إسرائيل و"أديداس".. علاقة معقدة "ودرامية" عمرها عقود
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
منذ بدء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة وما رافقها من دعوات في البلدان العربية والإسلامية لمقاطعة بعض المنتجات الغربية، ثارت التساؤلات بشأن العلاقات بين بعض شركات المنتجات الرياضية وإسرائيل، وما إذا كانت داعمة لها.
وورد اسم "أديداس"، أحد أكبر مصنعي المنتجات الرياضية حول العالم، في قلب النقاشات بشأن العلاقة مع إسرائيل، لا سيما أن الشركة الألمانية كانت حتى وقت قريب راعية قمصان منتخب إسرائيل لكرة القدم، قبل أن تتخلى عن ذلك مضطرة.
وتربط "أديداس" واليهود بشكل عام علاقة معقدة، تقلبت صعودا وهبوطا بشكل درامي، تعود جذورها إلى الثلاثينات من القرن الماضي، فما القصة؟
ما قبل الشهرة
يعتقد اليهود أن "أديداس" لها أصول نازية، إذ تأسست الشركة الألمانية عام 1924 تحت اسم "مصنع أحذية الأخوين داسلر"، على يد الشقيقين أدولف (أو أدي اختصارا) ورودولف داسلر، ورغم أن هذا التاريخ يسبق صعود النازيين فإن الرابط بين الطرفين سيظهر قريبا.
وبالمناسبة، فقد أتى اسم "أديداس" من دمج الاسم المختصر لأدولف "أدي"، ونصف اسم العائلة "داس"، أما رودولف فقد انفصل لاحقا عن شقيقه بعد أن دبت الخلافات بينهما، وأسس بنفسه شركة "بوما" المنافسة.
سرعان ما صنع الأخوان داسلر، ومقر شركتهما في مدينة هرتسوغنأوراخ البافارية، اسما لأنفسهما من خلال الريادة في بعض أقدم الأحذية المسننة، التي تساعد العدائين على الأراضي غير المستوية.
وفي الأول من مايو عام 1933، مع ارتفاع ثروات الشركة وتولي الزعيم النازي أدولف هتلر السلطة في ألمانيا، انضم الأخوان داسلر رسميا إلى الحزب النازي، وفقا لكتاب "حروب الأحذية الرياضية" للصحفية باربرا سميت، الذي يسلط الضوء على تاريخ شركة "أديداس".
واعتمد النازيون الرياضة أداة لتعزيز الصورة العامة لألمانيا وجذب الشباب إلى الجيش، لذلك فإن شركة الأحذية الرائدة وقتها كانت تتلاءم بشكل جيد مع خططهم.
وفي ظل الحكم النازي، ارتفعت مبيعات الأحذية الرياضية الخاصة بعائلة داسلر بشكل كبير، وتضاعف حجم شركتهم عدة مرات.
وخلال دورة الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936، التي نظمها هتلر في محاولة لإثبات التفوق الرياضي للنازيين على المستوى الدولي، ارتدى العديد من الرياضيين الألمان أحذية "أديداس"، لتنتقل الشركة إلى مرحلة جديدة من العالمية، لا سيما بعد أن استخدم أحذيتها أسطورة العدو الأميركي آنذاك جيسي أوينز.
الأخوان داسلر والنازية
كان رودولف أشد تحمسا للأيديولوجية النازية من أدي، وفقا لكتاب "حروب الأحذية الرياضية"، لكن الأخوين كانا من أعضاء الحزب النازي، وخلال الحرب العالمية الثانية تحولت مصانع الأحذية الخاصة بهما إلى مصانع ذخيرة للجيش النازي، وتقول بعض الروايات إن صانعي الأحذية الألمان كانوا يختبرون منتجاتهم على العمال القسريين في معسكرات الاعتقال.
وفي الحرب استدعي رودولف للانضمام إلى الجيش، لكنه تخلف في محاولة لخطف السيطرة على الشركة من شقيقه، في بداية بروز الخلافات بين الأخوين قبل انفصالهما لاحقا إلى شركتين منفصلتين.
ووفقا لمجلة "دير شبيغل" الألمانية، كانت بعض القوات الأميركية على وشك تدمير مصنع الأخوين في هرتسوغنأوراخ في أبريل 1945، قبل أن تنجح كاثي، زوجة أدي، في إقناع الأميركيين أن المبنى كان يستخدم فقط لصنع الأحذية الرياضية.
وعندما سيطرت القوات الأميركية على قاعدة هرتسوغنأوراخ الجوية من النازيين، اشترى العسكريون أحذية داسلر، وساعدوا في نشر العلامة في الولايات المتحدة.
