كيف عرقل هنري كيسنجر جهود السلام في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
نشر موقع "إنترسيبت" تقريرًا حول دور هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، في عرقلة جهود السلام بين إسرائيل ومصر من أجل الحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن مسيرة هنري كيسنجر المليئة بالإنجازات لا تخلو من بعض الإنتقادات، ولكن لم يُذكر الكثير حول جهوده لعرقلة السلام في الشرق الأوسط، وهي الجهود التي ساهمت في اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1973، ووضع حجر الأساس للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.
وأوضح الموقع أن كيسنجر، الذي تُوفيّ يوم الأربعاء الماضي عن عمره يناهز الـ 100 عام، خدم في الحكومة الأمريكية ما بين 1969 إلى 1977 خلال إدارتي ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد؛ بدأ مسيرته كمستشار للأمن القومي لنيكسون ثم أصبح وزيرًا للخارجية في فترة ولاية نيكسون الثانية، وهو المنصب الذي استمر فيه بعد استقالة نيكسون وتولي فورد الرئاسة.
وفي حزيران/ يونيو 1967، قبل عامين من بداية رئاسة نيكسون، حقّقت إسرائيل نصرًا عسكريًا حيث هاجمت مصر واحتلت غزة وشبه جزيرة سيناء، وسيطرت أيضًا على الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، لكن التداعيات النهائية للحرب في السنوات التالية من حيث قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بالأراضي الجديدة لم تكن أكيدة، وفي سنة 1968، بذل السوفييت ما بدا جهودًا صادقة للتعاون مع الولايات المتحدة في خطة سلام للمنطقة.
وأشار الموقع إلى أن السوفييت اقترحوا حلاً يستند إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عدد 242، بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها دون إقامة دولة فلسطينية. كما أن اللاجئين الفلسطينيين من الحرب العربية الإسرائيلية لسنة 1948 لن يعودوا إلى إسرائيل بل سيتم توطينهم في الدول العربية. والأهم من ذلك، أن السوفييت سيضغطون على الدول العربية لقبول ذلك.
أكد الموقع أن هذا كان مهمًا لأن العديد من الدول العربية في هذه المرحلة، وبالأخص مصر، كانت حليفة للسوفييت واعتمدوا عليهم في إمدادات الأسلحة.
وعندما وصل نيكسون إلى الرئاسة سنة 1969، أخذ ويليام روجرز، وزير خارجيته الأول، الموقف السوفييتي على محمل الجد وتفاوض روجرز مع أناتولي دوبرينين، السفير السوفييتي لدى أمريكا، ليصلوا إلى ما وصفه الدبلوماسي الأمريكي ديفيد كورن بأنه "اقتراح أمريكي شامل ومفصّل لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي"، لكن شخصًا واحدًا عمل بجد خلف الكواليس في إدارة نيكسون لمنع السلام وهو هنري كيسنجر.
وأوضح الموقع أن ذلك لا يعود لمشاعر المودة الشخصية التي يكنها كيسنجر لإسرائيل وأهدافها التوسعية، على الرغم من أنه كان يهوديًا، فضلا عن أنه كان سعيدًا بالعمل لدى نيكسون، الذي ربما كان الرئيس الأكثر معاداة للسامية في تاريخ الولايات المتحدة، لكن كيسنجر كان ينظر للعالم كله من منظور الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وكانت أي تسوية في ذلك الوقت تتطلب مشاركة السوفييت وبالتالي كانت غير مقبولة بالنسبة له.
في الفترة التي بدا فيها أن هناك اتفاقًا وشيكًا مع السوفييت، أخبر كيسنجر أحد أتباعه، وذلك حسب مذكراته "سنوات البيت الأبيض"، أن ذلك لم يكن ليحدث لأننا "لم نرغب في التوصل إلى نجاح سريع".
وفي الكتاب نفسه، أوضح كيسنجر أن الاتحاد السوفييتي وافق لاحقًا على مبادئ أكثر ملاءمة لإسرائيل، لدرجة أن كيسنجر نفسه لم يفهم سبب قبول السوفييت لها. ومع ذلك، كتب كيسنجر أنه "سرعان ما وجدت المبادئ طريقها إلى حالة النسيان المزدحمة لمخططات الشرق الأوسط المجهضة، كما كنت أنوي".
