شبكة اخبار العراق:
2025-04-25@13:36:55 GMT

كل هذا الغبار من تلك الحروب

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

كل هذا الغبار من تلك الحروب

آخر تحديث: 2 دجنبر 2023 - 9:53 ص بقلم:فاروق يوسف ألا يزال ذلك الجندي الآشوري يحارب؟ تعرفت عليه في المتحف العراقي ولم أكن في حاجة إلى التعرف على عمره. فالمسافة بين ولادته وموته يغطيها الغبار نفسه الذي أثقل خطوات الملايين من رجال عصرنا والعصور التي سبقته الذين مشوا إلى أرض الموت مكللين بالأغاني التي لم يصدقوها.

“احنه مشينا للحرب”. كان يضحك وهو يسمعها. لا يصدق كلمة واحدة منها. “لست أنا من مشى”، يقول لي وهو يشير إلى قدميه. كان الغبار يعلوه حتى بعد أن يغوص في مياه المحيطات كلها ويخرج. فغبار الحرب يقيم عميقا في روحه. لا يصدق الآخرون أنه خرج حيا. غير أنه يعرف أن الحياة في مكان آخر. مكان لا تقع عليه أعين الآخرين الذين لم يعيشوا السنوات العمياء التي مرت به واخترقها مدفوعا بهواء الأناشيد الوطنية الثقيل. عاد حيا كما لو أنه لم يكن حيا من قبل. ذلك لغزه الذي لن يتمكن من شرح تفاصيل دروب متاهته. تلك متاهة لا تقع على الأرض. كانت الكوابيس جزءا من وجبته الليلية. لن يتمكن من وصف عشائه الأخير. وكل عشاء هو عشاؤه الأخير. “كلهم ميتون” سيكون متأكدا من أنه حين يعود لن يجد أحدا. سيجلب معه شيئا من الغبار. ذلك ما سيهبه طابع الشبح الخارج من التاريخ. لا زمن له بعد أن كان غادر بقوة الغبار الزمان الذي صدق يوما ما أنه ابنه. لم يعد في إمكانه أن يقنع أحدا بأنه عاش زمن الآخرين. فليس لديه ما يقوله. لديه أخبار لا يفهم لغتها أحد. لقد لعبت الجغرافيا بذاكرته. فبين معارك شرق البصرة وحرب غزة مسافة تسكنها الألغام المشبوهة بقدرتها على خلق الأوهام. لا شيء يهم في ما يعتبره الآخرون طرفي المعادلة المجنونة. إما النصر أو الهزيمة. تلك معادلة كاذبة. فلا نصر في الحرب ولا هزيمة. دع المنتصرين والمهزومين يحتفلون بنجاتهم. ولكن الحرب لم تنته بعد.

إما النصر أو الهزيمة. تلك معادلة كاذبة. فلا نصر في الحرب ولا هزيمة. دع المنتصرين والمهزومين يحتفلون بنجاتهم. ولكن الحرب لم تنته بعد

الأسوأ أنك حين تعود من الحرب تصدم أن البشر من حولك لم يتغيروا. إنهم كما تركتهم. ما زالوا يكذبون وينافس بعضهم البعض الآخر إلى درجة الحسد والغيرة وتمني الموت ويتمتعون بحيلهم الصغيرة كما لو أنهم يصنعون المعجزات ويضحكون من الفشل ويغيظهم النجاح ويصفقون للسياسيين الذين أقنعوهم بأن الحرب هي آخر الحلول ويسخرون من المفكرين الذين دافعوا عن السلام باعتباره مجموعة متلاحقة من المحاولات التي لا تنتهي. تحتاج حينها إلى كيلومتر من غبار الحرب في إمكانها أن تُلهم العالم تنفس هواء مختلفا، هو هواء الحقيقة التي انتهت إليها البشرية. تعرف أن صرختك لن تصل. فقد يعتبرك الكثيرون مجنونا. سيكون عليك أن تصدق أنك مجنون. ولكن جنون الحرب لا يعفي أحدا من هذيانه. نحن جميعا نهذي أيها الجندي الآشوري. حين تسلقنا الجبل لم نكن نرغب في رؤية قمته. كنا في كل خطوة صعود نفكر في الهبوط. ولكن الأرض التي صغرت أثناء صعودنا كانت أرضا أخرى غير التي غادرناها. لا أشجار ولا منازل ولا بحيرات ولا شوارع ولا كهوف ولا مزارع ولا حتى قصائد يمكن أن نغوي من خلالها الفتيات الجميلات. سوداء تلك الأرض التي طردتنا حين اختارتنا محاربين من أجل أوهام عدد من بنيها الذين أقنعوا الجميع بأنهم رأوا السماء قريبة وأن الأفق قريب. ذلك ما يحدث دائما. واقعيا لم ينج صدام حسين أو ياسر عرفات أو معمر القذافي من ذلك الوهم. “تلك هي أنوار القدس”، لطالما قالها عرفات بإلهام شبه إلهي. لا تأسف على ما فاتك أيها الجندي الآشوري. أنت تحارب منذ أكثر من ألفين وخمسمئة سنة. هل هي مهنتك؟ ليس حمل الغبار مهنة. ولكن للحروب حساباتها. وأنت ابن الحروب لا ابن الزمن. “عشت زمنا أسطوريا” يقول لي. يضيف “بدلا من 18 شهرا وهو زمن الخدمة العسكرية الإلزامية خدمت عشر سنوات بسبب الحرب مع إيران. لم أذهب إلى بيتي إلا وقتا قصيرا إلا واستدعيت للخدمة الاحتياط من أجل الحرب في الكويت. لقد صدقت ما قاله الآخرون من أنني خرجت حيا من الحرب الأولى وهو أمر غير مؤكد غير أنني لم أصدق أنني سأعود حيا من الحرب الجديدة. لقد استيقظ الغبار القديم في روحي وهو ما دفعني إلى السخرية من تفاؤل الآخرين. لقد خُلقنا إذاً للموت. ذلك ما يقولونه وهو ما تحققه لهم الحروب”. تلك خلاصة عيش لا حياة فيها. هناك أجيال عاشت وهي تتنفس غبار الحرب. إذا لم تكن إيران هناك أميركا أو إسرائيل. أما حين ترى المنتصرين وهم يرقصون فإنك تفكر بقبضة من غبار الحرب. قبضة واحدة كافية لكي يستيقظ الموتى من أوهامهم.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

استشاري علاقات أسرية: العائلة بداية غرس حب الوطن في الأطفال

أكدت استشاري العلاقات الأسرية، بسنت البربري، أن تربية الأطفال على حب الوطن تبدأ من داخل الأسرة كي يتمتع بالانتماء لوطنه.

«الأسرة العربية للتنمية» يناقش 6 محاور في ملتقى «الثابت والمتغير في صورة المرأة».. السبت المقبلنائب يطالب بزيادة أسرة العناية المركزة في مستشفيات بورسعيد

وأضافت بسنت البربري خلال استضافتها في برنامج "صباح البلد" الذي يقدمه الإعلامي أحمد دياب والإعلامية نهاد سمير على قناة صدى البلد، أن شكل الحروب قد تغير كثيرًا على مر العصور.

وقالت: "الحروب اليوم أصبحت إلكترونية ونفسية، بينما كانت الحروب في الماضي تتم باستخدام الأسلحة والمعارك على الأرض، وكان الحفاظ على الأرض والانتماء هو الهدف الأساسي".

وشددت البربري على ضرورة أن تقوم الأسرة بتعليم الطفل أن "أسرتك هي الوطن الصغير"، مؤكدًة على أن هذا المفهوم يساعد في تعزيز حب الوطن الكبير.

طباعة شارك الأطفال الأسرة حب الوطن

مقالات مشابهة

  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • العمى والسرطان| كيف يؤثر غاز الخردل على الصحة؟.. وطريقة استخدامه في الحروب
  • استشاري علاقات أسرية: العائلة بداية غرس حب الوطن في الأطفال
  • السودان والإمارات.. هل تغير “دولة ممزقة” تاريخ الحروب؟
  • ناقد: الفن المصري نجح في توثيق الحروب والانتصارات
  • فضيحة نفق رفح تذكّر بحروب اندلعت من خلال أكاذيب.. تعرف عليها
  • إدارة السير تحذّر سالكي الطرق الخارجية من الغبار الكثيف
  • الأرصاد .. أسبوع متقلب جوياً / تفاصيل
  • التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات
  • مناظرة العيدروس للوليد مادبو التي ارجات احمد طه الى مقاعد المشاهدين