العراق يتجه نحو تطبيق مبدأ السيادة النقدية.. ماذا يعني ذلك؟
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
تواجه السياسة النقدية في العراق تحديات عديدة، خاصة في ظل وجود سوق غير نظامية لصرف العملة تديرها شبكات تتلاعب بأسعار لدولار أمام الدينار، وفق ما تؤكد تقارير إعلامية محلية.
وفي مواجهة “الازدواج النقدي” الذي أضر باقتصاد البلاد، يتجه العراق إلى تطبيق مبدأ “السيادة النقدية” بحسب ما كشف المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية “واع”.
وبتطبيق “مبدأ السيادة النقدية”، بحسب صالح، يصبح “الدينار العراقي الملجأ الوحيد للتبادل والتسعير وتغطية التعاملات الداخلية”.
وتكافح السلطات العراقية في محاولة لضبط سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي الذي يشهد تذبذبات أدت لتراجع قيمة الدينار، ترافقت مع الامتثال لقواعد دولية في التحويلات المالية، أثرت على عرض الدولار في السوق.
ويشرح المستشار الاقتصادي صالح في ورقة بحثية نشرتها شبكة الاقتصاديين العراقيين في أكتوبر الماضي أن السيادة النقدية يطلق عليها اسم “الويستفالية” والتي تعبر عن “سلطة الدولة في ممارسة السيطرة القانونية الحصرية على عملتها عبر وظائف البنك المركزي كونه السلطة الحصرية لتعيين كميات العملية وقيمتها كوسيلة للمدفوعات”.
وزاد أن اسم “الويستفالية” يأتي من نظام “ويستفاليا الذي يمثل مبدأ في القانون الدولي بأن كل دولة لها السيادة الحصرية على أراضيها”، وهو ما ينص عليه صراحة ميثاق الأمم المتحدة.
ويذكر البحث أن هذه السيادة “الويستفالية النقدية” تقوم على: استقلالية إدارة النقد، إصداره ونظام الصرف.
وبحسب الورقة البحثية، يرى صالح أن العراق يحتاج إلى تطبيق مبدأ السيادة النقدية من أجل تعزيز قدرة السياسة النقدية على “ضبط مناسيب السيولة المحلية من خلال قوة تدخل البنك المركزي في السوق النقدية”.
وحذر من استمرار ما أطلق عليه اسم “واقع الضوضاء الملونة التي تتيح بقاء السوق السوداء للدولار النقدي” وقدرتها على التأثير على المنظومة السعرية، ناهيك عن إتاحة أكبر لقدرة الدولة على إدارة التضخم من خلال التأثير عليها عبر أسعار الفائدة.
وأكد صالح أن تبني الدولة العراقية لمبدأ السيادة النقدية سيفضي إلى “الحفاظ على سعر صرف ثابت يسمح بتدفقات رأس المال الحرة والتصدي للنقد الرخيص”.
وكانت المديرية العامة للاستخبارات والأمن العراقية قد أعلنت عن الإطاحة بشبكة تتلاعب في أسعار صرف الدولار ببغداد، بحسب تقرير نشرته وكالة “واع”.
وفي أغسطس الماضي أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني القبض على شبكة “مضاربين” بالعملة يجمعون الدولارات ويرسلونها إلى إقليم كردستان في شمال العراق، ثم يتم تهريبها إلى الخارج، من دون أن يحدد الوجهة، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
الخبيرة الاقتصادية العراقية، سلام سميسم حددت أبرز العوامل التي تتيح تطبيق مبدأ “السيادة النقدية” مؤكدة أنها لا ترتبط بوجود قرار سياسي لتطبيقها، وإنما عوامل ومحددات اقتصادية.
ووضعت سميسم في حديث لموقع “الحرة” حزمة من العوامل الواجب توافرها تضم: “قوة الاقتصاد، استقرار أسعار الصرف، قوة العملة الوطنية نفسها، وجود اقتصاد منتج بشكل حقيقي لا يكون اعتماده فقط على الاستيراد”.
ورغم محاولات السلطات السيطرة على أسعار الصرف ما زتل التدول في السوق غير النظامية يمثل حوالي 10 في المئة من نسبة التداول، في ما وصفه المستشار صالح بـ”السوق المنفلت ويتحكم به مضاربون ويضفي ضوضاء على اقتصاد العراق ككل”.
