أجابت دار الإفتاء المصرية في فتوى تحمل رقم “7853” عن  مدى صحة حديث السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما الوارد في الأمر بالحجاب وحكم العمل به؟  فقد ورد أن السيدة أسماءَ بنتَ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهما دخلَتْ على رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم وعليها ثِيَابٌ رِقَاق، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ.

قائلة: أخرج أبو داود في "سننه" واللفظ له، والطبراني في "مسند الشاميين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الآداب" و"شُعَب الإيمان" عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنَّ أسماءَ بنتَ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهما دخلَتْ على رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم وعليها ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ.
وتضعيف هذا الحديث بسعيد بن بشير، وخالد بن دريك: غير سديد؛ فقد وثق سعيدًا جماعةٌ من الأئمة، وصحح حديثَه الحاكمُ في "المستدرك" وقال: [وسعيد بن بشير: إمام أهل الشام في عصره إلا أن الشيخين لم يخرجاه بما وصفه أبو مسهر من سوء حفظه، ومثله لا ينزل بهذا القدر] اهـ. ووافقه الحافظ الذهبي، وأما خالد بن دُرَيك فقد وثقه النسائي وغير واحد.
وقد عُلِّل هذا الحديث أيضًا بالإرسال بين خالد بن دُرَيْك وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهذا التعليل متعقَّبٌ مِن وجهين:
الأول: أن المرسل مقبول إذا عضَّده قول صحابي أو فعله، كما هو مذهب الإمام الشافعي والمحققين من الأصوليين، قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 319، ط. دار الكتب العلمية): [مع هذا المُرسَل قولُ مَن مضى مِن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة، فصار القولُ بذلك قويًّا] اهـ.
الثاني: أنه منجبر بالطرق الأخرى للحديث؛ حيث ورد مِن أكثر مِن طريق: فأخرجه أبو داود في "المراسيل" عَنْ قَتَادَةَ مرسلًا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى الْمَفْصِلِ»، وهو مرسل صحيح.
وأخرج الطبراني في معجميه: "الكبير" و"الأوسط"، والبيهقي في "السنن الكبرى" عن أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها أنها قالت: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشةَ بنتِ أبي بكر، وعندها أختُها أسماءُ بنتُ أبي بكر، وعليها ثيابٌ شاميةٌ واسعةُ الأكمام، فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فخرج، فقالت لها عائشة رضي الله عنها تَنَحَّيْ؛ فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرًا كرهه، فتنَحَّتْ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسألَتْه عائشةُ رضي الله عنها: لم قام؟ قال: «أَوَلَمْ تَرَيْ إِلَى هَيْئَتِهَا، إِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا إِلَّا هَكَذَا» وأخذ بكُمَّيْه، فغطى بهما ظهر كفَّيْه حتى لم يبد مِن كفَّيْه إلا أصابعُه، ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يَبْدُ إلا وجهُه. قال الحافظ الهيثميُّ في "مجمع الزوائد" (5/ 137، ط. مكتبة القدسي): [فيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح] اهـ.
وقد تقرر عند أهل الحديث أن المرسل إذا تعددت مخارجُه فهو في محل القبول؛ قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: [يُقْبَلُ إِنِ اعْتَضَد بمجيئِهِ مِن وجهٍ آخرَ يُبايِنُ الطريقَ الأُولَى، مسنَدًا أو مرسَلًا، لِيَرْجحَ احتمالُ كونِ المحذوفِ ثقةً في نفسِ الأمرِ] اهـ. نقلًا عن "نزهة النظر" للحافظ ابن حجر (ص: 101-102، ط. مطبعة سفير).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (8/ 439، ط. دار المعرفة): [الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجُها دل ذلك على أن لها أصلًا] اهـ.
وقال في "القول المُسَدَّد في الذب عن مسند أحمد" (ص: 38، ط. مكتبة ابن تيمية): [كثرة الطرق إذا اختلفت المخارج تزيد المتن قوة] اهـ.

