللعين، انتقامًا من المحتل لشجاعتهم ونضالهم الشريف.
ولكن.. وبعد طوفان الأقصى، تغيرت الآية، وتبدلت المعادلة، وانقلبت الموازين، لتستقيم على حقيقتها، فظهر لنا هذا الجيش الاحتلالي الاستعماري البربري في أضعف صوره، والتي تبيّن بعد ذلك أنها الصورة الطبيعية له، فهو جيش أوهن من بيت العنكبوت، وأضعف مما كُنا نعتقد، فهذا الجيش لا يحتاج لجيش مثله لإلحاق الهزيمة به، بل فقط لعشرات أو مئات المقاتلين الأشداء، أمثال أبطال كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس وغيرهم من الفرسان النبلاء الذين ركع أمامهم جنود الاحتلال وسقطوا بكل سهولة أسرى في أيديهم.
لذلك نقول بأعلى صوت ومن أعماق القلب.. عَلِّمُوا أولادكم وكل إنسان حُر في هذا العالم، أن الاحتلال الصهيوني هو أضعف جيش في العالم، وأن الكيان الإسرائيلي ليس سوى مجموعة من المرتزقة والعصابات الإجرامية والميليشيات الجبانة، تستهدف العُزل والمدنيين، وتخشى وتخاف من مواجهة أي بطل من أبطال المقاومة، وأن هذا الاحتلال الصهيوني هو الوجه الآخر للاستعمار الإمبريالي الغربي، لكنه هذه المرة استعمار سُكَّاني، يسعى لاقتلاع الإنسان صاحب الأرض من جذوره التي تعلق بها، على مر التاريخ، ويمارس تطهيرًا عرقيًا غير مسبوق.
علّموهُم أن فلسطين أرض عربية منذ فجر التاريخ، مهما تعاقب عليها سكانوها، وأن الشعب الفلسطيني المناضل صاحب هذه الأرض دون سواه، وأن الحق الفلسطيني لا يموت.
علّموهُم أن القدس مدينة السلام، أرض فلسطينية عاش الأجداد فيها قرنًا وراء قرن، وهي مسرى النبي محمد، ومهد النبي عيسى، وكانت وستظل الأرض المقدسة التي بارك الله حولها.
علّموهُم أن المقاومة ليست إرهابًا؛ بل هي حق مشروع لاستعادة الأرض والدفاع عن العرض والشرف، وأن المقاومين "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".
علّموهُم أن غزة هي أرض العزة والاستبسال، منبع الكرامة، ومصنع الرجال.. هي الشوكة الحادة في خاصرة العدو، وهي الأرض العصيّة على الاحتلال، مهما تكالب عليها العدو البربري الغاشم، ومهما أمطر عليها عشرات الأطنان من المتفجرات، ومهما هددتها حاملات الطائرات العملاقة أو الغواصات النووية العابرة للمحيطات والبحار.. ستظل غزة أبيّة حُرّة أبد الدهر.
علّموهُم أن المقاطعة الاقتصادية بمثابة سكين حادة في قلب الاستعمار الغربي والرأسمالية الجشعة، وأن التصنيع الوطني هو طوق النجاة ووسيلة الانعتاق من هيمنة المُستعمِر القديم الجديد.
علّموهُم أن الشعوب الحرّة تخرجُ في الشوارع لنُصرة الحق، حتى ولو ضد حكوماتها وأنظمتها، وأن الحرية لا تُقدّر بثمن. وما المسيرات المليونية التي اجتاحت العالم سوى صورة بهية عكست صحوة الضمير العالمي، الذي ظن المجرمون أنهم لن يهُبُّوا لنجدة إخوة الإنسانية.
علّموهُم أن الإنسان للإنسان سندٌ وعضدٌ، وأن القيم الإنسانية تتخطى حدود العقيدة والعرق والانتماء، وأن الدفاع عن حق الإنسان في الحياة، سلوك نبيل وتصرف راقٍ، فلا يُشترط أن تكون من نفس الديانة أو العرق أو الأرض، كي تدافع عن المظلوم، أو تُندد بالظالم وتُطالب بمعاقبته. فقط يجب أن تكون إنسانًا وحسب.
علّموهُم أن شعب عُمان الأبي كان وما زال وسيظل خير داعم للقضية الفلسطينية، وما المظاهرات العفوية التي خرجت بالآلاف في أنحاء وطننا العزيز، إلّا تعبير صادق عن هذا الدعم وتلك المؤازرة.
