التنوع الأحيائي البحري من السمات المهمة للبيئة العمانية

تعيش في البحار العمانية 5 أنواع من السلاحف من أصل 7 في العالم

◄ وضع ركائز للحد من تخريب الشواطئ وتدمير أعشاش السلاحف بالمركبات

إعادة 200 ألف سلحفاة صغيرة ضالة إلى البحر وإنقاذ الأمهات

تجميع عشرات الأطنان من المخلفات والمشوهات ضمن حملات تنظيف الشواطئ

دوريات متواصلة لمراقبة أماكن السلاحف وصون الأعشاش

شواطئ مصيرة من أفضل وجهات السلاحف

 

الرؤية- ريم الحامدية

 

يعد التنوع الأحيائي البحري من السمات المهمة للبيئة العمانية، ويضم مجموعة كبيرة من الكائنات الحيَّة البحرية كالأسماك والحيتان والدلافين والسلاحف البحرية والطيور، والتي يرتبط وجودها بالخصائص الجغرافية والمناخية، وتعتبر السلاحف البحرية من أهم مكونات التنوع الأحيائي في عمان، إذ إنِّها من الكائنات المهددة بالانقراض على الصعيد العالمي، ومن أقدم الحيوانات البحرية عالميًا.

وتعيش في البحار العمانية 5 أنواع من أصل 7 أنواع من السلاحف موجودة في العالم، منها 4 سلاحف تعشش على شواطئ السلطنة، وتتمثل في السلحفاة الخضراء (الحمسة) والسلحفاة الريمانية والسلحفاة الشرفاف والسلحفاة الزيتونية، أمّا النوع الخامس من السلاحف فهي السلحفاة النملة التي تجوب شواطئ السلطنة بحثًا عن مصدر غذائها فقط.

وتعد محمية السلاحف بنيابة رأس الحد في ولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية من المزارات المهمة التي تستقطب آلاف الزائرين من داخل سلطنة عمان وخارجها، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية بذل الجهود للحفاظ على هذه المحمية الطبيعية وهذه الثروة المهددة بالانقراض.

ومؤخراً، شهدت منصات التواصل الاجتماعي حالة من الجدل بسبب قيام هيئة البيئة بوضع سياج خشبي في محمية السلاحف، وهو ما اعتبره البعض قرارا يتسبب في إعاقة الزوار من السير على الشاطئ للاستمتاع بالطبيعة.

وعلقت الهيئة على الآراء والصور المتداولة، والتي تظهر أعمالا قيد الإنشاء وغير مكتملة لتركيب ركائز خشبية على جزء من شاطئ محمية السلاحف بنيابة رأس الحد، موضحة أنها تنفذ عدة برامج سنوية من أجل حماية واستدامة هذا الإرث الطبيعي العالمي الهام الذي يواجه خطر الانقراض، والذي تنفرد به شواطئ محمية السلاحف وعدة شواطئ على مستوى العالم.

وبموجب المرسوم السلطاني رقم 25 /96، وتلتزم هيئة البيئة بحماية التنوع الحيوي في المحمية واتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن بموجب القوانين النافذة واللوائح التنظيمية.

وقالت الهيئة في بيان لها: "من بين تلك البرامج، الرقابة البيئية والمسوحات الميدانية والتوعية وحماية الأعشاش وصغار المواليد، وكذلك برنامج التارتل كوماندوز الذي عمل خلال الثلاثة مواسم الأخيرة على إعادة أكثر من 200 ألف سلحفاة صغيرة ضالة إلى البحر وإنقاذ مئات الأمهات، وتجميع عشرات الأطنان من المخلفات والمشوهات خلال حملات تنظيف الشواطئ، وتدريب قرابة ألف متطوع من داخل السلطنة وخارجها ليصبحوا سفراء للبيئة".

