بوابة الفجر:
2024-07-12@02:01:09 GMT

أحمد ياسر يكتب: جنرالات إسرائيل وغزة

تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT

التاريخ هو 9 مارس 1973.. يبتهج جنرالان بنبأ الوفاة التي اعتبروها "الجائزة الكبرى"...والجنرالان هما أرييل شارون ووزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان.

وتقول الحكايات في ذلك الوقت إن ديان أراد رؤية الجثة بنفسه، وعندما فعل ذلك، أمر بتوزيع الحلوى على الجنود المشاركين.

نعم، كانت الجثة هي جثة "جيفارا غزة"، الذي أطلق سراحه من السجن قبل سنوات بتصميم متزايد على محاربة المحتلين.

(جيفارا غزة) واسمه الحقيقي محمد الأسود، ولد قبل النكبة بسنتين... وعندما حدث ذلك، نزحت عائلته من الضفة الغربية إلى غزة.

 انجذب إلى أفكار الحركة القومية العربية وانضم فيما بعد إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كان يتزعمها الدكتور جورج حبش... لقد أعجب بما حدث في فيتنام، كما أعجب بفيدل كاسترو والأسطورة إرنستو "تشي" جيفارا.

وفي أوائل السبعينيات، وصل شارون إلى غزة بجدول أعمال لتنفيذ اغتيالات... وتم تشكيل وحدة خاصة للقيام بهذه المهمة....وكان بقيادة مئير داغان، الذي أصبح فيما بعد رئيس الموساد... وخطط الأسود، لسلسلة من الهجمات بالقنابل على دوريات إسرائيلية وشارك في بعضها.

(وكانت غزة مفتونة بهذا الشبح الذي كان يغير مكان إقامته بانتظام... لقد أنهك المحتلين إلى حد أن ديان قال ذات مرة: "نحن نسيطر على غزة نهارًا وغيفارا يسيطر عليها ليلًا").

وفي أحد الأيام، حاصرت القوات الإسرائيلية منزلًا كان يختبئ فيه الرجل الأول المطلوب... خرج من المنزل وكل الأسلحة مشتعلة...وردت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار عليه وقتلته... وابتهج الجنرالان معتقدين أن هذا الفصل قد انتهى.

بعد نصف قرن من وفاة أول جنرال في غزة، فوجئ جنرالات إسرائيل عندما أعلن الجنرال الثالث في غزة عن إطلاق عملية( طوفان الأقصى) في الشهر الماضي.... اسمه محمد ضيف... ولطالما حلمت الأجهزة الإسرائيلية باغتياله... لقد استهدفوه خمس مرات... 

كما أدت النكبة إلى نزوح عائلته إلى غزة ونشأ في خان يونس... وهو أيضًا خرج من سجن إسرائيلي بتصميم أكبر على محاربة المحتلين.... فهو مثل الوهم... إنه يتنقل دائمًا ولا أحد يعرف أين يعيش!!!!.

ولم يكن جيفارا مثله الأعلى... وبدلا من ذلك، تطلع إلى عز الدين القسام وأحمد ياسين.... وانضم إلى حماس، التي تشكلت رسميًا في عام 1987... وتولى الضيف مسؤولية قوات حماس بعد اغتيال إسرائيل "للجنرال الثاني في غزة"، صلاح شحادة، في يوليو2002.

وفي منتصف القرن العشرين، وصل إلى مكان الحادث رجل اسمه ياسر عرفات....وكان يحلم بأن يُسجل في التاريخ على أنه "الرصاصة الأولى والدولة الأولى"... ولم تستخلص إسرائيل الدروس من تجربتها مع عرفات... وظلت أنهار الدم تتدفق لعقود من الزمن....ألم تتعلم أن قتل «جنرالات» غزة لن يكسر إرادتها؟

علي مدي الصراع في السنوات الخمس الماضية... تبدوا الفظائع التي شهدتها غزة مؤخرا أعادت قضية الدولة الفلسطينية المستقلة إلى أجندة القوى العالمية الكبرى في وقت نجحت فيه إسرائيل وحلفاؤها في تنحيتها جانبا... الضربات القاضية مستحيلة في هذه الأزمة... لقد جربتهم إسرائيل، ووجدت نفسها الآن في مواجهة جيل جديد لا يقل تصميما أو شراسة عن سابقيه.

