الحرب على غزة.. في تفسير الموقف الألماني
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
لم يحدث أن شهدت أوروبا منذ عقود انقساما حادا في المواقف السياسية تجاه القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي مثلما حدث مع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.
السبب في ذلك عملية "طوفان الأقصى" الفريدة من نوعها من جهة والحرب الإسرائيلية على غزة ـ الفريدة من نوعها أيضا ـ ضمن سياق الحروب على القطاع من جهة أخرى.
غير أن ما يلفت الانتباه هذه المرة حدة المواقف الأوروبية وتعبيراتها الخطابية، سواء المؤيدة أم المناهضة لإسرائيل، ففي حين برزت إسبانيا عرابة المناهضين للحرب الإسرائيلية إضافة إلى ايرلندا وبلجيكا ولوكسمبورج والنرويج، برز موقف ألماني فج ملفت للانتباه في تأييده لإسرائيل دون مراعاة حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما يهتم به هذا المقال.
الموقف الألماني
بعد يومين من عملية "طوفان الأقصى" أصدرت ألمانيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا بيانا مشتركا أكدت فيه تضامنها مع إسرائيل.
وبعد عشرة أيام على عملية "طوفان الأقصى"، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز من تل أبيب أن أمن إسرائيل مصلحة وطنية عليا لبرلين.
ترجم هذا التصريح عمليا بتصدير ألمانية أسلحة ومعدات عسكرية إلى إسرائيل، فضلا عن السماح لإسرائيل باستخدام مسيرتين حربيتين تصنعهما إسرائيل، كانتا تحت تصرف ألمانيا في الهجوم على قطاع غزة، في وقت علقت ألمانيا المساعدات للأراضي الفلسطينية، وربطت استئنافها بما سماه المستشار الألماني تحقيق السلام لـ "الدولة الإسرائيلية".
ترجم الموقف الألماني الرسمي ليس بانحياز حاد لائتلاف الحكومة الألمانية بمختلف أحزابها ـ باستثناء أحزاب اليسار ـ في دعم إسرائيل فحسب، بل بتشديد الخناق على أي تصريح أو خطوة عملية من شأنها دعم الفلسطينيين، بحيث أصبحت ألمانيا مساعدة كاملة لدعم إسرائيل.
تفسير الموقف الألماني
ثمة سبعة أسباب تتفاوت في شدتها وتأثيرها تفسر الموقف الألماني الحاد في دعم إسرائيل:
أولا، عقدة الهولوكوست: نشأت هذه العقدة من مفهوم الفرادة، وهو مفهوم توصل إليه كثير من الباحثين الغربيين مفاده أن الهولوكوست حدث تاريخي متفرد، لم يحدث مثله في التاريخ.
ولما كانت له هذه الصفة، فإن معاناة الشعب اليهودي تختلف كثيرا عن معاناة أي شعب آخر، بما فيه الشعب الفلسطيني، بمعنى أن حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير لا ترقى أبدا إلى حقوق الشعب الإسرائيلي في الأمن والأمان، مع ما يتطلبه ذلك من نفي لحقوق الآخرين.. إن فرادة الهولوكوست كظاهرة تاريخية تتطلب مواقف فريدة من نوعها.
ثانيا، الارتباط العميق بين الاستعمار والصهيونية: في سعيها إلى بناء الدولة القومية الأوروبية، عملت النازية على تصفية القارة من اليهود عبر مسارين، الأولى التصفية الجسدية والثاني دعم الهجرة إلى فلسطين، وهذا ما يفسر الدعم الألماني المطلق بعد الحرب العالمية الثانية للكيان الإسرائيلي باعتباره كيانا استعماريا، وما يفسر التعاون الوثيق في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية بين ألمانيا والمنظمات الصهيونية في دعم الهجرة إلى فلسطين.
ثالثا، المنبت البروتستانتي للصهيونية: نشأت الصهيونية المسيحية من المذهب البروتستانتي بداية القرن الـ 16 في ألمانيا مع الإصلاح الديني بزعامة مارتن لوثر، خصوصا فيما يتعلق باعتقاد الكنيسة اللوثرية ـ البروتستانتية الجديدة بأن قيام دولة إسرائيل مسألة دينية، باعتبارها تجسيدا لنبوءات الكتاب المقدس، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح المخلص إلى الأرض.
ومنذ ذاك التاريخ، وبخلاف الكنيسة الكاثوليكية، أكدت الكنيسة البروتستانتية أنه لم يعد بالإمكان فهم العهد الجديد (الإنجيل) دون العودة للعهد القديم (التوراة والكتب المقدسة الأخرى عند اليهود)، وقد كتب مارتن لوثر كتابا بعنوان "المسيح ولد يهوديا" أكد فيه أن المسيحيين واليهود ينحدرون من أصل واحد.
ويرى المؤرخ اليهودي وأستاذ التاريخ بجامعة مونتيريال يعقوب رابكن أن اليهود جاؤوا إلى الصهيونية بعد المسيحيين بمدة طويلة.
تشكل العوامل الثلاثة السابقة الأساس الهوياتي ـ الثقافي للدعم الألماني لإسرائيل، أما العوامل الأخرى فهي عوامل مؤقتة مساعدة.
رابعا، تزايد قوة اللوبي الصهيوني في ألمانيا: شهد اللوبي الصهيوني خلال العقود الثلاثة الماضية توسعا في نفوذه داخل الساحة الألمانية، خصوصا في المجتمع المدني، حيث أصبح لديه نفوذا قويا في وسائل الإعلام والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية.
خامسا، الحكومة الألمانية الحالية: وهي حكومة ائتلافية (الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب الخضر، الديمقراطي الحر) تعلن دعمها لإسرائيل.
