البنية التحتية رحلة عبر قطار التنمية والازدهار
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
إعداد: محمد ياسين
شهدت دولة الإمارات، منذ تأسيسها قبل 52 عاماً، تطوراً استثنائياً في مختلف المجالات، ولم تكن مسيرتها إلى النجاح مجرد مصادفة، بل إنها رحلة عبر قطار التنمية والتقدم والازدهار الذي طال جميع مكونات الدولة، حيث أصبحت من أفضل دول العالم، في الكثير من المجالات التي شملت البنية التحتية المتطورة.
وتعمل الحكومة الرشيدة على تطوير البنية التحتية، بتوظيف التقنيات الحديثة، واستشراف المستقبل، للمضي قدماً في مسيرة التنمية المستدامة والمباني الخضراء، وبناء طرق وجسور ومطارات وموانئ، فضلاً عن محطات توليد الكهرباء التقليدية والنظيفة، التي تعتمد على الطاقة المتجددة والسدود والاتصالات.
حققت الإمارات إنجازات كبيرة في جودة الطرق، التي تنفذها وزارة الطاقة والبنية التحتية في جميع الإمارات، حيث تتمتع بأرقى معايير الجودة والاستدامة، ويجسد حرص القيادة الرشيدة على تحقيق الرفاه والحياة الكريمة لأبناء الإمارات والمقيمين على أرضها، وركزت المشاريع على إنجاز الكثير من الطرق الحيوية في مختلف إمارات الدولة ومناطقها.
الصورةوأسهمت مشاريع البنية التحتية في إيجاد حل جذري للازدحامات والمشكلات المرورية، ودعمت مكانة الدولة ضمن مؤشرات التنافسية العالمية، وحصولها على المركز الأول عالمياً في جودة الطرق، متقدمة في مؤشر جودة البنية التحتية. وحققت أعلى معايير الأمن وزيادة معدلات الطاقة الاستيعابية للطرق الاتحادية مع مراعاة انسيابية الطريق، حيث طورت وزارة الطاقة والبنية والتحتية آليات لتصميم وتنفيذ وإدارة المشاريع روعيت فيها أعلى المعايير والممارسات والمقاييس في الأمن والسلامة.
كما عملت على ربط جميع مدن الدولة ومناطقها، بشبكات طرق معبدة واسعة ومضاءة ومزوّدة بأفضل الخدمات التي يحتاج إليها مستخدمو الطرق، بإنشاء شبكة متطورة وممتدة من أنفاق وجسور أسهمت في انسيابية حركة السير والمرور.
تشييد المدن
وحرصت وزارة الطاقة والبنية التحتية، خلال مسيرتها على الأخذ بمبادئ الريادة والتميز في مختلف مشاريعها وتشييد المدن، وفق المقاييس والمواصفات العالمية، للإسهام في تحقيق التنمية المستدامة التي تنشدها الدولة.
وتعد دولة الإمارات من أوائل الدول العربية والعالمية التي تعمل على تطبيق استراتيجيات المدن الخضراء المستدامة التي تعتمد على الطاقة المتجددة، والمزودة بتقنيات تقلل من الانبعاثات الكربونية، لإيمانها بمدى أهمية الحماية البيئية والمحافظة على الموارد الطبيعية.
الصورةالنقل البري والبحري
ويعدّ قطاع النقل البري والبحري من القطاعات الاستراتيجية والركائز الأساسية لحركة التنمية المستدامة، وهو علامة على تقدم البنية التحتية المساهمة في تيسير حركة التنقل والسفر والتبادل التجاري، ومن هنا كانت دولة الإمارات سبّاقة في تنفيذ المشروعات الابتكارية في هذا القطاع، ومن أهمها نجاح شركات الطيران الوطنية في إعادة تعريف مفهوم السفر، وهي تجربة ابتكارية إماراتية بامتياز.
