كنوز خالدة.. مصر دولة مدنية
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
لعل ما يسود من فهم اختزالي في إدراك مفهوم الدولة المدنية - أدعى إلى الحد من دلالة التعبير عنه - ما يستدعي هنا تفصيل التباس أساسي يتعلق بربطه بالعلمانية، والتي يتم النظر إليها كنبت غريب تم زرعه لتقويض الإسلام، وكفكرة مناهضة للدين تقوم على محو الحدود الشرعية التي أرسى الدين أركانها، ومن ثم حشوها بدلالات إلحادية، واختزالها في فصل الدين عن الدولة، أما الآليات المرتبطة بالدولة المدنية فتتعلق أساسًا بالتحول من دولة الفرد إلى دولة المؤسسات، إضافة إلى تعزيز الديمقراطية "إقرار دستوري، ضمان الحريات، آليات للمحاسبة والرقابة.
وشعار الدولة المدنية ليس مطلبا إجرائيا مثل تعديل دستور أو حل مجلس أو تغيير حكومة، لكنه عنوان على نظام مغاير، وانتقال إلى مرحلة تاريخية جديدة، ويدل الموقع البارز والاجتماعي الذي اتخذه هذا المطلب - في القوائم المختلفة والمتنوعة - على أمرين أساسين: أولهما أن الدولة التي نعيش في ظلها لم تكن مدنية بالمعنى الكامل، وثانيهما أنه وضّح أن الشعارات المخالفة للدولة المدنية، مثل دولة الخلافة وولاية الفقيه وتطبيق الشريعة وغيرها، لا تلتقي بأيّة حال مع طموحات الشعب، ذلك أن تأسيس الدولة المدنية ليس قرارًا يتم الإعلان عنه في عمل بيان موجّه إلى وسائل الإعلام، ولكنه عملية بناء طويلة الأمد تستدعي يقظة ونضالا متواصلين.
ولما كان هناك العديد من القوى السياسية التي لا تتوافق مصالحها مع الدولة المدنية، برزت محاولات عديدة للالتفاف على هذا المطلب، ومن هنا تتحدد ملامح وأسس الدولة المدنية في الالتقاء مع روح العصر، بإقرار حقوق الإنسان وإلغاء كل أشكال التمييز، وتداول السلطة، ما يعني أن الدولة المدنية ليست حلاًّ سحريًّا لكل مشكلات المجتمع المصري، فيما تسمح بأفضل الشروط لمشاركة المواطنين.
*البوابة" – ١١ فبراير ٢٠١٤
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدولة المدنیة
إقرأ أيضاً:
تحالف حل الدولتين!
من كل قلبى أتمنى أن تنجح المبادرة السعودية الخاصة بتحالف حل الدولتين، فقد كان ذلك هو الهدف الذى كافح الفلسطينيون والعرب من أجله بعد نشوء الصراع مع إسرائيل عام 1948.
الفكرة أكثر من رائعة، خاصة أنها تأتى فى وقت تحظى فيه القضية الفلسطينية باهتمام دولى كبير بسبب الحرب على غزة الأمر الذى صعدت معه على السطح قضية اقامة الدولة الفلسطينية أو تطبيق حل الدولتين باعتباره الحل الذى يقضى على جذور الصراع. ولأن المملكة تأخذ الامر على محمل الجد فقد دعت أواخر اكتوبر الماضى لاجتماع تنفيذى رفيع المستوى لتنفيذ هذا الحل وتقديم جدول جدول زمنى محدد لبناء وإقامة الدولة الفلسطينية. لكن السؤال: هل يكون هذا التحالف الذى لم تتبلور معالمه بالكامل بعد، مجالًا لحسم الموضوع فعلًا أم يكون مجرد فصل جديد من فصول الجرى وراء مطلب لا نملك أدوات تحقيقه؟
سبب التحفظ والذى يعبر عن نظرة تشاؤمية ربما لا يجب أن تسود، الشعور بغياب الإرادة الحقيقية للأطراف الفاعلة دوليًا أو حتى عربيًا، وإسرائيليًا، بالطبع لإقامة مثل تلك الدولة، وعلى هذا الأساس فكلنا أمل أن يكون ذلك الإعلان بداية حقيقية لجهود متواصلة لبلورته ووضعه موضع التطبيق، لا أن يكون مجرد خطوة تم إعلانها والسلام.
نطرح هذا الرأى لأن فكرة التحالف فى الحدود التى تم طرحها بها فكرة تحتاج إلى أفكار تجعلها قابلة للتطبيق وتحديد أليات فعالة للتنفيذ. وعلى سبيل المثال فإن السؤال الطبيعى فى مواجهة هذا الأمر هو كيف سيعمل التحالف؟ هل من خلال وفد يمثل الدول الراعية له يزور الدول المؤثرة دوليًا لعرض الفكرة والحصول على القبول بها؟ ولو حصل فماذا عن موقف الولايات المتحدة وهو معروف مسبقًا وينطلق من عدم الممانعة على أن يتم الأمر من خلال التفاوض بين الطرفين، الإسرائيلى والفلسطيني؟ ليصبح السؤال: كيف سيتم عرض الفكرة التى يتبناها التحالف على الدولة العبرية؟ هل يقوم ذلك الوفد المتخيل أو المفترض بزيارة تل أبيب لعرضها على رئيس الوزراء هناك؟ واذا كانت السعودية صاحبة المبادرة فكيف ستتواصل السعودية مع اسرائيل من أجل بحث الفكرة؟ واذا ما تم هذا التواصل بمشاركة ممثل من السعودية فى المحادثات مع اسرائيل بشأن فكرة الدولتين واقامة دولة فلسطينية وصادفت رفضًا إسرائيليًا فألا يمثل ذلك خسارة تتمثل فى أن السعودية بذلك قدمت تنازلًا ولم تحصل مقابله على شىء!
طبعًا المتابع لاهتمام السعودية بالفكرة، وموقع المملكة من تطورات الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ككل ممكن يسهل عليه تفهم الأمر. فالمملكة تصر على إقامة دولة فلسطينية، وهو أمر أكد عليه ولى العهد السعودى محمد بن سلمان 18 سبتمبر الماضى خلال افتتاحه أعمال السنة الأولى من الدورة الـ9 لمجلس الشورى وكانت كلمات الأمير واضحة، حيث قال إن المملكة لن تتوقف عن عملها الدءوب، فى سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. لكن الملاحظ أيضًا أنه تم ربط ذلك بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل!
وفى ضوء المحاذير التى أشرنا اليها فإن البعض اعتبر أن مبادرة التحالف الخاصة بإقامة الدولة الفلسطينية ربما تواجه نفس المصير الذى واجهته مبادرة الأمير عبدالله للسلام والتى لم تلق للأسف آذانًا صاغية من إسرائيل رغم أنها كانت وقتها فرصة هائلة لتل أبيب باعتبارها صادرة من دولة قيادية فى المنطقة تمثل رأس العالم السنى. فى كل الأحوال، فإن المبادرة فى مهدها، وسيتحدد مصيرها خلال الشهور المقبلة، على أمل أن تثبت تطورات المستقبل خطأ المشككين ونشهد بالفعل تطبيق حل الدولتين وعلى يد السعودية.
[email protected]