"أديداس" بعد الحرب
من المفارقات أن نهاية الحرب العالمية الثانية لم تكن سوى ذروة الخلافات بين الأخوين داسلر، في ظل محاولة كل منهما، مع زوجته، انتزاع إمبراطورية الأحذية من الآخر.
وعندما دخلت ألمانيا فترة الانسلاخ من النازية بعد الحرب، أجبر الحلفاء مدينة هرتسوغنأوراخ، بما في ذلك عائلة داسلر وموظفو مصنعها، على مشاهدة لقطات وثائقية لما تعرض له اليهود في معسكرات الاعتقال النازية.
وألقي القبض على رودولف للاشتباه في تزويده الشرطة السياسية للنازيين (الجيستابو) بالمعلومات، وأرسل لفترة وجيزة إلى معسكر أسرى الحرب لدوره في الخطوط الأمامية للجيش النازي، لكن أطلق سراحه بعد عام واحد.
وفي الوقت ذاته، اتهم أدي بمساعدة النازيين ودعمهم بشكل نشط خلال الحرب، لكنه تمكن من إبعاد شبهات الولاء للحزب النازي عنه.
ومن بين ادعاءات أدي، وفقا لكتاب باربرا سميت، أنه استمر في العمل مع تجار الجلود اليهود للحصول على الخامات اللازمة لصناعة الأحذية، كما أن عمدة بلدة مجاورة ادعى أنه نصف يهودي، قال إن أدي وفر له مأوى في الأيام الأخيرة من الحرب.
الشق يتسع
في عام 1949 عانت العلاقة بين الشقيقين صدعا دائما، مما دفع أدي إلى تأسيس شركته الخاصة تحت اسم "أديداس"، بينما انطلق رودولف لينشئ الشركة المنافسة "بوما".
ولا يزال المقر الرئيسي للشركتين في هرتسوغنأوراخ، كما أن سكان المدينة منقسمون بشدة حول الولاء للعلامة التجارية حتى يومنا هذا، رغم أن "أديداس" حظيت بمكانة أعلى عالميا.
والآن تتجنب "أديداس" الإشارة إلى أي علاقة مع النازيين، وعلى موقعها الإلكتروني يحدد التاريخ الرسمي للشركة سنوات ما قبل عام 1949 على أنها "بداية قصتنا"، من دون أي إشارات إلى الارتباط بألمانيا النازية.
يشار إلى أن بعض الرياضيين اليهود تعاونوا مع الشركة في العقود التي تلت الحرب، ففي عام 1972، وبناء على اقتراح من "أديداس"، حمل السباح الأولمبي الأميركي مارك سبيتز زوجا من أحذيتهم إلى منصة التتويج.
وبرز اسم "أديداس" من حين لآخر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفي عام 2012 قاطعت بعض الدول العربية الشركة بسبب رعايتها لماراثون القدس، الذي كان يمر عبر أراض محتلة.
وفي عام 2018، فسخت الشركة عقد رعايتها للاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم، بعد جمع آلاف التوقيعات في حملة شارك فيها عدد كبير من المشاهير، للتنديد بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، علما أن "بوما" تتولى رعاية المنتخب حاليا.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات إسرائيل بوما هتلر الولايات المتحدة القدس أديداس إسرائيل إسرائيل بوما هتلر الولايات المتحدة القدس أخبار إسرائيل فی عام
إقرأ أيضاً:
مقال بيديعوت أحرونوت: إسرائيل في مأزق لا يمكنها الانتصار أو استعادة الأسرى
يرى الضابط الإسرائيلي السابق مايكل ميلشتاين، رئيس "منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب " أن إسرائيل تعيش في مأزق إستراتيجي بسبب استمرارها في الحرب على قطاع غزة، يتمثل في عدم قدرتها على تحقيق أي من أهدافها المعلنة سواء استعادة الأسرى بالقوة، أو هزيمة حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وفي مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" قال ميلشتاين إن تصريح حماس الأخير بعدم القبول بأي صفقة تبادل دون إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، سهل على الحكومة الإسرائيلية نظريا أن تواصل الحرب باعتبارها الخيار المفضل".
ويشير ميلشتاين إلى أن ذلك انعكس في دعوة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى "استغلال رد حماس للقضاء على التنظيم، واحتلال كامل غزة، وتنفيذ خطة ترامب معتبرا أن ذلك سيؤدي أيضا إلى الإفراج عن الأسرى".
ويرى ميلشتاين ذلك "طرحا غير مقنع لغالبية الإسرائيليين الذين باتوا يدركون أن تحقيق الاثنين معا أي النصر الكامل وتحرير الأسرى لم يعد ممكنا".
ويقول الضابط الإسرائيلي السابق إن جيش الاحتلال "يسيطر فعليا على أكثر من 40% من أراضي قطاع غزة، لكنه لا يفرض سيطرة حقيقية على تلك المناطق، ولا يزال أمامه تحديان كبيران، أولهما الدخول إلى المناطق الحضرية المكتظة، حيث تنتظره حماس لتخوض معه معارك شرسة، وثانيهما إدارة شؤون السكان الفلسطينيين في قطاع غزة".
وبرأيه فإن هذا يعني "فرض حكم عسكري على مليوني شخص في بيئة عدائية ومدمَّرة بالكامل، مع توقع اندلاع حرب عصابات وموجات مقاومة مشابهة لما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي".
إعلانوبحسب الضابط الإسرائيلي، فإن إسرائيل "عالقة حاليا في وضع لا تستطيع بلع ما حصل ولا تقيؤه به إذ لم تحقق تحرير الأسرى، وفي الوقت ذاته تزداد الشكوك بشأن القدرة على احتلال القطاع بالكامل أو فرض سيطرة طويلة الأمد عليه".
ويمضى في مقاله قائلا "بدلا من الوعد المزدوج بالنصر والتحرير، تبدو النتيجة حتى الآن لا هذا ولا ذاك، وسط إطلاق الحكومة الإسرائيلية شعارات مثل: حماس على وشك الانهيار ومزيد من الضغط سيجعلها تراجع، والعرب لا يفهمون سوى لغة القوة"، وهي شعارات يرى أنها "جوفاء وتبقي إسرائيل غارقة في حرب استنزاف مكلفة دون مؤشرات واضحة على تغير مواقف حماس أو تراجع قبضتها على غزة".
وهم نزع سلاح حماس
وانتقد ميلشتاين ما وصفه بـ"الوهم الجديد المتمثل في مطلب إسرائيل بنزع سلاح حماس، لأن ذلك ليس إلا عقبة مقصودة تعرض كهدف قابل للتحقيق بينما هي في الحقيقة تمثل عذرا لتجميد المفاوضات، أو تعبيرا عن انعدام الفهم العميق لطبيعة حماس".
كما حذر من "خطأ قراءة الوضع الداخلي في غزة بصورة متفائلة أكثر من اللازم"، مشيرا إلى أن "الحديث عن أزمة مالية داخل حماس أو وجود احتجاجات شعبية لا يعكس واقعا يهدد سيطرتها، إذ إن تلك الاحتجاجات تفتقر للقيادة والرؤية السياسية، ولا تشكل كتلة قادرة على زعزعة حكم الحركة، التي لا تزال صامدة رغم الضربات، وتمثل القوة المهيمنة في القطاع".
وأشار إلى "الابتهاج المرضي لدى بعض صناع القرار في إسرائيل خلال فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ يعتقدون أن هذه الحقبة تمكنهم من تنفيذ كل أحلامهم، بما فيها ضم أجزاء من الضفة الغربية، دون الحاجة لمراعاة المجتمع الدولي أو الدول العربية.
كما اعتبر أن هذه "الأرضية الإستراتيجية واهية بطبيعتها، لأنها لا تستند إلى تخطيط منظم، بل تتسم بانعطافات حادة ومفاجئة، مثلما ظهر في اهتمام ترامب المتراجع مؤخرا بخطة "تفريغ غزة"، في حين تصرّ إسرائيل عليها إصرارا يضرّ بمصالحها، خصوصًا في علاقاتها مع العالم العربي".
إعلانوأشار الضابط الإسرائيلي السابق إلى "التطور اللافت بفتح الولايات المتحدة حوارا مع إيران، وهو ما أثار القلق في إسرائيل من احتمال إبرام اتفاق يعزز موقع طهران، خصوصا أن المفاوضين الإيرانيين أكثر تمرسا وخبرة من نظرائهم الأميركيين".
واختتم ميلشتاين مقاله بالقول "هناك خياران سيئان فقط لإسرائيل الأول هو الاستمرار في القتال دون تحقيق حسم أو احتلال كامل، ومن المؤكد أنه لن يفضي إلى تحرير الأسرى. والثاني هو العودة إلى اتفاق يسمح بعودتهم لكنه يشترط إنهاء الحرب والانسحاب من غزة".
ودعا إلى تبني الخيار الثاني "رغم كونه خيارا باهظ الكلفة"، لأنه برأيه "أهون الشرين بالنظر إلى حجم الضرر المتحقق من استمرار القتال".