علّموهُم أن الدبلوماسية العُمانية لم يهدأ لها بال، ولن يهدأ، قبل أن تعود الحقوق لأصحابها، وأن السياسة الخارجية لعُمان كانت واضحة وجلية لا تقبل التأويل ولا التفسير، وأنها منذ اليوم الأول عكست المشاعر العروبية الأصيلة مصداقًا لـ"أوفياء من كرامِ العربِ"، وأنها كانت الأشد وطأة على العدو، في بياناتها ودعمها ومؤازرتها.
علّموهُم أن عُمان هي الدولة الأولى في العالم التي دعت إلى تقديم قادة الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبتهم على جرائمهم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية التي مارسها هذا الاحتلال الهجمي المتوحش.
علّموهُم أن الحقَ أحقُّ أنْ يُتَّبَع، وألّا نخشى في الله لومة لائم، وأن نقول الحق ولو على رقابنا، وأن نصدح به في كل المحافل، محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ولا حقَ أحق من القضية الفلسطينية، فهي القضية التي تأبى النسيان، وترفض الزوال، وتُعاند المحو المُتعمّد من الذاكرة.
علّموهُم أن فلسطين ستظل في قلب كل عُماني وعربي وكل شريف يعيش على ظهر هذا الكوكب، وأن فلسطين هي قضية الإنسانية في المقام الأول والأخير، والدفاع عنها دفاع عن الإنسان وحقه في الحياة الكريمة، دون ذل أو هوان أو خذلان.
علّموهُم أن الدفاع عن المقدسات هو الشرف الأول الذي ليس فوقه شرف، وهو الواجب المُقدس الذي لا يقبل التخلِّي عنه أو التنكُّر له.
علّموهُم أن "طوفان الأقصى" قد كشف عورات دُعاة الديمقراطية والذين يزعمون الدفاع عن حقوق الإنسان، وأن الإعلام الغربي قد وقع في مُستنقع العار والخسة والنذالة، بعدما تبنّى الأكاذيب الصهيونية على أنها حقائق دامغة لا تقبل الطعن، وأن هذا الإعلام الغربي كان سببًا في تغييب العقول في مناطق عدة حول العالم، لكنه ما لبث أن افتضح أمره وانكشف ستره، وأدرك مئات الملايين حول العالم حقيقة الاحتلال الإسرائيلي الدموي العنصري المُجرِم.
علّموهُم أننا سنظل نصدح بالحق في كل مكان وبأعلى صوت، وسنحرص على أن تصل كلماتنا إلى كل بقاع الأرض، صوتًا وصورةً وكتابةً، ولن تحدنا حدود، ولن يحول بيننا وبين مناصرة فلسطين أي مانع.
تحيا فلسطين.. تحيا الإنسانية!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين: تفنيد مزاعم تاريخية وقانونية على ضوء وثائق بريطانية
متذرّعًا بمجموعة من المبررات الواهية، التي تستدعي تحليلاً موضوعياً وتفنيداً منهجياً، نحاول الإضاءة عليها بقدر الإمكان وفق الحقائق التاريخية المعروفة والحوادث المشهورة، وبالاستفادة مما كشف عنه مؤخّراً من المعلومات المُستقاة من وثائق الأرشيف البريطاني في مرحلة احتلاله فلسطين.
يهمنا هنا أن نشير إلى أنّ هذا التحليل المعمق يؤكد أن النكبة الفلسطينية ليست محنة الشعب الفلسطيني وحده، ولا هي حدث تاريخي عابر، بل مشروع استعماري تقف خلفه وتدعمه وتشترك معه الحركة الصهيونية في العالم بأكمله، لتحقيق أهداف جرى تحويلها إلى عقائد أيديولوجية تمثل الدافع الديني لهذا النشاط الاستيطاني الأخطر في التاريخ الحديث وبما يُفضي في النهاية إلى تحقيق وإيجاد مشروع “إسرائيل الكبرى”، وهو في المقابل ما يفترض أن يستفز ويستنفر الأطراف الأخرى المستهدفة (أصحاب الأرض والقضية) ويوجب عليهم إجراء مراجعة جذرية وواسعة تؤسس لتعبئة شاملة ليس على المستوى السياسي وحسب بل والقانونية والثقافية والأهم أنها تعمل إسناداً لجبهة عسكرية قوية ومقتدرة ومواكبة لأحدث الوسائل القتالية المعاصرة.