ويوضح الخبير الاقتصادي العراقي، محمود داغر أن مبدأ السيادة النقدية “لا يعني تأثر مدخرات المواطنين أو أي شخصية إعتبارية لديها أموال مودعة بعملات أجنبية، إذ يبقى في إمكانهم إيداع وسحب الأموال بالدولار أو العملات الأجنبية الأخرى التي قد تكون مودعة بها”.
وأشار في رد على استفسارات موقع “الحرة” إلى أن غالبية الدول تسعى أو تطمح للوصول إلى “السيادة النقدية” وذلك بجعل “عملتها الوطنية هي العملة الأساسية لاستخدامها في المدفوعات والتعاملات داخل الدولة”.
وأجمع خبراء اقتصاد عراقيون على أن تطبيق مبدأ السيادة النقدية يحتاج إلى توفر عدة عوامل أهمها “جسر الفجوة بين سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار”.
وقال الخبير داغر وهو مسؤول سابق في البنك المركزي العراقي “كلما استقرت أسعار صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية كان مبدأ السيادة النقدية قابلا للتطبيق”، والذي يجب أن يترافق مع “عدم وجود فجوة أو فروقات بين أسعار الصرف في السوق الرسمية والسوق الموازية ومنع ما يحدث من مضاربات في هذا المضمار”.
وتؤكد الخبيرة سميسم أن كل دولة لديها حق اللجوء لمبدأ “السيادة النقدية” من أجل السيطرة على “سوق النقد”، مستدركة أن “هذا الأمر لا يرتبط فقط بالرغبة أو الطموحات، بل بقوة العملة الوطنية بشكل حقيقي، إذ أن العملة ليست ورقا فحسب، فهي يجب أن تعبر عن قيمة مقابلة للناتج المحلي الإجمالي، وقدرتها على خزن القيمة بشكل حقيقي، مع اقترانها بمؤشرات قوة مختلفة على عدة مستويات”.
وبدأ العراق تطبيق معايير نظام التحويلات الدولي “سويفت” منذ منتصف نوفمبر من 2022 للوصول إلى احتياطات العراق من الدولار الموجودة في الولايات المتحدة التي تقدر بعشرات مليارات الدولارات، وفق فرانس برس.
وينبغي على المصارف العراقية حاليا تسجيل تحويلاتها بالدولار على منصة إلكترونية، تدقق الطلبات، ويقوم الاحتياطي الأميركي الفيدرالي بفحصها وإذا كانت لديه شكوك يقوم بتوقيف التحويل.
الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: العملة الوطنیة تطبیق مبدأ فی السوق
إقرأ أيضاً:
هل يتجه الداخل اللبناني إلى الاستقرار؟
بانتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية في التاسع من يناير 2025، طوى لبنان نحو عامين وشهرين من الفراغ الرئاسي بعد انتهاء فترة الرئيس ميشيل عون. ومع سدّ الفراغ أخذَت تتكرّس معالم المشهد السياسي الجديد، التي كانت قد بدأَت تتشكّل منذ تفجيرات أجهزة النداء الآلي، ثم تصفية قيادات حزب الله واستهداف قدراته العسكرية. ويمكن القول إنه بسبب هذه التطورات المتلاحقة تمّ انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية بسلاسة ملحوظة، ثم كانت المفاجأة الأكبر بتكليف القاضي اللبناني الدولي البارز نوّاف سلام بتشكيل الحكومة. وكان اللغط الذي أحاط بتكليف سلام أكبر من اللغط الذي واكب انتخاب جوزيف عون؛ إذ قيل إن الثنائي الشيعي تعرّض للخديعة بعد أن وافق على انتخاب عون مقابل استمرار نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، فقام الثنائي بتيسير انتخاب عون بالفعل ليفاجأ بعد ذلك بتكليف نوّاف سلام. ومن مجمل ما سبق صرنا أمام مشهد سياسي يختلف كثيراً عمّا كان عليه قبل أشهر قليلة، وفي هذا المقال يتّم تسليط الضوء على أبرز معالم هذا الاختلاف، ومحاولة استخلاص انعكاس ذلك على المستقبل اللبناني.
