أزمة التعليم... هل تهدد التنسيقيات مستقبل النقابات في القطاع؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
يشهد قطاع التعليم العمومي في المغرب أزمة حقيقية عقب احتجاجات متواصلة تخوضها شغيلة التعليم؛ ضد النظام الأساسي إلى جانب مطالبتها بالزيادات على مستوى الأجور.
تصف شغيلة التعليم هذه الاحتجاجات والإضرابات المتواصلة بـ”الحراك التعليمي”، وتشدد على عدم عودتها إلى الأقسام إلا بعد الاستجابة إلى مطالبها؛ إلى جانب تبرئها من النقابات التي تعد “الجيل الأول” من الحركات الاجتماعية في المغرب، وميلاد “التنسيق الوطني لقطاع التعليم” الذي يضم تنسيقيات مختلفة في هذا القطاع الحيوي.
ويبدو أن هذا التنسيق أربك الوزارة الوصية ومعها الحكومة؛ التي وعلى الرغم من مرور أزيد من شهر على هذا “الحراك” لم تستدع التنسيقيات إلى حضور الاجتماعات الأخيرة المنعقدة رفقة النقابات، وهذا أيضا يعتبر مطلبا من بين مطالب التنسيق السالف الذكر.
يقول نزار بركة، وهو الأمين العام لحزب الاستقلال، ويعد أحد مكونات الأحزاب التي تقود التحالف الحكومي، في هذا السياق، إن “الاتفاق لا يمكن أن يكون إلا مع النقابات”، محذرا من إضعافها، خلال اجتماع للأغلبية الحكومية، في 13 نونبر الفائت.
هذا التنسيق الذي لقي استجابة واسعة من طرف عدد كبير من شغيلة التعليم، يدفعنا إلى التساؤل هل فقدت النقابات بريقها عند هذه الشريحة الواسعة، وما أسباب ميلاد تنسيقيات متمردة عنها؟ وبالتالي، تغير نواة الحركات الاحتجاجية في المجتمع المغربي؟
يرى مصطفى بنزروالة، وهو باحث في الحركات الاحتجاجية، في تصريح لـ”اليوم24″، أن تراجع منسوب الثقة في التنظيمات التقليدية، خاصة النقابي منها، “يأتي بالنظر إلى ضعف التفاعل مع المطالب الحقيقية للشغيلة التعليمية، إلى جانب سيادة منطق الزبونية والتراضي”.
ويضيف، أن حضور التنسيقيات بشكل أكبر لدرجة تجاوزها للنقابات، يندرج في سياقات مختلفة يمكن تلخيصها على الشكل التالي، “التحرر من عقدة الإديولوجيا وكذا الارتهان السياسي للنقابات، بالإضافة إلى ضعف وتراجع منسوب الثقة في مؤسسات الوساطة الاجتماعية، ومؤسسات التنشئة السياسية”.
ويذكر الباحث في الحركات الاحتجاجية بالمغرب، أن “ترهل الأداة التنظيمية للنقابات وغياب الديمقراطية الداخلية وتجدد النخب”، قد يكون أيضا من أسباب فقدان الثقة “دفعت نساء ورجال التعليم إلى إحداث آليات تنظيمية واستراتيجيات نضالية جديدة، قادرة على رفع منسوب الضغط، وتحسين شروط التفاوض، وتثمين آليات الترافع”.
ويرى أنه من المسلم به في دراسات الحركات الاحتجاجية بالمغرب، أن هذه الأخيرة تعيش على وقع من التغير والتحول العميق الذي يلامس بنية هذه الحركات، وأبعادها التنظيمية، ومضمونها الخطابي والترافعي، بل تغير على مستوى الاستراتيجيات المعبأة في الحركات الاحتجاجية.
ويلفت الانتباه إلى أن “طبيعة هذه الحركات الاحتجاجية بدأت تنحو نحو تعبيرات جديدة تقطع بشكل كلي مع بعض الممارسات الاحتجاجية التقليدية”، ولعل أبرز معالم هذا التحول، تسمى “فك الارتهان مع البنيات التنظيمية التقليدية، الأحزاب النقابات، منظمات الوساطة والتنشئة الاجتماعية”.
حيث حدث تغير في البنيات التنظيمية وتحولها من بنية تقليدية شكلت نواة الحركات الاجتماعية في مراحل سابقة، وهي النقابة إلى بنيات تعبيرات تنظيمية جديدة تجلت في التنسيقيات، وما يشابهها من سكرتاريات، وكذا تعاضديات أو وداديات، وغيرها من التعبيرات التنظيمية الرديفة.
