عن صناعة واحتكار السرديّة في الغرب
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
هدم العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين في غزة الغطاء عن الكثير من الأوهام التي كان يتم الترويج لها والأصنام التي كانت تعبد حول العالم حول النظام الدولي وحقوق الإنسان والمرأة والطفل وأجندة الحريات والديمقراطية، وإن كان البعض يعتقد أنّ ذلك ليس بجديد، إلا أنّ حجم الانكشاف هذه المرّة غير مسبوق كما يأتي في ظروف مختلفة للغاية أبرزها التراجع المهول للغرب ولاسيما الولايات المتّحدة الأمريكية على المستوى الدولي، واستكمال انهيار الأسس التي قام عليها النظام الدولي الذي أوجدته الدول الغربية بشكل أساسي بعد الحرب العالمية.
إحدى القضايا المهمّة في هذا الصراع اليوم هو التغطية الإعلامية الغربية للعدوان الإسرائيلي على غزة. وسائل الإعلام الغربية لم تتبن فقط الرواية الإسرائيلية ـ خاصة الرواية الرسمية على اعتبار أنّ الإسرائيليين مختلفين أيضا فيما بينهم ـ وإنما قامت بصناعتها واحتكار السردية وتسويقها بما يرتقي إلى المشاركة المباشرة في العدوان على الفلسطينيين.
وتقوم وسائل الإعلام الغربية بصناعة واحتكار السرديّة عبر تكتيكات مختلفة من بينها على سبيل المثال التقارير الانتقائية، حيث تقّرر أن تغطي بعض الأحداث أو التطورات المختارة بعناية مع تجاهل تام لأحداث وتطورات أخرى أكثر أهمّية تتمّ في نفس السياق والآن وذلك لتشكيل رأي عام عن طريق التحكّم في تدفّق المعلومات والزاوية المراد لها أن تترسّخ في الإدراك العام من خلال هذه التغطية بما يتوافق مع أجندة ومصالح هذه المؤسسات التي عادة ما يتم دعمها من قبل حيتان المال لبعض اللوبيات العالمية.
وتلعب تقنيّات التأطير العام كذلك دوراً أساسياً في صناعة السرديّة حيث يتم تأطير الأحداث بشكل مغاير للحقائق تماماً أو بشكل يظهر ازدواجية لا لبس فيها، لكنّ هذه الازدواجية لا تظهر لمن هم منغمسون في تلقي رسائل موحدّة من هذا التأطير، فالأبيض عندما يمارس الإرهاب ويرتكب الجرائم بحق المدنيين يظهر على صفحات الجرائد وعلى وسائل الإعلام بأنّه شخص تعرض لصدمة عاطفية أو يتم تصويره على أنه أب حنون سلك طريقا خاطئاً أو أنّه شخص يعاني من اضطراب نفسي أو عقلي ليتم إعفاؤه من تحمّل تبعات جريمته، بينما يظهر ذو السحنة السمراء كإرهابي حتى وإن ارتكب عملاً لا يصنّف ضمن هذه الخانة أو حتى لم يرتكبه على الإطلاق.
وما ينطبق على الأشخاص ينطبق إلى حد كبير على الدول وإن كان بشكل مختلف، فالحروب التي تسعّرها الدول الغربية هي حروب للدفاع على النفس ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان!
وسائل الإعلام الغربية لم تتبن فقط الرواية الإسرائيلية ـ خاصة الرواية الرسمية على اعتبار أنّ الإسرائيليين مختلفين أيضا فيما بينهم ـ وإنما قامت بصناعتها واحتكار السردية وتسويقها بما يرتقي إلى المشاركة المباشرة في العدوان على الفلسطينيين.ثمّ يأتي دور "الخبراء" في إضفاء الشرعيّة على التغطية الانتقائيّة والتأطير الذي تمّ حيث يتم اختيار مجموعة محددة من هؤلاء بعناية، وغالباً ما تكون يقتصر دورهم على إضفاء الشرعية على السردية وتضخيم صداها وغالبا ما يتم ذلك من خلال استبعاد الأصوات التي تتحدى هذه السردية أو تقدّم تصورا مختلفاً إلا في حدود خدمة شرعية السردية القائمة من خلال إضفاء تنوّع شكلي على المضمون.
ويتبع هؤلاء ما يعرف باسم "غرف الصدى"، حيث تقوم وسائل الإعلام ببث والتسويق للرواية المصنوعة بعناية عبر عدد من المنصات الأخرى التابعة لها أو المقربة منها مما يعطي الانطباع بأنّ الرواية هي مجرّد وقائع تعكس الحقيقة وأنّ هناك اتفاق على هذه الحقيقة، مما يسهّل فيما بعد تسيّد هذه الرواية للمشهد العام وتردادها ليس من قبل الوسائل الأخرى فحسب بل من قبل المستهدفين بها وهذا هو الأهم.
في المرحلة الأخيرة من التكتيكات المتّبعة لصناعة وتسويق السرديّة يأتي دور عنصر التكرار لكل ما سبق وأن تمّ فعله. التكرار يعمل على ترسيخ التصوّر الخاطئ في ذهن المتلقي كأنه حقيقة خاصة عندما يتم احتكار عملية تصنيع وتسويق السردية ومنع الآخرين بحجج مختلفة. ويتم تطبيق نفس هذا التكتيك وتعزيزه حتى في وسائل التواصل الاجتماعية من خلال خوارزميات وبرمجيات تحدد بشكل مسبق ما يسمح للمتلقي بالاطلاع عليه وما يجب عليه مشاهدته أو قراءته فيما يتم حذف المحتوي غير المرغوب فيه أو الذي قد يؤثر على الصورة المراد ترويجها.
