عربي21:
2025-04-27@08:44:10 GMT

عن صناعة واحتكار السرديّة في الغرب

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

هدم العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين في غزة الغطاء عن الكثير من الأوهام التي كان يتم الترويج لها والأصنام التي كانت تعبد حول العالم حول النظام الدولي وحقوق الإنسان والمرأة والطفل وأجندة الحريات والديمقراطية، وإن كان البعض يعتقد أنّ ذلك ليس بجديد، إلا أنّ حجم الانكشاف هذه المرّة غير مسبوق كما يأتي في ظروف مختلفة للغاية أبرزها التراجع المهول للغرب ولاسيما الولايات المتّحدة الأمريكية على المستوى الدولي، واستكمال انهيار الأسس التي قام عليها النظام الدولي الذي أوجدته الدول الغربية بشكل أساسي بعد الحرب العالمية.



إحدى القضايا المهمّة في هذا الصراع اليوم هو التغطية الإعلامية الغربية للعدوان الإسرائيلي على غزة. وسائل الإعلام الغربية لم تتبن فقط الرواية الإسرائيلية ـ خاصة الرواية الرسمية على اعتبار أنّ الإسرائيليين مختلفين أيضا فيما بينهم ـ وإنما قامت بصناعتها واحتكار السردية وتسويقها بما يرتقي إلى المشاركة المباشرة في العدوان على الفلسطينيين.

وتقوم وسائل الإعلام الغربية بصناعة واحتكار السرديّة عبر تكتيكات مختلفة من بينها على سبيل المثال التقارير الانتقائية، حيث تقّرر أن تغطي بعض الأحداث أو التطورات المختارة بعناية مع تجاهل تام لأحداث وتطورات أخرى أكثر أهمّية تتمّ في نفس السياق والآن وذلك لتشكيل رأي عام عن طريق التحكّم في تدفّق المعلومات والزاوية المراد لها أن تترسّخ في الإدراك العام من خلال هذه التغطية بما يتوافق مع أجندة ومصالح هذه المؤسسات التي عادة ما يتم دعمها من قبل حيتان المال لبعض اللوبيات العالمية.

وتلعب تقنيّات التأطير العام كذلك دوراً أساسياً في صناعة السرديّة حيث يتم تأطير الأحداث بشكل مغاير للحقائق تماماً أو بشكل يظهر ازدواجية لا لبس فيها، لكنّ هذه الازدواجية لا تظهر لمن هم منغمسون في تلقي رسائل موحدّة من هذا التأطير، فالأبيض عندما يمارس الإرهاب ويرتكب الجرائم بحق المدنيين يظهر على صفحات الجرائد وعلى وسائل الإعلام بأنّه شخص تعرض لصدمة عاطفية أو يتم تصويره على أنه أب حنون سلك طريقا خاطئاً أو أنّه شخص يعاني من اضطراب نفسي أو عقلي ليتم إعفاؤه من تحمّل تبعات جريمته، بينما يظهر ذو السحنة السمراء كإرهابي حتى وإن ارتكب عملاً لا يصنّف ضمن هذه الخانة أو حتى لم يرتكبه على الإطلاق.

وما ينطبق على الأشخاص ينطبق إلى حد كبير على الدول وإن كان بشكل مختلف، فالحروب التي تسعّرها الدول الغربية هي حروب للدفاع على النفس ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان!

وسائل الإعلام الغربية لم تتبن فقط الرواية الإسرائيلية ـ خاصة الرواية الرسمية على اعتبار أنّ الإسرائيليين مختلفين أيضا فيما بينهم ـ وإنما قامت بصناعتها واحتكار السردية وتسويقها بما يرتقي إلى المشاركة المباشرة في العدوان على الفلسطينيين.ثمّ يأتي دور "الخبراء" في إضفاء الشرعيّة على التغطية الانتقائيّة والتأطير الذي تمّ حيث يتم اختيار مجموعة محددة من هؤلاء بعناية، وغالباً ما تكون يقتصر دورهم على إضفاء الشرعية على السردية وتضخيم صداها وغالبا ما يتم ذلك من خلال استبعاد الأصوات التي تتحدى هذه السردية أو تقدّم تصورا مختلفاً إلا في حدود خدمة شرعية السردية القائمة من خلال إضفاء تنوّع شكلي على المضمون.

ويتبع هؤلاء ما يعرف باسم "غرف الصدى"، حيث تقوم وسائل الإعلام ببث والتسويق للرواية المصنوعة بعناية عبر عدد من المنصات الأخرى التابعة لها أو المقربة منها مما يعطي الانطباع بأنّ الرواية هي مجرّد وقائع تعكس الحقيقة وأنّ هناك اتفاق على هذه الحقيقة، مما يسهّل فيما بعد تسيّد هذه الرواية للمشهد العام وتردادها ليس من قبل الوسائل الأخرى فحسب بل من قبل المستهدفين بها وهذا هو الأهم.

