مفتي الجمهورية: تغيير الفتوى يكون نتيجة فَهم جديد للواقع وليس تحولًا عن الشرع
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
قال مفتي الجمهورية، أ.د شوقي علام - رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن القواعد الفقهية في المجالات الاقتصادية التي وضعها الفقهاء تُظهر بوضوح مراعاتهم لبيئاتهم وظروف أقوامهم وأعرافهم واحتياجاتهم المختلفة؛ فقد استنبطوا من النصوص الشرعية القواعدَ الأساسية لاقتصادٍ متكامل اشتمل على القضايا الأساسية لجوانب الحياة الاقتصادية.
مضيفًا أن الشريعة الإسلامية أقامت المعاملات المالية والاقتصادية على أساس العدل والصدق، وتبادل المنافع دون غبن أو غش أو خداع؛ ليحصل التعاون بين الناس ويستفيد بعضهم من بعض، كما أن الوضع الاقتصادي للمجتمعات أمر معتبر في الفتوى، ومراعاته كانت نقطة مضيئة في حركة الاجتهاد في الفقه الإسلامي، حتى ما يتعرض له أهل غزة له اعتبار في الفتوى.
وشدد المفتي على أن تغيُّر الحكم وَفْقًا للبيئات والأحوال والأزمنة والأمكنة أمر مُسلَّم به ومتفق عليه؛ لأنه يحقق مصالح الناس، وهو أمر موجود ومتعارف عليه منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبعد هجرته الشريفة إلى المدينة نزلت تشريعات جديدة لم تكن موجودة في العهد المكِّي لتُنظِّمَ حياةَ الناس وتضبط بعض المعاملات التي شابها الغرر والجهالة؛ لأن الشريعةَ قائمة على التيسير ورعاية مصالح الناس، فالمصلحةُ هي أساسٌ للفتوى نتيجةَ الظواهر التي حَدَثتْ؛ وهذا من سماحة الشريعة ورحابتها.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أنه في السنوات الأخيرة اتفق -بعد بحث ودراسة- على أنه لا حرمة في فوائد البنوك، وهذا الاجتهاد المنضبط قد درج عليه العلماء والفقهاء، مثلما اجتهد الفقهاء قديمًا في مسألة الضمان على الصنَّاع أصحاب الحِرَف، خلافًا لما كان يراه الصحابة والتابعون، فهذا اجتهاد تطلَّبه تغيُّر الحال وتبدل النيات، حيث إن تغيير الفتوى يكون نتيجة فهم جديد للواقع وليس تحولًا عن الشرع.
وأضاف: وإننا نتعامل مع النصوص بضوابط كثيره في الفهم، ولا بدَّ من توافر شروط لننزل بالنصوص على أرض الواقع، مثل توافر الشروط والأسباب وانتفاء الموانع، ويمكن أن يظهر في بعض الحالات عدم تطبيق النص، لكن الواقع أنه طبِّق تطبيقًا صحيحًا؛ ولذلك لما حلَّت المجاعة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كانت الناس في حاجة شديدة، وفي هذه الحالة لا يصح تطبيق عقوبة السرقة؛ لأنه إن وجدت الضرورة مثل ما حدث في عهد عمر بن الخطاب من مجاعات، وبحثنا عن توافر الشرط والأسباب وانتفاء الموانع، نجدها غير متوفرة، بينما يظن بعض الناس أن الفقيه أهمل النص.
كما أكد شوقي علام مفتي الجمهورية عن قيمة الدعاء وفضله لأهل غزة: أن للدعاء منزلةً عظيمة في الإسلام، وهو من أفضل العبادات؛ وذلك لِما فيه من التضرع والتذلل والافتقار إلى الله تعالى؛ لذا أوصانا الله تعالى بالحرص على الدعاء، وهو سلاح فعال إن شاء الله لنصرة أهل غزة، ولكن ينبغي للإنسان أن يوقن بإجابة الله عز وجل لدعوته لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن اللهَ لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ»، ومعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وأنتم موقنون بالإجابة»؛ أي: وأنتم على يقين بأن الله لا يردكم خائبين؛ لكرمه الواسع، وعلمه المحيط، وقدرته التامة، وذلك يتحقق بصدق رجاء الداعي وخلوص نيَّته.
واختتم ببيان حكم التبرع لأهل غزة، قائلًا: يجوز التبرع ونقل أموال الزكاة والصدقات لأهل غزة، ولكن عن طريق القنوات الرسمية والقانونية والمعتمدة.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج "للفتوى حكاية" مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية للواقع الشريعة الإسلامية مفتی الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
تغيير المسار المهني.. نقطة تحول فى حياة الإنسان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ذكرنا فى مقال سابق أن الأسباب التى تدفع المهنى إلى ترك عمله والانتقال إلى عمل آخر تتلخص فى وجود أسباب طاردة فى مجال العمل أو لأسباب جاذبة فى مجال العمل الآخر أو للسببين معًا.