قطار الاتحاد
وتطور قطاع النقل في الدولة باستخدام التقنيات والابتكار، بدأ بتنفيذ قطار الاتحاد، عبر «شركة الاتحاد الوطنية للسكك الحديد» لربط إمارات الدولة بطول 1200 كيلومتر، ومخطط أن يمتد للربط مع قطار دول التعاون. كما يعد «مترو دبي» أكبر نظام مترو في العالم، يعمل من دون سائق، فضلاً عن الترام والحافلات التي تربط إمارات الدولة، عبر خطوط تتوافر فيها أعلى معايير الأمان والراحة.
14 مطاراً
وتحظى دولة الإمارات بمكانة رائدة بقطاع الطيران في المنطقة، بامتلاكها 14 مطاراً ومدرجاً لهبوط الطائرات، وتستفيد منها 113 شركة طيران عالمية، بإمكاناتها ويستطيع المسافرون إنهاء معاملات سفرهم بسرعة من دون الحاجة إلى الانتظار في أرتال طويلة أمام نوافذ مراقبة الجوازات في مطارات الدولة، حيث أصبح بإمكانهم استخدام البوابات الإلكترونية والذكية، وهي خدمة ذاتية عن طريق تمرير المسافر لجواز سفره، أو بطاقة الهوية الصادرة من دولة الإمارات، أو بطاقة بوابة الإمارات الذكية، أو محفظة الإمارات، أو الأنظمة البيومترية التي تعمل على التعرف أو التأكد من شخصية الأفراد بطريقة آلية الذي دشن أخيراً في مطارات دبي.
ويسمح باستخدام البوابات الذكية لمواطني دولة الإمارات والمقيمين فيها، ومواطني دول مجلس التعاون، وحاملي جوازات السفر من الدول المؤهلة للحصول على تأشيرة عند الوصول إلى دولة الإمارات.
الصورةإسعاد الإنسان
لم يتوقف التطور في الإمارات إلى ما وصلت إليه خلال ال 52 عاماً الماضية، حيث تواصل القيادة الرشيدة تنفيذ رؤيتها التي ترتكز على رؤية إسعاد الإنسان، ووضعت محاور لاستشراف المستقبل تتضمن خططاً طموحة تراعي التطور العمراني المستقبلي، وخطة التنمية الحضرية.
دولة الإمارات أسست منظومة بنية تحتية متطورة تستشرف المستقبل، عبر وسائل نقل تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فمن المتوقع أن يزيد الاعتماد في المستقبل على «التاكسي الطائر» والمركبات الذاتية القيادة، وطرق خاصة لتلك المركبات الذكية التي لا تحتاج إلى سائقين، وأن تصبح أسطح المباني محطات للتاكسي الطائر ويتقلص الاعتماد على المركبات التقليدية، وتنخفض أماكن وضعها في الشوارع والمباني، وتعتمد وسائل التنقل الجديدة على الطاقة النظيفة لمحركاتها.
وسائل نقل حديثة
شهد العالم التطور الكبير للبنية التحتية في دولة الإمارات، فاستضافت دولة الإمارات اختبارات «الهيبر لوب» و«السكوتر» الإلكتروني والدراجات الهوائية والكهربائية وغيرها من الوسائل الحديثة التي تحاكي المستقبل وسيكون لها فضل في النمو الحضري، واستيعاب مزيد من البشر برقعتها الحالية والتوسع الرأسي للمدن، لما يميزه من انخفاض في تكاليف زيادته.
الطرق الاتحادية
وتعدّ الطرق الاتحادية أحد مظاهر التطور، حيث بلغت أطوال الطرق الاتحادية نحو 900 كيلومتر، عبر إنجاز 140 مشروعاً، وبلغت أطوال الحارات المرورية للطرق الاتحادية 4300 كيلومتر خلال ال 19 عاماً الماضية، حيث ربطت جميع مناطق الدولة ومدنها بانسيابية ومرونة، ما يعكس حرص الحكومة الرشيدة على تطوير وتحسين شبكة الطرق بجودة عالية، التي أسهمت في تلبية احتياجات التوسع والانتشار السكاني والعمراني، واستيعاب الزيادة المتنامية في الحركة المرورية، فضلاً عن تحسين حركة النقل والمرور.
