الثورة نت:
2024-11-14@19:50:38 GMT

حل الدولتين.. احتلال بصيغة الاستقلال

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

 

 

هل تعلم أن مقترح حل الدولتين الذي يروج له البعض كحل عادل وواقعي للصراع العربي الإسرائيلي هو في الحقيقة حل ظالم ومضل ومؤذ؟ هل تعلم أن هذا الحل لا يحقق أياً من الأهداف التي يدعي أنصاره أنه يحققها، بل على العكس، ينكر حق الأمة بأرض فلسطين، ويكرس الوضع القائم من الاستبداد والظلم والاحتلال الصهيوني الغاصب لأرض عربية.


منذ عام 1948م، وتجاه ما يعانيه الشعب الفلسطيني من النكبة والنكسة والاحتلال والتهجير والتطهير والتمييز والقتل والتدمير على يد الكيان الصهيوني، الذي قام على أساس الغزو والاستعمار والسرقة والكذب والخيانة والعنف والإرهاب، وهناك من يحاول أن يفرض على الشعب الفلسطيني حلولاً مسبقة الصنع، تنطلق من فكرة أن الحق يجب أن ينحني للقوة، وأن الضعيف يجب أن يقبل بالمقسوم، وأن الظالم يجب أن يحصل على ما يريد، ومن أبرز هذه الحلول ما يسمى حل الدولتين، أي إقامة دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية، والاعتراف بإسرائيل على الجزء الآخر.
يدعي أنصار هذا المقترح أنه الحل الأكثر عدلاً وواقعيةً وقبولاً، وأنه يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة، وينهي الاحتلال والظلم والعنف والتهجير والتطهير والتمييز، ويفتح آفاقاً جديدة للسلام والتعايش في المنطقة، ويتهمون من يرفض هذا المقترح بأنه متطرف ومتشدد ومتعنت ومتخلف ومتهور ومتسلط ومتعصب، وأنه يعرقل السلام ويزيد من المعاناة ويضيع الفرص ويهدد الأمن والاستقرار.
لا شك أن حل الدولتين لا يستند إلى الحق والعدل، فالشعب الفلسطيني ليس شعباً ضعيفاً ولا مهزوماً، بل شعب صامد ومقاوم، وله حق في أرضه ووطنه وتاريخه ومستقبله، وليس عليه أن يتنازل عن شبر واحد من أرضه، ولا عن حق ملايين اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، ولا عن حقه في الموارد والسيادة، كما أن شعب فلسطين لم يقاوم ويناضل ويضحي من أجل حل وسط، بل من أجل حل نهائي وشامل، يضمن له حريته وكرامته وحقوقه ومصالحه، وينهي له الاحتلال والظلم والاضطهاد والمعاناة.. وإن كان هناك من يجب أن يتنازل ويقبل بالواقع، فهو الكيان الصهيوني، الذي قام على أساس الغزو والاستعمار والتهجير والتطهير والتمييز والقتل والتدمير، والذي لا يملك أي حق أو شرعية في وجوده على أرض عربية.
إذا ما وصل إلى مسامعك أحد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967م، فلا تسرع في الموافقة على ما سمعت، بل تأمل وتدبر: فإن ما يطرح عليك هو مشروع قيام دولة تتنازل عن ثمانين بالمئة من أرضها الأصلية لصالح كيان غاصب ومستعمر، وتتخلى عن حق الأمة في المقدسات، وتتنازل عن حقها في الموارد والحدود والسيادة.. وليس هذا فحسب، بل إن إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل حرب 1967م لا يعني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ولا تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، بل ترسيخ الظلم والنكبة التي لحقت به منذ عام 1948م.
