إعداد: طاهر هاني إعلان اقرأ المزيد

بينما تتجه أنظار العالم منذ أسابيع نحو منطقة الشرق الأوسط والحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، انتقلت المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني من العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى إلى إقليم دارفور الذي يعتبر منطقة استراتيجية بسبب احتوائها على مخزون هام من النفط.

نازحون سودانيون فروا من دارفور أثناء عبورهم الحدود بين السودان وتشاد في أدري، تشاد في 4 أغسطس/آب 2023. © رويترز.

الاشتباكات التي وقعت بين قوات الدعم السريع وعناصر من الجيش السوداني تنذر بأزمة إنسانية جديدة في هذا الإقليم الذي عرف نزاعا مسلحا من 2003 لغاية 2016 بين متمردين ضد نظام عمر البشير والجيش السوداني. ما أدى إلى نزوح ولجوء عشرات الآلاف إلى دول ومناطق مجاورة.

اقرأ أيضاما هي قوات الدعم السريع التي تخوض مواجهات مسلحة مع الجيش السوداني؟

ويعود السبب إلى تمدد قوات الدعم السريع في الإقليم الواقع غرب السودان وسيطرتها على غالبية المدن والبلدات القريبة من الفاشر، العاصمة السياسية والإدارية للإقليم.  

قوات الدعم السريع التي يتزعمها الفريق أول محمد حمدان دقلو المدعو "حميدتي" أصبحت تكثف جهودها للاستيلاء على الفاشر، التي أعلنت بعض الحركات المسلحة المتواجدة فيها مثل حركة "تحرير السودان" بأنها ستدافع عنها رفقة الجيش السوداني.

وسبق لقوات الدعم السريع أن سيطرت في منتصف الشهر الحالي على مدينة الضعين، معقل قبيلة الرزيقات التي ينحدر منها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" وغالبية قادة قواته ومقاتليه.

"عمليا الدعم السريع استولى على إقليم دارفور"

ومنذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استولت نفس الجماعة على مدينة نيالا في الجنوب وزالنجي في الوسط والجنينة في الغرب. ولم يتبق لغاية اليوم سوى مدينة الفاشر لكي يبسط حميدتي سيطرته كاملة على إقليم دارفور.

ويعتقد المحلل السياسي والأستاذ الجامعي السوداني طلحة جبريل، أن الفرصة فاتت لوقف تمدد قوات الدعم السريع، وأن سقوط إقليم دارفور في يد الدعم السريع مسألة وقت فقط.

لاجئة سودانية من إقليم دارفور فرت إلى منذقة كوفرون في تشاد. © رويترز

وقال لفرانس24 "قوات الدعم السريع فرضت سيطرة كاملة على عدة مدن رئيسية وهي نيالا والجنينية وارتكبت مذابح فيها وها هي الآن على وشك السيطرة على العاصمة الفاشر التي حاصرتها من جميع الجوانب".

وتابع "عمليا الدعم السريع استولى على إقليم دارفور ولم يعد هناك تواجد للجيش السوداني الذي تشتت"، متوقعا نزوحا أكبر لسكان الإقليم وإمكانية تعرض القبائل الأفريقية إلى تطهير عرقي من قبل قوات حميدتي التي تلقت الدعم من قبائل عربية، وفقه.

الاتحاد الأوروبي يندد بـ"الجرائم" المرتكبة في دارفور من قبل الدعم السريع

وأضاف "في حال سقوط دارفور، الحرب ستتحول إلى حرب أهلية شاملة، ذات طابع قبلي وستكون بداية لتفتت السودان مرة أخرى"، محذرا من ارتفاع حدة الأزمة الإنسانية التي يمر بها هذا البلد منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل الماضي.

والأمر الذي قد يزيد الطين بلة، هو إمكانية تدخل الحركات المسلحة غير العربية المتواجدة في دارفور على خط الصراع والمشاركة في العمليات العسكرية دفاعا عن المدنيين من أصول أفريقية.

أبرزها "حركة تحرير السودان" التي قال زعيمها وحاكم دارفور في نفس الوقت مني أركو مناوي في تصريح نقلته وسائل إعلام عربية بإنها "خرجت من الحياد الذي التزمت به وإنها ستدخل في الحرب لدحر قوات الدعم السريع من الإقليم وحماية المدنيين غير العرب".

وجدير بالذكر أن سقوط دارفور في يد قوات الدعم السريع سيؤجج الأزمة الإنسانية التي يعاني منها السودان منذ أكثر من ستة أشهر.