احتقان مكتوم:
على الرغم من موجة التضامن مع أعضاء حزب الله ومناصريه ممن استهدفتهم تفجيرات أجهزة النداء الآلي بالدرجة الأولى؛ فإنه ومع اشتداد القصف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية وبلدات الجنوب اللبناني ظهرَت مشكلة النازحين إلى العاصمة بيروت والمدن الأخرى التي لم يطلها القصف، وبدأَت تظهر في الوقت نفسه إشكالات تتعلّق باستقبال الشيعة في المناطق ذات الأكثرية المسيحية. وأخذَت مؤشرات الاحتقان أبعاداً جديدة وواضحة مع انطلاق عمليّتي انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة. فلقد اعتبر حزب الله أن هناك نيّة متعمّدة لإقصاء عموم الشيعة وإبعادهم من المشهد السياسي اللبناني؛ أي أن الحزب ومعه حركة أمل تعاملا مع محاولة تصحيح الخلل السياسي الذي ترتّب على هيمنة الثنائي الشيعي على كل مفاصل الدولة لمدة ثلاثة عقود بوصفها محاولة لتقويض أي دور سياسي لكل شيعة لبنان. وحول هذا المعنى قيل كلام كثير سواء عبر الخطابات الإعلامية للحزب أم حتى عبر هتاف على شاكلة “شيعة.. شيعة” الذي كان يترددّ في مظاهرات جمهور الحزب. واقترنَت هذه المظاهرات ببعض أعمال الشغب وقطع الطرق الرئيسية لتأكيد الحضور الشيعي القوي في الشارع اللبناني.
ومثل هذا الخلط بين الحزب والحركة من جهة وعموم الشيعة اللبنانيين من جهة أخرى، يكفل تعبئة جماهيرية واسعة النطاق حيث يُشعر المواطن الشيعي بأن وجوده نفسه بات هو المستهدف، وأن الأمر يتجاوز الخلاف مع فريق سياسي شيعي معين إلى الاضطهاد المذهبي للطائفة الشيعية، وفي هذا تحريف كبير.
استغّل الخطاب السياسي للحزب الحملات الإعلامية المكثّفة من جانب الفضائيات المسيحية ضد قياداته وخصوصاً أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، لتمرير فكرة أن غياب نصر الله هو الذي سمح بالاجتراء على شيعة لبنان وليس على انتقاد الحزب. وفي الأثناء أثيرت قضية إعمار بلدات الجنوب اللبناني وضاحية بيروت الجنوبية، وهي قضية حقيقية ووردَت من أول لحظة في خطاب التنصيب الذي ألقاه الرئيس جوزيف عون؛ لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى الاشتغال عليها لتوفير الموارد المالية اللازمة؛ وهي مسألة ليست سهلة لأنها ترتبط بقضية سلاح الحزب؛ وهي قضية شديدة الحساسية، صحيح أن القرار الدولي رقم 1701، الذي التزم به الحزب نص عليها، لكن تنفيذها أمر بالغ الصعوبة ويفتقد الآليات الوطنية لوضعه موضع التطبيق.
عودة سعد الحريري:
ترك اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في 14 فبراير 2005، فراغاً قيادياً في الساحة السنيّة. وذلك أن الحريري لم يكن مجرد سياسي محنّك له حضوره الكاريزمي في المشهد اللبناني؛ بل كان أيضاً رجل الأعمال واسع الثراء، الذي أعاد إعمار منطقة وسط بيروت بعدما دمّرتها الحرب الأهلية اللبنانية بالكامل. وهو أيضاً صاحب شبكة العلاقات الإقليمية والدولية الواسعة التي جعلَت لبنان يشهد واحدة من أكثر فترات تاريخه الحديث ازدهاراً في التسعينيات وحتى تاريخ اغتياله.
واجه سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء الأسبق، تحديات في ملء الفراغ السياسي بعد اغتيال والده على الرغم من الالتفاف الشعبي العابر للطوائف والأديان حوله؛ من بينها الاختلافات السياسية بين مكونات تيار المستقبل. أما وقد عاد سعد الحريري في الذكرى العشرين لاغتيال والده للإعلان عن أن تيار المستقبل سينخرط مجدداً في الحياة السياسية، ويشارك في الانتخابات البلدية لهذا العام والانتخابات النيابية في العام المقبل؛ فإن هذا التطوّر كان جديراً بإثارة التساؤل عن فرصة جمع شمل السنّة تحت قيادة ابن الرئيس الشهيد، كما يوصف في لبنان، هذا علماً بأنه في ظل مقاطعة تيار المستقبل انتخابات مجلس النوّاب لعام 2022 توزّعت المقاعد النيابية للسنة على شخصيات عدّة أكثرها مستقّل.