فهذه الدولة الفلسطينية المفترضة، وفق مقترح حل الدولتين، ستكون مجزأة ومحاصرة ومحتلة جزئياً، ولن تتمتع بأي من السيادة والاستقلال والحقوق التي تتمتع بها أي دولة أخرى في العالم، ولن تكون قادرة على حماية شعبها ولا تمثيله بشكل حقيقي، ستكون رهينة لإسرائيل ضد مواطنيها، ومهددة بالتدمير والتصفية والتهجير، ومرهونة بالمصالح والشروط والاتفاقيات التي يفرضها الكيان الغاصب والدول الغربية. وعلى هذا الأساس، ستصبح مصلحتها السياسية أن تحافظ على أمن واستقرار العدو الصهيوني، وأن تتعاون معه في قمع أي تحركات أو مقاومة أو انتفاضة من شعبها، وأن تتخلى عن أي مواقف أو مطالب أو دعاوى تحاول أن تجبر العدو الإسرائيلي على وقف سياساته الاستيطانية والتوسعية، وإذا فشلت في القيام بذلك، فستواجه عقوبات وعواقب وخيمة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
إن الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية على أرض الضفة وغزة، خدعة سياسية ووهم كبير، فهذه الدولة المزعومة لن تكون إلا سلطة محلية تحت سيطرة إسرائيل، ولن تمتلك أي من مقومات الدولة الحقيقية، بل ستكون محاصرة ومقيدة ومستعمرة، ومن يدعي أنها ستكون منطلقاً لتحرير باقي فلسطين، فهو يكذب على نفسه وعلى أمته، فالصهاينة لن يسمحوا لها بأن تكون دولة قوية ومستقلة، بل سيفرضون عليها شروطاً قاسية تمنعها من تسليح نفسها أو تنظيم جيشها أو تحصين حدودها، وسيجعلونها تحمل مسؤولية تهدئة شعبها وتثبيته في مواقعه، وإلا فإنها ستواجه العقوبات والاجتياح والعدوان.
وإذا ما أرادت هذه الدولة المفترضة أن تنعم بالازدهار والتنمية، فإنها ستجد نفسها مقيدة بالعديد من الشروط والقيود التي تفرضها إسرائيل والمانحون الدوليون، الذين لا يهتمون بما يخدم الشعب الفلسطيني، بل بما يحفظ مصالح الكيان الصهيوني ويؤمن استمرار الهيمنة الإسرائيلية على الأرض والموارد، وهذا يعني أن الدولة الفلسطينية، في هذا السيناريو السوداوي، لن تكون دولة مستقلة وسيدة لنفسها، بل دولة مرتهنة ومنقوصة السيادة.
فاقتصادها سيكون مرتبطاً بإسرائيل والمنح الدولية المشروطة، التي تحدد لها ما يجب أن تفعله وما لا تفعله، وبالتالي، لن يكون للفلسطينيين أي دور فاعل في تحديد مصيرهم الاقتصادي والسياسي، بل سيصبحون مجرد مراقبين ضعفاء لما يفرضه عليهم الجانب الإسرائيلي والدول الغربية، كما سيتأثر في السيناريو القطاع الخاص الفلسطيني بشكل سلبي جداً، فرجال الأعمال الفلسطينيون سيتحولون إلى وكلاء وموزعين للسلع الإسرائيلية في الأسواق الفلسطينية، دون أن يمتلكوا أي قدرة على الإنتاج والتصدير، والعمال الفلسطينيون سيصبحون عمالة مهمشة ومنخفضة الأجر، تعمل في ظروف قاسية ومذلة في الداخل الإسرائيلي، دون