ويقول جيرمي لورانس من مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، "الاعتداءات ضد لاجئين سودانيين من أصول أفريقية في مدينة الجنينة بدأت منذ شهر على الأقل وخلفت العديد من القتلى والجرحى. ما جعل الاتحاد الأوروبي يندد بهذه "الجرائم" التي ترتكبها عناصر من الدعم السريع واصفا إياها "بالتطهير العرقي".

مفوضية شؤون اللاجئين تحذر من تكرار سيناريو الفظائع التي ارتكبت في 2003

من جهتها، عبرت "قوى الحرية والتغيير" عن قلقها إزاء تصاعد وتيرة المواجهات المسلحة في كافة أرجاء البلاد والجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في هذه الحرب، لا سيما "الجرائم الشنيعة التي وقعت بغرب دارفور إثر اقتحام قوات الدعم السريع للجنينة" وفق البيان الصحفي الذي نشرته من القاهرة.

لاجئون سودانيون فروا من العنف في إقليم دارفور بالسودان يجلسون بجوار مأواهم المؤقت بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد في كفرو ، تشاد 15 مايو 2023. © رويترز

كما نوهت لما سمته بـ "المؤشرات الواضحة التي تغذي الصراع في دارفور من خلال خطوات ملحوظة ومرصودة لتحويل الحرب إلى مواجهة أهلية شاملة بين المكونات السكانية للإقليم". فيما طالب جميع "المكونات الاجتماعية بالإقليم بعدم الانسياق لهذا المخطط الذي لن يورث الإقليم إلا مزيدا من الخراب والدمار وإطالة أمد الحرب وزيادة كلفتها"، داعيا في الوقت نفسه إلى "الاستفادة من تجربة الحرب التي عاشها الإقليم منذ العام 2003".

هذا، وحذرت مفوضية شؤون اللاجئين من تكرار سيناريو المجازر التي وقعت قبل 20 عاما. وكتب فيليبو غراندي، المفوض العام في مفوضية اللاجئين في تقرير نشر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني " قبل عشرين عاما، صدم العالم بالفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في دارفور. نخشى ظهور ديناميكية مشابهة في هذا الإقليم". وواصل:" المدنيون يغادرون الإقليم أفواجا. أكثر من 8000 لاجئ جدد وصلوا إلى تشاد المجاور خلال أسبوع فيما تم قتل حوالي 800 شخص من قبل جماعات مسلحة في بلدة "أردماتا" بغرب دارفور".

نشر قوات متعددة الجنسيات لوقف الاقتتال

من ناحيتها، قالت الأمم المتحدة إن "دارفور تحول إلى جهنم حقيقية لملايين الأطفال، فيما تم قتل أو جرح حوالي 800 آخرين بسبب انتمائهم العرقي". أما منظمة اليونيسف، فأكدت أن حوالي 4000 مدرسة تم إغلاقها بسبب العنف". واعتبر المحلل السياسي والأستاذ الجامعي السوداني طلحة جبريل أن عبد الفتاح البرهان هو "المسؤول الأول عن الوضع الذي آل إليه السودان ودارفور على حد سواء". "فبعدما تعرض الجيش السوداني إلى تصفية ممنهجة من قبل البشير، أقدم البرهان على تنحية كل الكفاءات العسكرية وطلب من حميدتي أن يعزز صفوف الميليشيات ويرفع من حجمها إلى 100 ألف مقاتل.

وبشأن الحلول الكفيلة بإنهاء الحرب في بلاد النيلين، أحصى المحلل حلين فقط: الأول نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (القبعات الزرق) لكن هذا الخيار سيواجه فيتو من روسيا حسب رأيه. أما الحل الثاني والذي تسوق له الولايات المتحدة، فهو يكمن في نشر قوات عسكرية متعددة الجنسيات، مثل ما حدث في كوسوفو في 1998 مع بناء جيش جديد ومرحلة انتقالية تتبعها انتخابات نزيهة. فهل يتوصل الفرقاء إلى حل ينهي الحرب واللجوء والنزوح؟

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل قمة المناخ 28 الحرب في أوكرانيا ريبورتاج السودان محمد حمدان دقلو حميدتي عبد الفتاح البرهان دارفور قوات الدعم السريع المجلس العسكري السوداني جنوب السودان للمزيد إسرائيل الحرب بين حماس وإسرائيل تجارة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني غزة الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا قوات الدعم السریع الجیش السودانی إقلیم دارفور دارفور فی فی دارفور من قبل