وذكرنا أن هناك خمسة أسباب رئيسية وعدد غير محدود من الأسباب الفرعية. الأسباب الرئيسية هى تحقيق دخل أكبر (عامل جذب)، الضغط النفسى الشديد فى العمل (عامل طرد)، تحقيق توازن بين جودة العمل وجودة الحياة (جذب وطرد)، البحث عن تحدٍ جديد (جذب)، وفقدان الشغف فى العمل (طرد)، أو أسباب شخصية وصحية أخرى.. وفى هذا المقال نحاول فهم هذه الأسباب.
أولاً: تحقيق دخل أكبر فى عمل جديد، فقد جاء العامل المادى فى تحقيق دخل أكبر من عمل جديد كأهم سبب عند إجراء استفتاء بين الأشخاص الذين قاموا بتغيير مسارهم المهني. فى بلدان العالم النامية، حيث يقل الدخل وينتشر معدل الفقر وتقل برامج الحماية الاجتماعية وجودة التعليم والصحة، تكون معظم نفقات الأفراد من مالهم الخاص، ويكون الدافع المادى لزيادة الدخل هو الدافع الأقوى. وشخصياً، أعرف أطباء كُثر تركوا مهنة الطب إلى مهن أخرى تحقق دخلاً أكبر مثل الاستثمارين العقارى أو التجارى.
أما فى البلدان الغنية، فهناك مجالات عدة لريادة الأعمال التى تحقق دخلاً أعلى من دخل أى مهنة. زميل لنا بعد أن حصل على الماجستير فى الجراحة، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد عدة سنوات ترك الطب نهائياً واشتغل فى مجال الإمداد الطبي. سألته بعدما أصبح مليونيراً، هل تندم على ترك مهنة الطب، أجاب: لا. سألته ماهى الأسباب؟، قال الطب فى أمريكا مسئولية كبيرة وضعط نفسى رهيب وقضايا وتعويضات يرفعها المرضى ودخل جيد ولكن لا يجعلك غنياً، أما فى عملى الجديد فأنا رئيس مجلس إدارة شركتى للإمداد الطبي، وأحقق دخلاً يقدر بأضعاف راتبى كطبيب، والأهم هو عدم وجود أى ظغط نفسى أو تهديد من المحامين!.
ثانياً: الضغط النفسى الشديد فى العمل، لأن تَعرض الأشخاص لضغط شديد يدفعهم إلى تغيير مجال الدراسة أو العمل. قابلت مئات الطلاب وقد تركوا كلية الطب وذهبوا إلى كليات نظرية (الإعلام والتجارة والحقوق والآداب). أعرف طلاباً كانوا معنا فى طب المنصورة، وكانوا متفوقين، ولكنهم لم يستمروا فى دراسة الطب لعدم تحملهم الضغط النفسى الرهيب. ومنهم من أصبح وزيراً أو إعلامياً بارزاً أو رئيس تحرير جريدة أو مدير بنك. وأعرف كذلك من ترك مهنته، رغم نجاحه، بسبب ضغوط رؤساء العمل وتسلطهم وإهانتهم أمام الآخرين.
ثالثاً: تحقيق توازن بين جودة العمل وجودة الحياة، فجودة الحياة هى إحساس ذاتى بالسعادة والرضا بالحياة والبيئة المحيطة، وهى عامل مهم فى اتخاذ القرارات المصيرية مثل مجال العمل، ومكان السكن والعلاقات الاجتماعية. وهناك مؤشرات لقياس جودة الحياة مثل تحقيق الدخل الكافي، والرضا الوظيفي، والسكن اللائق، والتعليم الجيد، والتوازن المعقول بين الحياة والعمل، والوصول إلى الأنشطة الثقافية والترفيهية التى تسعد الشخص. ولذا قد تجد شخصاً ناجحاً فى عمله، ولكنه غير راضٍ عنه ويستبدله بعمل آخر وربما أقل منه دخلاً ولكنه يحقق له السعادة الشخصية.
رابعاً: البحث عن تحدٍ جديد، ذلك أن بعض الأشخاص يجدون سعادتهم فى اكتشاف الجديد (Challenge)، ولذا تجدهم ينتقلون من عمل إلى آخر كل فترة. معظم رجال الأعمال يجدون متعتهم فى المغامرة، ولذا نجدهم فى أعمال كثيرة لا رابط بينها، إلا لمجرد البحث عن الجديد.
خامساً: فقدان الشغف فى العمل، والشغف (Passion) هو شعور بالحماس الشديد أو رغبة لا تُقاوم تجاه شيء ما. عادةً ما يبدأ العمل بحماس شديد ثم يفتر الحماس مع مرور الوقت، إلى أن يتحول الحماس إلى ملل، والرغبة فى بدء عمل جديد.
وهناك أسباب أخرى قد تساعد على تغيير المسار المهني، مثل تلك المتعلقة بالبيئة المحيطة بالعمل، والأشخاص المرتبط وجودهم بالعمل، والظروف الصحية التى تحول دون الاستمرار فى العمل.
عموما، تغيير المسار المهنى قد يكون مفيداً للشخص والمجتمع، إذا تحول الشخص من فشل إلى نجاح، أو أدى تغيير المسار إلى راحة نفسية أو جودة أفضل للحياة.
وللحديث بقية عن دور التعليم فى تأهيل الخريجين لسوق العمل.
*رئيس جامعة حورس