وهذا التحول، يمكن قراءته، بحسب مصطفى بنزرولة من خلال محاور؛ المحور الأول يتجلى “في انتهاء السرديات الكبرى المؤطرة للحركات الاجتماعية، أي المفاصلة التي باتت تقيمها التعبيرات الاحتجاجية الجديدة مع الخطابات الإيديولوجية، والمرجعيات المعرفية والفكرية الكبرى”.
بحسبه، أغلب “المطالب اليوم باتت ترتبط بمطالب مادية، نفعية وبراغماتية”، وأما الزاوية الثانية فتتجلى في” القطيعة التي باتت تمارسها التعبيرات الاحتجاجية والتنظيمية الجديدة بسبب ترهل الأداة التنظيمية للنقابات بفعل سيادة البيروقراطية وضعف الديمقراطية الداخلية، وغياب التداول والتشبيب والتنخيب الجديد من داخل الهيئات النقابية”.
بينما النقابي يونس فراشين، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، يؤكد أن النقابات لم تفقد بريقها، ويرى أنه من الضروري “التمييز بين النقابات والتنسيقيات”. الأولى بحسبه، “مؤسسة لها مشروع نضال من أجل بناء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية حول القضايا المختلفة، مثل التقاعد والحماية الاجتماعية بشكل عام”. أما الثانية أي التنسيقيات “مطالبها محدودة بين الزمان والمكان، ومرتبطة بملفات محددة، وبمجرد تلبيتها ستنتهي”.
ويرى فراشين، أن ظاهرة التنسيقية ليست موجودة في المغرب فقط، بل في العالم، هي في الواقع، تعتبر نوعا من إرادة تحويل الملفات المطلبية من شموليتها إلى مطالب فئوية، وقد تتجه إلى مطالب فردية أو فردنة المطالب”.
الأساسي بالنسبة لفراشين ليس هو الصراع أو المقارنة بين التنسيقيات والنقابات بل التفكير “في كيفية خلق التكامل بين الإثنين أي بين دينامية اجتماعية جديدة، والعمل النقابي الذي يمثله الجيل الأول من الحركات الاحتماعية؟”.
ورفض الانتقادات التي توجه إلى عمل النقابات، وعلق على هذه النقطة، ” ليس هناك زبونية أو تراضي”، مشددا على أن ” النقابة هي مؤسسة مختلفة عن التنسيقية، لها مؤتمرها ومجلس وطني وأجهزة تنتخب بشكل ديمقراطي”.
وتابع، ضمن تصريحه، “إذا كانت هناك أي ملاحظات لأي أحد بشأن ديمقراطية تدبير النقابات عليه الولوج إلى هذه المؤسسات وتغييرها من الداخل”.
كلمات دلالية الأحزاب الثقة الحركات الإحتجاجية الحكومة الزبونية المغرب النظام الأساسي النقابات شغيلة التعليمالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: الأحزاب الثقة الحكومة المغرب النظام الأساسي النقابات شغيلة التعليم شغیلة التعلیم
إقرأ أيضاً:
تحديات وفرص الحركات الإسلامية في حقبة ما بعد الربيع العربي
لقد كان نشوء القوى التي تحمل الأيديولوجيا الإسلامية في قلب الشرق الأوسط ثمرة تفاعل معقد بين الإرث الاستعماري البائد ووطأة المظالم الاجتماعية والسياسية الراهنة والحركات الفكرية التي أذابت وأعادت تشكيل النسيج الإقليمي الحديث.
وقد نشأت الحركات الإسلامية غالبًا كاستجابة لخيبات الأمل التي أثارتها القومية العلمانية واستبداد الأنظمة التي تلت نيل الاستقلال. ولا يمكن هنا أن يُفصل هذا التحول التاريخي عن الهشاشة الكامنة في هيكل الدول الناشئة، ما مهد الطريق لتطوير أطر أيديولوجية بديلة.
وكانت الجذور الراسخة في الحركات الاجتماعية والدينية المنطلق الرئيس الذي قدمت من خلاله الجماعات الإسلامية نفسها لا كسلطة روحية فحسب، بل كلاعب سياسي مهيمن، مستفيدة من مشاعر الاستياء الشعبية من الفساد والاستبداد. ومن هنا تحقق صعود الإسلاميين إلى الحكم في العديد من الدول العربية، لكن في سياقات يكتنفها الكثير من التعقيدات والظروف السياسية والاجتماعية المتباينة.
