تجاوز الفنان الفلسطيني الرقابة التي يفرضها الاحتلال عبر الرمزية التي تجلت في الكثير من التفاصيل اليومية لحياته، وإذا كان كل من مفتاح العودة وغصن الزيتون وحنظلة رموزا أبدعها الفنان ناجي العلي، فإن البطيخ يبقى الرمز الأكثر غرابة والأكثر استخداما، خاصة في الوقت الحالي بعد منع موقع فيسبوك نشر أي منشورات تخص المقاومة والقضية الفلسطينية.

ويمكن للجمهور أن يتعرف على الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية للفنان من خلال منتجه الفني، ذلك أن الفن لا ينفصل عن الحياة، وقد ظهر ذلك بوضوح في أعمال الفنانين الفلسطينيين خاصة هؤلاء الذين يعيشون في الأراضي المحتلة.

عمل فني بعنوان "مفتاح العودة" للفنان ميثم العبدال خلال فعالية "جناح الفنون الفلسطينية" في منصة الفن المعاصر في مدينة الكويت في 22 أكتوبر 2023 (غيتي إيميجز) البطيخ والمقاومة

ظهر البطيخ كرمز فلسطيني لأول مرة بعد حرب عام 1967، عندما سيطر جيش الاحتلال على الضفة الغربية وقطاع غزة ومنعت الحكومة الإسرائيلية رفع العلم الفلسطيني علنا، واعتبر رفعه جريمة في غزة والضفة الغربية، وتكرر الأمر، حاليا، بعد منع جيش الاحتلال الشعب الفلسطيني من رفع العلم احتفالا بأسراه المحررين.

View this post on Instagram

A post shared by B E E S A N A R A F A T (@beesanarafat)

استخدم الفلسطينيون فاكهة البطيخ، لتجاوز ذلك المنع، لأنها عند تقطيعها تحمل نفس ألوان العلم الوطني الفلسطيني "الأحمر والأسود والأبيض والأخضر"، ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد، لكن لارتباط فاكهة البطيخ بأرض فلسطين، حيث اشتهرت فلسطين بزراعة البطيخ قبل نكبة 1948.

مع بدء الاحتلال جلب المستوطنون معهم بذورا مختلفة عما وجد في فلسطين وأغرقوا الأسواق، ليخرج البطيخ الفلسطيني من المنافسة، لكن المزارع الفلسطيني استطاع التمييز بين بطيخ فلسطين وبطيخ المستوطنين، فكانوا يحتفظون بالبطيخ الفلسطيني ويستخدمون الآخر في رمي دبابات الاحتلال، وفي العقود التي تلت ذلك، استعاد الفلسطينيون البطيخ كرمز احتجاجي، واستمر حتى وقتنا الحالي رمزا للمقاومة.

تحكي بعض الروايات التاريخية أن الفلسطينيين لجؤوا إلى تقطيع البطيخ، وترك الشرائح المقطعة على النوافذ وأمام الأبواب في أوقات الحروب والتوترات للتحايل على منع رفع العلم الفلسطيني.

لجأ الفلسطينيون إلى ترك شرائح البطيخ على النوافذ والأبواب في أوقات الحروب للتحايل على منع رفع العلم الفلسطيني(غيتي إيميجز) تحولات الفن الفلسطيني

في الثمانينيات من القرن الماضي، كان الهم الرئيسي للفنان الفلسطيني هو التعبير عن الهوية الثقافية وترسيخها في عيون وعقول الشعب الفلسطيني، وبقي الفن في مواجهة الاحتلال، ولكن بقيت المشكلة الكبرى وهي سيطرة الاحتلال على الإنتاج الفني لإنكار الهوية الفلسطينية ومحوها، وخضعت الأعمال الفنية لسلطة الاحتلال، وأغلقت المعارض الفنية ولم تكن هناك كلية أو مدرسة للفنون في فلسطين، كما لم تكن هناك أكاديمية وطنية للفنون أو متحف وطني، لذا أصبح غياب الاعتراف بالهوية الفلسطينية موضوعا رئيسيا في أغلب أعمال الفنانين الفلسطينيين.