فكرة القضاء التام على حماس أمر مستحيل، كما أنه من المستحيل القضاء على فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية... هذه القوات ليست مجرد جهاز عسكري... إنهم يطالبون بالحقوق قبل كل شيء.

ولكن... هل تستطيع حماس استثمار التطورات في غزة لتشكيل الدولة؟ وهل يمكن أن يتصالح مع الواقع كما حصل مع منظمة التحرير؟ هل يمكن أن نرى رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية جالسًا مع وفد إسرائيلي في مؤتمر دولي؟ عندما تتفاوض مع عدوك، فإنك تعترف بوجوده... وبما أنك غير قادر على القضاء عليه، فهل أنت ملزم بالتسوية معه؟

وفي عام 2017، وافقت حماس على فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكنها لم تفكر قط في الاعتراف بإسرائيل لأن ذلك كان سيؤدي إلى هدنة مفتوحة وطويلة الأمد... فهل توافق إسرائيل على ذلك؟ فهل سيوافق أنصاره على ذلك؟ فهل توافق حماس على إقامة دولة فلسطينية خالية من السلاح؟

فهل يمكن أن نتصور هنية في البيت الأبيض يمد ذراعه ليصافح رئيس وزراء إسرائيلي كما فعل عرفات مع إسحق رابين؟..وعلينا أن نتذكر أن حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، من خلال هجماتهما الانتحارية، لعبا دورًا رئيسيًا في إفشال اتفاقيات أوسلو....وإسرائيل مذنبة أيضًا عندما قوضت الاتفاقات ولم تترك شيئًا لتنفيذه.

فهل يُسمح لنا أن ننسى اللمسة الإيرانية الواضحة في سلوك حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني؟

إن إنهاء الصراع سيكون صعبًا ومعقدًا... وسيتطلب اتخاذ قرارات صارمة أخطر من تلك اللازمة لتمديد القتال أو تصعيده.

لأكثر من نصف قرن من الزمن، جاء جنرالات إسرائيليين وفلسطينيين وذهبوا، لكن نهر الدم ظل يتدفق.

لقد دفع العالم العربي ثمنًا باهظًا للقمع الإسرائيلي للفلسطينيين... لقد جرب جنرالات إسرائيل كل الخيارات للقضاء على الفلسطينيين وقمعهم، الذين استمروا في الانتفاض بقبضاتهم أو الحجارة أو الرصاص أو الأحزمة الناسفة.

لقد انخدع العالم بالاعتقاد بأن البركان سيتوقف عن الثوران ويدخل في مرحلة الخمول... لقد ارتكب العالم أخطاء عديدة لفترة طويلة، وخاصة «القوة الكبرى الوحيدة».

(أتذكر أوصاف عرفات التي كتبها محمود درويش ومحسن إبراهيم، وكلاهما كان مقربًا منه. وقالوا إن السعي إلى التسوية كان بالتأكيد أصعب بالنسبة له من إطلاق الرصاصة الأولى).

وقالوا أيضًا إنه (عندما صافح رابين، كان واثقًا من أن الدولة الفلسطينية كانت "على مرمى حجر". واتفقوا على أنه في هذا الصراع المرير كان قرار الموافقة على الحل أصعب من اختيار الحرب).

