في العمق : معالجة الازدحام المروري فـي محافظة مسقط بحاجة إلى قرار وطني يتجاوز المزاجية وعقلية الندرة
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
يطرح واقع الازدحام المروري اليومي في محافظة مسقط الكثير من التساؤلات والنقاشات حَوْلَ الصورة القادمة للحكومة في التعامل مع أجندة هذا الملف، في ظلِّ ما باتَ يُشكِّله من تحدٍّ للسكَّان القاطنين في محافظة مسقط أو العاملين بها، سواء كان ذلك في فترة الذَّروة الصباحيَّة والمسائيَّة أو غيرها من الفترات الأخرى، على أنَّ ارتفاع الكثافة السكَّانيَّة في محافظة مسقط والَّتي تتجاوز غيرها من محافظات سلطنة عُمان، حيث يتوقع أن يصلَ عدد السكَّان فيها بحلول عام 2040 إلى (2.
وعلى الرغم من استشراف التوجُّهات الوطنيَّة لهذا المسار المروري، سواء في رؤية عُمان 2040 وأولويَّة «تنمية المحافظات والمُدُن المستدامة» والهدف: وسائل نقل متنوِّعة وسهلة الوصول، متكاملة مع التنمية العمرانيَّة الموجَّهة بشكلٍ سليم، وبنية أساسيَّة مستدامة عالميَّة المستوى، أو كذلك، الاستراتيجيَّة العمرانيَّة لمحافظة مسقط 2040 الَّتي أعطت هذا الملف حضورًا في مُكوِّناتها حيث جاء في أهداف الاستراتيجيَّة العمرانيَّة الإقليميَّة لمحافظة مسقط، ما نَصُّه: «تأسيس منظومة نقل متكاملة ومستدامة، تتميز بالسَّلامة وارتفاع قدرتها الاستيعابيَّة، وتوفير أنماط نقل متنوِّعة وميسَّرة، بما فيها (المترو الخفيف ونظام الحافلات السريعة(، وتشجيع التنقل غير الآلي الصحِّي النشط، كالمَشي واستخدام الدراجات الهوائيَّة»؛ إلَّا أنَّ واقع ما يحصل في هذا الملف من إنجازات على الأرض ما زال خجولًا ويَدُور في حلقة مفرغة، وينتابه حالة من الغموض والتشتُّت وعدم وضوح المسار أو اكتمال الأدوات، أو تقاطع جهود المؤسَّسات المعنيَّة فيه، ولعلَّ ما يشهده هذا الملف من تصريحات متباينة من أكثر من مصدر في وسائل الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي، سواء في تنفيذ الجسور أو زيادة الحارات أو المترو أو القطار أو بدائل أخرى للنقل وغيرها ـ وقَدْ يحدُث أن تكُونَ الجهة المعنيَّة ليست على عِلم بذلك ـ ما يؤكِّد أنَّ إجراءات العمل في التعامل مع هذا الملف ما زالت غير محسومة، ودُونَ وجود مسار مشترك بَيْنَها يحدِّد بوصلة العمل القادمة في هذا الملف، ويعطي المواطن صورة متكاملة حَوْلَ ما تمَّ إنجازه والفترة الزمنيَّة المحدَّدة للإنجاز والشركات الَّتي تمَّ إسناد المشروعات إليها واحتياجات الشركات في شأن تنفيذه، فإنَّ هذا البطء قَدْ يرجع إلى التباين في مرجعيَّته والمسؤول عَنْه، إذ المسألة اليوم تتعدَّى محافظة مسقط وبلديَّة مسقط ـ كونها المعنيَّة بشؤون المحافظة ومِنْها شبكات الطُّرق والنقل ـ إن أردنا لهذا المشروع الحضاري الوطني الخروج من الصندوق، ذلك أنَّ الملف في وضوحه لدى المواطن قَدْ أُشبع دراسة وحديثًا وتناولًا في المنصَّات الاجتماعيَّة وغيرها ولَمْ يَعُدْ بحاجة إلى الدراسات والتقييمات والتصريحات والأخبار الإعلاميَّة أو مزيدٍ من التغريدات والهاشتاقات عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة أو غيرها بقدر ما هو بحاجة إلى ممارسة على الأرض تبرز جديَّة الاهتمام.