ترابط الطرق
تمتلك دولة الإمارات شبكة كبيرة من الجسور التي تربط الطرق والمناطق المختلفة في الدولة، فكان لها أثر كبير في نهضتها ومكنتها من العبور إلى المستقبل، فمنظومة الجسور التي شيدتها الإمارات وضعت الدولة ضمن أفضل سبع دول في مؤشر جودة الطرق، كما صنفت من بين أفضل بلدان العالم في مؤشرات جودة الحياة، بعد أن احتلت المرتبة الأولى في مؤشر جودة الطرق في تقارير التنافسية العالمية بين عامي 2015 – 2018.
الطاقة النظيفة
تعمل الحكومة الرشيدة على خلق حلول مبتكرة للانتقال من مصادر الطاقة التقليدية إلى مصادر الطاقة البديلة، لتوفير طاقة مستدامة ونظيفة، ومن أبرزها جهودها في الطاقة النووية، عبر إنشاء أربع محطات نووية بمنطقة براكة في أبوظبي، بقدرة تشغيلية تبلغ 1400 ميغاواط للوحدة، كما دشنت الإمارات مشاريع الطاقة الشمسية.
الطاقة الشمسية
وتعد محطة «شمس1» واحدة من أكبر مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية المركزة، ويهدف المشروع لتوفير 7 في المئة من احتياجات إمارة أبو ظبي من الطاقة المتجددة. وتمتد على مساحة 2,5 كيلومتر مربع بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 ميغاواط، ضمن حقل شمسي مؤلف من 768 مصفوفة من عاكسات القطع المكافئ لتجميع الطاقة الشمسية، وتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة والمتجددة.
وتولّد المحطة الطاقة الكهربائية من حرارة الشمس وليس ضوءها، خلافاً لتكنولوجيا الألواح الكهروضوئية الشمسية. وهي تعتمد في آلية تشغيلها على نظم المجمعات الشمسية المكونة من مرايا خاصة على شكل قطع مكافئ، تجمّع أشعة الشمس وتركّزها على أنبوب مركزي ينقل الحرارة إلى مواقع تسخين، وتعمل على توليد البخار الذي يشغل التوربينات التقليدية لتوليد الكهرباء.
تقليل البصمة
وستسهم المحطة بتنويع مصادر الطاقة في دولة الإمارات، وتقليل البصمة الكربونية للدولة، وتفادي إطلاق 175 ألف طن سنوياً من غاز ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل زراعة 1,5 مليون شجرة، أو إزالة 15 ألف سيارة من طرقات أبوظبي. وستكفي الطاقة المنتجة من المحطة لتزويد نحو 20 ألف منزل في أبوظبي باحتياجاتها الشاملة للكهرباء على مدار العام.
ووفق استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، أعلن أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركزة في العالم بنظام المنتج المستقل الطاقة الشمسية المركزة بقدرة 1,000 ميغاواط حتى عام 2030.
ويعدّ المجمع أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركزة في العالم، وهو يتفوق في ذلك على أكبر برج في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية المركزة في المغرب بطاقة تبلغ 150 ميغاواط. وتتكون محطة الطاقة الشمسية المركزة من آلاف المرايا العاكسة المرتبة في خطوط دائرية حول برج مركزي، يستقبل الإشعاعات التي تعكسها هذه المرايا وتتبع حركة الشمس، ويركزها تجاه وحدة استقبال خاصة تقوم بتسخين سائل حراري، الذي ينقل الحرارة إلى مولد بخاري لتوليد الكهرباء. وسيسهم المشروع عند اكتماله في خفض أكثر من 6.5 مليون طن من انبعاثات الكربون سنوياً، وسيستخدم تقنية التخزين الحراري لمدة زمنية تتراوح بين 8 إلى 12 ساعة يومياً، مع مراعاة العوامل الفنية والاقتصادية، ما يسهم في رفع كفاءة وفعالية الإنتاج، وبما يتلاءم مع احتياجات شبكة الكهرباء، وتوفير إمدادات مستدامة من الطاقة.