في ليبيا مثلًا، وعقب سقوط معمر القذافي في عام 2011، تمكّنت جماعات إسلامية من بسط نفوذها في الفراغ السياسي الذي نشأ، فكان لذلك دور كبير في تمزيق البلاد، وقد شهدت تونس تجربة مختلفة تمامًا؛ فحركة "النهضة" بقيادة راشد الغنوشي، التي تحولت من حركة فكرية إصلاحية إلى حزب سياسي، استطاعت أن تحقق صعودًا سياسيًا عبر الانتخابات بعد ثورة 2011، متبنية خطابًا يعدُّ التعددية والتركيز على ذلك، وبفعل التوترات السياسية وضغط الشارع، اختارت النهضة طواعية التخلي عن السلطة في عام 2014 لصالح حكومة تكنوقراط للإشراف على المرحلة الانتقالية مما أسس نموذجًا بارزًا للتسوية السياسية في المنطقة.
إعلانأما في مصر، فقد صعدت جماعة الإخوان المسلمين، التي أنشأت نفسها كحركة شعبية تمزج بين تقديم الخدمات الاجتماعية والنشاط الإسلامي، إلى سدة الحكم بعد ثورة 2011، حيث انتخب محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب عبر صناديق الاقتراع. ولكن سرعان ما واجهت الجماعة موجات من الاستقطاب الداخلي والخارجي، لتؤول الأمور إلى الإطاحة بها في عام 2013 بعد احتجاجات شعبية هائلة.
وفي اليمن، برز حزب الإصلاح كقوة معارضة رئيسية ضد الرئيس علي عبدالله صالح، ليشارك في الحكومة الانتقالية بعد رحيله عام 2012. غير أن اندلاع الحرب الأهلية وصعود الحوثيين أدى إلى تعقيد المشهد السياسي، ليغدو جزءًا من صراع لا نهاية له.
ومثلها، لعبت الأحزاب الإسلامية في الجزائر دورًا هامًا منذ التسعينيات، خاصة بعد فوز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الانتخابات، لكن الجيش حال دون تمكينها من اعتلاء سدة الحكم.
ورغم أن الحركات الإسلامية حققت مستويات متفاوتة من النفوذ السياسي، فإن طريقها إلى السلطة كان محفوفًا بمقاومة داخلية، وعوائق عسكرية، وتحديات جيوسياسية إقليمية، مما جعل صعودها أكثر تعقيدًا وأقل استقرارًا في العديد من الحالات.
الإسلاميون بين صناديق الاقتراع وميادين القتالتميز صعود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة في تونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي بعلاقة معقدة مع الهياكل العسكرية والإدارية القائمة. فقد تمكنت حركة النهضة في تونس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر من تحقيق النجاح السياسي عبر الانتخابات الديمقراطية، التي تلت انهيار الأنظمة القائمة. بيدَ أن مؤسسات الدولة بقيت قائمة في كلتا الحالتين، ففي مصر ظل الجيش هو القوة الحاسمة في المشهد السياسي، أما في تونس فقد تمكنت مؤسسات الدولة الأمنية بالبقاء دون تغيير جذري.
وفي سوريا كان المشهد مختلفًا تمامًا، إذ لم يكن بروز الإسلاميين على الساحة السياسية قد تم عبر مسار انتخابي معين وإنما جاء في سياق صراع طويل الأمد.
إعلانفقد كان للإخوان المسلمين دور بارز في انتفاضة 1979-1982 ضد نظام الأسد، ولكنهم بقوا مهمشين في خضم الانتفاضة السورية منذ 2011 مع بروز فصائل إسلامية مسلحة أخرى، حيث ظهرت جماعات مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" كقوى معارضة لها حضور قوي في مراحل النزاع الأولى، إلا أن انقساماتها الداخلية والهزائم العسكرية أدت إلى تراجعها، وفي عام 2017، برز "الجيش الوطني السوري" كتحالف يضم فصائل معارضة، ومنها وحدات من "الجيش السوري الحر"، بدعمٍ تركي كبير.
ولكن رغم ذلك، كانت "هيئة تحرير الشام"، التي تطورت من "جبهة النصرة" – الفرع السوري لتنظيم القاعدة – والتي انفصلت عن القاعدة فيما بعد هي القوة الإسلامية الأقوى في شمال سوريا التي استغلت انقسامات المعارضة لتثبيت سيطرتها. ومن خلال معاركها مع النظام والفصائل الأخرى، نجحت الهيئة في توسيع نفوذها في إدلب، وابتكرت هيكلًا إداريًا موازيًا أزاح سلطة الدولة والفصائل المتناحرة في المناطق التي تسيطر عليها.
ولعل خصوصية النموذج السوري تكمن في تراجع سيادة الدولة في المناطق المتنازع عليها، ما سهل ظهور الفصائل الإسلامية التي أسست هياكل حكم بديلة.
وعلى النقيض من ذلك، تمكنت تونس ومصر من الحفاظ على التماسك المؤسسي للدولة، بما في ذلك التفوق العسكري، حتى بعد صعود الحكومات الإسلامية المنتخبة. ويفسر هذا التباين الهيكلي قدرة هيئة تحرير الشام على ممارسة المزيد من التحكم الذاتي المستقل، في حين أن جماعات مثل النهضة والإخوان المسلمين كانت مقيدة في نهاية المطاف بالنفوذ المستمر للمؤسسات العسكرية والبيروقراطية القائمة سلفًا.
علاوة على ذلك، أسفرت الحرب السورية المستمرة عن فراغ في السلطة سمح لجماعات مثل "هيئة تحرير الشام" بالاستفادة من الفرص العسكرية لتأمين الأراضي والحكم بها، الأمر الذي أدى أخيرًا إلى انهيار نظام الأسد في حملة عسكرية استمرت 11 يومًا في ديسمبر/ كانون الأول 2024، بينما تمثل ليبيا في سياق آخر حالة أكثر تعقيدًا، حيث إن سقوط معمر القذافي في عام 2011 أفضى إلى فراغ مؤقت في السلطة، لكن تفكك مؤسسات الدولة لم يكن كاملًا كما هو الحال في سوريا.
إعلانوقد أتاح هذا التفكك لجماعات مثل "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" فرض تأثير محدود، ولكن من دون أن تحقق السيطرة الإقليمية المستدامة أو القدرة على الحكم التي حققتها "هيئة تحرير الشام" في إدلب. كما أن الوجود المستمر لمليشيات متنافسة والعامل القبلي في ليبيا أعاق أي جماعة إسلامية عن الوصول إلى السلطة المركزية التي كانت قد تحققت في سوريا تحت حكم "هيئة تحرير الشام".
اختبار البقاء في المشهد السوريلا شك أن تجربة الحكم الجديدة التي تتصدرها "هيئة تحرير الشام" تواجه تحديات جسيمة في سوريا، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
داخليًا، يتمثل العائق الرئيسي في الحفاظ على الوحدة داخل مجتمع سوري مفكك بعمق على أسس عرقية وطائفية وأيديولوجية، نتيجة سنوات من الحرب الداخلية. فقد تعرض النسيج الاجتماعي في سوريا لشرخ حاد، مع وجود نزاعات ليس فقط بين الفصائل الإسلامية والعلمانية، بل أيضًا بين الجماعات العرقية، ولا سيما الكرد في الشمال الشرقي.
لذلك، لا بد من العمل على معالجة التهميش التاريخي للكرد والأقليات الأخرى، حيث إن استمرار استبعادهم سيؤدي إلى تفاقم تفكك الدولة. كما أن بناء سوريا مستقرة ومستدامة يتطلب تطوير هوية وطنية تتجاوز الطائفية والسيطرة الأيديولوجية.
ولهذا، سيكون من الضروري السعي إلى تعزيز حوار وطني شامل يرتكز على المصالحة ومشاركة السلطة، ويجب أن يبدأ هذا الحوار بمجرد فرض الأمن بشكل أساسي في المناطق الرئيسة، مما يسمح بالمشاركة الآمنة للفاعلين السياسيين.
ومن الضروري أن يمثل هذا الحوار طيفًا واسعًا من النخب، بمن في ذلك القادة الكرد والشخصيات القبلية، والنشطاء العلمانيون. ولينجح هذا الحوار، يجب أن يركز على آليات العدالة الانتقالية والتسويات المتبادلة بعيدًا عن الممارسات الاستبعادية التي ساهمت في تعميق الشروخ في النسيج الاجتماعي السوري طوال العقود الماضية.
إعلانأما على الصعيد الدولي، فإن التحديات التي تواجهها الحكومة السورية الجديدة بسبب مرجعيتها لا تقل عن تلك التي على الصعيد الداخلي. فقد أفضت الروابط التاريخية للجماعة مع الشبكات المتطرفة، على الرغم من محاولاتها إعادة تموضعها ضمن أطر وطنية أكثر واقعية، إلى حدوث فقدان كبير للثقة بينها وبين القوى الغربية والعالم العربي.
ولهذا فإن إعادة سوريا إلى مكانتها ضمن المجتمع الدولي، يتطلب من السلطة أولًا الالتزام علنًا بالحكم غير الطائفي، ومبادرات مكافحة الإرهاب والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة الدولة.