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر غزة فلسطين اخبار فلسطين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي حركة فتح السلطة الفلسطينية هدنة إنسانية الأسرى الإسرائيليين ياسر عرفات رام الله خان يونس جنرالات إسرائیل فی غزة

إقرأ أيضاً:

أحمد الضبع يكتب: الحكومة تفتح صفحة جديدة مع المواطن

«إن لم تحصل وسائل الإعلام منك على المعلومة ستحصل عليها من غيرك»، تلك كانت أول عبارة ألقاها على أسماعنا أستاذ العلاقات العامة في الجامعة، باعتبار أن الدارسين سيكونون مصدرًا للأخبار من خلال العمل كمسؤولين اتصال ومتحدثين باسم الشركات الكبرى أو الجهات الحكومية، وتقع على عاتقهم مسؤولية توضيح الصورة بشفافية للجمهور في الأزمات دون تضخيم أو استهانة، مع شرح الأسباب وتقديم الحلول بموضوعية.

عندما تتيح المؤسسات والحكومات المعلومات للمواطنين حول أزمة ما وتصارحهم بأبعادها، تقطع بذلك الطريق على تدفق المعلومات غير الرسمية التي لا تعدو في الكثير من الأحيان كونها مجرد تكهنات منقوصة، تتحول إلى كرة من الثلج تتضخم كلما انتشرت وتؤدي إلى اتساع الهوة بين الجمهور والقائم بالاتصال، ويصبح المناخ مهيئًا لانتشار الشائعات والأخبار المغرضة التي تخدم مصالح المنافسين وتحقق أهداف الأعداء والمتربصين.

قبل ثورة 30 يونيو، كان المسؤول عن إدارة مؤسسة أو وزارة تتعامل مع الجمهور ينظر إلى الأزمات كأنها زوبعة في فنجان، ويتعامل معها بمبدأ «أميتوا الباطل بالسكوت عنه»، مع اتخاذ بعض الإجراءات التي تسكن الألم إلى حين، بينما يبقى المرض ينهش في نسيج المجتمع دون أن يعترف أحد بوجوده في الأساس، مثل أزمة الإسكان والاختناق المروري وتهميش الصعيد وازدياد البطالة وانتشار الأمراض المزمنة، والأخيرة بالتحديد كنت شاهدًا على حكايتها.

في أوائل القرن العشرين، انتشرت البلهارسيا في مصر، وخاصة في المناطق الريفية التي اعتاد سكانها على السباحة في الترع والمصارف التي تنقل العدوى، وحصد المرض الكثير من الأرواح، حكى لي جدي أن الرجال في قريتنا كانوا يذهبون إلى الوحدات الصحية لتلقي اللقاح المضاد للمرض الخطير، ويأخذون الجرعة بنفس الإبرة التي تُستخدم في أجساد معظم أهالي القرية، لكن النساء يبقين في المنازل لأن نسبة الإصابة بينهن تكاد لا تذكر، نتيجة عدم تعرضهن للمياه الملوثة بطبيعة البيئة المحيطة التي ترى من العيب نزول المرأة إلى الترعة.

وبعد سنوات قليلة، اختفت البلهارسيا من القرى، لكن نسبة الوفيات ارتفعت بشكل هائل بين الرجال بالتحديد، لا سيما الذين تلقوا لقاح البلهارسيا، كانوا يتساقطون في عز شبابهم دون أن يعرف ذووهم سبًبا منطقيًا لتدهور صحتهم فجأة ثمّ رحيلهم، مرّت الأيام وعرف الناس أن تكرار استخدام الحقن من شخص إلى آخر أدى إلى انتقال فيروس الكبد الوبائي وانتشاره بينهم، وتحول المرض إلى أزمة حقيقية تهدد صحة المصريين، بينما فضلت الحكومات- آنذاك- عدم مصارحة الشعب بمصيره المحتوم، وتجاهلت الأمر حتى لا ترهق نفسها في البحث عن حلول.