سدود المياه
تغلبت دولة الإمارات على نقص المياه بسبب مناخها الصحراوي، حيث بنت سدوداً للمحافظة على الثروة المائية. كذلك وضعت استراتيجية للأمن المائي لضمان استدامة الوصول للمياه خلال الأوضاع الطبيعية والطوارئ القصوى، إلى جانب محطات تحلية مياه البحر لتوفير مياه صالحة للشرب. كما وضعت استراتيجية الأمن المائي 2036 التي تهدف إلى ضمان استدامة واستمرارية الوصول للمياه خلال الأحوال الطبيعية والطوارئ القصوى.
أولت الحكومة الرشيدة اهتماماً واسعاً بالمنشآت المائية، التي تعد رافداً مهماً في التنمية المائية، على سبيل المثال السدود والقنوات المائية ضمن خططها الاستراتيجية، خاصة في الأوقات الموسمية وتزايد كميات الأمطار، فنفذت نحو 106 سدود خلال السنوات ال 20 الماضية، وعزّزت الطاقة الاستيعابية للسدود والبحيرات المائية لأكثر من 200 مليون متر مكعب، ما عزز منظومة الأمن المائي للدولة، وتستهدف توجهات حكومة دولة الإمارات تحقيق بيئة وبنية تحتية مستدامة، ووضعت الوزارة المعنية خطط عمل طموحة لتنفيذ تلك التوجهات.
موانئ عالمية
تمتلك دولة الإمارات الكثير من الموانئ التي رسخت مكانتها الريادية ضمن أفضل المراكز البحرية في العالم، وباتت من الدول المؤثرة في تطوير الصناعة البحرية، وقد أسهمت الممارسات والقرارات والتشريعات التي أصدرتها الدولة في تطوير القطاع وتعزيز معايير السلامة البحرية.
تشريعات سباقة
لم تدخر دولة الإمارات جهداً في سبيل مواكبة تطور البنية التحتية بقوانين وتشريعات سباقة تستشرف المستقبل وتتماشى مع الأوضاع الحالية وتستعد للمستقبل بقوانين تنظم حياة المجتمع وتعمل على بناء أسس قانونية قادرة على استشراف المستقبل القانوني لوسائل النقل والمواصلات من الجهات الاتحادية والمحلية، ممثلة بلجنة التشريعات في دبي لسنّ قوانين لحماية البيانات وأخرى لتنظيم قوانين للتنقل الذكي والمسؤولية القانونية عن تلك الوسائل ومستخدميها، لتصبح مصدرة لبنية تشريعية متطورة لحوكمة التنقل المستقبلي وما ينتج عنه.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات البنية التحتية عيد الاتحاد البنیة التحتیة دولة الإمارات الرشیدة على جودة الطرق فی العالم
إقرأ أيضاً:
محمد عسكر يكتب: البنية التحتية الرقمية في مهب الحريق
في مشهد مأساوي إهتزت له القاهرة، إندلع أمس الإثنين 7 يوليو 2025 حريق هائل في الطابق السابع من سنترال رمسيس، أحد أهم مراكز الإتصالات في مصر. الحريق لم يكن مجرد حادث عارض، بل كشف النقاب عن هشاشة غير متوقعة في البنية الرقمية، ما يستدعي تساؤلات جادة حول إمكانية حماية مراكزنا من الكوارث المفاجئة وهل بنيتنا الرقمية الحالية تتمتع بالمرونة الكافية لتحمّل الأزمات والتعافي منها دون خسائر واسعة؟ وهل لدينا بالفعل بنية رقمية مرنة وقادرة على الصمود أمام الأزمات المتزايدة في عالم لا يعرف التوقف؟
وفقاً للبيانات الرسمية الأولية ، إندلع الحريق نتيجة ماس كهربائي داخل غرفة أجهزة الإتصالات.
ورغم سرعة تدخل الحماية المدنية، إلا أن حجم الضرر كان كبيراً. فلم تقتصر الخسائر على الجانب المادي من أرواح ومعدات، بل إنها إمتدت لتشمل إضطرابات واسعة في خدمات الإتصالات والإنترنت بعدد من أحياء القاهرة الكبرى.