الجريمة المنظمة: تشريح الدور البريطاني والتواطؤ العربي في اغتصاب فلسطين
دراسة توثيقية في ضوء الوثائق البريطانية
تكشف الوثائق البريطانية (F.O The National Archives) حقائق صادمة تُعري المؤامرة الكبرى التي حيكت لاغتصاب فلسطين. هذه الوثائق لا تكشف فقط عن الدور البريطاني المتواطئ، بل تفضح أيضاً عمق التآمر العربي الرسمي في بدايات تأسيس الكيان الغاصب وتدحض بشكل قاطع المزاعم الصهيونية القائمة على مجموعة ادعاءات نحاول عرضها بإيجاز على منطق القانون الدولي، فقط من باب التوعية والتذكير وإلا فالحق الفلسطيني والباطل الصهيوني أوضح وأجلى من الشمس في كبد السماء:
الوثائق البريطانية – شهادة تاريخية على الجريمة:
من أهم ما جاء في الوثائق البريطانية (F.O The National Archives) التي تعود لما قبل النكبة والتخطيط لاحتلال فلسطين قد يكون بعضها معروفاً لدى الكثير من الباحثين والمؤرّخين إلا أن هناك كثيراً من هذه الوثائق لا تزال طي الكتمان لكونها تشكل خطراً وتهدد الأمن بما فيها المتآمرين والحلفاء والمتعاونين، إليكم بعض الحقائق الصادمة مختصرة مما ورد فيها وهي كفيلة بتفنيد كثير من المزاعم الصهيونية لاحتلال فلسطين:
1. جميع المعارك التي خاضها الفلسطينيون أثناء النكبة انتصروا فيها، ولكن ذخيرتهم كانت تنفد من بين أيديهم، أو يتدخل الجيش البريطاني لينقذ إسرائيليين محاصرين، فينقلب الوضع.
2. الأماكن التي سيطر عليها الفلسطينيون، والأسلحة التي استولوا عليها من مخلفات الجيش البريطاني تمت مصادرتها من قبل جيش الإنقاذ الذي كان ينسحب من المناطق ليأخذها الإسرائيليون بكل بساطة.
3. النكبة لم تحدث يوم 15-5-1948، بل بدأت مع منتصف عام 1947، وانتهت بتوقيع معاهدة رودس عام 1949.
4. الصهاينة بدؤوا بجمع المعلومات والتخطيط لاحتلال فلسطين [فعلياً]، منذ أواسط العشرينيات، وفي نهاية عام 1933، كان لديهم سجلّات لكل فرد بل ولكل شجرة وكل حانوت وكل سيارة وكل بندقية وكل غنمة وحمار يملكه الفلسطيني!.
5. أول عمل قام به العدو الإسرائيلي بعد الاستيلاء على فلسطين 1948، هو مصادرة المكتبات الشخصية التي كانت في البيوت المهجورة (وهذه نقطة ملفتة وتحتاج لدراسة المختصين لاستنباط دلالاتها).
6. الحضارة التي كانت تعيشها المدن الفلسطينية قبل النكبة مذهلة، فقد كان لدى الفلسطينيين على الأقل 28 مجلة أدبية، ودور سينما، ومكتبات عامة، ومسارح، وصحف، وإذاعة، وموانئ، ومبانٍ بمعمار مذهل (هذه كانت سمة الأرض التي يدّعي الصهاينة أنها بلا شعب) فكل هذا جاء لوحده ومع المطر!.
7. لم يكن اسم “إسرائيل” يرد في الأخبار ولا في الدوريات والصحف، حتى في وعد بلفور، كان اسم هذه البلاد كما هو الآن – فلسطين – حتى في الأدبيات الصهيونية المبكرة.
8. القرى الفلسطينية التي فاقت 500 قرية، لم يهجّرها الصهاينة فقط، بل دمروها بالمعنى الحرفي للكلمة، لم يتركوا أثراً فيها إلا ما نسوه مصادفة، وكانوا يقصدون بذلك أن يمر الوقت ويتم نسيان تلك القرى من التاريخ (وهنا أدعوكم لمشاهدة فيلم الطنطورة الذي أثار ضجة في الأوساط الصهيونية لأنه كشف عن جانب يسير من مجازر الصهاينة بحق الفلسطينيين).
9. بريطانيا لم تعط وعد بلفور فقط، بل تسامحت مع صهاينة قتلوا جنودها أيضاً، وسمحت وشجّعت قدوم اليهود من أوروبا إلى فلسطين.