View this post on Instagram

A post shared by Rima (@rima_masernd)

 

وبعد اتفاق (غزة-أريحا) وتأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، ابتعد الفنانون الفلسطينيون إلى حد ما عن الرموز البصرية المعتادة، واستخدموا تقنيات أكثر حداثة مثل التصوير الفوتوغرافي وفنون الأداء و"الفيديو آرت" من أجل تجريب طرق تعبير جديدة واستكشاف أكثر عمقا لقضايا الهوية والمكان والحدود، وظهرت تلك الأفكار الفلسفية بصورة أكبر في أعمال فناني الشتات بسبب حرية ممارسة الفن دون سيطرة الاحتلال.

عندما يصبح الفن سياسيا أكثر من السياسة

الفن الفلسطيني لا ينتقد الاحتلال الإسرائيلي فقط، لكنه أيضا يركز على تجاهل العالم للقضية الفلسطينية ويعتبر المصور الفوتوغرافي طارق الغصين من أهم الفنانين الفلسطينيين المعاصرين، وهو يصور القيود التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وقد عبر عن تلك القيود بمجموعة صور لأفراد وحيدين، يرتدون الكوفية الفلسطينية في مواجهة الطائرات والسفن، وذلك في محاولة لكسر الافتراضات السلبية عن الكوفية الفلسطينية، التي تحاول سلطة الاحتلال تصديرها كرمز للإرهاب.

أما خليل رباح، فهو فنان فلسطيني يعمل على مجموعة كبيرة من الوسائط الفنية، وتثير أعماله أسئلة جدلية حول الهوية والذاكرة والتاريخ. يعد رباح أحد مؤسسي مدرسة الفنون الفلسطينية في لندن.

وأيضا، الفنانة ليلى الشوا، التي ولدت في قطاع غزة، وتعمل في وسائط فنية متعددة مثل التصوير الفوتوغرافي والنحت والطباعة، وتحاول من خلال أعمالها إلقاء الضوء على الظلم، الذي يقع على الشعب الفلسطيني كما اختارت البحث عن دوافع النساء الفلسطينيات الفدائيات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی رفع العلم

إقرأ أيضاً:

مهرجان الفن الفلسطيني في نيروبي.. الفن أداة للمقاومة والصمود

نظمت مجموعة "الفن والمقاومة والصمود" في العاصمة الكينية نيروبي، بين 17 و25 يناير/كانون الثاني 2025، حدثا ثقافيا فريدا بعنوان "مهرجان الفن الفلسطيني". وكان المهرجان، الذي امتد أسبوعا، فرصة لإبراز الثقافة الفلسطينية الغنية وتسليط الضوء على النضال الفلسطيني من خلال السينما والموسيقى والمأكولات التقليدية.

المهرجان ووقف إطلاق النار

تزامن المهرجان مع إعلان وقف إطلاق النار في غزة وبدء صفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. وقد ركز منظمو المهرجان على استخدام الفن وسيلة للتواصل ونقل المعاناة الفلسطينية في غزة من خلال برامج متنوعة استهدفت جميع الفئات العمرية والخلفيات الثقافية. واستقطبت الفعالية جمهورا متنوعا من سكان نيروبي، بما في ذلك الأجانب المقيمون في كينيا والفنانون والصحفيون والكينيون أنفسهم.

فيلم الافتتاح: "من المسافة صفر"

افتُتح المهرجان بعرض فيلم "من المسافة صفر"، وهو مجموعة من الأفلام القصيرة التي أخرجها مبدعون فلسطينيون من غزة تحت إشراف المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي. وتناولت هذه الأفلام الحياة اليومية في القطاع خلال الحرب، مسلطة الضوء على ثنائية الأمل واليأس، الحياة والمقاومة. وشكّل الفيلم نافذة للجماهير للاطلاع على معاناة الفلسطينيين، لكنه في الوقت نفسه أبرز قدرتهم على الإبداع والابتكار رغم قسوة الظروف التي يواجهونها.

إعلان

وعقب عرض الفيلم، نُظمت حلقات نقاشية مفتوحة شارك فيها أحد مخرجي العمل مباشرة من غزة عبر تقنية الفيديو. وتناولت النقاشات تأثير الاحتلال الإسرائيلي على الحياة اليومية للفلسطينيين، وناقش الحضور سبل الانتقال من التعاطف مع القضية الفلسطينية إلى اتخاذ خطوات عملية لدعمها.

إيزابيل، وهي أميركية تدير شركة ناشئة في نيروبي، تحدثت عن تأثير الفيلم عليها في مقابلة مع الجزيرة نت. وأعربت عن شعورها بالثقل والمسؤولية تجاه الحرب على غزة، مشيرة إلى أن جنسيتها الأميركية تجعلها ترى بلادها شريكة في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، من خلال الدعم الأميركي المستمر. وقالت: "رغم أن النظام العالمي يبدو غاشما وعصيا على التغيير، أعتقد أن الفن يمكن أن يكون نافذة لخلق عالم أفضل".

خلال أسبوع المهرجان، تخللت الفعاليات ورش عمل مخصصة للأطفال (الجزيرة) فعاليات لتعزيز التواصل الثقافي

خلال أسبوع المهرجان، تخللت الفعاليات ورش عمل مخصصة للأطفال، هدفت إلى تعريف الأجيال الناشئة بالثقافة الفلسطينية من خلال أنشطة تعليمية وترفيهية. وتضمنت هذه الورش تعليم الأطفال كيفية إنشاء أفلام قصيرة باستخدام الصور المتحركة، حيث تم عرض أعمالهم في إحدى قاعات السينما في نيروبي، مما أضاف بعدا إبداعيا وتجربة فريدة لهم.

إلى جانب ذلك، نظمت المجموعة عشاء فلسطينيا قُدّمت فيه أطباق تقليدية مثل المسخن، مما أتاح للحضور فرصة مميزة للتعرف على التراث الفلسطيني من خلال المطبخ. وعبر الزوار عن إعجابهم بالنكهات الغنية التي قدمتها الأطباق، وأشاروا إلى أن الطعام يعكس جزءا جوهريا من الهوية الفلسطينية، مما جعل التجربة تجمع بين المذاق الثقافي والتاريخي.

وكان الفنان الفلسطيني المقيم في فرنسا، رسمي دامو، من أبرز ضيوف المهرجان. دامو، الذي كان أحد المشرفين على إخراج فيلم "من المسافة صفر"، شارك في محاضرات وجلسات نقاشية حول أهمية الفن في توثيق الذاكرة الفلسطينية وتعزيز الصمود. كما أجاب عن تساؤلات الحضور المتعلقة بحياة الفلسطينيين اليومية، وخاصة في غزة. وقال دامو خلال إحدى مداخلاته: "الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو جسر يصلنا بالعالم. إنه وسيلة لتسليط الضوء على المعاناة، لكنه يعبر أيضا عن الأمل الذي ينبض في داخلنا. من الضروري أن نستمر في إنتاج أعمال فنية تروي قصتنا للعالم".

إعلان

ولم يكن المهرجان مجرد سلسلة من الفعاليات الثقافية، بل كان تجربة إنسانية عميقة تركت أثرا واضحا في نفوس المشاركين. الصحفية والكاتبة الكينية آنا موشيكي، التي شاركت في المهرجان، وصفت تجربتها بقولها: "تأثرت برؤية الأطفال في الفيلم وهم يواجهون الألم من دون أن يفقدوا أحلامهم. شعرت بالذهول حين علمت أن سكان غزة يعيشون تحت الضجيج المستمر للطائرات المسيرة. الفن لديه القدرة على معالجة أي قضية، فهو يذكرنا دائما بأن خلف كل صراع سياسي هناك وجوه إنسانية تحمل آمالا وأحلاما. أعتقد أن تنظيم هذا المهرجان كان خطوة شجاعة، وآمل أن يصل تأثيره إلى العالم".

نقاش مع الفنان رسمي دامو إثر عرض الفيلم (الجزيرة)

أثار المهرجان أيضا نقاشات حول دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية، حيث أكد المشاركون على انحياز بعض التغطيات الإعلامية وأشاروا إلى أهمية الفن في تقديم روايات بديلة تظهر الجوانب الإنسانية للصراع. ماريا، وهي كولومبية تعيش في نيروبي، قالت للجزيرة نت: "أؤمن بفلسطين الحرة وأدعمها. لكن مع وجود تغطية إعلامية غير متوازنة، يصبح من الضروري الاستماع إلى القصص الفلسطينية ومشاهدتها." وأضافت: "الفن أداة قوية للتواصل مع العالم. إنه وسيلة للتحدث إلى قلوب الناس ومنفذ للفلسطينيين للتعبير عن أنفسهم، ولذلك أعتقد أنه جزء أساسي من دعم القضية الفلسطينية".

بهذه الفعاليات والنقاشات، نجح المهرجان في الجمع بين الثقافة والتوعية، وساهم في إيصال الرسائل الإنسانية الفلسطينية إلى جمهور أوسع.

المهرجان أثار نقاشات حول دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية (الجزيرة) الفن أداة للتغيير

على مدار أسبوع كامل، أعاد المهرجان صياغة مفهوم المقاومة من خلال الفن، مشددا على أن الثقافة والفنون ليست فقط وسيلة للتعبير عن المعاناة، بل هي أيضا وسيلة لتغيير الروايات وتحدي الصور النمطية. فقد علق شيسلي، وهو مواطن من موريسيوش مقيم في نيروبي، قائلا: "الفن الفلسطيني أظهر لي كم نحن متشابهون كبشر. ومع ذلك، فمن الأفضل أن يتجاوز الفن مجرد ربط الناس بالقضية، وأن يحفز الأشخاص الذين يشعرون بالعجز أو يعتقدون أنه ليس بوسعهم فعل الكثير للمساعدة".

إعلان رسالة إنسانية تتجاوز الحدود

أثبت "مهرجان الفن الفلسطيني" في نيروبي أن الفن هو أكثر من مجرد وسيلة للتعبير بل أيضا وسيلة فعالة للتواصل، والمقاومة، وإبراز المعاناة الإنسانية. إذ لم يكن هذا المهرجان، بأفلامه وورش عمله وتجربته الثقافية مجرد فعالية عابرة، بل كان تأكيدا على أن التضامن الإنساني يبدأ بفهم القضية، وأن الفن هو أقوى الجسور التي يمكن أن تربط القلوب والعقول، مهما كانت الجنسية أو المعتقد.

مقالات مشابهة

  • غايا تحتفي بالإبداع في الأوبرا.. إعلان الفائزين وتكريم رموز الفن والأدب السبت
  • "الفاو": الاحتلال دمر 75% من الحقول وبساتين الزيتون في غزة
  • أشهر الأمراض التي تواجه مربي الحمام وطرق الوقاية والعلاج
  • محافظ ريف دمشق يلتقي ممثلي الغوطة الشرقية لمناقشة التحديات التي تواجه العمل وسبل تحسين الخدمات للمواطنين
  • مجلس النواب يبحث الصعوبات التي تواجه جهاز «مشروع النهر الصناعي»
  • مهرجان الفن الفلسطيني في نيروبي.. الفن أداة للمقاومة والصمود
  • مجلس النواب يبحث المشكلات التي تواجه «نقابة موظّفي النفط» في بنغازي
  • فلسطين تُقاوم بالذاكرة.. أرشيف منهوب يُعيده الفن للعالم
  • فلسطين تُقاوم بالذاكرة.. أرشيف منهوب يُعيده الفن للعالم في الإسماعيلية السينمائي
  • فلسطين تُقاوم بالذاكرة.. أرشيف منهوب يُعيده الفن للعالم في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية