بعد إفشال مخطط الترحيل.. آفاق الجغرافيا السياسية والبشرية لقطاع غزة
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
رغم سقوط آلاف الشهداء والجرحى وتدمير آلة الحرب الإسرائيلية المصنعة غربياً لآلاف الأبنية والمنازل فوق رؤوس ساكينها في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، استطاع أهالي غزة من خلال صمودهم وثباتهم ورفضهم لفكرة الاقتلاع والترحيل إفشال المخطط الإسرائيلي ـ الأمريكي، الرامي إلى دفع الغزيين خارج وطنهم باتجاه شمال شبه جزيرة سيناء المصرية .
رحيل آخر الغزاة
يلحظ المتابع بأنه قد مرّ على قطاع غزة عديد الاحتلالات عبر التاريخ؛ بيد أن الاحتلال الإسرائيلي ومجازره ضد أهل غزة التي نشهد فصولها على مدار الساعة كان الأشرس منذ شهرين تقريبا، والأكثر همجية وفاشية وتقتيلا للأطفال والشيوخ والنساء، جنباً إلى جنب مع سياسة تدمير ممنهجة للبيوت على رؤوس ساكينها.
والثابت أن قطاع غزة صمد أمام رياح احتلالية عاتية في التاريخ، وبصمود أهله ومقاومتهم رحل المحتلون وبقيت غزة هاشم كما أسماها العرب شامخة؛ وتاريخ مدينة غزة كما كل فلسطين.. تاريخ مجيد حفظته ووعته الأجيال المتلاحقة.
وعندما احتل الجيش البريطاني فلسطين في عام 1920 بدأت مرحلة أخرى وبنمط احتلالي خاص، لكنه من نوع آخر، فقد فرض البريطانيون قوانين الطوارىء على أهالي المدن والمناطق الفلسطينية المختلفة، ومن بينهم الغزيين، وتعتبر تلك القوانين أكثر عنصرية في التاريخ المعاصر.
وعلى الرغم من الانسحاب الإسرائيلي وتفكيك المستوطنات الصهيونية من قطاع غزة في عام 2005 بعد احتلال مديد وبفعل مقاومة وكفاح أهلها، إلا أن الجيش الإسرائيلي جعل منه سجنا كبيرا لأكثر من مليونين ومائتي ألف فلسطيني خلال العام الجاري باتوا عرضة لعملية تقتيل واغتيال وتدمير مبرمجة بين فينة وأخرى.
رغم صغرمساحة قطاع غزة التي لا تتعدى 365 كيلومتر مربع وهشاشة بنيته التحتية، يبقى صمود الغزيين كابوسا مزعجا للاحتلال الإسرائيلي، حيث لا تكاد تمر سنوات دون حملة عسكرية إسرائيلية شرسة عليه تودي بأرواح المئات، وتدمر بنيته التحتية، ناهيك عن حصار اقتصادي مديد وخانق. لكن في مقابل ذلك وفي متابعة بسيطة لأخبار العدوان الإسرائيلي والمجازر التي ترتكب على مدار الساعة، لم يمنع الجرح العميق على رفع الغزيين شارة النصر والتحدي.
الجغرافيا السياسية
أنشئت غزة على تل يرتفع زهاء (45) متراً فوق سطح البحر؛ وقد تطور عمران المدينة أسفل التل من نواحي الشمال، والشرق والجنوب، ولم يمتد باتجاه الغرب إلا أخيرا، فأصبح موضعها الطبوغرافي يتألف من: الموضع القديم: ويشغله جزء من حي الدرج، وجزء من حي الزيتون، وكذلك مواضع التوسع في جهات الشرق والشمال والجنوب من التل: وتضم أحياء الشجاعية والتفاح، وجزءاً من حي الزيتون، وتتميز تلك المواضع بانبساط أرضها التي ترتفع حوالي (35) متراً عن سطح البحر، جنوبي شرق المدينة، إضافة إلى موضع الامتداد نحو الغرب: ويتألف من كثبان رملية غرست الأشجار في بعض أجزائها لصد زحف الرمال ، وأصبح اليوم يعرف بغزة الجديدة أو حي الرمال.
لم تكن المجزرة المروعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة في قطاع غزة سوى محاولة يائسة لإخضاع أهله وفرض الأمر الواقع وتنفيذ مخطط الترانسفير القديم الجديد باتجاه سيناء المصرية، لكن الدلائل تشي في قدرة الغزيين وقوى المقاومة على الصمود وكسر إرادة العدو وهزيمته في نهاية المطاف. وبشكل عام يوجد في غزة خمسة أحياء رئيسية هي: الدرج، الزيتون، التفاح، والشجاعية بقسميها الجديدة والتركماني، وقد امتدت غزة الجديدة على الرمال الممتدة من تل السكن على حدود المدينة القديمة إلى ساحل البحر المتوسط من الغرب.