10. الاحتلال البريطاني في حينه اعتقل كل فلسطيني لديه سكين، في حين أن الصهاينة امتلكوا مصانع أسلحة تحت الأرض بعلم بريطانيا العظمى.
11. لقد نجح إضراب عام 1936 وكاد يُفشل مخطط إقامة كيان العدو الإسرائيلي لولا تدخل أصدقائنا وعلى رأسهم الملك سعود!.
12. لقد كانت الهدنة بمثابة نفخ الروح للوجود الإسرائيلي وقد سعت أطراف عربية لتثبيتها وعلى رأسها حكومة مصر والأردن! (يبدو أن التاريخ يعيد نفسه اليوم).
13. كثيرون هم اليهود الصهاينة الذين كانت علاقتهم وثيقة بالعرب الفلسطينيين، واستغلوا هذه العلاقة في ارتكاب المذابح لاحقاً، لكونهم على معرفة بنقاط الضعف في كل قرية فلسطينية.
تحليل ومقارنة لمعلومات الوثائق البريطانية:
تدحض هذه الوثائق – وهي فقط بعض مما كشف عنه – أسطورة “الأرض بلا شعب” وتؤكد وجود مجتمع متحضر ومتطور بل ويمتلك مقومات حضارية راقية منها 28 مجلة أدبية، ودور سينما، ومكتبات عامة، ومسارح، وصحف، وإذاعة، وموانئ، ومبانٍ بمعمار مذهل. والمفارقة المؤلمة أن هذا التوثيق البريطاني لحضارة عملت بريطانيا نفسها على تدميرها، ما يكشف حقيقة وجوهر الشراكة الصهيونية في إقامة مشروع “إسرائيل الكبرى”.
وتكشف الوثائق أن بدء التخطيط للاحتلال جرى منذ العشرينيات (بحلول 1933، امتلك الصهاينة إحصاءً دقيقاً لكل شيء في فلسطين من البشر والحجر والشجر والحيوانات) وهو ما يضعنا أمام دلالة استراتيجية عبر تخطيط استخباراتي ممنهج للسيطرة والاحتلال.
أولاً: تفكيك أسطورة “الأرض الموعودة”:
الواقع الحضاري قبل النكبة:
تكشف الوثائق البريطانية عن مشهد حضاري مزدهر:
وجود 28 مجلة أدبية ودور سينما ومسارح.
شبكة متكاملة من المكتبات العامة والخاصة.
صحف وإذاعة وموانئ ومؤسسات مدنية.
نظام تعليمي وثقافي متطور.
عمارة متميزة تعكس تطوراً حضارياً.
التخطيط البريطاني-الصهيوني المسبق للاغتصاب:
كشفت الوثائق عن استراتيجية ممنهجة:
بدء العمل الاستخباراتي منذ عشرينيات القرن العشرين.
إحصاء شامل بحلول 1933 لكل:
– الممتلكات والموارد.
– السكان وتوزيعهم.
– الأسلحة والإمكانيات.
– البنية الاقتصادية والاجتماعية.
ثانياً: كشف آليات التواطؤ الاستعماري:
الدور البريطاني المزدوج:
تسهيل الهجرة اليهودية مع قمع السكان الأصليين.
التغاضي عن تصنيع الأسلحة الصهيونية السري وتشجيعها في مقابل اعتقال أي فلسطيني بحوزته سكين.
التدخل العسكري لإنقاذ القوات الصهيونية المحاصرة عند كل جولة من المواجهات.
اعتقال المقاومين الفلسطينيين وحماية المستوطنين.
الدور البريطاني الممهد لاحتلال فلسطين
الدور البريطاني الممهد لاحتلال فلسطين
منظومة الخداع الدولي:
تسويق مزاعم “الأرض بلا شعب”.
تجاهل متعمد للوجود الفلسطيني.
تزوير الحقائق التاريخية والديموغرافية.
استغلال التعاطف الدولي لتبرير الاحتلال في مقابل تجاهل تام للمظلومية الفلسطينية.
ثالثاً: حقائق صادمة من الوثائق البريطانية:
المقاومة الفلسطينية:
انتصار الفلسطينيين في معظم المواجهات العسكرية المباشرة.
نفاد الذخيرة كان السبب الرئيس للتراجع، مع أن الغلبة وفقاً للوثائق كانت للفلسطينيين.
نجاح إضراب 1936 وتأثيره الاستراتيجي.
التدخل البريطاني المباشر لإنقاذ القوات الصهيونية.