إقرأ أيضاً:

قوات الدعم السريع، من الذي أنشأ الوحش حقًا؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو اختراق استخباراتي مكتمل الأركان

في خضم التصريحات المتأخرة التي أدلى بها أحد قيادات المؤتمر الوطني لقناة الجزيرة محاولًا تحميل قوى الحرية والتغيير وزر تمكين قوات الدعم السريع يقف المراقب أمام مشهد عبثي تختلط فيه الحقائق بالمزايدات ويتحول فيه التاريخ إلى ساحة لتبادل التهم في حين أن السؤال الحقيقي يظل غائبًا عن الأذهان. من الذي أنشأ هذا الكيان أصلًا. ومن الذي سمح له بالنمو خارج مؤسسات الدولة حتى صار دولة موازية داخل الوطن.

الحقيقة التي لا يرغب كثيرون في مواجهتها هي أن الدعم السريع لم يكن صناعة وطنية محضة لا من قبل النظام السابق ولا من قبل القوى المدنية بل كان أداةً تم إعدادها بعناية فائقة في غرف المخابرات الإقليمية والدولية ووُظفت في لحظة فارقة من تاريخ السودان لخدمة أجندات تتجاوز حدود البلاد وسياقاتها الداخلية. لقد كان ظهوره المفاجئ وتضخمه السريع وتمتعه بحصانات فوق دستورية كلها إشارات واضحة على أن اللعبة أكبر من مجرد مليشيا محلية خرجت من رحم الصراع في دارفور.

النظام السابق يتحمل المسؤولية الأولى. لا لأنه أنشأ الدعم السريع بقراره السيادي. بل لأنه سمح بتكوين كيان مسلح خارج منظومة الجيش السوداني. منح قادته صلاحيات بلا سقف. وتعامل معهم كأداة لضرب الخصوم السياسيين وضبط الأمن الداخلي. ثم ما لبث أن تحول هذا الكيان إلى كابوس يفوق القدرة على السيطرة. وهو ما ظهر جليًا في المشاهد الأخيرة التي عصفت بالعاصمة ومدن السودان كافة.

وقد كان موقف الجيش السوداني واضحًا منذ البداية في رفضه لوجود قوات موازية خارجه. وقد صرّح حميدتي نفسه في مقابلته الشهيرة مع الصحفي الطاهر حسن التوم بأن قيادة الجيش كانت ضد التوسع في قوات الدعم السريع. وأنها حاولت تقييد نشاطه. إلا أن الرئيس السابق عمر البشير هو من تجاوز قرارات الجيش ومنح الدعم السريع شرعية غير مشروعة وفتح له أبواب التوسع والتغلغل في أجهزة الدولة والسيطرة على مواردها الحيوية و كان ذلك كما ذكرنا من قبل بسبب الصراعات السياسية داخل منظومة الحكم.. هذا الإقرار العلني من قائد المليشيا نفسه يكشف أن المشروع لم يكن مطلبًا من القوات المسلحة بل فُرض عليها من جهة عليا كانت رهينة لضغوط أكثر من حرصها على بنية الدولة الوطنية.

ولعل ما يثير الأسئلة العميقة هو أن حميدتي لم يأتِ بطلب من الجيش كما يزعم البعض. بل هو من عرض خدماته على المؤسسة العسكرية في توقيت دقيق خلال صراعات دارفور. مما يفتح الباب لتساؤل مشروع. من الذي أرسله أصلًا. ومن الذي هيأ له الأرضية ليتحول من قائد مليشيا محلية إلى شخصية ذات نفوذ يتجاوز حدود السودان. والإجابة التي تتضح مع تعاقب الأحداث هي أن نفس القوى الاستخباراتية الإقليمية والدولية التي أرسلته بادئ الأمر هي التي ظلت تدعمه سياسيًا وماليًا ولوجستيًا طوال السنوات الماضية. مما يؤكد أن الحكومة السودانية السابقة وقعت في فخٍ محكم صنعته جهات خارجية واستثمرت فيه باحتراف حتى استطاعت أن تغرس سكينًا في قلب الدولة.

