ما الدور الذي يلعبه الصليب الأحمر في غزة؟
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
غزة- في يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي كانت قوافل سيارات المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة وفي مقدمتها الصليب الأحمر والأمم المتحدة، تشق طريقها على شارع الرشيد (شارع البحر) غرب غزة باتجاه خان يونس جنوب القطاع.
كانت تلك استجابة فورية من هذه المنظمات للإنذارات التي وجهها لها جيش الاحتلال الإسرائيلي بضرورة إخلاء المنطقة الشمالية من القطاع، وشكلت إعلانًا رسميًّا عن وقف خدماتها الصحية والإغاثية والإنسانية بشكل كامل في الشمال، وترك أكثر من مليون نسمة عرضة للإبادة المفتوحة بلا حساب.
استقرت المنظمات الدولية في خان يونس، وبدأت عملياتها في جنوب قطاع غزة حصرًا، عبر إقامة المخيمات، ورعاية النازحين في مدارس الأونروا، وفق ما تيسر لها من مواد إغاثية وغذائية واحتياطيات من الوقود، مطلقة بين الحين والآخر نداءات تحذر فيها من الوضع الكارثي الذي يشهده قطاع غزة نتيجة العدوان، دون أي مبادرة أو جهد على الأرض تجاه من اختاروا البقاء في منازلهم شمال غزة.
وفي مساء 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ارتكب جيش الاحتلال مجزرة مستشفى المعمداني في مدينة غزة، والتي أوقعت نحو 471 شهيدا ومئات الجرحى، وهو المستشفى الذي تسلم الصليب الأحمر إحداثياته من وزارة الصحة وسلمها لجيش الاحتلال، مثل باقي المستشفيات في القطاع لتجنب استهدافها، علاوة على تأكيد الصليب الأحمر لإدارة المستشفى الذي ضم آلاف النازحين أنه محمي "بالقانون الدولي" ولن يتعرض للاستهداف.
حينما تُرك الشمال وحيدا
مع بدء الاجتياح البري، ركز جيش الاحتلال هدفه نحو مجمع الشفاء الطبي، المستشفى الأكبر في القطاع. وبعد أيام من القصف الجوي العنيف الذي طال أجزاء من المستشفى والأحياء القريبة منه، أكمل الجيش الإسرائيلي حصاره الكامل على المستشفى الذي كان يضم آلاف الجرحى والنازحين و650 مريضا و39 من الأطفال الخدج في الحضانات، إضافة للمئات من أفراد الطواقم الطبية الذين بقوا على رأس عملهم أكثر من 40 يومًا.
تعرض مستشفى الشفاء، لاستهداف ألواح الطاقة الشمسية. وقصف الاحتلال مولدات الكهرباء ومباني داخلية، ومنع دخول الوقود وأي إمدادات غذائية أو طبية للمحاصرين داخله، وسط غياب كامل للمنظمات الدولية، وعلى رأسها الصليب الأحمر والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية التي تمسكت بذريعة "عدم وجود التنسيق مع الاحتلال".
انقسم عنوان المأساة الإنسانية التي خلفها الاجتياح البري إلى عنوانين رئيسيين هما: الأطفال الخدج والمدنيون المحاصرون.
وعن قرار جيش الاحتلال بالإخلاء القسري لكل الموجودين في مجمع الشفاء الطبي، قال مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور منير البرش -في مداخلة مع قناة الجزيرة- إن 9 أطفال خدج قد استشهدوا نتيجة الحصار المتواصل وانقطاع الكهرباء عن الحضانات، فيما تواصل الطواقم الصحية اتصالاتها مع الصليب الأحمر للتنسيق لإجلاء هؤلاء الأطفال.
أيام طويلة من المناشدات التي أطلقتها وزارة الصحة وأطباؤها لإنقاذ الأطفال، لم تتجاوب معها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولم تطلق أي بيان عالمي يوضح حقيقة منع الاحتلال لإجلائهم.
وقال المتحدث باسم اللجنة، هشام مهنا في لقاءات صحفية: "إن نقل الأطفال الخدّج إلى مصر يتطلب تأمين الطرق واتفاق الأطراف المختلفة على هذا الأمر، وإلى الآن ليست لدينا إمكانيات لنقل الأطفال الخدج لمصر".
بالتوازي مع حصار مجمع الشفاء الطبي، كان الآلاف من سكان الأحياء الغربية من مدينة غزة والتي تضم الرمال الجنوبي والشمالي وتل الهوى، محاصرين داخل بيوتهم، فيما استشهد العشرات منهم بنيران القناصة داخل الأحياء والشوارع خلال محاولتهم النزوح من القصف الجنوني.
مواطن من غزة مقيم في لندن، تحدث لـ"الجزيرة نت" عن محاولاته الحثيثة للتواصل مع مكاتب منظمة الصليب الأحمر في الضفة الغربية المحتلة، لمحاولة إنقاذ عائلته المحاصرة داخل منزلها غرب مدينة غزة، مؤكدًا أن طواقم الصليب الأحمر كانت ترفض التعاطي بأي شكل مع مناشداته، مؤكدة له أن عملياتها توقفت بالكامل في شمال قطاع غزة.