وأكدت هيئة البيئة أن الركائز الخشبية الجاري تركيبها لا تمنع الأفراد من العبور إلى الشاطئ مُطلقًا، وإنما تمنع المركبات، وذلك للحد من عمليات تخريب الشواطئ وتدمير الأعشاش، علما بأن المسافة من مواقف المركبات إلى الشاطئ لا تتجاوز أمتار ويسهل عبورها مشيا، كما أن الشاطئ موقع العمل لا يوجد به نشاط انزال سمكي، مضيفة: "لا يوجد أي تأثير على السياحة المسؤولة التي تدرك أهمية المورد الطبيعي وضرورة استدامته لكونه سببا رئيسا في إثرائها، حيث إن شواطئ محمية السلاحف تتميز عن غيرها من الشواطئ بوجود السلاحف التي تمثل عنصر جذب سياحي، الأمر الذي يستلزم تعاون الجميع من أجل الحفاظ عليها".

وبيّنت الهيئة أن هذا النوع من الركائز تمثل طريقة آمنة وصديقة للبيئة وبمواد طبيعية لا تؤثر على جمالية الشاطئ ومقوماته، وأن أثرها الإيجابي كبير في الحد من تخريب الشواطئ وتدمير الموائل بفعل القيادة غير المسؤولة للمركبات، كما أنها تستخدم في مختلف المواقع البيئية كالمحميات والمنتزهات الطبيعية في السلطنة وغيرها من الدول، موجهة الشكر إلى أفراد المجتمع لحرصهم على الموارد الطبيعية العمانية.

وتؤدي السلاحف دورًا فاعلًا في التوازن الأحيائي البحري؛ فهي توفر المواد المغذية للشواطئ من خلال الأعشاش والبيض، وتعدُّ صغار السلاحف المحاصرة على الشاطئ كنزا حضاريا للبيئة العمانية، ومصدرا لجذب السياح وعشاق البيئة البحرية.

وبدأ الاهتمام على المستوى الوطني بالسلاحف وترقيمها في العام 1977م بجزيرة مصيرة؛ بهدف معرفة انتشار وتوزيع السلاحف في البحر، وتحديد خطوط هجرتها وتعشيشها، إضافة للتعرف على معدل النمو وعدد مرات التبييض في الموسم الواحد، وهناك دوريات مستمرة لمراقبة أماكن تواجد السلاحف وصون شواطئ التعشيش، إضافة للحملات التوعوية والتثقيفية عن أهميتها في مختلف محافظات السلطنة، وفي العام 2013، تم تشكيل لجنة مشروع حماية السلاحف في السلطنة؛ بهدف تعزيز حماية السلاحف البحرية من قبل الجهات المعنية بالسلطنة.

 أمَّا على المستوى الدولي، فقد انضمت السلطنة عام 2006 إلى مذكرة التفاهم لحماية السلاحف البحرية وموائلها في المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا وقبل ذلك بدأ تنفيذ الفكرة في العام 2004 لبناء أفضل الأدلة والمعلومات العلمية لحمايتها من الانقراض، مع الأخذ في الاعتبار الخصائص البيئية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للدول الموقعة.

وتعدُّ شواطئ جزيرة مصيرة من أفضل الوجهات للسلاحف؛ حيث تعشش في الجزيرة بداية من رأس حلف وانتهاء بآخر جزء فيها رأس أبو رصاص.

ومن السلاحف التي تعشش في جزيرة مصيرة سلحفاة "الريماني"، ويبلغ عددها ما يزيد على 30 ألف سلحفاة، وتختلف عن غيرها بكبر حجم الرأس بالمقارنة مع حجم رؤوس السلاحف الأخرى، وتعيش في مناطق الشعاب المرجانية وتتغذى على الأصداف والمحار وسرطانات البحر وقنفذ البحر، وتضع ما يقارب الـ125 بيضة في المرة الواحدة.

والسلحفاة "الزيتونية" أصغر أنواع السلاحف البحرية وهي أقل أنواع السلاحف تعشيشا في السلطنة؛ حيث إنَّ عددها يقدر بـ150 إلى 200 سلحفاة تعشش في جزيرة مصيرة، وتتميز بقشرتها الظهرية التي تأخذ شكلاً شبه دائري محدبا من الأمام، ولونها الزيتوني الرمادي، وتتغذى أيضا على الأصداف البحرية والسرطانات الصغيرة، وتضع ما يقارب 190 بيضة في المرة الواحدة.

