لم يكن الفتح العربى الإسلامى لفلسطين من أجل التوسع أو نشر النفوذ أو إقامة الإمبراطوريات، إنما لدوافع دينية لنشر دين الله وتخليص الشعوب المغلوبة على أمرها، ويبدو ذلك فى عدم تعرض مدن فلسطين إلى أى تدمير عند فتحها. فلقد استطاعت الموجة العربية الإسلامية القادمة من الجزيرة العربية، فى القرن السابع الميلادى تحرير بنى قومها من سيطرة البيزنطيين، ومن ثم تعزيز الوجود العربى فيها، ورفده بدماء عربية جديدة، حيث سبقتها الموجات العربية القديمة، من أنباط وآراميين، وأموريين وكنعانيين.
فى عهد الدولة الإسلامية أصبحت القدس مدينة مقدسة بالنسبة للمسلمين، بعد الإسراء والمعراج وفق المعتقد الإسلامى، وبعد أن فرضت الصلاة على المسلمين وأصبحوا يتوجهون أثناء إقامتها نحو المدينة، وبعد نحو 16 شهراً، عاد المسلمون ليتوجهوا فى صلاتهم نحو مكة بدلاً من القدس.
تم فتح فلسطين من قبل المسلمين ابتداء من عام 634 للميلاد، فى 636 وقعت معركة اليرموك بين المسلمين والروم البيزنطيين فى وسط بلاد الشام، انتصر فيها المسلمون، وفى عهد عمر بن الخطاب والفتوحات الإسلامية أرسل عمرو بن العاص وأبوعبيدة بن الجراح لفتح فلسطين عامة ونشر الدعوة الإسلامية فيها، لكن القدس عصيت عليهم ولم يتمكنوا من فتحها لمناعة أسوارها، حيث اعتصم أهلها داخل الأسوار، وعندما طال حصار المسلمين لها، طلب رئيس البطاركة والأساقفة المدعو «صفريونيوس» طلب منهم ألا يسلم القدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب بشخصه، فكان الفتح العمرى لبيت المقدس، كتب عمر مع المسيحيين وثيقة عرفت باسم «العهدة العمرية» وهى وثيقة تمنحهم الحرية الدينية مقابل دفع الجزية، وتعهد بالحفاظ على ممتلكاتهم ومقدساتهم.
ابتداء من 878، حكمت فلسطين من مصر مع تمتعها بحكم ذاتى شبه مستقل لقرن تقريباً، فى العهد الفاطمى اجتيحت المنطقة فى 970 بجيش من البربر، وهو التاريخ الذى يصادف بداية الفترة المتواصلة من الحروب بين القبائل التى دمرت الكثير من مدن البلاد. وفى 1073 تمت السيطرة على فلسطين من قبل الإمبراطورية السلجوقية الكبرى إلى أن استعادها الفاطميون عام 1098، ثم فقدوها لصالح الصليبيين فى 1099، الذين غزوا فلسطين فى حملات مختلفة وأسسوا فيها مملكة بيت المقدس، واستمرت سيطرتهم على القدس ومعظم فلسطين قرناً تقريباً حتى هزيمتهم على يد قوات صلاح الدين الأيوبى فى معركة حطين عام 1187، بعد ذلك تمت السيطرة على معظم فلسطين من قبل الأيوبيين، وبقيت الدولة الصليبية تنازع فى المدن الساحلية الشمالية لمدة قرن من الزمان.
فى العهد المملوكى كانت فلسطين إحدى إقطاعيات الظاهر بيبرس، وفى عام 1260 تحديداً شهدت منطقة عين جالوت الواقعة بين بيسان وجنين واحدة من المعارك الفاصلة فى تاريخ العالم الإسلامى، انتصر فيها المسلمون المماليك انتصاراً ساحقاً على المغول فى معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان، أدت المعركة إلى انحسار نفوذ المغول فى بلاد الشام وخروجهم منها نهائياً وإيقاف المد المغولى المكتسح الذى أسقط الخلافة العباسية سنة 1258.
وتعد حملة نابليون على مصر وبلاد الشام بداية الصراع الاستعمارى الأوروبى لاحتلال أقطار الوطن العربى فى أعقاب الثورة الصناعية فى أوروبا. فقد توجه نابليون بونابرت بحملته إلى بلاد الشام بعد انتصاره على المماليك ودخوله القاهرة عام 1798، اقتصرت حملة نابليون على فلسطين، ولم يتجاوز الشريط الساحلى منها سوى منطقة الناصرة- طبرية، حيث هزمت الجيش العثمانى، وبدأت الحملة باحتلال منطقة قطبة على الحدود مع الشام فى 1798، فى سيناء ثم قلعة العريش وبعد ثلاثة شهور أخذت الحملة بالتراجع إلى مصر بعد فشلها فى احتلال عكا عام 1799.
وفى السنوات الأخيرة من العهد العثمانى كانت فلسطين من الناحية الإدارية تقع على قسمين إداريين، الأول هو متصرفية القدس الشريف المرتبطة بوزارة الداخلية فى اسطنبول، وكانت أقضية بئر السبع والخليل وغزة ويافا تابعة لها، بالإضافة إلى بيت لحم، والثانى شمال فلسطين الذى كان يتبع لواءين «سنجق نابلس» ومن أعماله طولكرم وجنين وطوباس وبيسان، وسنجق عكا ومن أعماله صفد وطبرية والناصرة وحيفا. أما من الناحية العسكرية فكانت فلسطين جزءاً من القيادة العسكرية العامة لسوريا.
فى عام 1917، سقطت فلسطين بيد الجيش الإنجليزى، ودخلت مدن فلسطين تحت مظلة الانتداب البريطانى عام 1920، والذى سمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن فلسطين عبر التاريخ فلسطین من
إقرأ أيضاً:
مذاهب الفقهاء في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة بالبلدة الواحدة
قالت دار الإفتاء المصرية إنَّ المقصود من صلاة الجمعة هو اجتماع المسلمين في مكان واحد خاشعين متذلّلين لرب العاملين، شاعرين بالعبودية له وحده، متأثرة نفوسهم بعظمة الخالق الذي اجتمعوا لعبادته، متجهين جميعًا في خضوع إلى وجهه الكريم، فلا سلطان ولا عظمة لا كبرياء ولا جاه إلا لله وحده.
وأوضحت الإفتاء أنه اختلفت آراء المذاهب الأربعة في صحَّة الجمعة وعدم صحتها عند تعدد الأماكن أو المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة، وفيما هو واجب على المسلمين إذا لم تصحّ الجمعة.
مذهب الحنفية في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدةقال الحنفية إن الرأي الصحيح والراجح عندهم أن تعدّد المساجد والأماكن التي تصحّ فيها الجمعة لا يؤثر في صحة الجمعة ولو سبق بعضها الآخر، وذلك بشرط أن لا يحصل عند المُصَلّي اليقين بأنّ غيره من المصلين في المساجد أو الأماكن الأخرى قد سبقه في صلاة الجمعة؛ فإذا حصل له هذا اليقين وجب عليه أن يصلي أربع ركعات بنية أخرى ظهرًا بتسليمة واحدة، والأولى أن يُصَلّي هذه الركعات بعد أن يصلي أربع ركعات سنة الجمعة، والأفضل كذلك أن يصلّيها في بيته حتى لا يعتقد العامة أنَّها فرض.
مذهب الشافعية في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة
وقال الشافعية: إذا تعدَّدت الأمكنة التي تصلح فيها الجمعة لا يخلو إما أن يكون تعدّد هذه الأماكن لحاجة أو ضرورة كأن يضيق المسجد الواحد عن أهل البلدة، وإما أن يكون تعدّد هذه الأماكن لغير حاجة أو ضرورة؛ ففي الحالة الأولى: وهي ما إذا كان التعدّد للحاجة أو الضرورة؛ فإنَّ الجمعة تصلّى في جميعها ويُندَب أن يصلي الناس الظهر بعد الجمعة.