كما تأثرت خدمات الدفع الإلكتروني، وتوقفت بعض التطبيقات الحكومية المرتبطة بالخوادم المركزية، ما كشف عن درجة عالية من الإعتماد المركزي غير المدعوم بتقنيات التكرار التلقائي أو البُنى الإحتياطية لتوزيع الخدمة. لقد أظهر الحادث هشاشة واضحة في قدرة البنية الرقمية الحالية على مواجهة الطوارئ، وعجزها عن إمتصاص الصدمات دون أن تنعكس مباشرة على حياة المواطنين وقطاعات الإقتصاد الحيوية فى الدولة.
ورغم جهود الجهات المعنية في إحتواء الموقف وإستعادة الخدمات تدريجياً، إلا أن غياب خطة طوارئ رقمية واضحة، وعدم جاهزية مراكز بديلة للتعامل مع الكوارث، يثير قلقاً حقيقياً بشأن قدرتنا على مواجهة سيناريوهات أكثر تعقيداً وخطورة في المستقبل.
الأمن الرقمي لا يقتصر على حماية المعلومات والبيانات فحسب، بل يبدأ أولاً من تأمين البنية الفيزيائية ذاتها: المباني، الكابلات، مراكز الطاقة، أنظمة التهوية، وأجهزة الإطفاء، بإعتبارها الأساس الذي تُبنى عليه المنظومة الرقمية برمتها. وفي حالة سنترال رمسيس، يبدو أن بعض هذه العناصر كانت غائبة أو غير كافية. ولو أن الحريق إمتد إلى الخوادم الأساسية أو الأنظمة الأخرى، لكان الأثر كارثياً على الإقتصاد الوطني. قد يُنظر إلى ما حدث في سنترال رمسيس كحادث عرضي، لكنه في الحقيقة تحذير مبكر لزلزال رقمي أكبر محتمل. فمع تسارع الرقمنة في مصر، لا بد أن ترافقها حماية هندسية وتقنية ومعمارية، تؤسس لبنية تحتية تستطيع النجاة من الحوادث، لا أن تنهار معها.
ففي عالم يتجه بسرعة فائقة نحو الرقمنة، لم تعد البنية التحتية الرقمية رفاهية تقنية، بل أصبحت العمود الفقري الذي تستند عليه الدولة الحديثة في إدارة شؤونها الاقتصادية والخدمية والأمنية. وفي دولة مثل مصر، التي قطعت شوطاً كبيراً خلال العقد الأخير في تبنّي التحول الرقمي، بات السؤال الأكثر إلحاحاً هو: كيف نؤمّن هذه البنية الحساسة التي تعتمد عليها حياة ملايين المواطنين ومؤسسات الدولة في كل لحظة؟
البنية التحتية الرقمية تشمل كل ما له علاقة بتدفق البيانات وتشغيل الخدمات الرقمية، من مراكز البيانات المركزية والموزعة، إلى شبكات الإتصالات والألياف الضوئية، وأنظمة الحوسبة السحابية، وقواعد البيانات الحكومية، والخدمات المالية الإلكترونية، ومرافق الطاقة الذكية، وغيرها من النظم المتصلة. ومع هذا الإتساع والتشابك، تتزايد المخاطر؛ فالتهديد لا يأتي فقط من الهجمات السيبرانية عبر الإنترنت، بل أيضاً من الكوارث الطبيعية، والأعطال الفنية، والإهمال البشري، بل حتى الحوادث العرضية كما شهدنا في حادث حريق سنترال رمسيس الذي أدى إلى تعطل خدمات الإتصالات والإنترنت في القاهرة.