كانت مدينة غزة قاعدة اللواء الجنوبي في فلسطين إبان الاحتلال البريطاني 1920 ـ 1948، وأصبحت عاصمة قطاع غزة منذ النكبة الكبرى في الخامس عشر من مايو/أيار من عام 1948. أقام فيها الحاكم الإداري العام لقطاع غزة خلال الفترة بين عامي 1948و1967 وقد ضمت مختلف الدوائر الرسمية.
وفي الخامس من حزيران / يونيو من عام 1967 احتل الجيش الإسرائيلي قطاع غزة وأخضعوه لحكم السلطات الإسرائيلية، بعد أن بقي القطاع تحت الإدارة المصرية منذ عام 1948 وحتى التاريخ المذكور. وقبل ذلك وفي عام 1948 أنشئت إسرائيل على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية، ونجا قطاع غزة من الاحتلال ليبق تحت الإدارة المصرية حتى تاريخ احتلاله من قبل الجيش الاسرائيلي في الخامس من حزيران /يونيو من عام 67، وبفعل المقاومة الفلسطينية انسحبت إسرائيل من قطاع غزة عام 2005.
الجغرافيا البشرية
من الأهمية الإشارة إلى أن قطاع غزة استقبل عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين إثر النكبة الكبرى، ومع التزايد الكبير لسكان القطاع ارتفع مجموعهم ليصل الى نحو مليونين وثلاثمائة الف فلسطيني خلال العام الجاري 2023 منهم أكثر من 76 في المائة هم من اللاجئين الذين ينحدرون من بئر السبع ومدينة يافا والمجدل وعسقلان، ويشكل اطفال غزة 53 في المائة من سكانه، ومرد ذلك ارتفاع معدلات الخصوبة الكلية للمرآة الغزية وتالياً ارتفاع معدل المواليد السنوي؛ وكنتيجة مباشرة لمعدل النمو الطبيعي المرتفع سيتضاعف سكان القطاع الصامد بعد عشرين سنة، أي أن مجموع سكانه سيصل إلى أربعة ملايين وستمائة ألف فلسطيني بحلول عام 2043.
لم تكن المجزرة المروعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة في قطاع غزة سوى محاولة يائسة لإخضاع أهله وفرض الأمر الواقع وتنفيذ مخطط الترانسفير القديم الجديد باتجاه سيناء المصرية، لكن الدلائل تشي في قدرة الغزيين وقوى المقاومة على الصمود وكسر إرادة العدو وهزيمته في نهاية المطاف.
*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة العدوان فلسطين فلسطين غزة عدوان رأي مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی على مدار الساعة قطاع غزة غزة من
إقرأ أيضاً:
القوى التي حررت الخرطوم- داخل معادلة الهندسة السياسية أم خارج المشهد القادم؟
هندسة المشهد- بين العودة العسكرية لحكومة الأمر الواقع والتحدي السياسي للقوى المدنية
بعد أشهر من سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة الخرطوم، تسعى حكومة الأمر الواقع (المجلس العسكري والحكومة الموالية له) لاستعادة السيطرة بعمليات عسكرية وأمنية مدروسة، إلى جانب تحركات سياسية لمواجهة القوى المدنية المعارضة التي تطمح إلى العودة كبديل سياسي عن هيمنة العسكر. فكيف يتم هندسة هذا المشهد؟ وما هي الأدوات المتاحة لكل طرف؟
أولاً: الاستراتيجية العسكرية لاستعادة الخرطوم
أعتمد حكومة الأمر الواقع على نهج متعدد الأبعاد، يجمع بين القوة الصلبة (العمليات العسكرية) والقوة الناعمة (الحرب النفسية والاستخبارات)، وذلك عبر:
العمليات العسكرية النوعية
حرب الشوارع المحدودة: استهداف معاقل الدعم السريع في مناطق استراتيجية مثل كافوري، شرق النيل، وأم درمان.
تطهير المحاور الرئيسية: تأمين جسر المك نمر، شارع الستين، ومطار الخرطوم.
استخدام وحدات النخبة: تنفيذ عمليات خاصة للقوات الخاصة والمظلات لضرب نقاط الارتكاز دون معارك طويلة الأمد.