وأضاف الموقع أن النتائج كانت كارثية على جميع المشاركين. أعلن أنور السادات، رئيس مصر آنذاك، في سنة 1971 أن مصر ستعقد السلام مع إسرائيل على أساس شروط تتماشى مع جهود روجرز، لكنه قال أيضًا إن رفض إسرائيل إعادة سيناء يعني الحرب.
وحدث ذلك بالفعل في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 حين هاجمت مصر وسوريا سيناء المحتلة ومرتفعات الجولان على التوالي، وقد أذهل نجاحهم الأولي المسؤولين الإسرائيليين. كان وزير الحرب آنذاك موشيه ديان مقتنعاً بإمكانية احتلال إسرائيل، كما كان عتاد إسرائيل الحربي ينفد وكانت في حاجة ماسة إلى دعم الولايات المتحدة.
وأوضح الموقع أن كيسنجر جعل أمريكا تماطل لرغبته أن تفهم إسرائيل من هو المسؤول في نهاية المطاف، ولأنه لا يريد إثارة غضب الدول العربية الغنية بالنفط. كانت استراتيجيته، حسب دبلوماسي كبير آخر، "السماح لإسرائيل بالتقدم، ولكن وهي تنزف".
ويمكن قراءة ذلك بكلمات كيسنجر نفسه في سجلات المداولات الداخلية المتوفرة الآن على موقع وزارة الخارجية، ففي 9 تشرين الأول/ أكتوبر، قال كيسنجر لزملائه من المسؤولين رفيعي المستوى: "تقييمي هو أن النصر المكلف لإسرائيل دون وقوع كارثة هو الأفضل".
ثم أرسلت الولايات المتحدة كميات هائلة من الأسلحة إلى إسرائيل، التي استخدمتها ضد مصر وسوريا، ونظر كيسنجر إلى النتيجة بارتياح. وفي اجتماع آخر رفيع المستوى، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر، احتفل بأن "الجميع في الشرق الأوسط يعلمون أنهم إذا كانوا يريدون السلام، فعليهم أن يمرّوا من خلالنا، لقد حاولوا ثلاث مرات عبر الاتحاد السوفييتي وفشلوا".
وأشار الموقع إلى أن التكلفة البشرية كانت مرتفعة للغاية إذ قتل أكثر من 2500 فرد من الجيش الإسرائيلي، وقُتل من الجانب العربي ما بين 10000 إلى 20000، وهذا يتماشى مع اعتقاد كيسنجر - الذي سجله الكاتبون في كتاب "الأيام الأخيرة" - بأن الجنود "حيوانات غبية يمكن استخدامها" كبيادق في السياسة الخارجية.
وبعد الحرب، عاد كيسنجر إلى استراتيجيته في عرقلة أي تسوية سلمية، وسجّل في مذكراته أن نيكسون طلب منه قبْل استقالته مباشرة "قطع جميع الإمدادات العسكرية عن إسرائيل حتى توافق على سلام شامل"، لكن كيسنجر ماطل بهدوء إلى أن ترك نيكسون منصبه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة كيسنجر السلام مصر السوفييت مصر امريكا السلام كيسنجر السوفييت صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الدول العربیة الشرق الأوسط هنری کیسنجر الموقع أن جهود ا
إقرأ أيضاً:
فرضيات انهيار دول الشرق الأوسط
د. عمرو محمد عباس محجوب
منذ ١٩٥٦ عندما أمم جمال عبد الناصر قناة السويس وبدأ مشروعه الوطني في بناء السد العالي المائي للتحكم في الزراعة وتوسعها وزيادة الإنتاج الكهربائي وانجز الإصلاح الزراعي. حدث العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ في قناة السويس وكانت اول مواجهة تحذيرية في وجه بناء الدولة المستقلة من اكبر الدول العالمية من إنجلترا وفرنسا واسرائيل. هذه الحرب كانت ايضاً تسليم وتسلم قيادة العالم لأمريكا التي تدخلت لإيقاف العدوان. وبدات الناصرية كنظرية ومنهج في الانتشار في العالم العربي وفي أنحاء العالم. وبدأت في إبراز القوة والقدرة من إنشاء الصناعات الثقيلة، الحديد والصلب،صناعة السيارات، الأدوات الكهربائية، الغزل والنسيج وصناعة الملابس، صناعة السكر والأسمنت، الثورة العلمية والأبحاث والدراسات، ثورة السينما والمسرح والاداب والفنون وغيرها وغيرها.