أما الحديث عن مسؤولية الفريق أول عبد الفتاح البرهان في تمكين الدعم السريع فهو مجافٍ للواقع. فحين تولى البرهان القيادة كانت قوات الدعم السريع قد تحولت بالفعل إلى كيان مهيمن واسع الانتشار يملك المال والسلاح والعلاقات الدولية. وكانت أي محاولة مباشرة لتفكيكه ستعني الدخول في مواجهة شاملة مكلفة في وقت كان فيه السودان غارقًا في هشاشة سياسية واقتصادية غير مسبوقة. وقد حاول البرهان خلال تلك الفترة احتواء الموقف وتطويق النفوذ المتزايد لهذه القوات عبر دمجها تدريجيًا في القوات المسلحة. لكنه واجه مراوغة ممنهجة من قيادة الدعم السريع التي كانت تخطط لمشروعها الخاص بعيدًا عن سلطة الدولة وعقيدتها العسكرية.

أما قوى الحرية والتغيير فمسؤوليتها أخلاقية وليست تأسيسية. فهي لم تُنْشِئ الدعم السريع ولم تدفع به إلى الواجهة. لكنها تعاملت معه في مرحلة ما كقوة أمر واقع. وارتكبت خطأً استراتيجيًا في التحالف معه بطرق مختلفة..

من يتحدث اليوم عن تمكين الدعم السريع من قوى التغيير يتناسى أن هذا التمكين بدأ قبل التغيير بسنوات. وأن أولى مظاهره كانت في التعديلات الدستورية التي أُدخلت خصيصًا لشرعنة وجوده وتوسيع نفوذه داخل أجهزة الدولة. ثم في الصمت المريب عن نشاطه الاقتصادي والعسكري وتمويله المفتوح عبر شبكات إقليمية ودولية كانت ولا تزال ترى فيه حارسًا لمصالحها في السودان ومنطقة الساحل.

من هنا فإن تسطيح النقاش في هذه المرحلة الحاسمة وتحويله إلى معركة بين أنصار النظام السابق وخصومه أو بين مكونات قوى التغيير هو هروب من مواجهة الحقيقة العارية. وهي أن ما جرى كان اختراقًا استخباراتيًا مكتمل الأركان. وأننا جميعًا سلطة ومعارضة وقعنا في فخ لعبة أكبر من الجميع.

إن تحرير سردية الدعم السريع من قبضة التبرير والتسييس هو الخطوة الأولى نحو فهم جوهر الأزمة الراهنة ومآلاتها. فالمعركة اليوم ليست مع مجموعة متمردة فقط. بل مع مشروع طويل الأمد استثمر في الانقسام وتغذى على فشل النخب وتواطؤ بعضهم وصمت البعض الآخر.

إن كشف القوى الخفية التي صنعت هذا الوحش ورعته هو التحدي الحقيقي أمام كل من يدّعي الوطنية اليوم. فالمعركة لم تعد مع مليشيا طاغية فقط، بل مع مشروع استخباراتي دولي زرع في قلب السودان سرطانًا متشعبًا لا يمكن استئصاله بالإنكار أو التلاوم. استمرار الانشغال بلعبة الاتهامات وتوزيع المسؤوليات هو هروب من الحقيقة وتعطيل للمعركة المصيرية. المهم الآن هو التعرية الكاملة لهذا المشروع وفضح ارتباطاته الخارجية وقطع الحبل السري الذي يغذيه، هذا فقط ما يمكن أن يُصنّف عملًا وطنيًا نقيًا. أما ما دون ذلك، فإما تواطؤ معلن أو غفلة قاتلة.

habusin@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • «الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة أم كدادة .. عشرات الضحايا في الفاشر ومعسكر أبوشوك بشمال دارفور
  • الجيش السوداني يستعيد السيطرة على الهلبة بعد ساعات من اقتحامها بواسطة الدعم السريع
  • 12 قتيلا في قصف لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر  
  • العفو الدولية: العنف الجنسي على أيدي قوات الدعم السريع يحطّم حياة نساء كثيرات
  • البرهان: شعبنا بحاجة لوقف انتهاكات قوات الدعم السريع لا لمؤتمرات
  • ما أهمية معسكر طيبة الذي استعاده الجيش السوداني من الدعم السريع؟
  • محكمة العدل الدولية تنُظر في قضية تورط الإمارات في الحرب ودعمها الإبادة الجماعية في دارفور
  • الجيش السوداني يحكم سيطرته على منطقة مهمة في النيل الأزرق ويكبد الدعم السريع خسائر كبيرة
  • الجيش السوداني ينفذ عملية عسكرية ضخمة غرب ام درمان ويطوق قوات الدعم السريع
  • قوات الدعم السريع، من الذي أنشأ الوحش حقًا؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو اختراق استخباراتي مكتمل الأركان