في المرحلة الأخيرة من التكتيكات المتّبعة لصناعة وتسويق السرديّة يأتي دور عنصر التكرار لكل ما سبق وأن تمّ فعله. التكرار يعمل على ترسيخ التصوّر الخاطئ في ذهن المتلقي كأنه حقيقة خاصة عندما يتم احتكار عملية تصنيع وتسويق السردية ومنع الآخرين بحجج مختلفة. ويتم تطبيق نفس هذا التكتيك وتعزيزه حتى في وسائل التواصل الاجتماعية من خلال خوارزميات وبرمجيات تحدد بشكل مسبق ما يسمح للمتلقي بالاطلاع عليه وما يجب عليه مشاهدته أو قراءته فيما يتم حذف المحتوي غير المرغوب فيه أو الذي قد يؤثر على الصورة المراد ترويجها.

وتتطلب هذه العملية بطبيعة الحال السيطرة على مصادر المعلومات والتحكم بها وبتسويقها، كما تتطلب تجاهل الحيثيات والتفاصيل والسياق وأي شيء من شأنه أن يشير إلى الصورة الحقيقيّة.

ويؤدي هذا النمط من العمل الإعلامي من صناعة واحتكار التصور والترويج له إلى إشغال الطرف الرافض للرسالة المراد إيصالها في الرد على هذه السردية المصطنعة والتفاصيل التي يتم إغراق المتلقين بها، وبالتالي الترويج لها من جديد بطريقة غير مباشرة والعزوف عن تسليط الضوء على الحقيقة.

لهذا النوع من تشويه الحقائق والوقائع تكلفة بطبيعة الحال، إذ لا يمكن الاستمرار فيه دون توقع ردّات فعل أو انعكاسات على مستوى وسائل الإعلام نفسها وعلى ما يسمى بالمصداقية والأجندة والأهداف ومن يقف خلف كل هؤلاء في إدارة المشهد الإعلامي. كما يؤدي هذا النوع من احتكار السرديّة وتسويقها إلى تغذية الصراعات والتوترات والحروب من خلال إعفاء الطرف المعتدي من تحمّل أي تبعات او إلتزامات. هل سيكون الإعلام الغربي بمنأى عن دفع فاتورة دوره في العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين؟  لا أعتقد ذلك.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدوان الفلسطينيين غزة الغربية فلسطين غزة مواقف غرب عدوان مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الفلسطینیین وسائل الإعلام السردی ة من خلال ما یتم

إقرأ أيضاً:

فون دير لاين تنعى موت الغرب

الغربُ مقابل الشرق مصطلحٌ جغرافي، إلا أنّه تجاوز ذلك الإطار ليدل على منظومة متكاملة: فلسفية وسياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية واجتماعية ودينية، ولدت ونشأت في أوروبا الغربية.

الغرب يعني البلدان الأوروبية الرأسمالية اقتصادياً. كما يعني سياسياً البلدان ذات الأنظمة السياسية الديمقراطية المؤسسة على الفلسفة الليبرالية. أي أن المصطلح يشير ويؤكد منظومة متكاملة تقودها أميركا تقابلها منظومة مخالفة لها سُميّت الشرقية، كان يقودها النظام السوفياتي - الاشتراكي في موسكو ونظيره في بكين.

بانهيار الاتحاد السوفياتي، واختفائه من خريطة العالم، لم يعد لتلك المنظومة المناوئة للغرب وجود. والدول التي كانت تدور في مدار موسكو، وتنهج نهجه السياسي والاقتصادي، انتقلت إلى الضفة الأخرى، وأضحت جزءاً منها. ورغم ذلك، فإن مصطلح الغرب لدى التطبيق، ما زال في كثير من مناحيه يضيق ليقتصر على دول أوروبا الغربية المتقدمة صناعياً، ولا يتسع ليشمل دول وسط أوروبا الاشتراكية سابقاً.

فيما يتعلق بالصين، فإن الحزب الشيوعي الصيني، على عكس نظيره ومنافسه الروسي، ما زال قائماً. لكن التطبيق الاشتراكي لحقه التغيير، واختلف تطبيقه عما كان عليه في عهد المؤسس ماو تسي تونغ. ويبقى من المفيد الإشارة إلى أن روسيا، على سبيل المثال، كانت لدى دول الشرق تُحسب على الغرب، ولدى دول الغرب تُحسب على الشرق. ولعلنا نتذكر أن اليابان حين هزمت روسيا عام 1905، وُصفت بأنها أول دولة شرقية تهزم دولة غربية في العصر الحديث!
ما انطبق على الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية يطول كذلك الغرب، ومركزه واشنطن
نحن لم نكن في حاجة إلى هذه المقدمة للتذكير والتدليل على معنى مصطلح الغرب، لو لم تبادر رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، خلال مقابلة صحافية أجرتها مؤخراً مع صحيفة «دير يت» الألمانية، ونشرتها مترجمة صحيفة «التايمز» اللندنية يوم الخميس، الموافق 17 أبريل (نيسان) الحالي، إلى نعي موت الغرب، بتأكيدها أن «الغرب كما نعرفه مات». وتقصد بذلك نهايته سياسياً، في صيغته بصفته تحالفاً ليبرالياً رأسمالياً ديمقراطياً عسكرياً، يمتد من واشنطن إلى أوروبا الغربية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