عندما نتحدث عن دول الرؤية التي استطاعت تحويل هزيمتها إلى نجاح واستقلال من ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وهكذا، فقد كانت مصر الناصرية احد هذه الدول. لكن الفرق بين تلك الدول التي وقعت تحت سيطرة الولايات المتحدة (في شكل وجود عسكري وتدخلات سياسية) لكن سمحت لها بالتطور العلمي والتكنولوجي ضمن السياق الامبريالي. هكذا نرى ان مصر تمت تصفية قدرتها وقوتها على ان تتطور وتصبح دولة زراعية صناعية مستقلة، وأصبح عليها فيتو ووضعت حولها كمية من الفخاخ والشراك من الإمبريالية والقوى الغربية واسرائيل ومن دول الخليج الغنية مع وجود التهديد الدائم من الاخوان المسلمين المتحالفين مع الإمبريالية واسرائيل.
في الشرق الأوسط ودولها التي ارادت النهوض من مصر، الجزائر، العراق، ليبيا، السودان وسوريا وايران كانت أسباب التدخلات والتعويق مختلفة عن باقي العالم. لكل الدول التي ارادت بناء دولتها المستقلة منذ الخمسينات تم زرع دولة وتنظيم. منذ نهايات القرن الثامن عشر بدات نقاشات إنشاء وطن اليهود، ١٩١٧ صدر وعد بلفور وفي ١٩٢٢ أسقطت الدولة العثمانية وفي ١٩٢٨ انشأ تنظيم الاخوان المسلمين تحت رعاية الإنجليز وفي ١٩٤٨ انشات دولة اسرائيل. هذه الدولة والتنظيم هي التي تقف ضد بناء أي دولة مستقلة تنموية وقد افشلت المشروع الناصري والمشروع البعثي وبدايات مشاريع أخرى.
في كل الدول التي رغبت في بناء الدولة والاستقلال في الشرق الأوسط فقد أصبحت تواجه اماً باسرائيل مباشرة في مصر، سوريا، لبنان، العراق، ايران او غير مباشر في ليبيا والسودان. وفي كل الدول تم إنشاء تنظيم الاخوان المسلمين لكي تعمل ضد بناء الدولة المستقلة، بل اثبتت أنها في السودان قد دمرت كل مأتم بنائه من سكك حديد ومشروع الجزيرة وخدمة مدنية وجيش وشرطة وفصلت الجنوب وغيرها.
منذ ١٩٧٩ بدات امريكا والغرب دعم المنظمات الجهادية في افغانستان واستمرت حتى الآن، وبالتعاون بين امريكا ونتنياهو تم وضع لستة السبعة دول التي يجب تدميرها عن طريق دعم الإسلام المتطرف والسياسي للتدخل. ومن محمد مرسي في مصر ومحمد الجولاني في سوريا فقد مدت يدها للكيان الصهيوني وجرت معها تنظيم حماس التي سحبها خالد مشعل - بعد استشهاد يحي السنوار وهنية- المتحالف مع الدول العربية المطبعة التي خلعت مفاهيم القوة البناء والتنمية والاستقلال.
لقد تغيرت موجبات الرؤية من العمل المفهومي إلى التخلص من أسباب الخزي والخذلان والتعويق التي زرعت في العالم العربي. ان الاتجاه العام الهابط للإمبريالية في اقتصادها وسياستها وهيمنتها (أي ضعف الأمة الأمريكية كما أشار بوتين كعامل مهم لقيام روسيا قوية)، عامل مشجع على العمل في تغيير معادلات وجود اسرائيل في فلسطين (٢٤٪ فقط في اسرائيل يرون إسرائيل قوية) ضعيفة او قابلة للعيش مع الفلسطينيين او نهايتها بالكامل. العامل الثاني هو اجتثاث تنظيم الاخوان المسلمين فكرياً وتنظيمياً واتحاد الشعوب حول موقفها. جزء من هذا هو تفكيك الظاهرة الأردوغانية التي بنت مجدها وقوتها من تبني تنظيمات الاخوان المسلمين وضخت فيها أموالها المنهوبة تحت دعاوي اعادة الإمبراطورية العثمانية.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842