أنيس بن رضا بن قمر سلطان

أثارت الدعوة لحضور اجتماع على هامش "COP 28" فضولي، بدا لي في الوهلة الأولى أن بيئتنا في الجزيرة العربية بعيدة عن الصناعة المكثفة، وأنه على الدول الصناعية الكبرى أن تتحمل عبء تنظيف الأرض وتطهيرها.

ومع بدء الاجتماع الدولي لحماية البيئة -والمستضاف على أرض الخليج- الذي يشبهه البعض بأرض تطفو على بحر من النفط، تتسارع وسائل الإعلام العالمية لاقتناص أية فرصة أو ثغرة في نشاطات المنطقة لتسلط الضوء على ما قد نفعله وما لا نفعله للحد من الانبعاثات الكربونية المكيدة، متناسية -بكل عفوية- في مقالاتها دور الدول المصنعة الكبرى وواجبها التاريخي والأخلاقي تجاه مهمة حماية الكوكب.

ولكنَّ نظرة سريعة على شواطئنا، وبالتحديد في الخامسة والنصف من صباح كل يوم على شاطئ القرم المتسامح، توضح أن البيئة آخر همِّ الكثيرين من مرتادي الشاطئ وأعني هنا المواطن الأبيّ منهم والزائر الكريم على حد سواء. فالمخلفات العضوية تشوِّه ما قد يكون أحد أجمل الشواطئ، والمخلفات البلاستيكية تفتك بالحياة البحرية الخجولة التي تزحف فجراً لتسترزق بما يجود به البشر.

هناك مُبادرات دولية وعالمية بأهداف نبيلة تطلق من حين إلى آخر، وليتأمل القارئ الكريم في صحف الشهر السابق للمؤتمر والتي أمطرت وابلا من الأخبار السارة وتلك المخيبة للآمال. هناك على سبيل المثال: وعود دولة عظمى بنجدة الصناعة في دولة آسيوية إذا ما قلَّلت الأخيرة من استهلاك الفحم الحجري في استخراج معادنها، ودولة صناعية أخرى أغلقت مناجم ومعامل الفحم الحجري منذ سنوات، وأخرى تمنع المحركات التقليدية في السيارات تدريجيًّا حتى تصل إلى الصفر بعد سنوات معدودة. ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الوعود الحالمة حالها كحال غاز أُطلق في الهواء؛ فالهبة المالية إلى الدولة الآسيوية سُحِبت ورُبِطت بتحجيم تعاملها التجاري مع دولة إقليمية منافسة، والدولة الصناعية العملاقة منحت سياساتها الخضراء حق اللجوء إلى الفحم الحجري بسبب وجود اضطرابات الأجواء السياسية حولها، وكأن اعتبارات دول الجوار حق محصور على البعض. 

من المهم هنا أن نتابع في موطِنِنا ونجاري ما يقوم به العالم من استحداث في أساليب حماية البيئة أو أساليب التصنيع والاستخراج، ولكن علينا أولاً أن نقوم بما نقدر عليه محليًّا.  أما ما قد نكسبه من دعم فني أو معنوي أو مالي، فهو فائض يخدم أهدافنا. وعلى سبيل المثال: لنبدأ بالشاطئ، فهو واجهة البلد ويكشفنا بكل شفافية؛ فالطفل الذي يلقي بلفافة الحلوى على التربة إنما فعل ذلك لأنه ابنٌ لوالد لم يدعُ إلى الصواب ولم ينهر عن الخطأ. ولا أتحدث عن تكثيف عمليات التنظيف على يد بِدلٍ خضراء، بل أدعو إلى بناء وعي واحترام طبيعي للبيئة، وإن تَطَلّب ذلك استثمارًا في التوعية ورادعا معقولا. باستطاعتنا مثلا أن نستحدث وظيفة حافظ أو خفير في الصحراء أو البحر أو الجبل والسهل.  ولا تقتصر مهام الخفير (أو الخفيرة) على إصدار الغرامات للمخالفين، بل بإمكانه القيام بتعداد دوري لعدد الزوار، ومع العِدد المناسبة بإمكانه قياس نسب الملوحة أو التلوث في المياه والهواء ورصد مستوى المياه وانحسار الشواطئ، بل والتقاط الصور الأرشيفية لينصب كل ذلك في بناء قاعدة بيانات وطنية تكرس استنتاجاتها لتوجيه التعامل مع البيئة.

وفي رأيي، من الصعب الاستخفاف بخفير مثقف ولبق؛ فمن شأنه أن يكون مِثالًا أعلى للطفل والأب. 