أما في الحالة الثانية: وهي ما إذا كان التعدّد لغير حاجة أو ضرورة فإنَّ الجمعة لمَن سبق بالصلاة بشرط أن يثبت يقينًا أنَّ الجماعة التي صلت في هذا المكان سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، أمَّا إذا لم يثبت ذلك بأن ثبت بأنهم صلّوا في جميع المساجد في وقت واحد بأن كبروا تكبيرة الإحرام معًا في لحظة واحدة أو وقع الشك في أنهم كبروا معًا أو في سبق أحدهم بالتكبير؛ فإنّ الصلاة تبطل في جميع المساجد ويجب عليهم جميعًا أن يجتمعوا في مكان واحد ويعيدوها جمعة إن أمكن ذلك وإن لم يمكن صلوها ظهرًا. تراجع "حاشية العلامة البيجرمي على شرح المنهاج" (2/ 194، ط. دار الفكر).
مذهب المالكية في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة
ذهب المالكية إلى أنَّ الجمعة إنما تصحّ في المسجد العتيق، وهو ما أقيمت فيه الجمعة أولًا ولو تأخر أداؤها فيه عن أدائها في غيره ولو كان بناؤه متأخرًا، وتصحّ في الجديد الأحوال الآتية:
- أن يُهجر العتيق وينقلها الناس إلى الجديد.
- أن يحكم حاكم بصحتها في الجديد.
- أن يكون القديم ضيقًا ولا يمكن توسعته؛ فيحتاج الناس إلى الجديد.
- أن تكون هناك عداوة بين طائفتين بالبلد الواحد ويخشى من اجتماعهما في مسجد واحد حدوث ضرر لإحداهما من الأخرى؛ فإنه يجوز لأيّهما اتخاذ مسجد في ناحية يصلون فيه الجمعة ما دامت العداوة قائمة، وذهب بعض المالكية إلى جواز تعدّد الجمعة إذا كان البلد كبيرًا؛ قال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 374، ط. دار الفكر) بعد أن ذكر ما سبق: [وقد جرى العمل به] اهـ.
مذهب الحنابلة في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة
ذهبوا الحنابلة إلى أنّ تعدّد الأماكن التي تُقَام فيها الجمعة في البلدة الواحدة إما أن يكون لحاجة أو لغير حاجة: فإن كان لحاجة كضيق مساجد البلدة عمَّن تصح منهم الجمعة، وإن لم تجب عليهم وإن لم يصلوا فعلًا؛ فإنه يجوز وتصحّ الجمعة في جميع المساجد سواء كانت صلاة الجمعة في هذه المساجد بإذن ولي الأمر أم بدون إذنه، وفي هذه الحالة الأَوْلَى أن يصلى الظهر بعدها.
أمَّا إذا كان تعدّد المساجد لغير حاجة؛ فإنَّ الجمعة لا تصحّ إلا في المكان الذي أذن ولي الأمر بإقامة الجمعة فيه، ولا تصحّ الجمعة في غيره حتى ولو سبقت، وإذا أذن ولي الأمر بإقامتها في مساجد متعددة لغير حاجة أو لم يأذن أصلًا؛ فالصحيحة فيها ما سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، فإن وقعت الصلاة في وقت واحد بأن كبروا تكبيرة الإحرام معًا بطلت صلاة الجميع إن تيقنوا ذلك، فإن أمكن إعادتها جمعة أعادوها وإن لم يمكن صلوها ظهرًا.
وإذا لم تعلم الجمعة السابقة؛ فإنّ الجمعة تصحّ في مسجد غير معين فلا تعاد جمعة، ولكن على الجميع أن يصلوها ظهرًا. يراجع "تصحيح الفروع" للعلامة المقدسي الحنبلي (3/ 158، ط. مؤسسة الرسالة)، وقال في "الإقناع" (2/ 39، ط. دار الكتب العلمية): [إنَّ الجمعةَ تصح في مواضع من غير نكير فكان إجماعًا، قال الطحاوي: وهو الصحيح من مذهبنا، وأما كونه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقمها ولا أحد من الصحابة في أكثر من موضع؛ فلعدم الحاجة إليه] اهـ.