وتعشش السلحفاة الشرشاف (منقار الصقر) بكثافة في محمية جزر الديمانيات الطبيعية؛ حيث قدرت أعدادها في أرخبيل جزر الديمانيات الصغير بحوالي 500 سلحفاة، كما تعشش بأعداد أقل في جزيرة مصيرة، وأهم ما يميزها هو رأسها الصغير ومنقارها الذي يشبه منقار الطيور الجارحة، كما أنَّ قشور ظهرها زاهية الألوان؛ الأمر الذي جعلها تستخدم لأغراض مختلفة منها صناعة الحلي من قبل حضارات عديدة، وتتغذى سلحفاة الشرشاف على الكائنات البحرية الإسفنجية وعلى المرجان اللين والصدفيات، وأيضا على النباتات البحرية والطحالب، وتضع السلحفاة الشرشاف ما يقارب 132 بيضة في المرة الواحدة.

 وتقدر أعداد السلحفاة "الخضراء" التي تعشش في معظم الشواطئ العمانية، بما يزيد على 20 ألف سلحفاة في السنة الواحدة، وهذا العدد يعد الأكبر على مستوى منطقة غرب المحيط الهندي، وتعد منطقة رأس الجنز بمحمية السلاحف في رأس الحد من بين أهم مواقع تعشيش السلاحف الخضراء على مستوى العالم، وتتغذى السلاحف الخضراء على الأعشاب البحرية؛ حيث تعتمد عليها في غذائها، وتضع السلحفاة الخضراء ما يقارب 132 بيضة في المرة الواحدة.

وأخيرًا السلحفاة "النملة" التي لا تعشش في الشواطئ العمانية، إلا أنها تتواجد في بحارها من أجل التغذية، وتتميز سلحفاة النملة بكونها أضخم أنواع السلاحف البحرية الموجودة، كما أنَّ قشرتها الظهرية تتميَّز عن بقية السلاحف الأخرى بكونها لينة وليست صلبة، والخطوط التي على ظهرها طويلة وشبه مستقيمة، وزعانفها الأمامية والخلفية تتميز بالطول والقوة لتتمكن من السباحة لمسافة بعيدة في المحيطات؛ حيث إنَّ أماكن تعشيشها في المناطق الاستوائية، وتبعد في العادة عن موطن تغذيتها في المناطق المدارية وتضع السلحفاة النملة ما يقارب 130 بيضة في المرة الواحدة.

ويواجه هذا الكائن البحري الذي عاش منذ أزمنة سحيقة وعاصر الديناصورات وغيرها من الكائنات الضخمة، العديد من التحديات واستطاع التأقلم والتكيف مع هذه التحديات، ولكنه أصبح في الوقت الحالي مهددا بالانقراض بسبب السلوكيات البشرية مثل التلوث البحري والتطور العمراني الذي يؤدي إلى تخريب مواطن السلاحف، وكذلك الصيد الجائر والصيد غير المشروع وتدمير البيض للحصول على لحومها، وللعلاج التقليدي والصيد العرضي ووقوع السلاحف في شباك الصيد عن طريق الخطأ والتلوث بأشكاله العديدة، بالإضافة إلى ضرر المواد الكيميائية والبلاستيكية التي تتسبب في تسمم ونفوق السلاحف إلى ابتلعتها أو التصقت بها، ناتهيك عن التغيرات المفاجئة في درجات الحرارة والعواصف.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«الزراعة الدقيقة».. خيار مستقبلي لتحسين إدارة المحاصيل العمانية وزيادة الإنتاج

تعد التقنيات الحديثة ركيزة أساسية في تطوير القطاع الزراعي، خاصة في مناطق تواجه تحديات بيئية، وقد تبنت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه تقنيات مبتكرة لتحسين إدارة الموارد الطبيعية وتعزيز الأمن الغذائي، ويمكن لسلطنة عُمان أن تحقق فوائد كبيرة من تبني تقنيات الزراعة الدقيقة خاصة في ظل تحديات المناخ الجاف وندرة الموارد المائية، حيث تمكن هذه التقنيات من تحسين كفاءة الري عبر أجهزة استشعار ترصد رطوبة التربة وتحدد الاحتياجات المائية الدقيقة للمحاصيل، مما يقلل الهدر ويعزز الاستدامة.