أن تحظى بأي حقوق أو ضمانات، والحكومة الفلسطينية ستصبح حكومة مفلسة ومعتمدة على المساعدات الخارجية، تعجز عن تلبية احتياجات شعبها وتحمي حقوقه، وبهذا، ستفقد القدرة على وضع سياسات اقتصادية تخدم مصالحها وتحقق أهدافها، بل إنها ستصبح رهينة للضغوط والشروط التي تفرضها إسرائيل والدول الغربية المانحة، والتي ستتعارض مع مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وهذا سيؤدي إلى تقييد الوضع الاقتصادي، وتفاقم الفقر والبطالة، وتقويض القدرات الإنتاجية والتنافسية للقطاع الخاص، وتعزيز الاستهلاك والاستيراد على حساب الإنتاج والتصدير.
علاوة على ذلك، فإن قيام هذه الدولة الفلسطينية المفترضة على أساس التنازل عن حقوق شعبها ومطالبه العادلة، والتخلي عن القضية التي ضحى من أجلها أجيال من الفدائيين والشهداء، وبالارتهان للشروط الإسرائيلية والمساعدات الغربية المشروطة، سيجعل منها دولة مستبدة وفاسدة، تحكمها طبقة لا تمثل إلا نفسها ومصالحها مع الكيان الصهيوني، بل وسيكون سكان هذه الدولة مهمشين ومحرومين من حقوقهم الإنسانية والمدنية والسياسية، فهم لن يتمتعوا بالأمن والديمقراطية والعدالة والتنمية، بل سيعيشون في الفقر والبؤس والقهر والذل، وسيواجهون القمع والاعتقال والتعذيب إذا ما أرادوا التغيير أو التعبير عن رأيهم، فهي لن تسمح بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، لأنها تخشى أن يختار الشعب الفلسطيني حكومة تمثله حقاً تلغي الاتفاقيات المشبوهة مع الكيان الصهيوني الغاصب، ولذلك، فإنها ستحاول بكل الوسائل الحفاظ على سلطتها ومنع أي تحرك شعبي أو سياسي يهدد مصيرها، وهكذا، ستكون دولة مستبدة بلا مؤسسات منتخبة فاعلة، ككثير من أخواتها في العالم العربي، شعبها مسلوب في حريته، لا يختار حكامه، وحكامه لا يحمونه بل يحمون غزاته.
على ضوء ما سبق نستنتج أن حل الدولتين هو حل زائف ومضلل، يهدف إلى تقويض حقوق الشعب الفلسطيني وتثبيت وجود الكيان الصهيوني، فهذا الحل يقوم على تقسيم الأرض الفلسطينية إلى دولتين غير متكافئتين في الحجم والقوة والسيادة. فمن جهة، سيحصل الاحتلال الإسرائيلي على 80 % من الأرض، لهم فيها جيش قوي وسلاح واقتصاد مستقل، ومن جهة أخرى، يحصل الفلسطينيون والذين هم أصحاب الأرض على 20 % منها، وهي أراض مقسمة ومحاصرة ومحتلة جزئيا، وليس لهم فيها جيش وسلاح واقتصاد مستقل، هو حل سيكرس في جوهره استبداداً وفساداً وتبعية في الدولة الفلسطينية المفترضة، ويريح العدو الإسرائيلي من نصف الفلسطينيين بين البحر والنهر، ويحصر الشعب الفلسطيني في خمس الأرض، ويحرمه من الثقل السياسي والعسكري في المستقبل، ما يجعل من تحرير الأرض وإسقاط الكيان الصهيوني أكثر صعوبة من أي وقت مضى، والفرق هنا بين الاحتلال الراهن والوضع الذي سينتج عن ما يسمى بحل الدولتين هو أن هذا الجديد سيسمى استقلالاً فيستمر.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

