هل تكثف «كشوفات البرهان» حالة الحجاب بين الشعب والانقلاب؟
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
بات في حكم الاعتيادي، ألا يمر أسبوع دون أن يصدر رئيس مجلس السيادة الانقلابي، قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، مراسيماً وفرمانات تقضي بذهاب مسؤولين في نظامه وإحلال آخرين محلهم، من دون تكليف نفسه بإعطاء أيِّة توضيحات للرأي العام.
الخرطوم: التغيير
ضمن جملة كبيرة من الإعفاءات والتعيينات في صفوف السلطة التنفيذية والخدمة المدنية وصولاً لقادة الجيش، لم يجرْ الاتفاق إلا على سيناريو إقالة إلا في حالة عضويِّ مجلس السيادة، الهادي إدريس والطاهر حجر.
ومع أن بيان مجلس السيادة الانقلابي، أمسك عن ذكر المسببات –كما هو حاله وديدنه- لم يثرْ الجدل المتوقع بين السودانيين، بشأن إقالة إدريس وحجر، حيث جرى الاتفاق على أن تحرك البرهان نابعة من موقف الرجلين المستعصم بالحياد والرافض للحرب.
ومنذ اندلاع الحرب المدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي، درج قادة الجيش على وصم رافضي الحرب بنعوت الخيانة وموالاة الطرف المتحصن بالخندق المقابل.
ومن جملة إقالات كثيرة في صفوف أعضاء الحكومة المكلفين، أطاح البرهان بوزراء: الداخلية والعدل والصناعة والشؤون الدينية، بجانب حكام ولايات: الجزيرة، كسلا، غرب كردفان، وسط دارفور، جنوب دارفور، والشمالية.
وفشل البرهان منذ انقلابه على الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين في 25 أكتوبر 2021 في تشكيل حكومة لقيادة البلاد، جراء حركة الاحتجاجات الواسعة والمستمرة، ونتيجة فشله في تسويق حلفاءه السياسيين كبديل لقوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة المعزولة).
وضمن أهم التغييرات، كانت الإطاحة بالرجل الثاني في هرم الانقلاب، ونعني قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) من منصبه في مجلس السيادة، اعتراضاً على ما يصفه البرهان بتمرده على الدولة، وتعيين مالك عقار بديلاً له.
وفي آخر كشف، أنهى البرهان تكليف وزير الداخلية الفريق شرطة خالد حسان محي الدين، وعين محله خليل أمرقيل.
ولم يمكث وزير الداخلية إلا أشهر معدودات، ليلحق بسلفه عنان حامد، الذي كان من أول ضحايا كشوفات البرهان بعد بدء المواجهات بين طرفي النزاع في السودان.
وفي ذات فرمان وزير الداخلية، أطاح البرهان بوزير العدل محمد سعيد الحلو، ووزيرة الصناعة بتول عباس، ووزير الشؤون الدينية عبد العاطي عباس، وتم إبدال المذكورين توالياً بـ: معاوية خير، ومحاسن يعقوب، وأسامة أحمد.
وكلف البرهان الطاهر إبراهيم بمهام والي الجزيرة خلفاً لإسماعيل العاقب، وموسى عبد الرحمن بمهام والي كسلا خلفاً لخوجلي حمد، وعابدين عوض الله بمهام والي الشمالية خلفاً للباقر أحمد علي، وعصام الدين هارون أحمد بمهام والي غرب كردفان خلفاً لمعتصم عبد السلام.
ويلحق المقالين بقائمة أولى أصدرها البرهان بعد أيام من اندلاع المواجهات المسلحة، وشملت وزير الداخلية، ومحافظ البنك المركزي، وسفراء بوزارة الخارجية، بجانب جنرالات في الجيش ضمنهم اللواء عثمان محمد حامد، وحسن محجوب الفاضل، وأبشر جبريل بلايل، والعميد الركن عمر حمدان حماد الذي يمثل قوات الدعم السريع في منبر مفاوضات جدة لنزع فتيل الأزمة السودانية.
أسرار الزهدنجد أن جُلّ السودانيين على غير دراية بوجود حكومة مكلفة من قبل سلطات الانقلاب لإدارة شؤونهم العامة، دعك من معرفة المقالين أو المكلفين الجدد بالمنصب.
يفسر المحلل السياسي، سعيد عبد الرحمن، سر نهوض برزخ بين السودانيين وحركة الإعفاءات والتعيينات الأخيرة، بأنه نابع من حالة الزهد التي تسربت إلى نفوس العامة جراء البون الشاسع بين السلطة وهموم الناس.
وقال سعيد لـ(التغيير) إن سلطة الانقلاب، وفي امتداد لحالة التخبط التي تعتريها حتى قبيل 15 أبريل، فشلت بعد نشوب الحرب في حماية المدنيين، أو إنهاء الصراع عسكرياً أو عبر التفاوض، كما بدا أنها غير مبالية بأحوال المواطنين المنكوين بنير الحرب.
وشردت الحرب ما يزيد عن 6 ملايين سوداني عن منازلهم، وأودت بحياة قرابة 10 آلاف مدني، وأصابت البنية التحتية بأضرار جسيمة.
السياسة حاضرةالإقالات والإعفاءات غير المتبوعة بتفسيرات، يمكن قراءتها في سياقات ثانية.