في الإجابة عن السؤال المثار لا بد بدايةً من التنويه بأن خطاب سعد الحريري في الذكرى العشرين لاغتيال والده وجّه رسالتين مهمتين لأنصار حزب الله، الأولى دعوتهم للانخراط في مشروع الدولة بدلاً من أن يكونوا جزءاً من محاور أخرى، في إشارة لمحور المقاومة الذي تتزعمّه إيران. والثانية تأكيده الحق الحصري للدولة في امتلاك السلاح ومعنى ذلك واضح. كما لا بد من التنويه بأن عودة سعد الحريري تأتي في ظل التطورات الحاصلة في الجارة سوريا، وإسقاط نظام بشّار الأسد، الذي يعتبره سعد مسؤولاً عن اغتيال والده، وكذلك تقليص نفوذ حزب الله، الذي أدين بعض أعضائه في عملية الاغتيال.
أي إنه من الناحية النظرية تبدو البيئة اللبنانية مواتية لدور كبير يؤديه في زعامة الطائفة السنيّة. لكن من الناحية العملية هل سيكون سعد قادراً على أن يؤدي أداءً يختلف عن أدائه خلال المرات الثلاث التي توّلى فيها رئاسة الحكومة اللبنانية؟
وعندما نأتي لقيادة تيّار المستقبل، هذا التيَار الذي شكّل في بداية نشأته مظلة واسعة لبعض أبرز القوى السياسية اللبنانية؛ نجد أن المؤشَرات تتجّه إلى أن بهية الحريري، شقيقة رفيق الحريري، هي المهيأة لاستلام قيادة التيار. وتتمتّع هذه المرأة بالعديد من المميزات التي تجعلها من الممكن أن تمارس هذه القيادة، ولقد سبق لها الانخراط في عدد من أخطر الأزمات السياسية التي تعرّض لها لبنان بعد اغتيال شقيقها، لكن هناك فارق بين قيادة التيار ولملمة صفوفه قبيل الانتخابات القادمة، وهذا احتمال وارد، وبين قيادة التيار والقدرة على إعادة تموضع السنة كطرف فاعل في المشهد السياسي اللبناني، وهذا مشكوك فيه. بطبيعة الحال، فإن التمثيل النيابي هو جزء من أدوات التأثير في عملية صنع القرار، لكن مَن الذي يمكنه أن يقطع بأن التيار ستكون له أغلبية المقاعد البرلمانية المخصّصة للطائفة السنيّة في البرلمان؟
تزايد الحضور الأمريكي:
للولايات المتحدة حضور قوي وقديم في لبنان، وهو على امتداد تطوره اتخذّ أشكالاً مختلفة: بدءاً من الإنزال العسكري في الخمسينيات والمشاركة في القوات متعدّدة الجنسيات في الثمانينيات، وحتى ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية وصياغة اتفاق وقف إطلاق النار بين الدولتين في عامي 2022 و2024 على التوالي، والولايات المتحدّة هي المصدر الأساسي للسلاح والمعونة الاقتصادية المقدّمة إلى لبنان؛ أي إننا إزاء ظاهرة ليست بالجديدة؛ ولكن تراجع نفوذ المعسكر الإيراني في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها لبنان؛ سمح للولايات المتحدّة بمزيد من تعزيز نفوذها داخله. وتعبّر تصريحات مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، خير تعبير عن هذا التطور في تدخّل الولايات المتحدة في تفاصيل الشؤون السياسية اللبنانية. فمن داخل قصر الرئاسة في بعبدا، رحبّت أورتاغوس بهزيمة حزب الله على يد إسرائيل، ودعت إلى عدم مشاركة حزب الله في حكومة نواف سلام.