وبالتَّالي فإنَّ قراءة هذا الملف وآليَّة التعامل مع يجِبُ أن تأخذَ في الحسبان جملة من الأبعاد الرئيسيَّة وهي: البُعد التنظيمي الهيكلي وعَبْرَ إيجاد مرجعيَّة وطنيَّة تضْمن تكامل الجهود المؤسَّسيَّة، تضْمن مشاركة كُلَّ المؤسَّسات المعنيَّة، وخلق حوار وتناغم وانسجام مؤسَّسي بَيْنَها في حلحلة متطلبات الملف وأجندته وتفاصيله، فلَمْ تَعُدِ المسألة اليوم في ظلِّ المتغيِّرات مقتصرة على مؤسَّسة بعَيْنها، بل إلى كونه منظومة مؤسَّسيَّة مُجتمعيَّة متكاملة تتشارك فيها كُلُّ قِطاعات الدَّولة والقِطاع الخاصّ والأهلي في سبيل البدء بتنفيذ كُلِّ الطموحات الوطنيَّة المتعلقة بإدارة وانسيابيَّة الحركة المروريَّة وما يرتبط به من مركز التحكم المروري، ونعتقد بأنَّ توجيهَ هذا المشروع الوطني تحت مسؤوليَّة مجلس الوزراء الموقَّر سوف يصنع التوازنات ويوجِّه مسارات العمل بطُرق أكثر سلاسة تحدُّ من تعقيد الإجراءات والبيروقراطيَّة وتنازع الاختصاصات، بالإضافة إلى البُعد المجالي المتمثل في تناول هذا الملف في إطار منظومة مروريَّة متكاملة لا تنفصل أجندتها عن بعضها البعض، بمعنى أنَّ البُعد المجالي يأخذ في الاعتبار كُلَّ ما ينضمُّ تحت هذا الملف بحيث يسير في صورة متوازنة من العمل، سواء ما يتعلق بتحسين شبكات الطُّرق وتحسين شبكات النقل ووسائل النقل الاستراتيجيَّة البديلة، والتخطيط الحضري والتقنيَّة الذكيَّة والتشريعات والإجراءات والثقافة المُجتمعيَّة، إذ إنَّ التوسُّع في الحارات مع ترك جانب الاهتمام بتطوير وتحسين وتنويع كفاءة النقل العامِّ، وتوفير والمترو وتنظيم شبكات استخدام الطُّرق قَدْ لا يُقلِّل من الازدحام المروري، إذ إنَّ نجاح هذه المنظومة المروريَّة وكفاءتها يرتبط بالنظر إلى مفرداتها ومفاهيمها وبرامجها وخططها ومُكوِّناتها في إطار منظومي متكامل؛ وكذلك البُعد الاستراتيجي التنموي إذ لَمْ تَعُدِ المسألة المروريَّة اليوم مساحة للمساومة فيها أو المزاجيَّة أو الانتظار لحين تحسُّن الموارد وارتفاع سعر النفط، أو أن يقرأَ في إطار فِقه المسؤول الحكومي وعقليَّة الندرة الَّتي يؤمن بها البعض ومفهوم الأولويَّات؛ بل خيار استراتيجي وطني يجِبُ أن يمضيَ قُدمًا في تحقيق أهدافه، كما يجِبُ أن تصنعَ الدَّولة من السِّياسات والفرص والممكنات مَن يضع هذا الملف في أولويَّة العمل الحكومي، وتمكين القِطاع الخاصِّ والأهلي والشركات الداخليَّة وتوجيه جهاز الاستثمار العُماني نَحْوَ استقطاب شركات وصناديق تمويل عالميَّة لها حضورها واهتماماتها في البنية الأساسيَّة وشبكات الطُّرق والنقل والمترو؛ بمعنى أنَّ تنفيذ هذه المشروعات لا يرتبط بوفرة الأذونات الماليَّة والموازنات الَّتي تدفعها الدَّولة، إذ يُمكِن أن تؤسسَ الدَّولة فرص نجاح هذا المشروع الوطني من خلال تعزيز الاستثمارات وتوفير الامتيازات والتسهيلات للشركات العاملة دُونَ الحاجة إلى موازنة الدَّولة في هذه الجانب، الأمْرُ الَّذي سيسرع من عمليَّة تنفيذه، لذلك نعتقد بأنَّ مسألة التأخير الحاصلة في إدارة الحركة المروريَّة بحاجة اليوم إلى قرار وطني استراتيجي للتنفيذ، يتجاوز حالة التفكير المالي المنغلق على نَفْسه، والَّذي ينتظر من الدَّولة توفير الموازنات، بل عَبْرَ فتْح آفاقٍ أرحب للاستثمارات الخارجيَّة، وطرح مشروعات بنية الطُّرق والنقل ومتعلقاتها للشركات العملاقة العاملة في قِطاع الطُّرق والنقل، كما أنَّ توسيع قاعدة الشراكة مع القِطاع الخاصِّ والحدَّ من عمليَّات الاحتكار باتت اليوم الطريق الَّذي يضْمن لهذا الخيار الوطني واقعيَّة التنفيذ.