سادسا، التقارب الألماني ـ الأمريكي مؤخرا بسبب طبيعة الحكومة الألمانية الحالية، وبسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
سابعا، الضعف العربي ـ الإسلامي على الصعيد الدولي، ما يجعل انعدام وجود أي تكلفة اقتصادية وسياسية تترتب على دعم إسرائيل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الحرب غزة موقف المانيا فلسطين غزة حرب موقف مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دعم إسرائیل
إقرأ أيضاً:
بعد «غوغل».. الكشف عن دور «مايكروسوفت» في الحرب الإسرائيلية على غزة
بعد ساعات من تسريب وثائق سرية عن التعاون بين غوغل ووزارة الدفاع الإسرائيلية بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، نشرت صحيفة غارديان البريطانية تحقيقا أكد أن شركة مايكروسوفت الأميركية عززت علاقاتها مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لتقديم الدعم التكنولوجي خلال الحرب على غزة.
وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية تشير وثائق إلى أن “الجيش الإسرائيلي استخدم منتجات وخدمات الشركة، بما في ذلك تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي”.
وتشير الوثائق المسربة على اتجاه عالمي جديد حيث لا تكون شركات التكنولوجيا مجرد مقدمي خدمات، بل شركاء استراتيجيين في العمليات العسكرية وحتى متورطين في صراعات جيوسياسية مختلفة.
وتُظهر الوثائق أن اعتماد الجيش الإسرائيلي على تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت ازداد بشكل كبير خلال المرحلة الأكثر كثافة من القتال والقصف في غزة، على الأرجح في ضوء الحاجة المتزايدة لتحليل الهدف واتخاذ القرار.
كما توفر الوثائق، التي تم الكشف عنها كجزء من تحقيق أجرته صحيفة الغارديان بالتعاون مع المواقع الإسرائيلية “ميكوميت” و”ماغازين +972″، لمحة نادرة عن التكامل المتزايد للتكنولوجيات الأميركية في نظام الدفاع الإسرائيلي.
وتشير الوثائق إلى معاملات بقيمة 10 ملايين دولار على الأقل، والتي شملت آلاف الساعات من الدعم الفني من مايكروسوفت والاستخدام المتزايد لمنصة “آزور” Azure السحابية من قبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
ووفقا للوثائق، التي تتضمن أدلة من الأنشطة التجارية لوزارة الدفاع ووثائق من فرع مايكروسوفت في إسرائيل، استخدمت منتجات وخدمات الشركة من قبل مجموعة متنوعة من وحدات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك سلاح الجو والبحرية وفرع الاستخبارات.
وتم استخدام منصة “آزور” للاحتياجات الإدارية، مثل البريد الإلكتروني وإدارة الملفات، وكذلك لدعم الأنشطة القتالية والاستخباراتية، بحسب ما ذكر موقع “واي نت” الإسرائيلي.
وبحسب مصادر أمنية، أصبحت مايكروسوفت شريكا حاسما زود الجيش الإسرائيلي بالبنية التحتية المتقدمة ومكنه من تحليل وإدارة كميات هائلة من المعلومات في الوقت الفعلي.
في الوقت نفسه، عملت مايكروسوفت بشكل وثيق مع فرع الاستخبارات، بما في ذلك الوحدة 8200، في مشاريع حساسة وسرية.
وفي السنوات الأخيرة، منحت الشركة أيضا الجيش الإسرائيلي إمكانية الوصول إلى نموذج الذكاء الاصطناعي “جي بي تي 4” من “أوبن إيه آي”، كجزء من تغيير في سياسة الشركة، والذي يسمح بالعمل مع أجهزة الأمن.
وفي وقت سابق، كشفت صحيفة واشنطن بوست عن التعاون بين غوغل ووزارة الدفاع الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي خلال الحملة على غزة، والتي بدأت في أكتوبر 2023.
تُظهر الوثائق كيف منحت الشركة إمكانية الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة الخاصة بها لأجهزة الأمن، على عكس تصريحاتها العامة التي تحاول النأي بنفسها عن الاستخدامات العسكرية لتكنولوجيتها.
ورغم أن غوغل صرحت في وقت سابق بأن العقد غير مخصص للاستخدامات العسكرية الحساسة أو السرية، إلا أن الوثائق أظهرت أنه بعد هجوم حماس، عمل موظفو غوغل على منح المؤسسة الدفاعية إمكانية الوصول إلى خدمات متقدمة مثل “فيرتكس”، وهي منصة تمكن من تحليل البيانات وتنفيذ خوارزميات الذكاء الاصطناعي للاحتياجات المخصصة.
وكشفت الوثائق أيضا أن الجيش الإسرائيلي استخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين قدراته في ساحة المعركة.
تم تصميم “جيميناي” لتزويد القادة بقائمة من الأهداف المحتملة، بناء على تحليل البيانات مثل الاتصالات التي تم اعتراضها وصور الأقمار الصناعية وغيرها من المعلومات الاستخباراتية.
وبُني “جيميناي” على مئات الخوارزميات، مما سمح بتحليل سريع للغاية للبيانات وإنتاج إحداثيات الأهداف، مثل مواقع إطلاق الصواريخ والأنفاق. ومع ذلك، أعرب كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي عن مخاوفهم بشأن الاعتماد المفرط على النظام، وخاصة فيما يتعلق بدقة وقدرة التكنولوجيا على استبدال التحليل البشري التقليدي.
وفي إسرائيل، يشير التعاون بين الجيش الإسرائيلي وشركات أميركية مثل مايكروسوفت وأمازون وغوغل إلى الحاجة الأمنية المتزايدة إلى التقنيات المتقدمة في العصر الرقمي، والتي تهدف، من بين أمور أخرى، إلى الحفاظ على التفوق الاستراتيجي والأمني لإسرائيل.