حرب الاستنزاف اللوجستي - قطع خطوط الإمداد بين الخرطوم وولايات دارفور وكردفان.
استهداف مخازن الذخيرة والأسلحة بغارات جوية أو عمليات كوماندوز.
تعطيل الاتصالات لشل التنسيق بين عناصر الدعم السريع.
التغطية الجوية والمدفعية -إن أمكن، استخدام الطيران الحربي لقصف مواقع الدعم السريع.
الاعتماد على المدفعية بعيدة المدى لضرب التجمعات العسكرية دون خسائر مباشرة.
الأدوات الأمنية والاستخباراتية
الحرب النفسية والإعلامية - نشر أخبار عن انهيار معنويات الدعم السريع، وتسليط الضوء على الفظائع المنسوبة له لتبرير العمليات العسكرية.
الاستخبارات والتجسس- اختراق صفوف الدعم السريع، تجنيد عناصر منه، ونشر الشائعات لزعزعة التحالفات الداخلية.
التحالفات المجتمعية- استمالة القبائل والعائلات المتضررة، وتشكيل لجان مقاومة موالية للحكومة لتعويض نقص القوات.
ثانيًا: القوى المدنية والتحدي السياسي
في المقابل، تسعى القوى المدنية المعارضة لإعادة البلاد إلى المسار الديمقراطي، لكنها تواجه معضلة العمل وسط مشهد عسكري معقد. استراتيجياتها تشمل:
أدوات المواجهة المدنية
الضغط الشعبي والمقاومة المدنية:
تنظيم التظاهرات والإضرابات لاستعادة زخم الحراك الثوري.
تشكيل لجان مقاومة موحدة على مستوى الأحياء.
تنظيم حملات عصيان مدني (إضرابات عامة، مقاطعة مؤسسات النظام).
البناء المؤسسي البديل- تعزيز دور تجمع المهنيين السودانيين كإطار سياسي تمثيلي.
تفعيل دور النقابات والاتحادات المستقلة.
إنشاء هياكل حكم محلي بديلة في المناطق غير الخاضعة للسلطة العسكرية.
كسب الدعم الإقليمي والدولي -
تعزيز العلاقات مع الدول الداعمة للديمقراطية.
الضغط على المنظمات الدولية لعزل النظام.
توثيق الانتهاكات لكسب الرأي العام العالمي.
المعضلات الرئيسية أمام القوى المدنية
الشرعية مقابل القوة: تمتلك الشرعية الثورية لكنها تفتقر للأدوات التنفيذية.
الوحدة مقابل الانقسامات: تعاني من تشرذم داخلي بين مكوناتها المختلفة.
المشاركة السياسية مقابل المقاطعة: جدل مستمر حول الانخراط في أي عملية تفاوضية تحت إشراف العسكر.
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة
سيناريو الحسم العسكري
إذا نجحت القوات الحكومية في عزل الدعم السريع واستعادة الخرطوم بالقوة، فقد يؤدي ذلك إلى فرض واقع سياسي جديد، لكنه سيكون مكلفًا بشريًا واقتصاديًا.
سيناريو حرب الاستنزاف
قد تتحول المعركة إلى مواجهة طويلة الأمد، تعتمد فيها الحكومة على الحصار والتجويع الاقتصادي، بينما يواصل الدعم السريع حرب العصابات.
سيناريو التسوية السياسية
قد تسفر العمليات العسكرية عن استعادة جزئية للعاصمة بسبب امدرمان وبعض المناطق خارج سيطرة الجيش ، مما يفتح الباب لمفاوضات مشروطة، خاصة إذا تعرضت البلاد لضغوط إقليمية ودولية.
سيناريو انهيار القوى المدنية
إذا استمرت الخلافات بين القوى المدنية، فقد تتحول إلى معارضة رمزية غير مؤثرة، مما يسمح باستمرار الهيمنة العسكرية.
معركة الإرادات بين العسكر والمدنيين
أن الصراع على الخرطوم ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل معركة إرادات بين القوى العسكرية والقوى المدنية. في حين تعتمد الحكومة على مزيج من القوة الصلبة والأدوات الأمنية، تواجه المعارضة المدنية تحديات
تتطلب إعادة ترتيب صفوفها واستراتيجية متماسكة. في النهاية، يبقى مستقبل السودان مرهونًا بقدرة كل طرف على فرض رؤيته أو الوصول إلى تسوية تضمن استقرارًا طويل الأمد دون إعادة إنتاج الحكم العسكري.
zuhair.osman@aol.com