كشف التواطؤ العربي الرسمي:
الدور السعودي:
كشف الوثائق: تدخل الملك سعود لإفشال إضراب 1936.
تأثير التدخل: إضعاف المقاومة الفلسطينية في كل مرحلة حاسمة أو تقترب فيها من تحقيق النصر.
نتائج التواطؤ: تعزيز المشروع الصهيوني.
الدور الأردني:
توثيق الهدنة: دور في تثبيت الوجود الإسرائيلي.
الانسحابات المريبة: تسليم مناطق استراتيجية.
التنسيق السري: تسهيل السيطرة الصهيونية.
التواطؤ المصري:
دور في تثبيت الهدنة.
إضعاف المقاومة الفلسطينية.
التنسيق غير المعلن مع القوى الاستعمارية.
كشف التواطؤ العربي الرسمي:
التواطؤ العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني
رابعاً: استراتيجية المحو والطمس:
التدمير المنهجي للهوية:
تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية.
مصادرة المكتبات والأرشيفات الشخصية.
محو المعالم التاريخية والثقافية.
تغيير أسماء المواقع والمعالم.
سياسة الأرض المحروقة:
تدمير البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني
طمس الأدلة على الحضور التاريخي
محاولة إعادة كتابة التاريخ
سرقة التراث الثقافي والفكري
استراتيجية محو وطمس القضية الفلسطينية
استراتيجية محو وطمس القضية الفلسطينية
خامساً: الحقائق المخفية عن النكبة:
التسلسل الزمني:
بدء العمليات منذ منتصف 1947.
استمرار المخطط حتى 1949.
تنفيذ خطة ممنهجة للتطهير العرقي.
استغلال الظروف الدولية والإقليمية.
وتقدم الوثائق البريطانية المرفوعة عنها السرية حديثاً (F.O The National Archives) أدلة دامغة تفضح عمق المؤامرة وتكشف زيف الرواية الصهيونية.
فيما يلي استعراض شامل لأبرز هذه الادعاءات وتفنيدها:
الادعاء بالحق التاريخي والديني:
– المزاعم المطروحة:
الارتباط التاريخي والديني باعتبار فلسطين “أرض الميعاد”.
وجود مملكة يهودية قديمة قبل آلاف السنين.
الحق الديني المستند إلى النصوص التوراتية.
– التفنيد القانوني والتاريخي:
القانون الدولي المعاصر لا يعتد بالمطالبات التاريخية القديمة كأساس للسيادة.
مبدأ الحقوق المكتسبة للسكان الأصليين يحظى بحماية القانون الدولي.
سوابق تاريخية: رفض مطالبات إيطاليا بأراضي الإمبراطورية الرومانية، ورفض مطالبات اليونان بأراضي الإمبراطورية البيزنطية.
التواجد الفلسطيني المستمر على الأرض يشكل حقاً قانونياً وتاريخياً راسخاً.
مزاعم الصهاينة في الحق التاريخي في فلسطين
مزاعم الصهاينة في الحق التاريخي في فلسطين
ذريعة الأمن والحماية:
– الادعاءات المقدمة:
الحاجة لإقامة ملاذ آمن لليهود بعد الاضطهاد الأوروبي.
ضرورة توفير حماية للأقلية اليهودية.
الحاجة لحدود آمنة وعمق استراتيجي.
– الرد والتفنيد:
يتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة، خاصة المادة 49.
لا يمكن معالجة مظلومية تاريخية بخلق مظلومية جديدة.
تشابه مع مبررات الاستعمار الفرنسي في الجزائر والبريطاني في الهند.
أسطورة الأرض غير المأهولة:
– الادعاء الصهيوني:
ترويج مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
تصوير فلسطين كأرض مهجورة وغير مستغلة.
التقليل من أهمية الوجود الفلسطيني.
– التفنيد الموثق:
السجلات العثمانية والبريطانية تؤكد وجود مجتمع فلسطيني متطور.
وثائق تاريخية تثبت وجود مدن وقرى ونظام اقتصادي واجتماعي متكامل.
شهادات الرحالة والمؤرخين الأجانب في القرن التاسع عشر.
مشابهة للذرائع الاستعمارية في أمريكا الشمالية وأستراليا.
احتلال فلسطين واسطورة الأرض غير المأهولة
احتلال فلسطين واسطورة الأرض غير المأهولة
ادعاء التفوق الحضاري والتنموي:
– المزاعم المطروحة:
جلب التحديث والتطور للمنطقة.