مواطن غزّاوي آخر مقيم في إسطنبول روى للجزيرة نت أنه اتصل بأحد أصدقائه العاملين في مكتب الضفة الغربية بالصليب الأحمر، والذي أكد له أن المنظمة أوقفت عملياتها بشكل كامل في شمال القطاع، وأنها لم تتخذ أي إجراء مباشر لإخلاء العالقين والمحاصرين في بيوتهم لقرابة أسبوعين غرب غزة.
خزاعة والشجاعية.. شهود التواطؤ
في فجر يوم الأحد الموافق 20 يوليو/تموز 2014، ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة الشجاعية شرق غزة، حيث شنت الطائرات الحربية وبطاريات المدفعية موجات عنيفة من القصف المتواصل لساعات على الحي المكتظ بالسكان، موقعة 75 شهيدًا ومئات الجرحى.
وُصفت المجزرة في حينها بأنها الأقسى في القطاع منذ سنوات. فيما كانت من خلف الأنقاض وسحب الدخان الكثيف تتعالى الاتهامات للصليب الأحمر بخذلان السكان وتركهم وحدهم في مواجهة الموت.
طوال ساعات من الاستغاثات والاتصالات على أرقام الطوارئ التي أعلنت عنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كان إغلاق الخطوط الهاتفية وعدم الرد أو التذرع بعدم وجود تنسيق مع جيش الاحتلال لدخول طواقم الصليب الأحمر لانتشال الجرحى والشهداء وإخلاء المدنيين، هو الجواب الوحيد الذي يتلقاه من أسعفهم الحظ بإجراء المكالمات الأخيرة دون جدوى.
وعن تلك اللحظة يقول حسن السرساوي من سكان حي الشجاعية للجزيرة نت "اتصلنا بالصليب الأحمر وطلبنا التدخل لإخلائنا من بيوتنا، فكان الجواب الوحيد الذي تلقيناه، أنه لا يوجد تنسيق مع جيش الاحتلال، وأن علينا الانتظار لأن الوضع خطير، غامرنا بأرواحنا وحملنا الصغار وركضنا تحت القذائف في الشوارع التي كانت تملؤها الجثث".
وفي قرية خزاعة شرق محافظة خان يونس، تكرر الأمر مجددًا فجر الأربعاء الموافق 25 يوليو/تموز 2014 مع ارتكاب جيش الاحتلال مذبحة رهيبة بحق السكان في داخل القرية الحدودية التي دخلتها أرتال الدبابات، ودمرت أجزاء واسعة منها، علاوة على ارتكاب إعدامات ميدانية، وتناثر جثث المدنيين في شوارعها لأسابيع حتى انتهاء التوغل البري.
"الصليب الأحمر تآمر علينا مع الجيش الإسرائيلي، قام بتجميعنا في منطقة محددة وتركنا عرضة للقتل بدم بارد، ولقمة سائغة للجيش"؛ بهذه الكلمات استذكر نسيم تمام من سكان خزاعة شرق خان يونس لـ"الجزيرة نت"، أحداث المجزرة الدموية التي شهدتها قريتهم، والتي استمر فيها القصف الجوي والبري لساعات دون السماح بدخول سيارات الإسعاف.
رسالة اعتذار باردة
الانتقادات الواسعة التي طالت الصليب الأحمر في حينه، والاتهامات الواضحة من ضحايا مجازر الاحتلال للجنة الدولية، بالتواطؤ المباشر مع الجيش الإسرائيلي، دفعت رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأراضي المحتلة، جاك دي مايو إلى كتابة رسالة اعتذار باردة، حملت في سطورها ألف عذر، في محاولة تبرير تقاعس المنظمة الدولية عن واجبها.
حملت الرسالة عنوان "لا عجب أن يغضب الغزاويون.. الصليب الأحمر لا يستطيع حمايتهم"، ونشرت على موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ 25 يوليو/تموز 2014، وجاء فيها "كان ضربا من الجنون أن تحاول إنقاذ الناس دون ضمانات أمنية".
يضيف دي ماتيو: "الغضب مزعج ولا نستحقه ولكننا نفهمه، إننا نبذل أقصى الجهود الممكنة، ويخاطر موظفونا بحياتهم لإنقاذ من يمكن إنقاذهم ولكن لا نستطيع نحن إنهاء النزاع، حاول عدد كبير من الغزاويين الاتصال بنا هاتفيا، وكان مركز الهاتف في مكتبنا عاجزا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر الصلیب الأحمر جیش الاحتلال الأحمر فی قطاع غزة خان یونس
إقرأ أيضاً:
داخلياً وخارجياً.. تعرّف على مظاهر الفوضى السياسية التي يشهدها الاحتلال
في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي تورّطه في حرب لا تتوقف على غزة؛ هناك ورطة أخرى يتواصل الاعتراف الاسرائيلي بها، وتتمثّل في الهزيمة الكاسحة بمعركة الوعي، في ظل وجود حكومة يمينية قد فشلت في كل قراراتها بشكل عام.