ونتيجة لغياب المعلومات الرسمية، انتشرت الأساطير في الصعيد حول أسباب زيادة الوفيات بين الرجال، ونسج الحكاؤون حكايات خيالية عن الجن وغيرته من البشر التي تدفعه إلى لعنتهم بمرض مجهول يقضي عليهم في فترة وجيزة، وكانت السيدات تخبئن مواليدهن بعيدًا عن أعين الغرباء خوفًا عليهم من الحسد، وهن لا يعلمن أن الموت يأتي من نافذة أخرى غير التي أغلقنها بإحكام، وحتى مع تطور الطب واكتشاف المرض، لم يلقَ اهتمامًا من صناع القرار، وكان الأثرياء فقط يستطيعون العلاج في الخارج لارتفاع التكلفة.

إلى أن جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وأدرك حجم الأزمة وقرر كعادته مواجهة الشعب بالخطر المنتشر بينهم، وكحل جذري أطلق في 2018 حملة «100 مليون صحة» لفحص ملايين المواطنين بالمجان للكشف عن مرضى التهاب الكبد (سي)، وطافت الفرق الطبية القرى والنجوع والحارات الشعبية ووصلت إلى كل مكان في ربوع المحروسة، وصرفت العلاج للمرضى دون مقابل، وخلال سنوات معدودة أصبحت مصر خالية من المرض الذي كان ثالث سبب رئيسي للوفاة.

أسلوب تعامل القيادة السياسية بعد 30 يونيو 2013 مع الأزمات أصبح نموذجًا للمصارحة الموضوعية بحجم التحديات وأسبابها والحلول اللازمة لمواجهتها وموعد انتهائها، احترامًا لحق المواطن في المعرفة، وهو ما ظهر جليًا في خطاب الرئيس السيسي في ذكرى 30 يونيو، عندما صارح الشعب المصري بالتحديات التي واجهتها البلاد، وكفاح الشعب المصري في تحمل الظروف الصعبة لتقف مصر على أرض صلبة، وتمضي على طريق التنمية والنهضة.

ضربت الحكومة الجديدة مثالًا في الشفافية واحترام المواطن، وذلك في البيان الذي ألقاه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أمام مجلس النواب، لطرح برنامج عمل حكومته للسنوات الثلاث المقبلة تحت عنوان «معًا نبني مستقبلًا مستدامًا»، وفيه، صارح المصريين بحجم التحديات الراهنة وطريقة التعامل معها، وحدد سقفًا زمنيًا لانتهاء أزمة الكهرباء بلاء رجعة، ووعد بضبط الملف الاقتصادي والحد من ارتفاع الأسعار والتضخم، والسيطرة على الأسواق، واستكمال مسيرة التنمية، والعمل على توفير متطلبات المواطن.

فتحت الحكومة صفحة جديدة مع المصريين، يكون فيها المواطن هو البطل الذي يعمل جميع المسؤولين في الدولة على راحته، وتحقيق أحلامه وطموحاته، وتحويلها إلى واقع ملموس يغير حياته إلى الأفضل.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: القهر والإبداع !!
  • نتنياهو: سيطرتنا على الحدود بين مصر وغزة شرط للتوصل لاتفاق
  • مهند الرفوع يكتب .. “يا حبسَ النشامى”
  • تجاه كييف وغزة.. رئيس الوزراء الإسباني يحذر الغرب من اتباع سياسة الكيل بمكيالين
  • عادل حمودة يكتب: لم تكن حياة «أحمد زكى» رقاقة من العجين صنع منها قالب «جاتو»
  • أحمد الضبع يكتب: الحكومة تفتح صفحة جديدة مع المواطن
  • تقرير: حكومة بريطانيا الجديدة تتخذ موقفا مغايرا عن سابقتها بشأن الجنائية الدولية وغزة
  • تقرير: الحكومة البريطانية الجديدة تتخذ موقفا مغايرا عن سابقتها بشأن الجنائية الدولية وغزة
  • ياسر أبو هلالة يكتب .. الحرية لأحمد حسن الزعبي
  • منير أديب يكتب.. الحروب والصراعات الدينية بين إيران وإسرائيل