هذه التصريحات سبّبت حرجاً شديداً للرئيس اللبناني؛ ومن ثم علّق عون على تصريحات أورتاغوس بأنها تعبّر عن قائلتها ولا أحد غيرها وأن الرئاسة غير معنية بها. ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء لمدة خمس سنوات وقت هيمنة حزب الله على الحياة السياسية في لبنان، لوجدنا أن بعض التصريحات غير الدبلوماسية التي صدرَت عن السفيرة الأمريكية في بيروت، دوروثي شيل، التي انتقدَت فيها فساد الطبقة الحاكمة، واتهمت حزب الله بأنه يهدد الاستقرار السياسي للبلاد ويمنع رخاءها الاقتصادي؛ أدّت إلى قيام قاضي الأمور المستعجلة في مدينة صور بإصدار قرار يمنع بموجبه شيل من الإدلاء بتصريحات إعلامية مع حظر تعامل الإعلام اللبناني معها. أما في حالة أورتاغوس، فلقد انتهى الأمر عند تعليق الرئاسة اللبنانية الذي سبقَت الإشارة إليه، ومن الناحية العملية لم يشارك أعضاء في حزب الله في التشكيل الحكومي؛ وهذا يوضّح لنا اختلاف السياق السياسي ما بين عامّي 2020 و2025.
تكشف بعض التطورات عن أن الولايات المتحدّة تتحضّر لدور واسع في داخل لبنان، فمبنى السفارة الأمريكية، الذي بدأ العمل به في منطقة عكار قبل عامين، يُعد هو الثاني من حيث الحجم بين كل السفارات الأمريكية حول العالم، وسيعمل به نحو 5 آلاف موظف، وهو رقم كبير جداً في العموم، إذا ما تمّت مقارنته بمساحة لبنان، التي تبلغ نحو 10500 كيلومتر مربع، وعدد سكانه البالغ نحو 5 ملايين نسمة على وجه الخصوص. ومن الجدير بالذكر أن أكبر سفارة للولايات المتحدة تقع في العراق، ويجمع بين لبنان والعراق أنهما ساحتان من ساحات التمدد الإيراني.
محفزات عدم الاستقرار:
تمثّل العناصر السابقة ما يمكن وصفه بقنابل جاهزة لتفجير الاستقرار السياسي بلبنان، فمن جهة نحن لدينا طائفة تشعر بالمظلومية الشديدة، التي تهدف ربما لإعادتها لوضعها قبل أن يظهر الإمام موسى الصدر في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ويطلق حركة المحرومين في الجنوب اللبناني. ومشاعر المظلومية بشكلٍ عامٍ لا يهمّ فيها ما إذا كانت تعكس واقعاً فعلياً أم لا؛ المهم هو أنها تجعل أصحابها معبئين وجاهزين للاشتعال في أي وقت.
ومن الموضوعية القول إن هناك بعض القوى السياسية المسيحية بالذات تسعى لتوظيف الخسائر العسكرية للحزب على كل الأصعدة بالذات على الصعيد السياسي؛ وهذا يسهم في تفاقم الوضع.
ومن جهة أخرى، فإن الكتلة السنيّة لم يقيض لها بعد وجود قيادة سياسية قوية يمكنها أن تزيد عدد اللاعبين على قطعة الشطرنج اللبناني، وهذا التركيز الشديد في عدد اللاعبين من شأنه أن يعمّق حدّة الاستقطاب. ثم يأتي النفوذ الأمريكي ومن ورائه النفوذ الإسرائيلي المتعاظم في لبنان؛ ليزيد من مبررات الاحتقان الداخلي، والأهم إحراج الدولة اللبنانية، التي هي مطالبة أمام الرأي العام بحماية السيادة اللبنانية؛ إن أرادت قطع الطريق على سلاح حزب الله. هذا دون الحديث عن القلق المصاحب لمستقبل العلاقات السورية اللبنانية في ضوء المناوشات الحدودية والاستفزازات المتبادلة بين الطرفين، والتي كان آخرها اتهام حزب الله باختطاف عناصر أمن سوريين وقتلهم في منتصف مارس الجاري، ونفي الحزب لذلك.
اعتدنا مع لبنان أنه قادر على المشي دائماً على حبل مشدود، وأملنا أن يحتفظ بهذه المهارة الفائقة، وإن تعاظمَت التحديات التي يواجهها الشرق الأوسط برمّته، وليس لبنان فقط.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”