عَلَيْه نعتقد بأنَّه آنَ الأوان للوقوف الجادِّ على معطيات الوضع المروري وإعادة توجيه الاهتمام به، وطرحه على الشركات العاملة والمتخصِّصة في إطار تعزيز الاستثمار في هذا القِطاع، ومراجعة آليَّات ونمط العمل الحالي الَّذي يتمُّ في إدارة وتنفيذ مشاريع الطُّرق الداخليَّة بمحافظة مسقط في ظلِّ ما تواجهه من بطء التنفيذ وعدم اكتمال هذه المشاريع أو عدم التزامها بالمواصفات المُحدَّدة من قِبل جهات الاختصاص نظرًا للتحدِّيات المتعلِّقة بالمتابعة والرقابة، ونقل هذا الملف من محافظة وبلديَّة مسقط إلى مجلس الوزراء حتَّى يتمَّ التعجيل فيه، خصوصًا في ظلِّ ارتفاع سقف الازدحام المروري الَّذي باتَ يُمثِّل تحدِّيًا لدى سكَّان المحافظة، بالإضافة إلى التفكير في بناء تشريعات وأُطر وطنيَّة تعظِّم من شأن الدوام المَرِن والدوام عن بُعد، وتوفير وسائل النقل لطلبة الجامعات ومؤسَّسات التعليم العالي بِدُونِ استثناء في سبيل الحدِّ من الاعتماد على النقل الخاصِّ مع تعزيز الكفاءة والجودة والأمان وتوفير نقاط داخليَّة في وسط الأحياء السكنيَّة لنقل الطلبة والموظفين وغيرها من الأمور الَّتي باتت تبرز حجم التوسُّع في الخيارات المتاحة والتنوُّع فيها؛ الأمْرُ الَّذي يؤكِّد أهمِّية إخراج هذا الملف من الدائرة المغلقة (الموازنات الماليَّة والتعقيد في الإجراءات والتنسيق بَيْنَ المؤسَّسات و… و…) إلى فتْح آفاقٍ أرحب تستشعر حجم التداعيات المرتبطة بالتأخير في معالجة هذا الأمْرِ على مختلف المنظومات التنمويَّة الاقتصاديَّة والإنتاجيَّة والوظيفيَّة والسِّياحيَّة ومعايير التنافسيَّة الدوليَّة، وبالتَّالي التسريع في تنفيذ متطلبات هذا الملف باعتباره أولويَّة الأولويَّات الَّتي يجِبُ أن يتمَّ التعامل معها بكُلِّ جديَّة ومهنيَّة وإخلاص.
د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الازدحام المروری فی محافظة مسقط هذا الملف من التعامل مع من إجمالی فی إطار ة الیوم ة مسقط
إقرأ أيضاً:
تقرير دولي: 655 ألف يمني بحاجة لمساعدات خلال موسم الشتاء
أكد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أن أكثر من 650 ألف شخص من النازحين والعائدين من النزوح والمجتمع المضيف في اليمن بحاجة إلى مساعدات المأوى والإغاثة خلال الموسم الشتوي هذا العام.
وقالت الوكالة في تقرير لها عن الوضع الإنساني في اليمن: "وفقاً لبيانات كتلة المأوى في سبتمبر/أيلول الماضي، سيحتاج حوالي 655 ألف شخص، بما فيهم أفراد المجتمع المضيف والنازحين داخلياً والعائدين من النزوح إلى مساعدات المأوى وإمدادات الإغاثة الطارئة خلال موسم الشتاء الممتد من أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى فبراير/شباط 2025".
وأضاف التقرير أن هؤلاء النازحين المنتشرين في 30 موقعاً داخل 11 محافظة، يحتاجون إلى مساعدة لمواجهة مخاطر الشتاء القادم، الذي "سيجلب معه ظروفاً شديدة القسوة نتيجة الأمطار الموسمية الغزيرة والفيضانات الجارفة غير المعتادة التي شهدتها البلاد خلال الأشهر السابقة".
وأشارت الوكالة إلى أن شركاء كتلة المأوى يعملون على حشد الجهود لتقديم الدعم الشتوي المنقذ للحياة، لـ232 ألف شخص من الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك "استبدال الملاجئ التالفة، وتوفير المواد والأدوات والدعم لإصلاح أو تدعيم الملاجئ الحالية، وتوزيع مجموعات المأوى الطارئة لمن يعيشون في العراء، وحزمة مساعدات الشتاء المكونة من البطانيات الحرارية والملابس الشتوية للأسر".