يقول الباحث السياسي، أبوعبيدة أيوب، لـ(التغيير) إن البرهان يهدف من تحركاته الأخيرة لتعلية الخيار العسكري، وهذا يتطلب إبعاد جميع رافضة الحرب أسوة بموقفه من عضويّ مجلس السيادة الهادي إدريس والطاهر حجر، وهو ما اعتبره الأخيران على أنه مخالفة صريحة لاتفاق السلام الموقع مع الجبهة الثورية في جوبا العام 2020.
وكانت حركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي، أعلنتا دخولهما المواجهة ضد الدعم السريع، بزعم حماية السودان من سيناريو التفكيك وحماية المدنيين من انتهاكات الدعم السريع، ولكن في المقابل تنهض تفاسير أخرى لتحركات وزير المالية وحاكم دارفور بأنها نتاج رضوخ لضغوط البرهان بالانخراط في الصراع كشرط ضامن لاستمرارها في المنصب.
وبشأن بقية المقالين، لا يستبعد أيوب أن تكون إقالتهم ناجمة من عدم إظهارهم للحماسة اللازمة للحرب، بما في ذلك الفشل في توفير إمدادات مالية لتسعير الحرب، أو السماح بتوغلات الدعم السريع.
ومن ثم وضع أيوب في آخر كنانة تفسيراته، سهاماً أقل، عن استجابة البرهان لحالة السخط العام التي أبداها الأهالي تجاه الحكومة، كما في حالة والي الجزيرة.
الخطر الأكبروإن لم تجد تحركات البرهان صدى في الشارع السوداني، فإنها ستجد هذا الأمر بداهةً لدى قوات الدعم السريع.
ويحذر المحلل السياسي سعيد عبد الرحمن من أن تقود تحركات البرهان إلى إقدام قوات الجنرال حميدتي إلى إعلان حكومة موازية تضع السودان على مقربة من سيناريو التقسيم الليبي.
وقال إن مما يزيد من خطورة هذا الأمر، هو أن بعض الأسماء التي جرى تعيينها موصومة بالانتماء لنظام الإسلاميين المباد.
ولعب عناصر المخلوع عمر البشير، دوراً محورياً في الحرب الجارية، سواء بخلق الأجواء المناسبة لانفجارها، وإطلاق الرصاصة الأولى فيها، وتعزيز ودعم خيار الحسم العسكري، وأخيراً بمحاولة قطع الطريق أمام كل مساعي إنهاء الأزمة بالطرق السلمية.
زيادة الحجبمنذ انقلابه على الحكم المدني قبل ثلاثة أعوام، والبرهان ساعٍ إلى تحصين سلطانه بالموالين، وهو أمر يتغير بمقتضي الأحوال، فللحكم العضوض رجالاته، وللحكومات العاملة بإمرة العسكر أحزابها، ولرافضي الإطاري أناسه، وكما أن لساعة الحسم أجنادها، فإن وقت التفاوض حين يجئ أوانه فسيلجأ البرهان إلى إصدار كشوفات جديدة.
ولكن الثابت في ظل كل هذه التغييرات، إن غمار الناس غير عابئين ولا عارفين بقادة السلطة، كون أزماتهم الماثلة عرض لما كسبت أيدي حكامهم الذين لا يمثلونهم، فيما يمثلهم الشاعر القائل: (حاكمنا في شنو.. وشان شنو.. حيكومة ما خابرالنا شي).
الوسومآثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريع عبد الفتاح البرهانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريع عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السریع وزیر الداخلیة مجلس السیادة بمهام والی
إقرأ أيضاً:
السودان.. مشاهد مروعة من زمزم بعد مداهمة قوات الدعم السريع
(CNN)-- أشعل مقاتلون من قوات الدعم السريع شبه العسكرية السودانية النار في مساحات شاسعة من مخيم زمزم، أكبر مخيم للاجئين في البلاد، وأطلقوا النار بشكل عشوائي على المدنيين، وفقًا لبيانات مفتوحة المصدر ورواية شاهد عيان.
وقُتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص وأصيب 40 آخرون في الهجمات التي بدأت، الثلاثاء، وفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود، التي تدير أحد مرافق الرعاية الصحية الأخيرة المتبقية في مخيم زمزم، الذي يستضيف ما يقرب من نصف مليون نازح يعانون من المجاعة، وقد تم إحراق ما يقرب من 50٪ من سوق زمزم المركزي في الهجمات، وفقًا لتقرير جديد صادر عن جامعة ييل .
وكانت منطقة زمزم، التي كانت في السابق ملجأ للمدنيين الفارين من العنف في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور والبلدات المجاورة، تتعرض لإطلاق النار منذ الأول من ديسمبر/ كانون الأول، وفقاً لمختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل الذي يراقب الصراع، ومنظمة أطباء بلا حدود، وتقول مجموعة الإغاثة الطبية إن القصف المدفعي العشوائي أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من السكان منذ ذلك الحين.
وتخوض قوات الدعم السريع ومنافستها، القوات المسلحة السودانية، حربًا أهلية وحشية منذ أبريل 2023، ومنذ ذلك الحين، تقوم قوات الدعم السريع بحملة للاستيلاء على الفاشر – آخر معقل متبقي للقوات المسلحة السودانية في المنطقة – على بعد 15 كيلومترًا شمال زمزم، ومع ذلك، فهذه هي المرة الأولى التي يبدو أن مقاتلي قوات الدعم السريع يدخلون المخيم.
وقامت CNN بمراجعة شهادات شهود العيان، والبيانات مفتوحة المصدر، وتحدثت مع المجموعات الإنسانية العاملة محليًا لتسليط الضوء على هجمات قوات الدعم السريع المتتالية على زمزم.