نشر التكنولوجيا والعلوم الحديثة.
تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين.
– التفنيد العلمي:
يتناقض مع مبدأ المساواة بين الشعوب في القانون الدولي.
يكرر الخطاب الاستعماري التقليدي عن “تحضير الشعوب”.
تجارب الهند وجنوب أفريقيا أثبتت زيف هذه الادعاءات.
وجود حضارة فلسطينية عريقة ونظام تعليمي وثقافي متطور قبل الاحتلال.
احتلال فلسطين وادعاء التفوق الحضاري
احتلال فلسطين وادعاء التفوق الحضاري
الشرعية القانونية المزعومة:
– الادعاءات القانونية:
الاستناد إلى وعد بلفور 1917.
شرعية الانتداب البريطاني.
قرار التقسيم عام 1947.
– التفنيد القانوني:
بطلان وعد بلفور قانونياً لصدوره من جهة لا تملك حق التصرف.
تعارض الانتداب مع مبادئ عصبة الأمم وحق تقرير المصير.
عدم إلزامية قرار التقسيم وفق ميثاق الأمم المتحدة.
تأكيد قرارات مجلس الأمن على عدم شرعية الاحتلال والاستيطان.
منطق القوة العسكرية:
– الادعاءات المقدمة:
الانتصار العسكري يمنح الحق في السيطرة.
الأمر الواقع العسكري يخلق شرعية.
ضرورات الأمن تبرر التوسع.
– التفنيد القانوني والتاريخي:
ميثاق الأمم المتحدة يحظر صراحة الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
قرارات مجلس الأمن تؤكد عدم شرعية الاحتلال العسكري.
تجارب حركات التحرر في الجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا.
القوة العسكرية لا تنشئ حقاً ولا تلغي حقوق الشعوب الأصلية.
احتلال فلسطين ومنطق القوة العسكرية
احتلال فلسطين ومنطق القوة العسكرية
يتضح من خلال التحليل المعمق أن جميع الذرائع والمبررات المستخدمة لتسويغ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لا تصمد أمام المعايير القانونية والأخلاقية الدولية. يؤكد القانون الدولي المعاصر، والتجارب التاريخية لحركات التحرر العالمية، وقرارات الشرعية الدولية على:
عدم شرعية الاحتلال والاستيطان.
حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
بطلان جميع الإجراءات الاحتلالية التي تغير الطابع الديموغرافي للأراضي المحتلة.
ضرورة تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه التاريخية.
الصهيونية مشروع الغرب في وجه المسلمين:
إن الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين بمراحله المختلفة يُعد من أكثر عمليات الاستعمار الاستيطاني تعقيداً وتنظيماً، حيث تضافرت وتشاركت القوى الاستعمارية الغربية والحركة الصهيونية في مشروع ممنهج لاغتصاب فلسطين، وهو مشروع توسعي بطبيعة أجنداته لا يكتفي بفلسطين ويكشف بكل وضوح عن أهدافه سواء على لسان القادة الصهاينة من المؤسسين الأوائل أو كما ورد في كتب الصهاينة الشهيرة من بينها حكماء بني صهيون.
وخلاصة الحديث أن العقلية الصهيونية لا يمكن مواجهتها بالقانون الدولي أو محاصرتها بقيم المنظومة الأخلاقية، وُيمثل صراع الصهاينة الأخير مع المحكمة الجنائية الدولية أحدث مثال لاستحالة إرجاع شيء من الحق عبر هذه الطرق، بل إن مسؤولين صهاينة أوصوا نتنياهو والقادة العسكريين بعد ساعات من صدور مذكرة الاعتقال بزيادة استخدام القوة في غزة كرد عملي على المحكمة، المحكمة ذاتها التي وصفها مشرعون أمريكيون بأنها إنما أنشئت لمحاكمة الروس أو الأفارقة لا الأمريكيين والصهاينة.
وعليه وبالاستفادة من هذا السياق التاريخي الطويل والمرير، يبدو الخيار القرآني الجهادي عين الحكمة في مواجهة هذا الصلف وفي عالم تحكمه شريعة الغاب ويسوده الأقوى؛ تقول التجارب التاريخية والشواهد الحضارية أن الحق لا يُستعاد إلا بالقوة وأن القوة سبيل الحضارات والشعوب لوجود محترم لائق بإنسانيتها.. وقبل ذلك وبعده يقول الله عز وجل الخبير بشؤون عباده العليم بسرائرهم: “وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا”.
انصار الله