حان الوقت للعمل على طرد الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة

 

 

أعدت السيدة فرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 تقريراً نشر على موقع الأمم المتحدة يوم 1 أكتوبر 2024 تحت عنوان: “الإبادة الجماعية باعتبارها محواً استعمارياً Genocide as colonial erasure «، وهو تقرير لم يكن صادماً في عنوانه فحسب وإنما في مضمونه أيضاً.
لهذا التقرير أبعاد ثلاثة؛ الأول: توثيقي، يتضمّن رصداً للممارسات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تشكّل في مجملها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. ويستند هذا الرصد الموثّق إلى: شهود عيان، وإلى وثائق صادرة عن مؤسسات أممية، بما فيها محكمة العدل الدولية، وإلى تقارير وتصريحات رسمية، بما فيها تقارير وتصريحات صادرة عن الحكومة الإسرائيلية. والثاني: تحليلي، يستهدف وضع تلك الممارسات في السياق التاريخي لتطوّر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كي يمكن فهم أهدافها المضمرة ودلالاتها الحقيقية. والثالث: استنباطي، يسعى لاستخلاص دروس ومواقف ينبغي على جميع الأطراف المعنية أن تقوم بها، وذلك في ضوء الالتزامات الواقعة على عاتقها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.
يتضمّن هذا التقرير، في بعده التوثيقي، أرقاماً مفزعة عن أعداد القتلى والجرحى من المدنيين الفلسطينيين الذين سقطوا نتيجة الحرب التي تشنّها “إسرائيل” حالياً على قطاع غزة، خاصة من النساء والأطفال، وتعرّض من بقي منهم على قيد الحياة للموت بسبب الجوع وانعدام الخدمات الصحية. وعن حجم التدمير الذي لحق بالمساكن والمدارس والجامعات والمستشفيات وأماكن العبادة والمؤسسات الإعلامية في قطاع غزة. صحيح أن هذا البعد لا يضيف جديداً، لأن معظم الأرقام التي يتضمّنها التقرير معروفة ومتداولة، لكنه يعبّر بطريقة دقيقة ومؤثّرة عن حجم المعانات التي يكابدها الشعب الفلسطيني بسبب الجرائم التي يرتكبها “الجيش” الإسرائيلي.
يقول التقرير: “أمرت إسرائيل الفلسطينيين بالفرار إلى (مناطق آمنة) محدّدة، وبمجرد وصولهم إلى هذه الأماكن تعرّضوا للهجوم وأُمروا بالانتقال إلى (مناطق آمنة) جديدة. هكذا جرت مطاردة النازحين بشكل منهجي وتمّ استهدافهم حتى في الملاجئ، بما في ذلك مدارس (الأونروا) التي هاجمت إسرائيل 70% منها بشكل متكرّر، وتسبّب الغزو الإسرائيلي لمدينة رفح في نزوح ما يقرب من مليون فلسطيني، اضطروا إلى التوجّه إلى جنوب غزة، بسبب أوامر الإخلاء الإسرائيلية، والتي لم يجدوا فيها سوى أراضٍ قاحلة غير صالحة للسكن، مليئة بالأنقاض ومياه الصرف الصحي والجثث المتحللة.. الأمر الذي يساهم في تدمير الروح وإرادة الحياة بل والحياة نفسها”.
أما في بعده التحليلي، فقد ربط التقرير بين ما يجري للفلسطينيين حالياً وما جرى لهم إبان نكبة 1948 وعقب هزيمة 1967، ووصف هذا الذي جرى وما زال يجري بأنه “عملية إبادة جماعية ممنهجة، بدأت في 48 ولا تزال مستمرة حتى الآن”، هدفها الأساسي “القضاء على وجود الشعب الفلسطيني في فلسطين”، وهي “لم تعد قاصرة على قطاع غزة وإنما بدأت تتسع وتمتد الآن إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية”.