وتتطلب هذه العملية بطبيعة الحال السيطرة على مصادر المعلومات والتحكم بها وبتسويقها، كما تتطلب تجاهل الحيثيات والتفاصيل والسياق وأي شيء من شأنه أن يشير إلى الصورة الحقيقيّة.
ويؤدي هذا النمط من العمل الإعلامي من صناعة واحتكار التصور والترويج له إلى إشغال الطرف الرافض للرسالة المراد إيصالها في الرد على هذه السردية المصطنعة والتفاصيل التي يتم إغراق المتلقين بها، وبالتالي الترويج لها من جديد بطريقة غير مباشرة والعزوف عن تسليط الضوء على الحقيقة.
لهذا النوع من تشويه الحقائق والوقائع تكلفة بطبيعة الحال، إذ لا يمكن الاستمرار فيه دون توقع ردّات فعل أو انعكاسات على مستوى وسائل الإعلام نفسها وعلى ما يسمى بالمصداقية والأجندة والأهداف ومن يقف خلف كل هؤلاء في إدارة المشهد الإعلامي. كما يؤدي هذا النوع من احتكار السرديّة وتسويقها إلى تغذية الصراعات والتوترات والحروب من خلال إعفاء الطرف المعتدي من تحمّل أي تبعات او إلتزامات. هل سيكون الإعلام الغربي بمنأى عن دفع فاتورة دوره في العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين؟ لا أعتقد ذلك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدوان الفلسطينيين غزة الغربية فلسطين غزة مواقف غرب عدوان مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الفلسطینیین وسائل الإعلام السردی ة من خلال ما یتم
إقرأ أيضاً:
ترامب يصالح وسائل الإعلام بعد تصريحات إطلاق النار.. سأعمل مع الصحافة العادلة
أكد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أنه من أجل "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، من الحيوي أن يكون هناك إعلام حر ونزيه ومفتوح، موضحا أنه "يشعر بأنه لديه التزام تجاه الشعب الأمريكي للعمل مع الصحافة، حتى أولئك الذين عاملوه بشكل سيئ يتجاوز الفهم".
وقال ترامب في مقابلة مع "فوكس نيوز ديجيتال" إنه في صدد تحويل أمريكا إلى "أعظم وأقوى دولة في العالم"، وناقش علاقته بوسائل الإعلام، وكيف يخطط للتفاعل مع الصحافة في ولايته الثانية.
وأضاف أنه "من أجل جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، من المهم للغاية، إن لم يكن حيويًا، أن يكون لدينا إعلام أو صحافة حرة ونزيهة ومنفتحة، وتلقيت اتصالا من جو سكاربورو يطلب فيه عقد اجتماع له ولميكا، واتفقت معه على أنه سيكون من الجيد عقد مثل هذا الاجتماع".
وأوضح "تحدثنا عن العديد من أعضاء مجلس الوزراء - سواء المعلنين أو الذين سيتم الإعلان عنهم. وكما هو متوقع، فإنهم يحبون بعضهم كثيرًا، ولكن ليس كلهم، انتهى الاجتماع بطريقة إيجابية للغاية، واتفقنا على التحدث في المستقبل".
وبين "أتوقع أن يحدث هذا مع آخرين في وسائل الإعلام، حتى أولئك الذين كانوا عدائيين للغاية، قائلا إنه يشعر بأنه لديه "التزام تجاه الجمهور الأمريكي، وبلدنا نفسه، بأن يكون منفتحًا ومتاحًا للصحافة".
وشكر ترامب "العديد من المراسلين والصحفيين والبرامج ومصادر الإعلام الجديدة، والتي يوجد منها الكثير، والذين كانوا صادقين وأمناء ومهنيين على مدار سنوات رئاستي وترشحي، كانوا هم الذين أبقوني في اللعبة، وكانوا هم الذين منحوني النصر، وهو ما نادرًا ما شهدته بلادنا من قبل".
وأضاف "هؤلاء الأشخاص والمنظمات، وهم يعرفون من هم، ويجب أن يكونوا كذلك، فخورون جدًا بأنفسهم، ولديهم الحق في أن يكونوا فخورين، ولدي الحق في أن أقول لهم مبروك".
وقبيل الانتخابات الأمريكية، اشتكى ترامب وجود فجوات في الزجاج الواقي من الرصاص الذي كان يتحدث من خلفه، قائلا "لن أمانع مطلقا إذا أطلق شخص النار على وسائل الإعلام للوصول إليه".
وفي خطاب دام 90 دقيقة قبل يومين من الانتخابات الرئاسية المقررة الثلاثاء، أشار ترامب إلى وجود فجوات في الألواح الزجاجية المحيطة به.
وكان بمقدور بعض الصحفيين رؤية ترامب من خلال إحدى الفجوات في أثناء تجمعه الانتخابي الذي عقده في ليتيتس بولاية بنسلفانيا.
وقال ترامب وهو يستعرض الفجوات الموجودة في الألواح الزجاجية: "للوصول إلي، يجب على شخص ما أن يطلق النار على إعلام الأخبار الكاذبة، لن أمانع مطلقا".
وأصدر ستيفن تشيونغ المتحدث باسم حملة ترامب بيانا قال فيه إن الرئيس السابق حريص على سلامة وسائل الإعلام.
وجاء في البيان "تصريح الرئيس بشأن وضع الزجاج الواقي لا علاقة له بتعرض وسائل الإعلام للأذى أو أي شيء آخر. بل يتعلق بالتهديدات الموجهة إليه والتي أججتها الخطابات الخطيرة من جانب الديمقراطيين".