وتتغيَّر هيئة الخفير اللطيف إلى مفتش مخيف إذا ما زار معملا صناعيا أو مركزا إنتاجيا. هنا أيضا فرصة ذهبية لبناء قاعدة بيانات لكل صناعة وكل منطقة على حدة، معلن عنها في دار للإحصاء تبيِّن موقعنا اليوم من التأثير على البيئة كخطوة أولى قبل سن أي تشريع. ومع تكاثف الجهود واتضاح الاتجاهات نستطيع أن نحدد البدائل والأولويات التي نستطيع التعامل معها محليًّا.

ومن المناسب أن أذكر أيضا جهود أفراد من قاطني ذاك الشاطئ، ممن يرتادونه يوميا ويقومون بالتقاط أكواب البلاستيك والمخلفات المنفرة في أكياس على أكتافهم.

إنَّنا مفطورون على حب البيئة، والوعي أصبح عالميا في متناول كل مستخدم للهاتف الجوال، والوسائل بسيطة وغير مكلفة، ومن أبسطها وأكثرها فاعلية هو احتساب ضريبة أو منح حوافز؛ لطالما منحت دول حوافز للترشيد في استخدام المياه، و"قرصت" أخرى اصحاب المحركات ذات السعة العالية.

ولنتذكر أن الشواطئ المُغرية في بعض المدن في أنحاء العالم جاءت نتيجة لنقل آلاف العربات المثقلة برمال ناعمة لخلق متنفس جميل وصحي للسكان، ونحن في موطن تنتشر فيه هذه الجنان بشكل طبيعي منذ آلاف السنين.  فإذا بدأنا باستحداث أفضل وسائل حماية السواحل سنستطيع أن نعتلى أعلى منصة في (COP 33)، ونكون نحن مصدر الإلهام والإبداع.  ولكن قبل كل شيء، الرجاء ثم الرجاء رصف الشوارع والممرات بعيدا عن الرمال البيضاء، وتركها على طبيعتها البكر يداعبها الموج وأقدام المشاة.. فبدون رمال لا معنى لشاطئ!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شواهد استيطان في «كهف ناطف» بمحافظة ظفار تعود إلى العصر الحجري القديم

العُمانية: قامت البعثة الأثرية الفرنسية «بحر العرب» خلال السنوات العشر الماضية، بالتنقيب على امتداد سواحل محافظة ظفار بالتعاون مع المديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار، حيث تم اكتشاف العديد من المواقع الأثرية التي يتجاوز عددها 400 موقع.

ومن ضمن هذه المواقع المكتشفة «كهف ناطف» الذي يُعد من المواقع المهمة والاستثنائية التي تعود إلى العصر الحجري القديم المتأخر (10.350 ـــ 10.700) قبل الميلاد، واكتشفه الفريق الفرنسي عام 2013م ضمن «مشروع دراسة شواطئ بحر العرب» ونقّب فيه لمواسم مختلفة خلال الأعوام (2013 - 2016) وأُعيد النظر فيه عام 2024م لإكمال التوثيق.

ودلّت التنقيبات والدراسات الأثرية على أن الاستيطان في «كهف ناطف» تعود إلى 10000 آلاف سنة وهو أقدم مجتمع صيد في شبه الجزيرة العربية، وهذا ما أكدته المكتشفات الأثرية من بقايا الأسماك والسلاحف داخل هذه الكهوف، إضافة إلى العثور على قطعة من حبل في أحد كهوف ناطف وقد يكون أقدم حبل اكتُشِف على مستوى العالم، كما عُثر على الكثير من الأدوات الصوانية والخرز وحبات اللبان. وقال علي بن مسلم المهري رئيس قسم المسوحات والتنقيبات الأثرية بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار ومشرف فريق العمل، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية: تعكف البعثة الفرنسية على دراسة الآثار البشرية في العصر الحجري الحديث وتقوم بجمع كل الآثار التي خلّفها الإنسان منذ ذلك العصر؛ حيث عثرت على مجموعات كثيرة من رؤوس السهام الحادة المصنوعة من حجر الصوان وبقايا عظام وقواقع بحرية مثقوبة كانت تستخدم للزينة وحلي النساء.

ووضّح رئيس قسم المسوحات والتنقيبات الأثرية بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار أن موقع «كهف ناطف» المعروف محليًّا بـ «كهف خنشروتن» الذي يقع بنيابة حاسك بالقرب من شلالات ناطف هو أحد تلك المواقع الأثرية التي عملت فيها البعثة الفرنسية وقد أثبت فريق البحث بقيادة الدكتور فنسنت شاربنتير (Vincent Charpentier ) - عالم آثار فرنسي من معهد ( INRAP ) - أن المكتشفات الأثرية في الموقع تعود لأزمنة تاريخية مختلفة مثل: العصر الحجري القديم المتأخر (9.500 - 11.000) والعصر الحجري الحديث ( 5.000 ـــ 8.500) والعصر البرونزي (3.000 -5.000) والعصر الإسلامي.