«موت الغرب»، كما تقصده رئيسة المفوضية الأوروبية ارتبط، في رأيها، بفك الارتباط الذي أعلنه ونفّذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الحلفاء الأوروبيين، بداية من التهديد بالانسحاب من حلف «الناتو»، مروراً بالموقف من أوكرانيا وروسيا، وانتهاءً بقرار فرض الرسوم الجمركية على جميع الدول، وفي المقدمة دول الاتحاد الأوروبي، مضافاً إليه موقفه المعادي لحرية التعبير في الجامعات، وتضييق الحريات... إلخ.


في تحليل الثورات، يتفق الكثير من المفكرين على أنها تبدأ في الأطراف، بعيداً عن أعين السلطات في المراكز، ثم تتمدّد باتجاهها. الأمر نفسه ينطبق على السقوط والانهيار، فهو يبدأ من الأطراف ويزحف نحو المركز. من الممكن الاستشهاد بما حدث في روسيا. انهيار الاتحاد السوفياتي لم يبدأ من موسكو، بل جاء زحفاً من الأطراف، أي في البلدان التي كانت تدور في مدار موسكو. ثم أخيراً وصل إلى موسكو، وكانت نهاية التاريخ، حسب رأي فوكوياما.

ما انطبق على الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية يطول كذلك الغرب، ومركزه واشنطن. يمكن الإشارة بصفته بداية إلى تتالي ظهور الحركات والأحزاب الشعبوية في بلدان أوروبا الغربية، وبشكل متسارع. ذلك البروز من الهامش إلى المتن، ترتبت عليه أشياء كثيرة يأتي في مقدمتها تضييق مساحة الحريات على عدة مستويات، والتوجه إلى بناء الحواجز والجدران العازلة، والعداء للمهاجرين من كل الجنسيات، خاصة المسلمين منهم، بمزاعم الحفاظ على الجنس الأوروبي والثقافة والتقاليد الأوروبية. ما بدأ في الأطراف وصل إلى المركز في واشنطن، واقتحم الكونغرس في 6 يناير(كانون الثاني) 2021.
يبدو لي من خلال المتابعة، أن نعي موت الغرب على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية جاء متأخراً. وفي رأيي أنه تأكد بفقدان مصداقيته الأخلاقية في قطاع غزة، حيث وقف موقف المتفرج في آنٍ، لما يحدث من إبادة على يد أكبر قوة عسكرية في المنطقة ضد مليوني فلسطيني.

في قطاع غزة، أدار الغرب الليبرالي الديمقراطي ظهره إلى كل تراثه وأدبياته في حماية حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، وإدانة العسف والقمع والاضطهاد والاحتلال، بتجاهله عمداً حملة إسرائيل لإبادة وتهجير مليوني فلسطيني في القطاع. وكأن مَن يُقتل من أطفال ونساء وعجزة وشباب ليسوا بشراً، ويقابل ذلك موقفه لما يحدث في أوكرانيا، حيث يتدفق السلاح والمال والمقاتلون لنجدة الشعب الأوكراني من غطرسة وعدوانية الغزو الروسي!

الموت يأتي في أشكال مختلفة. ربما أحدها ما نعايشه من أحداث في أوروبا وأميركا. والعصر الشعبوي العنصري الذي بدأ زحفه لا يقتصر على معاداة النخبة الحاكمة في أوروبا وأميركا والقضاء عليها، وإقامة الأسوار والجدران بينها وبين دول العالم الأخرى، بل هو نذير بمرحلة ظلامية قادمة، تشبه، إلى حد ما، ما تعرّضت له بلداننا العربية والإسلامية من موجات إرهابية ظلامية دموية حدّ التوحش.

المصدر: الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • فون دير لاين تنعى موت الغرب
  • نائب فرنسي: مقتل مصلًّ في فرنسا يتحمل مسؤوليته وسائل الإعلام والسياسيون المعادون للمسلمين
  • وزير الاتصال يحذر من مغبة الوقوع في الأخبار المغلوطة التي تغذيها الإشاعات
  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • المركز الإعلامي يعقد لقاءً مع وسائل الإعلام الدولية المشاركة بمعرض مسقط الدولي للكتاب الـ 29
  • بريطانيا ترفع العقوبات عن 12 جهة سورية بينها وزارتا الدفاع والداخلية وعدد من وسائل الإعلام
  • كمين مُحكم.. حدث أمني صعب للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.. تفاصيل
  • حادث أمني صعب لجيش الاحتلال في غزة.. تفاصيل
  • كمين مُحكم.. حدث أمني صعب للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة
  • إعلام عبري: وقوع حدث أمني صعب في قطاع غزة وسماع دوي انفجارات كبيرة