تأمين هذه البنية لا يمكن أن يتم عبر حلول جزئية أو معالجات ظرفية، بل يحتاج إلى إستراتيجية شاملة تمزج بين البعدين التقني والتنظيمي. البداية تبدأ من الوعي بأن حماية البنية الرقمية لا تقتصر على برامج مكافحة الفيروسات أو جدران الحماية، بل تتطلب نظرة هيكلية إلى كل مكونات البنية التحتية: المباني، الأجهزة، الكابلات، البرمجيات، البشر، والسياسات. فالهجوم الإلكتروني قد يأتي من ثغرة في تطبيق بسيط، لكن الخلل الكارثي قد ينشأ من ماس كهربائي غير معالج، أو خادم غير مزوّد بنظام إطفاء تلقائي.
من أجل ذلك، يتعين علينا أولاً تحديث جميع مراكز البيانات والبنية الفيزيائية بشروط الأمان العالمي، بما يشمل أنظمة مكافحة الحريق، والتبريد، والطاقة الإحتياطية، وأنظمة المراقبة الذكية. ويجب بناء بنية مرنة تتوزع فيها الخدمات والبيانات على مواقع متعددة، لضمان إستمرار الخدمة في حالة تعطل مركز رئيسي. كما ينبغي إستخدام تقنيات التكرار التلقائي والنسخ الاحتياطي اللحظي، بحيث تتيح نسخ البيانات والعمليات بشكل لحظي أو دوري إلى مواقع بديلة، دون تدخل بشري. وتهدف هذه التقنيات إلى ضمان إستمرارية العمل وعدم فقدان البيانات في حال حدوث أى خلل، سواء كان ناتجاً عن عطل تقني، كارثة طبيعية، أو هجوم إلكتروني حتى لا يتسبب حادث بسيط في خسارة بيانات ضخمة أو إنقطاع شامل للخدمات.
على المستوى التشريعي والتنظيمي، يجب تعزيز الإطار القانوني لضمان إلتزام جميع الجهات الحكومية والخاصة بمعايير الأمن السيبراني والفيزيائي. فوجود قوانين مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية وقانون حماية البيانات الشخصية هو خطوة مهمة، لكنه غير كافٍ ما لم تقترن تلك القوانين بهيئات رقابية مستقلة لديها الصلاحيات والموارد لمتابعة التنفيذ والتفتيش وفرض العقوبات عند الحاجة. وفي هذا السياق، لا بد من إنشاء كيان مستقل لحوكمة الأمن الرقمي، يجمع بين الرقابة، والتدريب، ووضع السياسات، والتنسيق بين الجهات المعنية.
جانب آخر بالغ الأهمية يتمثل في بناء القدرات البشرية. فتأمين البنية الرقمية لا يمكن أن يتحقق بدون كوادر وطنية مدربة ومؤهلة في أحدث تقنيات الأمن السيبراني وإدارة البنية التحتية. وهو ما يتطلب استثماراً جاداً في التعليم والتدريب، من خلال برامج تخصصية في الجامعات والمعاهد، وشراكات مع شركات التكنولوجيا العالمية، ومسارات مهنية حكومية تستقطب أفضل العقول وتحفزهم على البقاء داخل الدولة بدلاً من الهجرة أو الإتجاه للقطاع الخاص.
أخيراً، يجب أن تكون هناك شفافية ومصارحة مع الجمهور. فالحوادث الرقمية لا بد أن تُعلن وتُدرس ويُستفاد منها، لا أن تُخفى أو تُبرر. الثقة المجتمعية في المنظومة الرقمية لن تبنى إلا من خلال الشفافية والجاهزية، ومن خلال إظهار أن الدولة مستعدة لأي طارئ، وقادرة على المواجهة والإستجابة، وتحترم حق المواطن في معرفة ما يهدد خدماته وأمنه الرقمي.
إن تأمين البنية التحتية الرقمية في مصر لم يعد خياراً إستراتيجياً بل واجباً وطنياً. ففي دولة تسير بثبات نحو الرقمنة الشاملة، لا يجب أن تكون مراكز البيانات وقواعد الخدمات عرضة للخطر أو الإنقطاع، بل يجب أن تصبح مثلها مثل المطارات والموانئ والسدود: محصنة، محمية، وتدار وفق أعلى المعايير العالمية. فالمستقبل رقمي بلا شك، ولكن لا قيمة له إن لم يكن آمناً.