وأشار إلى أن الفريق عثر على آثار لأقدم صياد في تاريخ شبه الجزيرة العربية منذ 10.500 عام؛ حيث تم العثور على بعض الأصداف ومنها «الصفيلح»؛ ما يدل على أن المنطقة تعد أول مكان مُورِس فيه الصيد منذ العصر الحجري، مؤكدًا أن امتداد اليابسة نحو البحر كان أكبر مما هو عليه الآن. وأكد أن من أهم الأدوات التي عثر عليها فريقُ التنقيب في كهف ناطف أدوات حجرية من صنع البشر استخدمت في العديد من الأنشطة مثل القطع والحفر والكشط وهي عبارة عن «رؤوس من حجر الصوان» تسمى أحيانًا «رؤوس السهام» كانت تستخدم لاصطياد الغزلان وغيرها من الحيوانات البرية، إضافة إلى بعض أدوات صيد السمك المصنوعة من عظم السمك، وكذلك بعض أشكال الخرز والثقوب التي وجدت في الأصداف والقواقع البحرية التي استخدمها البشر لصنع القلائد والأساور أو تزيين الملابس والشعر، موضحًا أنه في أثناء التنقيب عُثر كذلك على عدة عظام من أسماك السردين وسمك السلور وكذلك سمك القرش، وحبل مكون من ألياف الأشجار يقدر عمره بـ( 9000 سنة).

وعن خطوات التنقيب في المواقع الأثرية؛ وضّح رئيس قسم المسوحات والتنقيبات الأثرية بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار أن هناك خطوة أولى قبل القيام بعملية التنقيب، إذ يقوم الفريق بإكمال عملية المسح والتوثيق الطبوغرافي للكهوف، بما في ذلك نموذج ثلاثي الأبعاد ثم يتم تنظيف سطح الموقع، بعدها يرسم الفريق مربعًا ذا /4/ أضلاع، ويُحفر فيه ببطء مع مراعاة فوارق مستويات الطبقات الأرضية التي تشكلت خلال 11.000 عام بواسطة الأدوات الحديدية الخفيفة كأدوات البناء والملاعق والفرش. واستطرد قائلاً، ثم تبدأ أعمال التنقيب الفعلية بإزالة طبقات التربة والكشف عن القطع الأثرية والهياكل، بعدها يقوم علماء الآثار بتسجيل وتوثيق كل اكتشاف بدقة، مع الإشارة إلى موقعه وتفاصيله، ومع ظهور القطع الأثرية يتم تحليلها وتأريخها باستخدام أساليب علمية مختلفة ودقيقة، وتساعد هذه المعلومات المجمعة في معرفة أسرار الحياة في أزمنة ما قبل التاريخ كما تعد نافذة يطل من خلالها أبناء الحاضر على عالم الأسلاف وحضارات الأمم الغابرة. وحول عملية فرز وتصفية المواد الأثرية من الرمل المستخرج من قاع مربع الحَفْرية؛ أشار رئيس قسم المسوحات والتنقيبات الأثرية بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار إلى أنه - بعد التنقيب البطيء - تتم غربلة كل طبقة من الرواسب المزالة بشبكة معدنية بقطر 2/3 ملمتر لإزالة الغبار والرمل وعزل الأصداف والعظام وبقايا الفحم من الحرائق الماضية والأدوات الحجرية، ثم يتم جمع عينات المستكشفات لدراستها ومعرفة المدة الزمنية التي عاشتها تلك الأشياء. وأكد على أنه يوجد في نيابة حاسك العديد من المواقع الأثرية الأخرى التي ستعمل الوزارة على استكشافها في المستقبل القريب.

مقالات مشابهة

  • رغم قرار إغلاق الشواطئ.. شباب العجمي يتسللون لمياه البحر بالإسكندرية
  • استعادة شواطئ بئر مسعود والمحروسة.. سويلم يتابع أعمال حماية الشواطئ بالإسكندرية -صور
  • وزارة الري تستعرض أعمال حماية الشواطئ بمحافظة الإسكندرية
  • خطاب العرش.. الملك يدعو السلطات إلى الحزم في حماية الملك العام من المياه
  • جرت له مراسم استقبال رسمية.. رئيس الدولة يستقبل الرئيس التشيلي في قصر الوطن
  • جرت له مراسم استقبال رسمية.. محمد بن زايد يستقبل الرئيس التشيلي في قصر الوطن
  • بيئة النجف توجه إنذارا لإدارة معمل اسمنت الكوفة
  • «بيئة أبوظبي» تواصل رصد جودة المياه البحرية
  • لقى "كهف ناطف" الأثرية تستنطق عمق الحضارة العمانية قبل 10 آلاف عام
  • شواهد استيطان في «كهف ناطف» بمحافظة ظفار تعود إلى العصر الحجري القديم