وخلصت ألبانيز، في نهاية تقريرها إلى حقيقة مفادها أنه “ما كان لإسرائيل أن ترتكب كلّ ما أقدمت عليه من انتهاكات لولا تهاون المجتمع الدولي والسماح لها بالإفلات من العقاب”. واستناداً إلى هذه الحيثيات، وجّهت نداء لـ “إسرائيل” تطالبها فيه بوقف فوري ودائم لإطلاق النار وسحب “جيشها” من كلّ الأراضي الفلسطينية المحتلة في 67، بما فيها القدس الشرقية، كما وجّهت نداء آخر إلى المجتمع الدولي، تطالبه فيه بفرض حظر تام على مبيعات السلاح لـ “إسرائيل”، ودعت الأمم المتحدة إلى اعتبار النظام الإسرائيلي “نظام فصل عنصري يمارس الأبارتيد”، ما يستوجب ليس إعادة تنشيط اللجنة الخاصة بمناهضة الفصل العنصري وتكليفها بمعالجة الوضع وحماية الشعب الفلسطيني فحسب، وإنما أيضاً “تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة”.
والواقع أن الجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” في حقّ الشعب الإسرائيلي تتطلّب ليس تعليق عضويتها فحسب وإنما طردها نهائياً من الأمم المتحدة. فالمادة السادسة من ميثاقها تنص على: “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة، في انتهاك مبادئ الميثاق، جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة، بناء على توصية من مجلس الأمن”. ولأن إمعان “إسرائيل” في انتهاك ميثاق الأمم المتحدة بلغ حداً لم تبلغه أيّ دولة أخرى، فقد بات لزاماً على الأمم المتحدة، احتراماً لميثاقها وحفاظاً على ما بقي لها من مصداقية، أن تتخذ قراراً فورياً بحرمان هذا الكيان العنصري المارق من شرف عضويتها.
صحيح أن الجمعية العامة لا تملك من الناحية القانونية اتخاذ قرار بطرد أي دولة عضو في الأمم المتحدة إلا إذا صدرت توصية مسبقة بذلك من مجلس الأمن، وصحيح أيضا أنه يستحيل على مجلس الأمن، خصوصاً في ظل التوازنات الدولية الراهنة، أن ينجح في إصدار توصية بهذا المعنى، لأن الولايات المتحدة ودولاً أخرى دائمة العضوية في هذا المجلس ستسارع باستخدام الفيتو للحيلولة دون صدورها، غير أن هذه العقبة القانونية لا ينبغي أن تقف حائلاً دون محاولة استخدام الجمعية العامة لممارسة ضغوط متواصلة على مجلس الأمن لحمله على تغيير موقفه من حكومة “إسرائيل” العنصرية، وذلك بالطريقة نفسها التي سبق لهذه الجمعية أن مارستها في بداية سبعينيات القرن الماضي، لحمل مجلس الأمن على فرض عقوبات على حكومة جنوب أفريقيا العنصرية بسبب إصرارها العنيد على رفض تمكين شعب ناميبيا من ممارسة حقّه في تقرير مصيره.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد بذلت جهوداً مضنية لإقناع حكومة جنوب أفريقيا بوضع إقليم جنوب غرب أفريقيا (ناميبيا) تحت إشراف نظام الوصاية الذي استحدثته الأمم المتحدة، بدلاً من نظام الانتداب الذي كان معمولاً به في زمن “عصبة الأمم”. ولأن حكومة جنوب أفريقيا رفضت ذلك بإصرار عنيد، لم تتردّد الجمعية العامة في اتخاذ قرار بإنهاء انتداب جنوب أفريقيا من جانب واحد على إقليم جنوب غرب أفريقيا، كما قرّرت في الوقت نفسه وضع هذا الإقليم تحت إشرافها المباشر.
وأمام إصرار حكومة جنوب أفريقيا العنصرية آنذاك على عدم التعاون مع الجمعية العامة في هذا الشأن، فقد راحت الأخيرة تضغط باستمرار على مجلس الأمن وتطالبه بإلحاح بفرض عقوبات على حكومة جنوب أفريقيا. بل وصل الأمر إلى حد تمكّنها من إقناع الدول الأفريقية غير الدائمة في مجلس الأمن بتقديم مشروع قرار عام 1974، يوصي بطرد دولة جنوب أفريقيا من الأمم المتحدة. ولأن عشر دول وافقت بالفعل على هذا المشروع، فقد سارعت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لاستخدام الفيتو للحيلولة دون صدوره، ما أدى إلى إسقاطه.