ويعكس استخدام هذه التقنيات التزام سلطنة عمان بالابتكار لمواجهة التحديات البيئية وتعزيز القطاع الزراعي وضمان استدامة الموارد وتحقيق الأمن الغذائي للمستقبل.

التقنيات الحديثة

أوضح الدكتور سيف بن علي الخميسي مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن التقنيات الحديثة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية في سلطنة عمان، خاصة في ظل التحديات المناخية مثل ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، حيث إن أنظمة الري الذكية مثل الري بالتنقيط والري الأوتوماتيكي المزود بمستشعرات رطوبة التربة يمكن أن تساعد في ترشيد استهلاك المياه وتوزيعها بكفاءة، مما يقلل الهدر ويُعزز نمو المحاصيل.

وأضاف: تستخدم تقنيات الزراعة الدقيقة عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة (الدرون) لمراقبة صحة النباتات وتحليل التربة، مما يمكن المزارعين من تحديد المناطق التي تحتاج إلى أسمدة أو مبيدات بشكلٍ دقيق، كما تدعم البيوت المحمية المجهزة بأنظمة تحكم مناخي زراعة محاصيل عالية الجودة على مدار العام، حتى في المناطق ذات الظروف الجوية القاسية، وتلعب التكنولوجيا الحيوية دورًا في تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف والآفات، مما يزيد من قدرتها على التكيف مع بيئة سلطنة عمان.

وأشار الخميسي إلى أن أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية تساهم في تشغيل مضخات المياه ومرافق الزراعة بشكلٍ مستدام خاصة في المناطق النائية كما تسهِم منصات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في تحليل أنماط الطقس وتوقعات السوق مما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات استباقية.

كما يشير إلى أنه يجب أن لا ننسى دور الزراعة الرأسية والتقنيات الحضرية في توفير مساحات زراعية محدودة وإنتاج محاصيل سريعة النمو.

وأضاف الخميسي: تعمل تطبيقات الهاتف المحمول على ربط المزارعين بالخبراء والبائعين مباشرةً مما يحسن الكفاءة التسويقية ويقلل الفاقد، حيث إنه بدمج هذه الحلول يمكن لسلطنة عمان أن تحقق أمنًا غذائيًا مستدامًا وتعزز مكانتها كواحة زراعية متطورة في المنطقة.

وقال الخميسي: تساهم الزراعة الدقيقة في زيادة الإنتاجية عبر تحليل البيانات الزراعية لتحديد أفضل المواقع لزراعة المحاصيل المناسبة، مما يُعظّم الاستفادة من الأراضي المحدودة، كما يمكن استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) وخرائط GPS لمراقبة الحقول واكتشاف الأمراض أو الآفات مبكرًا، مما يحد من استخدام المبيدات الكيميائية ويخفض التكاليف، بحيث يمكن أن تساعد الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) في التخصيب الدقيق بناءً على احتياجات التربة، مما يعزز جودة المحاصيل ويقلل التلوث البيئي.

مشيرا إلى أنه يمكن لسلطنة عُمان من خلال تبني هذه الأساليب تعزيز الأمن الغذائي عبر زيادة الإنتاج المحلي، خاصة في محاصيل استراتيجية مثل النخيل والتمور، حيث توفر الزراعة الدقيقة بيانات تساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مدروسة، مما يدعم تحول القطاع الزراعي نحو الاقتصاد الرقمي، ويمكن لهذه الخطوة أن تجذب استثمارات تكنولوجية وتُطور الكفاءات المحلية في مجال الزراعة الذكية، مؤكداً أن الزراعة الدقيقة تعد ركيزة مهمة لتحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040» في التنويع الاقتصادي والاستدامة، حيث يتطلب النجاح تطوير بنية أساسية رقمية وتدريب المزارعين على استخدام الأدوات الحديثة ذات العلاقة بالزراعة الدقيقة (Precision Agriculture)، كما ستعزز هذه الخطوة مكانة سلطنة عمان كدولة رائدة في تبني حلول مبتكرة لتحديات الزراعة في المناطق الجافة، مما يسهم في بناء مستقبل زراعي أكثر مرونة وازدهارًا.

استدامة الزراعة

وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط تسهم في توفير المياه بنسبة تصل من 50 إلى 80% مقارنة بالطرق التقليدية، خاصة في محاصيل النخيل بمحافظات السلطنة، حيث توزع المياه مباشرة على جذور النباتات دون هدر، فقد تتيح أنظمة الري الذكية المزودة بمستشعرات رطوبة التربة تحديد الاحتياجات المائية بدقة، كما تلك المستخدمة في مزارع البحوث الزراعية بالرميس، مما يمنع الإفراط في الري ويحافظ على الموارد المائية.

وأضاف: كما يمكن أن يُقلل استخدام الري بالرش المحوري (مثل الموجود في مزارع محافظة الظاهرة) من تبخر المياه، ويُناسب المحاصيل العلفية كالبرسيم، مما يعزز كفاءة الاستهلاك في المناطق الواسعة، حيث تسمح تقنيات الري تحت السطحي (Subsurface Drip Irrigation) بتغذية التربة مباشرة في مزارع شركة تنمية نخيل عمان، حيث تُستخدم لزراعة الخضروات في الترب الرملية، مما يحد من تسرب المياه والأملاح.

ويشير إلى أن أنظمة الري المُدارة بالذكاء الاصطناعي قد تدعم تحليل بيانات الطقس والتربة لتحديد أوقات الري المثلى مما يُحسن إنتاجية المحاصيل، حيث تُستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات الري في قرى جبال الحجر مما يُخفض تكاليف الكهرباء ويُعزز الاستدامة البيئية. حيث تعتمد مزارع الليمون في نيابة قلهات (مثلا) على أنظمة الري بالفقاعات (Bubble Irrigation)، التي توفر توزيعًا متجانسًا للمياه مع تقليل التبخر في المناطق الحارة، وفي محافظة جنوب الشرقية تُسهم مشاريع معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها للري (مثل مشروع بركاء) في توفير مصدر مائي مستدام لمحاصيل الأعلاف، بحيث تُطبق تقنيات الري التكيفي في واحات الجبل الأخضر لزراعة الفواكه مثل الرمان، حيث تُعدّل كميات المياه تبعًا للمراحل الزراعية مما يُحسن جودة المحصول ويقلل الهدر، حيث إن تبني هذه الأنظمة عبر مشاريع مثل استراتيجية الأمن الغذائي 2040 يمكن أن تدعم بشكل كبير تركيب أنظمة ري حديثة في المزارع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على حد سواء.

مقاومة التغييرات المناخية

كما قال الخميسي: يمكن تعزيز مقاومة المحاصيل للتغيرات المناخية في سلطنة عُمان من خلال دمج تقنيات مبتكرة تلائم تحدياتها البيئية، مثل استخدام التعديل الوراثي (GM) لتطوير أصناف محاصيل تتحمل الجفاف والملوحة ودرجات الحرارة المرتفعة. كما يمكن أن تسهم أنظمة الزراعة الذكية القائمة على أجهزة استشعار وإنترنت الأشياء IoT في مراقبة العوامل المناخية والتربة لحظيًا، مما يتيح إدارة دقيقة للري والتسميد وفقًا للظروف المتغيرة. بالإضافة إلى تحليل البيانات المناخية للتنبؤ بموجات الجفاف أو الأمطار وتوجيه المزارعين لاختيار المحاصيل المُناسبة لكل موسم، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تشمل الحلول تطبيق تقنيات حيوية لتحسين التربة، مثل استخدام الميكروبات المُثبِّتة للنيتروجين أو إضافة مواد عضوية كالبيوتشار لتعزيز خصوبتها وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه، حيث يعتبر إنشاء بنوك جينية لحفظ البذور التقليدية المقاومة طبيعيًا للمناخ خطوة حيوية لإحياء هذه الأصناف ودمجها في برامج التهجين المستقبلية، بحيث يسهم تبني هذه الحلول المترابطة في بناء قطاع زراعي مرن يتكيف مع تحديات سلطنة عُمان المناخية، ويُحقق أمنًا غذائيًا مع الحفاظ على الموارد المحدودة.

«الدرون » ومراقبة المحاصيل

كما أوضح مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الطائرات بدون طيار (المسيرة) ليست تقنية جديدة لكن استخدامها بدأ بالتزايد نتيجة للاستثمارات والتحرر في البيئة التنظيمية، حيث إن القطاع الزراعي من أكثر القطاعات الواعدة في هذا المجال وبالتالي يمكن للطائرات دون طيار أن تحل العديد من التحديات الرئيسية ويمكن أن تساهم الطائرات دون طيار في تجديد قطاع الزراعة باستخدام التكنولوجيا، حيث يمكن استخدامها خلال دورة المحاصيل: (من حيث تحليل التربة والحقول والتخطيط لزرع البذور، ويمكن أن تؤدي دورا عبر رسم خرائط دقيقة ثلاثية الأبعاد لتحليلات التربة الأولية، وجمع البيانات لإدارة عملية الري ومستويات النتروجين، كما يمكن للطائرات دون طيار أن تقوم بمسح الأرضي والرش في الوقت الفعلي وبشكل متساو، وترش المحاصيل أسرع بخمس مرات من الآلات التقليدية، ويمكن للصور الملتقطة على فترات زمنية منتظمة عن طريق الطائرات دون طيار أن تبين تطور المحاصيل وتكشف عن أي خلل في الإنتاج لتسمح بإدارة أفضل، ويمكن للطائرات دون طيار المزودة بأجهزة استشعار أن تحدد الأجزاء الجافة من الحقل أو تلك التي تحتاج إلى تحسين الري).

وأضاف مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الوزارة قامت بتطبيق استخدام الطائرات المسيرة (Drones) في تنبيت النخيل باستخدام التلقيح السائل وغبار الطلع، حيث تم تنبيت النخيل باستخدام غبار الطلع المخزن على صنفين هما المبسلي والخصاب وكانت النتائج واعدة وأدت إلى تحديد التركيز المثالي لمعلق حبوب اللقاح وكانت نسبة العقد جيدة أدت إلى تخفيف الاعتماد على القوى العاملة في تلقيح النخيل إضافة إلى توفير الوقت والجهد.

كما أن هناك جهودا مبذولة في المسوحات الجوية عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة للكشف المبكر عن حشرتي دوباس وسوسة النخيل الحمراء، باستخدام تكنولوجيا المسح الطيفي، وتسعي الوزارة إلى تطوير تقنيات رش المبيدات والمسوحات الجوية للكشف المبكر عن الآفات الزراعية ومكافحتها.

تقنيات الزراعة المائية

وأوضح أن الوزارة ممثلة بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية بعمل العديد من الدراسات البحثية ذات العلاقة باستخدام التقنيات الحديثة في البيوت المحمية والزراعة المائية، وإيجاد أصناف من محاصيل الخضر والفاكهة والمحاصيل الحقلية ذات إنتاجية وجودة عالية، إضافة إلى استخدام تقنيات التحسين والتهجين للحصول على الأصناف المتحملة للظروف المناخية للسلطنة. كما تم تنفيذ تجارب تتعلق بإنتاج الخضار في غير موسمها للتغلب على التحديات المرتبطة بالمناخ وذلك باستخدام التقنيات الزراعية للبيوت المحمية المبردة وتقنية الزراعة المائية والأحيومائية وذلك بهدف تحسين الإنتاجية والتقليل من استهلاك المياه، حيث تم نقل هذه التقنيات لدى المزارعين في مختلف المحافظات.

ومن بين البحوث التي تم تنفيذها تبريد المحلول المغذي المستخدم في الزراعة المائية لتقليل تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل التي ساهمت بشكل كبير في رفع الإنتاجية إلى حوالي 40% من خلال تهيئة الظروف الملائمة للنباتات لامتصاص الأسمدة بكافة مكوناتها، وقد تم نشر هذه التقنية لدى المزارعين من خلال برامج نقل التقنية الذي تقوم به الوزارة في مختلف أنحاء السلطنة.

وأكد الخميسي أنه في الزراعة المائية التي تعرف بـHydroponic التي هي إحدى الأساليب الزراعية القائمة على استبدال التربة بمحلول يحتوى على العناصر الغذائية التي تحتاجها النبتة، ويتم استخدامها لزراعة الخس، والطماطم، والفلفل، والخيار، والفراولة، الخ.. يتم في هذه التقنية تزويد الماء بالعناصر الغذائية المناسبة حسب نوع المحصول المراد إنتاجه. حيث تم إجراء دراسة في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية حول تأثير المحاليل المغذية على إنتاجية الخيار تحت ظروف البيوت المحمية المبردة باستخدام تقنية الزراعة بدون تربة (النظام المفتوح)، وقد أشارت الدراسة إلى أن المحلول المغذي الجديد قد تفوق في إنتاجية ‏أصناف الخيار بنسبة (8%)، وتم نشر هذه التقنية مع المزارعين من خلال برنامج نقل تقنيات الزراعة المحمية.

تقليل استهلاك المياه

ويشير الدكتور سيف الخميسي انه يمكن للتقنيات الحديثة أن تُسهم بشكل كبير في خفض استهلاك المياه بالزراعة العُمانية التي تعتمد حاليًا على الري التقليدي بنسبة 80% من مواردها المائية (وفقًا لوزارة الزراعة، 2022). فعلى سبيل المثال يقلل الري بالتنقيط الذكي (المُدمج مع أجهزة استشعار رطوبة التربة) الاستهلاك بنسبة تصل إلى (60%) مقارنة بالري السطحي، كما في مشروع تجريبي بمنطقة الباطنة حقق وفورات مائية بلغت (40%). أما الزراعة بدون تربة (الهيدروبونيك) فتوفر (90%) من المياه، وهو ما طُبق في مزارع محلية بإنتاجية أعلى بنسبة (30%). كما تُشير تقديرات منظمة الفاو إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باحتياجات الري قد يخفض الهدر المائي بنسبة (25-30%) في المناطق الجافة، ومن الأمثلة الواقعية مشروع «الزراعة الذكية» في ظفار الذي يعتمد على أنظمة مراقبة بالطاقة الشمسية، ووفر (35%) من المياه خلال عام 2023، هذه الحلول ليست ضرورية فقط لمواجهة ندرة المياه (حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في عُمان (100 ملم)، بل إنها تعزز أيضًا استدامة القطاع الزراعي في ظل تغير المناخ.

الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا

وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن استخدام الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا البيئية يُسهم في تعزيز الإنتاجية الزراعية بشكل مستدام، حيث تعتمد الأسمدة الحيوية (مثل البكتيريا المُثبِّتة للنيتروجين والفطريات المُسهِّلة لامتصاص العناصر) على تعزيز خصوبة التربة دون تلويثها بالمواد الكيميائية، فعلى سبيل المثال أظهرت تجارب في محافظة الظاهرة أن استخدام بكتيريا -Rhizobium- زاد إنتاج محاصيل البقوليات بنسبة (20%)، وفقًا لتقارير وزارة الزراعة (2023). أما التكنولوجيا البيئية مثل إضافة البيوتشار (فحم نباتي) إلى التربة، فقد حسّن احتباس الماء بنسبة (40%) في مزارع النخيل بمنطقة الباطنة، مما خفف آثار الجفاف.

وأكد أن تطبيق تقنيات التحلل الحيوي للمخلفات الزراعية أدى إلى تحويلها إلى أسمدة عضوية، مما خفض تكاليف الزراعة بنسبة (15%) وقلل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية، حيث ساهمت تقنيات (المعالجة الميكروبية) للتربة المالحة في إعادة تأهيل (500 هكتار) من الأراضي المتدهورة في محافظة ظفار، وفقًا لدراسة محلية عام 2022. وفي دراسة أخرى قللت التكنولوجيا الحيوية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث خفضت مزارع عُمان التي تعتمد على الأسمدة الحيوية انبعاثات الميثان بنسبة (12%). ولا تُعزز هذه الحلول الإنتاجية فحسب، بل تحمي التنوع البيولوجي؛ فقد يساعد استخدام الفطريات المفيدة (Mycorrhiza) في زيادة نمو أشجار الليمون مع الحفاظ على الكائنات الدقيقة في التربة.

تحسين جودة المحاصيل

كما أكد الخميسي أنه يمكن تعزيز جودة المحاصيل الزراعية في سلطنة عُمان عبر دمج التقنيات الحديثة التي تحسن القيمة الغذائية والتسويقية، مثل استخدام الزراعة الدقيقة التي تعتمد على بيانات وأجهزة الاستشعار عن بعد، مما يرفع جودة محصول التمور (مثلا) بنسبة (25%) عبر تحسين عمليات التلقيح والري التسميد. كما يمكن أن تساهم الطائرات المسيرة في رش المغذيات الدقيقة بدقة على مزارع الليمون العُماني، مما يزيد حجم الثمار وحمضيتها وبالتالي تعزيز قيمتها التصديرية، أما تقنيات التعديل الجيني (GM Food) غير الضارة، فقد طورت أصنافًا من القمح المقاوم للإجهادات الحيوية واللاحيوية، مع زيادة محتوى البروتين بنسبة (15%) كما تشير الدراسات في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية. كما يمكن للزراعة المائية أنتاج خضروات عضوية (مثل الخيار والطماطم) خالية من المبيدات، بجودة تفوق المنتجات التقليدية، مما يرفع سعرها في الأسواق المحلية بنسبة (30%). كذلك، يمكن أن يحسن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مراقبة نضج الفواكه، عبر تحديد الوقت الأمثال للحصاد مما يقلل الفاقد على الأقل بنسبة 20% ويزيد عمرها التخزيني. ومن خلال التقنية الحيوية يمكن إنتاج أصناف من النخيل مقاومة لآفة السوسة الحمراء، مع تحسين مذاق التمور وزيادة حجمها، أما التعبئة الذكية المزودة بمستشعرات لرصد الجودة، فقد ترفع قيمة تصدير الرمان العُماني إلى أسواق الخليج بنسبة (40%)، كما قد تساهم تقنيات التجفيف بالطاقة الشمسية في إنتاج الفواكه المجففة بالتجميد (مثل المشمش والتين) بجودة عالية وحفظ العناصر الغذائية مما يجعلها تباع بأسعار أعلى بنسبة (50%)، ونستطيع القول: إن دمج هذه التقنيات قد يعزز السمعة العالمية للمنتجات العُمانية، ويفتح أسواقًا جديدة، مثل تصدير العسل الجبلي الذي يمكن أن يراقب بتقنية البلوك تشين لضمان أصالته، مما يرفع طلبه في أوروبا وبقية دول العالم بنسبة قد تصل إلى( 60%) في الأعوام القادمة.

مقالات مشابهة

  • وزارة الإعلام : نؤكّد أنّ هذا الاعتداء يُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية التي تكفل حماية الصحفيين خلال أداء مهامهم، وندعو الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها في محاسبة الجناة
  • محافظ الجيزة: استغلال 400 عين ماء بالواحات البحرية في جذب السياحة العلاجية
  • أحمر الشواطئ يختتم مبارياته الودية بفوز عريض على تايلاند
  • رئيس الشاباك: يجب التحقيق مع جميع الجهات المسؤولة في الحكومة بشأن إخفاق 7 أكتوبر
  • بعد الضربات الأمريكية للحوثيين| هذا مصير باب المندب.. وأهمية حماية الممرات البحرية
  • "المطاحن العمانية " تعزز توسعها الخارجي لتحقيق الأمن الغذائي
  • «الزراعة الدقيقة».. خيار مستقبلي لتحسين إدارة المحاصيل العمانية وزيادة الإنتاج
  • خبير: المد والجزر في البحر الأحمر ينقي المياه ويعزز جاذبية الشواطئ
  • أكل سلحفاة وحشرات.. صياد تاه 95 يوما بالمحيط الهادئ يُعثر عليه حيا وهذا ما قاله عن تفادي الموت
  • احتفالًا بالمدينة العمانية