دارالإفتاء من المقرر شرعًا بإجماع الأولين والآخرين من علماء الأمة الإسلامية ومجتهديها، وأئمتها وفقهائها ومُحَدِّثيها: أنَّ حجاب المرأة المسلمة فرضٌ على كلِّ مَن بلغت سن التكليف

ومن المقرر شرعًا بإجماع الأولين والآخرين من علماء الأمة الإسلامية ومجتهديها، وأئمتها وفقهائها ومُحَدِّثيها: أنَّ حجاب المرأة المسلمة فرضٌ على كلِّ مَن بلغت سن التكليف، وهي السن التي ترى فيها الأنثى الحيض وتبلغ فيه مبلغ النساء؛ فعليها أن تستر جسمَها ما عدا الوجهَ والكفين، وزاد جماعة من العلماء القدمين في جواز إظهارهما، وزاد بعضهم أيضًا ما تدعو الحاجة لإظهاره كموضع السوار وما قد يظهر مِن الذراعين عند التعامل، وأمَّا وجوب ستر ما عدا ذلك فلم يخالف فيه أحد من المسلمين عبر القرون سلفًا ولا خلفًا؛ إذْ هو حكمٌ منصوصٌ عليه في صريح الوحْيَيْن الكتاب والسنة، وقد انعقد عليه إجماع الأمة، وبذلك تواتَرَ عملُ المسلمين كافة على مر العصور وكر الدهور مِن لَدُنْ عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأجمعوا على أن المرأة إذا كشفَتْ ما وجب عليها سترُه فقد ارتكبَتْ مُحرَّمًا يجب عليها التوبةُ إلى الله تعالى منه، فصار حكم فرضية الحجاب بهذا المعنى من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن الأحكام القطعية التي تشكل هوية الإسلام وثوابته التي لا تتغير عبر العصور.

وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: ما صحة حديث الإفتاء تجيب رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنها ول الله ص ه وآله ى الله ع أبی بکر

إقرأ أيضاً:

فضل شهر محرم.. دار الإفتاء توضح التفاصيل

فضل شهر محرم، من الأمور التي ذكرتها السنة النبوية، إذ أنّ هذا الشهر له فضل كبير، لكونه أحد الأشهر الحرم الأربعة، وذكر العلماء فضله والأعمال المستحبة فيه، والعبادات التي تقرب العبد من ربه سبحانه وتعالى.  

فضل شهر محرم

وحول فضل شهر محرم، قالت دار الإفتاء المصرية، إن شهر الله المحرم عظيم الفضل بين الشهور، بدليل الحديث الشريف الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل»، مشيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء، وقال في عامه الأخير: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع»، يدل على أنه كان لا يصوم التاسع قبل ذلك، وقد أجاب الناس والفقهاء بجواز صيام يومي التاسع والعاشر.

قيام الليل والصلاة

وأوضحت الدار، على موقعها الإلكتروني، أن الفضل الثاني لشهر المحرم هو قيام الليل وهو أفضل بعد الصلاة المكتوبة والسنن الراتبة، وإنما فضلت صلاة الليل على صلاة النهار لأنها أبلغ في الإسرار وأقرب إلى الإخلاص، وعن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وإن قيام الليل قربة إلى الله تعالى وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسد»، أخرجه الترمذي، فقيام الليل يوجب صحة الجسد.

مقالات مشابهة

  • ما حكم تخصيص دعاء بأول أيام رأس السنة الهجرية؟.. الإفتاء تجيب
  • حكم صيام أول محرم.. «الإفتاء» تحسم الجدل
  • فضل شهر محرم.. دار الإفتاء توضح التفاصيل
  • نص خطبة الجمعة اليوم.. «الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن عن المهاجرين»
  • 7 محطات يستعين بها الرسول في تعامله مع زوجاته
  • (واعلموا أنّ فيكم رسول الله)
  • حدود التعامل بين الرجل والمرأة وضوابطه.. الإفتاء توضح
  • «الإفتاء» تكشف عن حكم الدعاء جهرا في جماعة.. ماذا قالت؟
  • ما حكم قراءة بعض سور القرآن والدعاء بعد صلاة العشاء؟.. «الإفتاء» تجيب
  • فعاليات ثقافية في مديريات أمانة العاصمة بذكرى يوم الولاية