ومع ذلك لم تيأس الجمعية العامة في محاولاتها الرامية لتجميد عضوية جنوب أفريقيا في الأمم المتحدة، وانتهزت فرصة تولّي عبدالعزيز بوتفليقة، وكان وقتها يشغل منصب وزير خارجية الجزائر، رئاسة الجمعية في دورتها الاعتيادية لهذا العام لمنع وفد جنوب أفريقيا من المشاركة في أعمالها، مستخدمة في ذلك حيلة قانونية تقضي رفض “لجنة الاعتماد” أوراق التفويض الصادرة من حكومة جنوب أفريقيا العنصرية، من منطلق أنها حكومة غير شرعية لا تمثّل شعب جنوب أفريقيا.
ولأن الجمعية العامة وافقت بالأغلبية على قرار هذه اللجنة، فقد نجحت المناورة الرامية لعزل حكومة جنوب أفريقيا ومنعها من المشاركة في أعمال الجمعية العامة إلى أن سقطت هذه الحكومة ومعها النظام العنصري كلّه وتمكّن شعب جنوب أفريقيا من اختيار حكومة ديمقراطية تمثّله.
أخلص مما تقدّم إلى أن حصار “إسرائيل” وعزلها سياسياً، باستخدام أساليب مشابهة لتلك التي اتبعت من قبل في حصار وعزل نظام الفصل العنصري في دولة جنوب أفريقيا، أصبح أمراً ممكناً ومتاحاً، خصوصاً في ظل تواتر صدور تقارير أممية تؤكد الطبيعة العنصرية للنظام السياسي الحاكم في “إسرائيل”.
وإذا كانت 146 دولة من أصل 193 دولة، أي ما يقرب من 75% من إجمالي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، قد اعترفت بالفعل بالدولة الفلسطينية، فقد بات من السهل على الجمعية العامة، إن أرادت، مواصلة الضغط على مجلس الأمن لحمله على فرض عقوبات على “إسرائيل”، ليس باعتبارها دولة تنتهك القانون الدولي فحسب، ولكن باعتبارها أيضاً العقبة الوحيدة التي تحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وتمنع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الطبيعي في تقرير مصيره.
النضال السياسي لا يقل أهمية عن المقاومة المسلحة. ولأن ممارسته بشكل فعّال تتطلّب مهارات خاصة، تبدو الفصائل الفلسطينية في أمسّ الحاجة إلى أن تعيد ترتيب أوراقها كي تتمكّن من بناء حركة تحرّر وطني موحّدة الأهداف والرؤية، كما تبدو الدول العربية في أمسّ الحاجة إلى أن تدرك أن وجود “دولة” يديرها نظام عنصري في القلب من أوطانها يشكّل تهديداً وجودياً لشعوبها، خصوصاً وأن هذا النظام العنصري يملك سلاحاً نووياً ويصرّ على أن يبقى محتكراً لهذا السلاح الرهيب في المنطقة.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة

مقالات مشابهة

  • الرئيس الفلسطيني: أي حديث عن حل الدولتين يجب أن يبدأ بوقف العدوان على غزة
  • الجيش الإيراني: سنرد ردا مدمرا على الكيان الصهيوني
  • وزارة الخارجية : سورية تدين الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني والتي سقط ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين
  • المجلس الوطني الفلسطيني يدعو المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي
  • “الجمعية العامة” تعتمد بالأغلبية قرار سيادة الشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية
  • حان الوقت للعمل على طرد الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة
  • حل الدولتين.. أم دولة ديمقراطية واحدة؟!
  • قطر تدين اعتداءات الاحتلال المتكررة على حقوق الشعب الفلسطيني
  • رئيس وفد سورية إلى الاجتماع الدولي الـ22 بصيغة أستانا معاون وزير الخارجية والمغتربين أيمن رعد في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع: منطقتنا تمر بوضع بالغ الخطورة بسبب عدوان الكيان الصهيوني
  • قطر تدين تصريحات وزير المالية الإسرائيلي لضم الضفة الغربية