كما أن الانخراط مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصة الدول الرئيسة مثل المملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر، سيوفر حتمًا وسيلة لتطبيع العلاقات مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. وهذا سيتطلب تقديم رؤية لمستقبل سوريا تتماشى مع الاستقرار الإقليمي ولا تجعل منها منصة للتطرف العابر للحدود.
بالإضافة إلى ذلك، فإن رفع العقوبات الأميركية مؤقتًا بموجب الترخيص رقم 24 يمكن أن يشكل خطوة حاسمة نحو الانخراط الدبلوماسي، شريطة أن يتم تبني إصلاحات ملموسة واهتمامًا بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة الدولة.
إن بناء علاقات دائمة وبناءة بين سوريا والعالم العربي والغرب يتطلب نهجًا شاملًا قائمًا على التعاون بين كل الأطراف.
ومع حل "هيئة تحرير الشام" نفسها وتنصيب السيد أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية العربية السورية، بات لزامًا إجراء تحول جذري في الحوكمة يقوم على مبادئ العدالة والمساءلة والالتزام الثابت بالاستقرار الإقليمي.
ومن هنا فإن الإعلان عن حل "هيئة تحرير الشام" مع حل مليشيات أخرى لإنشاء هيكل عسكري وطني موحد يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز سلطة الدولة، وتعزيز الوحدة الوطنية، لا يقل أهمية عن ذلك تدابير بناء الثقة، بما في ذلك تسهيل جهود إعادة الإعمار على نطاق واسع وضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وهما أمران حاسمان لاستعادة الثقة والشرعية.
إعلانعلاوة على ذلك، فإن الإرادة الجادة في الانخراط بالحوار الدبلوماسي مع القوى الغربية ستكون حاسمة في تحديد كيفية إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي في الوقت ذاته، إذ إن تنفيذ إصلاحات واضحة وقابلة للقياس وعملية ديمقراطية تدريجية أمر بالغ الأهمية لضمان الاستقرار السياسي طويل الأمد والمرونة المؤسساتية.
وستلعب الدبلوماسية الاقتصادية أيضًا دورًا مهمًا في تعافي سوريا، حيث إن الاستثمارات الأجنبية خاصة من خلال التعاون الإستراتيجي مع دول الخليج ستشكل حجر الزاوية لإعادة البناء بعد النزاع.
وسيكون تعزيز الشراكات المستدامة مع العالم العربي، وخاصة دول الخليج، أمرًا أساسيًا في تسهيل الإنعاش الاقتصادي لسوريا واندماجها الإقليمي الأوسع.
وفي الختام، يكشف صعود الحركات الإسلامية في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، بعد الربيع العربي عن سردية معقدة من الفرص والتحديات. ففي تونس ومصر نجحت جماعات مثل "النهضة" وجماعة الإخوان المسلمين في الانتقال من المعارضة إلى الحكم، مستفيدة من قاعدتها الشعبية للوصول إلى السلطة عبر العملية الانتخابية. ومع ذلك، كانت فترة حكمهم مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة في تحقيق التوازن بين الطموحات الأيديولوجية والمتطلبات العملية للحكم.
وفي ليبيا، تمكنت "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" من اكتساب النفوذ في فترة ما بعد القذافي، لكنها واجهت صعوبة في تحقيق السيطرة المستدامة؛ بسبب المشهد السياسي والمليشياوي المنقسم.
في المقابل، كان مسار سوريا مختلفًا، حيث استمرت "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت لوائها في النضال المسلح لإزاحة نظام الأسد، الذي انهار مع مؤسساته بالكامل، الأمر الذي جعل لزامًا العمل على إعادة بناء الدولة وتشكيل جيش وطني جديد.
وتسلط هذه الحالات الضوء على المسارات المتباينة التي سلكها الإسلاميون للوصول إلى السلطة في الشرق الأوسط، بدءًا من الاندماج السياسي داخل الهياكل العسكرية القائمة في تونس ومصر، إلى المعارضة المسلحة الثورية في ليبيا وسوريا.
إعلانوتبرز هذه الحالات مجتمعة آليات التفاعل المعقدة بين الأيديولوجية الإسلامية والحكم والواقع السياسي في حقبة ما بعد الربيع العربي بالمنطقة، حيث لا تزال الشرعية المستمدة من الدعم الشعبي وتعقيدات الحفاظ على الوحدة الوطنية عوامل محورية لبقاء هذه الحركات ومستقبلها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline