هل الرأي العام أسرع فهما من الإعلام؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
يبدو أن موقف بعض شرائح الرأي العام الأمريكي من القضية الفلسطينية قد تطور نسبيا نحو فهم أصح للوقائع واستبانة أوضح للصورة. ولعل أهم عناصر هذا التطور هو الوعي الجديد بأن الظاهرة الإسرائيلية هي في الأصل ظاهرة كولونيالية غربية، أي أن المشكلة في فلسطين هي مشكلة احتلال وليست مشكلة سلام، وأن الحل هو إنهاء الاحتلال وليس إحلال السلام (بمعنى أن السلام سيحل تلقائيا حالما يزول الاحتلال، فلا يكون السلام في حكم المؤكد إلا عندما لا يطلب لذاته).
ومثلما أن موقف الرأي العام الأمريكي من الاحتلال الإسرائيلي قد تطور، فإنه يبدو أن موقف صحيفة النيويورك تايمز، كبرى الصحف الأمريكية الليبرالية، قد تطور أيضا نحو توسيع نسبي للمسافة التي تفصلها عن السرديات الإسرائيلية. ومن علامات ذلك أن كثيرا من القراء والمتابعين العرب قالوا في وسائل التواصل إن التقرير الذي نشرته النيويورك تايمز قبل أيام بعنوان «المدنيون في غزة يتعرضون لوابل من القصف الإسرائيلي ويقتّلون بوتيرة لا نظير لها تاريخيا» دليل على أن شيئا ما قد تغير في أمريكا.
ومما يبيّنه التقرير أن التقتيل الذي يرتكبه الجيش الإسرائيلي في غزة لا سابق له منذ بداية هذا القرن، فهو أعلى وأسرع بكثير مما وقع حتى في أشد الهجمات فتكا أثناء الحروب الأمريكية على العراق وسوريا وأفغانستان التي انتقدتها منظمات حقوق الإنسان بالغ الانتقاد لشدة فتكها وكثرة قتلاها وجرحاها من المدنيين. واستشهدت بخبراء عسكريين غربيين قال بعضهم إن نسبة القتلى الغزاويين في الأسابيع القليلة الماضية عالية علوا لا مثيل له منذ عقود، وإنه لا يمكن مقارنتها إلا بنسبة التقتيل والتهديم أثناء حرب فيتنام والحرب العالمية الثانية. وذكرت الصحيفة أن الخبراء ليسوا مندهشين من اتساع نطاق القتل فقط، بل ومن كثرة استخدام الجيش الإسرائيلي، في أحياء غزة ذات الكثافة السكانية العالية، لأسلحة ثقيلة جدا تشمل قنابل أمريكية الصنع تبلغ زنتها 2000 رطل يمكن لكل منها أن تهدم برجا سكنيا فتسوّيه أرضا. ولتوضيح الصورة قالت النيويورك تايمز إن المسؤولين العسكريين الأمريكيين يعتقدون أن القنبلة الأمريكية الأكثر استخداما، والتي تبلغ زنتها 500 رطل، كانت أثقل بكثير مما يتطلبه تدمير معظم الأهداف الداعشية في المناطق السكنية في الموصل والرقة. ولهذا فإن عدد من قتل من الأطفال والنساء في غزة في أقل من شهرين أكبر بكثير ممن قتلوا طيلة العام الأول من الغزو الأمريكي للعراق.
وقد كتب بعض المتابعين الغربيين أن النيويورك تايمز بدأت تنشر مثل هذه التقارير لأن موقف الرأي العام بدأ يتغير ولأنها متخوفة من خسران مشتركين كثر إن هي لم تسارع إلى الانسجام مع الرأي العام. ولكني لا أرى ذلك. صحيح أن الجريدة فتحت صفحات الرأي لبعض الكتاب الفلسطينيين، وصحيح أن معلقها نيكولاس كريستوف لا يزال ينشر، على عادته، مقالات متميزة بالصدق الإنساني والحرص على تحري الحق والإنصاف. ولكن النيويورك تايمز لم تحد كثيرا عن تعاطفها المعهود مع إسرائيل.
دليلان: أولهما متكرر، وهو تعليقات كاتبها الأشهر توماس فريدمان. أما الدليل الثاني فهو الافتتاحية التي نشرتها يوم 25 نوفمبر هيئة التحرير، وهي لجنة من كتاب الرأي المستقلين عن قاعة الأخبار، بعنوان «الطريق الأوحد». إذ لم تخرج هذه الافتتاحية عن ترداد الموقف الأمريكي المعروف: أن السلام ممكن وأن الأغلبية من الجانبين راغبة في السلام، ولكن الأقلية المتطرفة من الجانبين هي التي تمنع الحل السلمي بأعمال العنف المتكررة لأن كلا منها يؤمن بوجوب إقامة دولة، فلسطينية أو إسرائيلية، من النهر إلى البحر. صحيح أن الصحيفة تؤكد أن نتنياهو لم يأْلُ منذ عام 1996 جهدا في سبيل الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، وأنها تؤكد أن هذا ليس صراعا بين طرفين متكافئين، بل إن إسرائيل هي القوة المهيمنة. ولكن النيويورك تايمز لا تزال تروّج للخرافة الغربية القائلة بأن باراك عرض على عرفات (ثم تبعه أولمرت فعرض على عباس) تسوية معقولة، إلا أن القيادة الفلسطينية رفضتها. والعجيب أن الجريدة الليبرالية لا ترى أي تناقض في موقفها عندما تشرح أن هذه التسوية «المعقولة» تسوية «أليمة تتضمن تنازل الفلسطينيين عن كل مطلب»!
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية غزة فلسطين غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الرأی العام أن موقف
إقرأ أيضاً:
الإصلاح والنهضة يدين تصريحات وزير المالية الإسرائيلي
أدان حزب الإصلاح والنهضة بشدة التصريحات الاستفزازية التي أطلقها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، والتي تعكس توجهات إسرائيلية متعنتة تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني وتؤكد نية الاحتلال في فرض واقع جديد عبر استمرار سياساته الاستيطانية والاعتداءات على الأراضي الفلسطينية.
وأكد الحزب أن مثل هذه التصريحات تعد تجاوزًا صارخًا للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان والعدالة الدولية، ويطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه ما يحدث من انتهاكات واضحة لحقوق الشعب الفلسطيني.
وشدد الحزب على أن هذه التصريحات تعكس انحرافًا خطيرًا عن مسار السلام وتهدد الاستقرار في المنطقة بأسرها، مؤكدًا بأن تجاهل الحكومة الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين واصرارها على اتباع سياسة الاستيطان هو أمر يجر المنطقة إلى مزيد من التصعيد ويؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأدان حزب الإصلاح والنهضة تلك التصريحات فإنه يؤكد أن حل الصراع يجب أن يكون عبر التزام إسرائيل بالقرارات الدولية والعودة إلى طاولة المفاوضات الجادة مشددين على دعم الحزب لموقف الدولة المصرية الذي يتماشى مع مبادئ العدالة والحقوق الإنسانية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو موقف يقوم على احترام حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ودعا حزب الإصلاح والنهضة جميع الأطراف الدولية والإقليمية إلى التحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات والتصدي للتوجهات العنصرية والتوسعية التي تنتهجها بعض الشخصيات المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية مشددين على ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية في حماية الشعب الفلسطيني ودعم حقوقه في السلام والحرية والكرامة.
وجدد حزب الإصلاح والنهضة التزامه بدعم الشعب الفلسطيني في نضاله العادل، ويشدد على ضرورة إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام الشامل والدائم في المنطقة ويؤمن الحزب بأن الطريق إلى السلام لا يمر عبر الاستيطان والعنف، بل عبر الحوار والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة مطالبين المجتمع الدولي بتكثيف جهوده لتحقيق هذا الهدف والضغط على إسرائيل للتراجع عن سياساتها التي تزيد من تعقيد المشهد وتبعد المنطقة عن السلام والاستقرار المنشود.