لجريدة عمان:
2025-02-02@11:12:53 GMT

في مديح العيون والأفلاج شعرا

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

في مديح العيون والأفلاج شعرا

حين فكَّرتُ في الكتابة عن مديح العُيون والأفلاج شِعْرًا، وما كتبه الشعراء العُمانيون في وصفها، لم أجد فيما لدَيَّ من دواوين إلا قصيدتين كُتبتا في هذه المُنْسَابَة بين جداولها، وكأنما هذه الينابيع والأنهار الصَّغيرة، وعددها في عُمان بالآلاف، لم تَرْوِ ذوائقَ الشُّعَراء، ولم تراودْ بخريرها مُخيِّلاتهم، ولعل قصائد أخرى لم أقف عليها، تضمها صفحات المدوَّنات، أو تحفظها الصدور.

هناك شعراء ذكروا العيون في قصائدهم، ويريدون بها أمكنة سُميتْ بأسماء العيون، مثال على ذلك قصيدة الشاعر أبو الأحول سالم بن محمد الدَّرْمكي (توفي عام 1224هـ/ 1809م)، في قصيدة النونية، التي لعبت بألباب الشعراء من بعده، وراحوا يجارونها، وتعد من عيون الشعر العُماني، في مطلعها ألمح بُلبُل الشعراء الدرمكي إلى ذكر «عين سَعْنَة»، يقول: (ما بينَ بابَيْ عَيْنِ سَعْنَةَ واليَمَنْ..)، وبعد بحث عن موقع العين، عرفت أنها اسم مكان يجاور حارة «اليَمَن» في ولاية إزكي، إذ لا يوجد فيها نبع جارٍ يحمل هذا الاسم، حتى في زمن الشاعر الذي عاش قبل مائتي عام، لم يكن هناك عين، ومع أن التسمية تُلمِح إلى عين جارية، إلا أن منابعها جفت منذ سنين بعيدة، ولم تعد رقراقة إلا في ذاكرة الشاعر.

وفي قصيدته النونية السَّامقة ببيانها الشعري، يلمح الشاعر أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني (ت: 1920م)، إلى نبعين يتباينان مكانًا ويجتمعان في بيت واحد، وهما «صَفْنَان» و«صَخْنَان». نونية البهلاني قصيدة استنهاضية من الشعر السياسي، ابتدأت بوصف حالة من الأنواء، تلتمع فيها البروق وكأنها الصَّوارم، أي السيوف الماضية، فتتدافع بسببها السُّحُب، وكأنها جُيوشٌ جرَّارة، اتخذت من الجو ميدانًا، فـ(تبجَّسَتْ بهَزِيمِ الوَدْقِ مُنبَعِقًا) أي تفجَّرت بالمطر النازل بقوة، (حتى تَسَاوتْ به أُكْمٌ وقيعَانُ)، المرتفعات والأودية، أنواء مناخية محتدمة، تعانقت فيها البروق، وتكثفت السُّحب، وصبَّ المطر حتى (سَقَى الشَّواجِنَ من رَضْوَى)، أي المرتفعات من الجبل الأخضر، (وَغَصَّ به سِرٌ وجَوْفٌ) أي منطقتي الظاهرة والداخلية، (وجَلَّلَ السَّهلَ والأوْعَارَ)، أي عمَّ الأماكن السَّهلية والوعرة، حتى يصل إلى البيت السادس من القصيدة، فيذكر فيه اسم نبعي الماء: (وَرَاثَ يَنْضَحُ للجَرْدَاءِ سَاحَتَها/ وَطَمَّ مَا رَدَّ صَفْنَانٌ وَصَخْنَانُ)، وبحسب شرح الدكتور راشد بن علي الدغيشي لديوان أبي مسلم، أنَّ «صَفنان»: (مورد ماء عذب يقع شرق مدينة سناو، وهو في وادي البطحاء الذي يمر بسمد الشأن وولاية المضيبي، حتى يلتقي بوادي عندام)، و«صَخْنان»: (مورد ماء عذب يقع في ولاية سمائل، يقصده الناس للري).

وفي ديوان الشيخ راشد بن سيف اللمكي (ت: 1333هـ/ 1915م)، وهو فقيه ومتصوف كبير، عاش في مدينة الرُّستاق، وعُرف بقصائده الإلهية والسُّلوكية، صدر ديوانه عن اللجنة الثقافية بنادي الرُّستاق الرياضي والثقافي، بتحقيق أحمد بن محمد الرُّمحي، في ديوانه قصيدتان ألمح فيهما إلى ذكر «فلج المَحيُول»، وهو اسم لبستان يقع على الضفة الشمالية من وادي الفرعي في الرستاق، بحسب محقق الديوان في هامش توضيحي، يرويه فلج صغير.

القصيدة الأولى في عتاب فلج المحيول، والثانية في مديحه، ويبدو أن الشاعر كتب الأولى في موسم الجدب، حين جف الزرع ونَضَب الماء، يقول فيها: (أيا فلجَ المَحْيُولِ ضَيَّقْتَ لي صَدْرِي/ وكُلُّ وِصَالٍ صِرْتَ تُجْزيهِ بالهَجْرِ)، (وَمَرَّتْ بكَ الأيَّامُ ما فِيكَ مَرْبَحٌ/ يُرَجَّى ولا نَجْحٌ على عَادَةِ النَّهْرِ)، ورغم الجدب واليباب، يجد الشاعر سلوته في مسجد صغير مجاور للنهر، يقول: (فمَا فيهِ إلا مَسْجِدٌ قُرْبَ نَهْرِهِ/ تَقِرُّ بهِ عَيْنِي وَيَشْرَحُ لِي صَدْرِي).

وأما القصيدة الثانية فنلمح فيها إشراقات الرَّضا عن هذا البستان المُمْرِع بالاخضرار، والخصب بالثمر يقول: (أيا فلجَ المَعْمُورِ هُنِّيْتَ بالبِشْرِ/ وَوُقِّيْتَ مِنْ جَدْبٍ وَحُصِّنْتَ مِنْ ضُرِّ)، يكتب محقق الديوان أيضًا: (.. وصف الشاعر «فلج المَحيُول» بالمعمور، لأنه أصبح معمورًا بالخصب)، وواضح من بيان القصيدة وبُنيَتها، أن الشيخ راشد اللمكي يصف البستان الذي فيه الفلج الصغير، يقول: (وقدْ أيْنَعَتْ أثمَارُهُ بتلوُّنٍ/ فذا أحْمَرٌ قانٍ وذا باسِمُ الزَّهْرِ)، (فَتِينٌ وَكَرْمٌ يَانِعٌ وَسَفَرْجَلٌ/ وَطلحٌ وَزَيتونٌ وَنبْقٌ مِنَ السِّدْرِ)، (يَصُبُّ على الحِيطانِ مَاءً بكثرَةٍ/ نَمِيرٌ وَعَذبٌ قد حَكىَ مَاءُ كوْثَرِ).

أما القصيدتان في وصف العين والفلج، فهما للشاعر محمد بن عبدالله المعولي، عاش الحياة في «مَنَح» بين القرنين السَّابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وله ديوان مطبوع، صدر عن وزارة «التراث القومي والثقافة» عام 1984م، في ديوانه قصيدتان، الأولى في وصف عين «مَنْبَك» نظمها الشاعر عام 1090هـ، وتتألف من 24 بيتًا، يستهلها بوصف البقعة التي تجري فيها العين، ويشبهها بياقوتة حمراء، أو جوهرة، أو روضة وارفة الظلال، أو جنة مزخرفة بالحُسْن، ويبالغ فيصفها بالغادة الغرَّاء واضحة الترائب، وتبدأ القصيدة بهذا المطلع: (يا بُقعَة فاقَتْ ببَهْجَتِها على كلِّ البِقاع)، (فكأنَّها يَاقوتَة/ حَمْرَاءَ تلمَعُ في البِقاعِ)، ثم يدخل في وصف العين بقوله: (عَيْنٌ تُسَمَّى مَنْبَكٌ/ مِنْ تَحتِها يا خَيْرَ دَاع)، (كالقُبَّةِ الزَّرْقاءِ في/ بَطْنِ الوِهَادِ أو القِلاع)، (فانظُرْ إلى ضَحْضَاحِها/ كالشَّمْسِ تَرْمِي بالشُّعَاعِ)، ولعلها القصيدة اليتيمة في ديوان الشعر العماني، إذ لم أقف على غيرها في وصف عين ماء.