وبحسب مقال نشره موقع "زمن إسرائيل"، وترجمته "عربي21"، فإنه: "فيما يتعلق بهجوم السابع من أكتوبر وما تلاه من حرب غزة بشكل خاص، لاسيما عقب فشلها في تحقيق وعدها بتوفير الأمن للإسرائيليين؛ في خضمّ استمرار الحرب الجارية دون نهاية، وما يعنيه ذلك من مواصلة الخسائر في صفوف الجنود والمستوطنين في غزة والضفة معاً".
ونقل المقال عن أستاذ العلوم السياسية والمدير السابق لموقع صوت إسرائيل، مايكل ميرو، تأكيده: "أننا أمام فشل ذريع في معركة الوعي التي بدأت صباح السابع من أكتوبر في هجوم حماس الذي دفع ثمنه عدد كبير من رجال المخابرات والجيش".
وأوضح ميرو: "مع أن هذا الهجوم كان يمكن تجنبه لو كانت العيون والعقل مفتوحين، ما أسفر في النهاية عن انعدام الأمن، وتدهور أداء الجيش الذي بدأ حربه بضربة يصعب استيعابها، إثر الثّمن الباهظ الذي لا يطاق للقتلى والجرحى والمخطوفين".
وأضاف أنه: "بعد مرور أكثر من أربعة عشر شهرا، يبدو أن الكارثة أصبحت في طي النسيان، وبات كثير من الإسرائيليين يزعمون أن ما تلا السابع من أكتوبر شكّل تحولا في قدرة الحكومة وزعيمها على قلب المعادلة، وأن الاحتلال الآن في وضع أفضل بكثير مما كان عليه من قبل".
"مع أن هناك عدد مماثل منهم يقفون قبالتهم، ويبعثون عبر استطلاعات الرأي برسائل مختلفة، صحيح أن الجيش والأمن ربما نجحا بتغيير المعادلة، لكن الحكومة التي تدير الدولة ما زالت فاشلة" استطرد ميرو، بحسب المقال نفسه.
وأبرز أن: "الجيش الذي فقد المئات من جنوده في معارك غزة، قد يكون استعاد صورته النمطية في عيون غالبية الإسرائيليين، بعكس السياسيين الذين فشلوا، ويتكشف فشلهم من نقطة البداية حتى اليوم، الأمر الذي يفسر شعور الائتلاف اليميني بحالة جنون وخوف من الانهيار الوشيك".
وأردف: "يمكن أن نفهم لماذا يشعر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لديه حكومة وائتلاف مستقر، بالقلق، والقلق الشديد أيضاً، في ضوء ما تظهره استطلاعات الرأي من زيادة قوة معارضي الحكومة التي تتمسّك بالمسار الذي اتبعته قبل السابع من أكتوبر".
وأشار إلى أن: "الحكومة التي يخوض جيشها معركة وجودية تواصل الانشغال بسنّ القوانين الانقلابية، وتخصخص الإذاعة العامة، وتنفذ حملة ضد المستشار القانوني والمحكمة العليا، لإضعافها، وتثبيت نفسها في الميدان خلال حرب الصراع على السلطة".
واسترسل: "فيما تسعى الحكومة لتعزيز سيطرتها على السلطة التشريعية بيد حازمة، واستهداف النظام القانوني باستمرار، ما يجعل الإسرائيليين المؤيدين للحكومة يعتقدون أن كل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية نتيجة النظام القانوني وسببها المستشارة القانونية".
واستدرك بالقول إنّ: "الحراكات الاحتجاجية في دولة الاحتلال التي تملك أموالاً لا بأس بها، لكنها غير قادرة على تغيير المعادلة، سواء في التصدّي للانقلاب القانوني، أو حتى في قضية المختطفين، التي كان من المفترض أن تكون قضية شاملة تتقاطع بين اليمين واليسار".
إلى ذلك بيّن أنه "إذا حاولنا تحليل نتائج حرب الوعي التي يخوضها الاحتلال منذ أربعة عشر شهرا، فيمكن القول إنه تلقى ضربة قاسية، صحيح أنه عاد وردّ عليها بضربات قاسية على سبع جبهات؛ لكن طريقة فتح تلك الجبهات جاء بسبب سلوك غير صحيح".
وختم بالقول: "لذلك فإن الحرب المستمرة في غزة طيلة هذه الفترة، تأتي خلافاً لكل المنطق الاستراتيجي، الذي لا يخدم المصلحة الأمنية للدولة، بل للحفاظ على التحالف الحكومي، والسيطرة الكاملة على غزة، وقوة اليمين الحاكم".