والقصيدة الثانية يخصصها المعولي في مديح فلج «الأصْغرَين»، الذي يروي ضواحي «معمد» بولاية منح، يبدأ بمناداته: (أيَا نَهْرُ سُمِّيتَ بالأصْغَرَيْنِ/ وأنْتَ أُزْرِيْتَ على الأصْغَرِ)، في 26 بيتًا يصف فيها الفلج، بلغة طرية وبلاغة متناهية الجمال، وكأنه يرسمه بريشة فنان، فتارة يشبِّهه بالنهر، وتارة يصف طعمه بماء الوَرْد، أو الشَّهد أو السكَّر، أو المِسْك الأذفر، ويرى فيه سر الحياة للإنسان، فيناديه: (يا رُوْحَ أرْواحِ بَنِي آدَمٍ/ مِنْ مُوْسِرٍ فيهم ومِنْ مُعْسِرِ)، ثم يعلو به إلى ذرى كوكبي «كيوان/ زحل»، و«المشتري»، ويشاكل به أنهار الفردوس: (يا خيْرَ أنهارِ الوَرَى كُلِّها/ مِنْ سَائِرِ البُلدان والأخْضَرِ)، (كأنَّما مَاؤُكَ مِنْ جَنَّةِ/ الفِرْدَوْسِ أو مِنْ مِسْكها الأذفُرِ). قصيدة تسيل عذوبة، وإخال الشاعر وهو ينحني إلى ساقية الفلج، عند منبعه الأول «الشريعة»، فيغترف غرفة بيمينه، ويشرب من هذا النهر الجاري، الدافق منذ ما قبل زمن الشاعر بقرون وحتى اليوم، وقد شعر بطعمه العذب، فانسابت كلماته، متشكلة أغنية تشدو بها الحناجر، مثلما يشدو الفلج في سواقيه أغنية الماء.

تجدر الإشارة إلى بيتين في وصف فلج «الغَنْتَق» بنَزوَى، منسوبين للشيخ الفقيه عامر بن خميس المالكي (ت: 1346هـ)، وهما: (إنَّمَا الغَنْتَقُ نَهْرٌ/ كَمُلَتْ فيْهِ الصِّفاتُ)، (فهو في الخِصْبِ خَصِيبٌ/ وهو في المَحْلِ ثبَاتُ)، أثبتهما الباحث محمد السيفي في كتابيه «النمير»، و«السَّلوى في تاريخ نزوى»، نقلهما من المحفوظ عن مجموعة من المشايخ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی وصف

إقرأ أيضاً:

خاص | بعد "لا ثواني"..الشاعر محمود عليم يكشف أعماله قادمة مع بسمة بوسيل

 

 


عادت المغربية بسمة بوسيل إلى الساحة الغنائية وطرحت عدة أغاني منها أغنية "لا ثواني " الذي طرحتها مؤخرًا وحققت بها نجاح كبير جدًا وهى من كلمات محمود عليم.

 

وكشف الشاعر محمود عليم في تصريح خاص لـ الفجر الفني عن كواليس تلك الأغنية وتعاوناته مع بسمة بوسيل.

 

وقال:"اتقابلنا أنا وبسمة بوسيل سمعت اكتر من أغنية كانت أولهم لا ثواني وفي اغاني تانية نفسي نشتغلها، وفي اغاني قوية ليها نازلة متقلش عن لا ثواني ".


كلمات أغنية لا ثواني


لأ ثواني.. كل ده ومش شايف إني معاك بعاني؟!

كنت ممكن أقولّك إيه؟.. ولّا ليه؟

ما أنت ما تحطّتش مرة في يوم مكاني

انتظارك.. وإني أستنى إني أسمع اعتذارك

كان في منتهى الغباء.. ابتلاء

حُطّ إني فوقت منه في اعتبارك

أيوه بعلن انسحابي من انتمائي للي باقي

من مشاعري في يوم تجاهك

أيوه مش فارق معايا تكون معايا

مش هقضي عمري أشدّ في انتباهك

لازم أبدأ إني أنسى حاجة حاجة وكل حاجة

كانت بتاخد من أماني

كل ما أبعد عن حياتك كل ما أنسى ذكرياتك

كل ما رجع لي اتزاني

انتصاره.. إنه ينساك قلبي بيه ردّ اعتباره

آه، ضعِف طبعًا في يوم.. ع العموم

هو قوي دلوقتي وبقى سيد قراره

لأ حذاري.. لو هتيجي تقول لي نرجع مش هداري

انسى موضوع السماح.. مش متاح

وإني أفكر فيه، في ده قرار انتحاري

مقالات مشابهة

  • خاص| الشاعر محمود عليم يكشف لـ الفجر الفني موعد طرح أغنية "نور"
  • قصائد موشحة بالدلالات في بيت الشعر
  • خاص | بعد "لا ثواني"..الشاعر محمود عليم يكشف أعماله قادمة مع بسمة بوسيل
  • الحب من طرف واحد .. الابطال سودانيون
  • دار الكتب تناقش كتاب المراغي في معرض الكتاب
  • بركة يؤكد من العيون مواصلة الحكومة تنفيذ مشاريع إستراتيجية لتعزيز الأمن المائي
  • رئيس إستئنافية العيون: فعالية الأداء القضائي يعزز الثقة والمصداقية في القضاء
  • سلطات العيون ترحل أجانب بسبب أنشطة مشبوهة (فيديو)
  • جيهان مديح: نشر صورة الرئيس السيسي مع إبراهيم رئيسي تصرف مريب ومرفوض
  • شاعر مغربي من معرض الكتاب: نحن مدينون لمصر ثقافيًا